الأحد، 2 يناير 2022

عمر الأشقر

 في حملة ضد الفساد اللغوي !


في التسعينيات من القرن الماضي ، انخرطت في حملة حماسية عامة ضد الفساد اللغوي في الوطن العربي ترأسها الأستاذ المرحوم  محمد أبو طالب ، أستاذ الآداب الإنجليزية في جامعة محمد الخامس .

هذه الحملة استهدفت كل الجهات المنتجة والمروجة للنصوص اللغوية العربية من إذاعات وقنوات وصحف داخل الوطن وخارجه .

وقد كان حماس الأستاذ محمد أبي طالب في هذه الحملة مشابها لحماس صلاح الدين الأيوبي في حملته ضد الجيوش الصليبية .

وهو حماس ناري نشأ من عشقه الكبير للغة العربية وآدابها مع العلم أنه متخصص في الآداب الإنجليزية من الجامعة الأميريكية .

جمع كثيرا من المخطوطات العربية في النحو والصرف والبلاغة والتاريخ والآداب ، وقرأ كثيرا من كتب هذه اللغة ، وحفظ منها نصوصا في غاية الروعة والنظم والإبداع .

كان همه تقويم الاعوجاجات اللغوية التي انتشرت في الوطن العربي بسبب الصحافة والإعلام والترجمات المحرفة والتقصير في التكوين اللغوي والنحوي والأدبي والبلاغي .

وفي هذا الصدد وجه عددا من المذكرات إلى مختلف الإذاعات الوطنية والعربية والدولية مصحوبة بفهارس الأخطاء المنتشرة والتصويبات المقترحة ، غير أن هذه المذكرات لم تلق اهتماما من المسؤولين ولا من العاملين في الإعلام العربي .

لقد أسمعت لو ناديت حيا

لكن لا حياة لمن تنادي .

وبناء على هذا الإهمال المقلق والتمادي في سحق اللغة العربية في معجمها ونحوها وصرفها وآدابها قرر المرحوم أبو طالب اللجوء إلى القضاء للنظر في دعوى الفساد المرتكب في حق لغة القرآن .

لكن ، حتى في جلسات المحاكم تداس اللغة العربية دوسا ، كما تداس في جلسات البرلمان ومجالس الحكومات ، فلم يجد المرحوم لمن يشكو ظلم لغة البيان في الكتابة والنطق والبيان .

كان هذا في تسعينيات القرن الماضي ، أما الآن لو بعث الأستاذ أبو طالب لرأى عجبا في ما آل إليه حال لغة القرآن في مجموع الوطن العربي .

فوضى عارمة تنم عن جهل لأبسط قواعد الرفع والنصب والجر ، والخلط بين العوامل والمعمولات ، والتمييز والحال والبدل ، والتخبط في العدد والعطف والإضاقة والإفراد والثتنية والجمع والإعراب والبناء ...

زيادة على الأسلوب المعتل في الحشو والتكرار وتدريج الفصيح مع حالات يفوح منها نتن الركاكة والترجمة الحرفية والتحريفية .

إن وضع اللغة العربية في كل الوطن العربي خطير ، يزداد سوءا وتدهورا يوما بعد يوم ، خصوصا بعد ظهور ما يسمى بأدوات التواصل الاجتماعي وارتماء الجهلة على ميادين الكتابة والثقافة والإعلام .

فأين الرقابة ، وأين الحماية ، وأين حماة اللغة من هجمات الجهال ؟؟؟

لا توجد في العالم أمة تستهين وتحتقر لغتها كأمتنا ، ولا يوجد شعب يجد المتعة في العبث بلغته التي تشكل هويته وتاريخه ووجوده إلا في الوطن العربي ...

الحس اللغوي عندنا مفقود ، وذوق النظم الصحيح والكلمة الفصيحة عندنا معدوم ، والعبث باللغة عندنا لا يلام ، فقل ما تريد كما تريد واكتب كيف تريد ولن تجد من يقومك !

رحم الله الأستاذ أبو طالب ، ورحم كل من ماتوا من الغيورين على لغة القرآن ، وأطال عمر الباقين منهم ومتعهم بالصبر على المقاومة والنضال ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق