‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال. إظهار كافة الرسائل

السبت، 2 نوفمبر 2019

محمد اديب السلاوي

تساؤلات الألفية الثالثة حول العلاقة بين التراث العربي والحداثة...



في الآونة الأخيرة من الزمن العربي، شهدت قضية التراث تحركا ملحوظا في فضاءات الثقافة العربية، إذ حفلت العديد من الملتقيات والمؤتمرات الثقافية والعلمية العربية، بدراسات وقراءات متباينة حولها، انصبت في أغلبها على أبعادها الفكرية / الاجتماعية / الإبداعية المختلفة، كما صدرت في نفس هذه الآونة العديد من البحوث والدراسات التي حاولت/ تحاول تحديد الموقف الإيديولوجي/ الثقافي من القضية التراثية، بغرض تأسيس رؤية جديدة، وحديثة للثقافة العربية، والخروج بهذه الثقافة من منعطفها الحالي، الذي أصبح محصلة لتراكمات سياسية وحضارية، سلبية مزمنة. 

ومن خلال التساؤلات الموضوعية التي طرحتها هذه البحوث والدراسات والقراءات في مجالات الآداب والفنون، حول علاقة التراث الماضي بالتراث الحاضر، وحول الجدل التاريخي/ الإيديولوجي القائم بينهما، يبدو أن الإشكالية التراثية قد امتدت على رقعة واسعة من الفكر العربي، وخرجت من دائرة   « البحث المجرد»، لتأخذ مدلولها الفكري الواسع، والشامل، ولتلتقي مع كل الأشكال التعبيرية المختلفة، ومع كل المناحي العلمية العربية المعاصرة بمسارها الزمني/ الحضاري/ في العالم الحديث. 

ما هي إذن التساؤلات التي يطرحها زمن الألفية الثالثة على التراث العربي، في علاقته بالفنون والآداب الحديثة والمعاصرة؟
وهل نحن حقا في حاجة إلى فكر تراثي..؟ أم أن الحداثة الثقافية تجبرنا على التخلي عنه؟

****

قبل الإجابة على مثل هذه الأسئلة، نرى ضرورة العودة إلى جذور الإشكالية التراثية للاطلاع على بعض الحقائق التاريخية، ذات الارتباط بهذا الموضوع. 

1 - إن الوطن العربي تعرض لعدة حملات عسكرية / صليبية واستعمارية، استهدفت جميعها مقوماته الحضارية، وهو ما أدى إلى إسقاط الأندلس، وتقليص النفوذ العربي في شبه الجزيرة الإيبرية، ووضع حدا جبريا الحضاري العربي في إفريقيا وأوروبا. 

2 - إن الحملات العسكرية الاستعمارية الأوروبية/ استطاعت أن تفرض تبعية العالم العربي  الثقافية والاقتصادية والسياسية لأوروبا بعدما سلبت ما تبقى من ثروات اقتصادية هائلة وهامة لهذا العالم.

3 - وإن الوطن العربي، رغم الهزات العنيفة المتكافئة، التي تسلطت عليه، قد أثبتت أنه مدرك كل الإدراك وواع كل الوعي لدوره الحضاري، في ركب الحضارة الإنسانية، ففي أعماق ذات الأمة العربية، إدراك عميق لخطوات ماضيها على درب الزمن، ووعي لسر قواها وسر بقائها، وسر تحديها لمسلسل التآمر، والتحالف ضدها، منذ أن ظهرت على أرضها رسالة الإسلام إلى اليوم. 

انطلاقا من هذه الحقائق، جاءت دعوة العديد من المثقفين بالعودة إلى التراث، حيث أكد العديد منهم أنه من المستحيل وعي الحاضر/ عصر التكنولوجيا/ وعصر الفضاء/ دون معرفة ذلك التراث الضخم الذي تركته لنا الأجيال السابقة، والذي كان أحد أطراف الصراع بين الأمة العربية وخصومها، بل من المستحيل على هذه الأمة رؤية المستقبل إذا ما أسقطت ذلك الماضي من حسابها. 

إن لواء التراث الذي تعنيه هذه الدعوة، هو كل ما يتعلق بالثقافة من آداب وفنون مدونة وشفاهية، ومن إنشاءات حضارية وعلوم، واختراعات تركتها لنا الحضارة العربية الإسلامية منذ بزوغها الأول. 

ولأن الشخصية الثقافية / الحضارية للوطن العربي، كانت دائما مشتركة في ملامحها وفي تكوينها القومي، وهذا يرجع إلى اشتراك هذا الوطن في الدين، واللغة، والتقاليد، والعادات، والأعراف الاجتماعية، فإن آثار هذا الوطن ظلت واضحة وبينة في تراثه الماضي... كما في تراثه الحاضر، وأن ثقافته التي تستمد طموحاتها من تراث الماضي هي التعبير الحقيقي عن معتقداته، وعن نماذجه الحضارية، وعن مجتمعه. فالثقافة هي مجموع التقديرات، وهي حصيلة التوترات الداخلية للمجتمع، لذلك يرى أصحاب هذه الدعوة استحالة عزل الثقافة العربية عن تراثها... أو عزل هذا التراث عن مجتمعه وثقافته وقيمه الحضارية.

**** 

لابد من الإقرار هنا، بأن التساؤلات المطروحة حول التراث العربي، وارتباطاته الثقافية/ الفنية/ العلمية والحضارية، والاجتماعية، قد اتخذت مستويات عدة، هناك تساؤلات مؤرخي الفكر العربي/ تساؤلات المثقفين العرب الذين يريدون خوض معركتهم الحضارية انطلاقا من التراث الماضي/ تساؤلات الذين يريدون خوض هذه المعركة انطلاقا من تراث المستقبل/ وهناك تساؤلات الفنانين المبدعين/ وتساؤلات المتتبعين المهتمين، وهي في صياغاتها المختلفة والمتباينة، تبحث عن الصورة الراهنة للشخصية العربية، وتعكس مواقف الثقافة العربية الراهنة من ذاتها وصراعاتها وتوجهاتها، وتؤكد في نفس الآن أن القضية التراثية، قضية غير منتهية، تحمل معها كل القضايا الأخرى المتصلة بالإنتاج العربي المعاصر، وبالصناعة الثقافية العربية الحديثة، وبقضايا الأصالة والمعاصرة / قضايا البحث عن الهوية القومية / وقضايا الوعي العربي بذاته وأزماته وتحملاته. 

ولأن هذه التساؤلات مرتبطة ومتداخلة ومتشابكة بالحاضر العربي وإشكالياته وأزماته وصراعاته، وتكتسب أهميتها ودلالاتها من تداخلاته، وصراعاته، أتت في مجموعها تستلهم الجوانب المشرقة من التراث العربي، مع التركيز على الجوانب التي من شأنها أن تدفع بعجلة التغيير إلى الأمام خطوات أكثر صلابة، أكثر إيجابية، ولبناء نمط فكري مستقل، يؤثر ولا يتأثر، لا تشوبه تبعية، ولا تنال منه ريح الغزو الغربي، التي أرادت بشتى الطرق والإمكانات العصف بمقدرات العقل العربي خلال العقود الأخيرة من الزمن «الحضاري الغربي». 

****

لنحاول هنا تلخيص الآراء الأكثر تطرفا، المطروحة على موضوع التراث. 

•    يقول الرأي الأول: إن خلق ثقافة منا وإلينا، هو في الواقع خلق فلكلور جديد، لا أقل ولا أكثر، وإن موقفنا اليوم يتلخص في رفض تراثين، تراث الثقافة المسيطرة على عالمنا الحاضر التي تدعي العالمية وتفرض نفسها علينا إلى حد الالتزام والضغط، ولا تفتح لنا بابا سوى باب التقليد والانحراف، وتراث ثقافة الماضي الذي اخترناه تعبيرا لنا عن عهودنا السابقة، لكنه لم يعد يعبر لا عن حاضرنا، ولا عن مستقبلنا (1).

•    ويقول الرأي الثاني: إن التاريخ القومي الذي يمثل لنا الماضي الوطني، يكون أحد أبعاد الأصالة في ثقافتنا القومية، فهو من جهة يشكل لنا نظرة واقعية، يمثل الصورة التي كنا عليها بالأمس، والتي عنها تولدت صورتنا اليوم، وهو من الوجهة العاطفية يكون أحد العوامل التي تربطنا بالجذور/ الأرض/ الإنسية/ القومية، وتجعلنا نكن لها الحب والتقدير، وتخلق في نفوسنا نوعا من الاعتزاز بهذه الأصول العريقة التي تغوص بنا في عمق التاريخ الإنساني(2).

في نطاق هذا التلخيص الموجز، نجد أن الدعوة إلى رفض الاستناد إلى التراث في خلق ثقافة عربية جديدة، تستند إلى عدة تبريرات منها:

•إن التراث الماضي لا يمثل ولا يحدد معالم شخصيتنا الحضارية/ الثقافية والاجتماعية والعلمية.
•إن التراث بأكمله، وبما يختزنه من معطيات حضارية وعلمية وأدبية وثقافية، لا يضمن لنا الأصالة التي ننشدها، لأننا إذا افتقدنا في الحاضر الأصالة والشخصية، فلأننا نعيش وراء أحداث الماضي البعيد، المليء بالانتكاسات والكبوات السلبية. 
•من الوجهة الموضوعية، إن هذا التراث، ابتعد عن تطلعات ونضالات وأهداف الشعب العربي في توجهاته، وأفكاره، وتقاليده الجديدة، ومن ثمة أضحى لا يشكل الصورة النهائية لثقافته... ولمطامحه الحضارية. 

****

طبعا مناقشة هذا الموضوع لم تنته بعد، والقضية بثقلها وأبعادها الخطيرة ما زالت مطروحة بشكل جدي وموضوعي على ساحة العقل العربي، في المشرق والمغرب.     

إن التساؤلات التي أطلقها بعض المثقفين العرب أمثال الطيب تزيني، محمد عابد الجابري، عبد الله العروي، محمد عزيز الحبابي، محمد زنيبر، عبد العزيز عبد الله، محمد أركون، علي أومليل، وغيرهم ممن اهتموا بإشكالية التراث، إذ تحاول النظر إلى المستقبل العربي عبر التصورات الثقافية العربية / النظرية والتطبيقية، فإنها تؤكد أن إشكالية التراث لابد لها من المزيد من المناقشة والبحث. فالثقافة لا يمكن أن توجد من العدم؛ وصلة الثقافة الوطنية بالماضي، هي صلة الجسد بالروح، لذلك يجب التأمل المتأني... والابتعاد في هذه القضية عن الحماس والاندفاع، والأحكام الجاهزة، لنجد الحل العلمي والمنطقي الصحيح، الذي يلائم الواقع الحضاري، والاجتماعي، والسياسي للوطن العربي، ولثقافته الحديثة في الزمن الراهن.     

في مراجعة سريعة لهذه التساؤلات، أرى شخصيا أن الموقف من التراث يجب أن يكون موقفا نقديا، موقفا يحتضن الجوانب المشرقة فيه، ويرفض المواقف التي لا تمثل واقعنا في ماضيه وحاضره، وذلك من أجل الإسهام بوعي، في بناء ثقافة عربية، نابعة من نضال شعبنا العربي من أجل الرفاهية والتقدم والسلام، لأجيالنا الصاعدة. 

******

هوامش

(1) راجع الإيديولوجية العربية المعاصرة لعبد الله العروي، والتراث والثورة للطيب تزيني.

(2) راجع مفهوم الأصالة في ثقافتنا العربية، د محمد زنيبر، ونقد العقل العربي، ومدخل لفلسفة ابن خلدون، للدكتور محمد العابد الجابري، والشخصانية الإسلامية، ومن المنفتح إلى المتعلق للدكتور محمد عزيز الحبابي، ونظرة إلى التراث للدكتور محمد أركون.

محمد اديب السلاوي 

الثلاثاء، 27 أغسطس 2019

بقلظ ذ الناقد والكاتب محمد ادؤب السلاوي

سؤال الثقافة والتنمية
           

عن دار مرسم بالرباط،يصدر قريبا للكاتب والناقد ذ. محمد اديب السلاوي كتابه الجديد: " سؤال الثقافة والتنمية" 
كتب فاتحته الكاتب والباحث الدكتور عبد الرحمان بن زيدان
وكتب مقدمته الكاتب والشاعر الاستاذ محمد السعيدي.

الكتاب قرادة متانية في العلاقة الجدلية بين الثقافة والتنمية في زمن الالفية التالتة، وشروطها الموضوعية.تدعو محاوره الى انجاز استراتيجية  ثقافية، تعتمد البرمجة والتخطيط، وتؤسس لرؤية تنموية مغربية وتنويرية. 

في تقديم ذ. السعيدي جاء هذا التقييم :
"سؤال الثقافة والتنمية" اكاديمي المبنى، منهجي المقاربة، متعمق التحاليل، متكامل الدراسات بما يشمل عليه من مراجع علميةومصادر معتمدة، وبمايتالف به من احصائيات موتقة، وبما يعانق من تعاريف لغوية وفلسفية عربية وغربية ،وبما يزخر به من تقارير هيئات اممية متحدة او يونسكية، وبما يستنتج من بحوت مؤسسة الفكر العربي للعلوم و التكنولوجية، وبما توصلت اليه بعض وسائل الاعلام الغربية من محصلات مدهشة، توسل عبرها المفكر محمد أديب السلاوي ،غاية الفكر لتكتمل اطروحته اكتمالا علميا، يجد خلالها الباحثون والدارسون ما يؤتتون به رسائلهم
 واطاريحهم ،كما تلقى فيها المؤسسات البنكية ودور النشر ووزارات الثقافة والاعلام والتعليم والتخطيط ما يوفر لها  الجهد ويغني المدارك وينشر لها سبل الاصلاح لتدارك ما فات ،والنخراط في تسوية ما هو ات.

وليس من شك في ان محاور هذا الكتاب،تتخد لها منطلقا فلسفيا  عقلانيا يعتمد الثقافة  اساسا لكل العلوم والفنون مصدرا تشع منه كل المعارف  المتمتلة في الكتابة والقراءةوالسياسة والتنمية والصحافة والصناعة الثقافية. وما يحيط بها من اشكاليات،وما يتفرع عنها من ملابسات وما يتناسل عنها من اسئلة

كتاب جدير بالقراءة.

الخميس، 17 يناير 2019

بقلم الكاتب يحيى محمد سمونة



في أصول الحوار 

/ 26 /

لقد غدونا على إثر بعض الكلمات الهزيلة المستنبتة في ربوع ثقافتنا نعاير و ننشئ علاقاتنا على نحو خاطئ، ففي الوقت الذي كان فيه يهود يقولون لنبيهم ( فاذهب أنت و ربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) [المائدة24] كان صحابة نبينا الأكرم صلوات الله و سلامه عليه يقولون ( سمعنا و أطعنا ) ( و اذكروا نعمة الله عليكم و ميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا و أطعنا ) [المائدة7]
إن الأخذ و العمل بمقتضى الكلمات الممروضة التي تم بثها في أرجاء ثقافتنا أدت إلى ضياع أمتنا، و بتنا جلوسا على موائد لئام نستجدي عطاءهم المسرطن !!
أيها السادة و السيدات:
لم تعد أمتنا تفقه أصول الحوار الحضاري! [ أقصد بالحوار الحضاري ذاك التدافع بين أفراد المجتمع الواحد طلبا لحضارة و رقي ] ذلك أن حواجز و متاريس كثيرة أنشئت للحيلولة دون ثقافتنا الأصيلة ذات الحوافز غير المحدودة للعطاء - لقد تم تغريب أمتنا عن ثقافتها الوارفة - 
إن كلمة "ديكتاتورية" التي تم استنباتها في أرضنا أثمرت حنظلا، و إليكم الدليل:
1 - في أصل ثقافتنا تعد العلاقة السوية بين الآباء و الأبناء - على سبيل المثال - القائمة على احترام متبادل بينهما وفق رؤية تربوية بعيدة المدى وصولا إلى مجتمع قوي و متماسك، تعد تلك العلاقة من أسباب عظمة هذه الأمة 
لكن كلمة "ديكتاتورية" التي دخلت خلسة بيتنا الثقافي استعاضت تلك العلاقة السوية - أي علاقة السمع و الطاعة، و الاحترام المتبادل بين آباء و أبناء، بين زوج و زوجه، بين حاكم و محكوم، بين رئيس و مرؤوس - بعلاقة تقوم على تناحر و صراع، بل قد أشعلت - الديكتاتورية - روح التمرد و المواجهة بين جميع الأطراف بدعوى وجود تسلط و قهر و هيمنة !! [ قلت: للأسف، بسبب هذه الكلمة " الديكتاتورية " لم يعد ثمة إلفة و تراحم و تواصل بين أفراد المجتمع الواحد، بل هو الغيظ و الكيد و النفور ] 
إنه يتوجب على الطليعة المثقفة ألا تكرس في مجتمعاتها لهذا المصطلح الخائب، و ذلك على سبيل الوصول إلى حوار حضاري راق و بناء.

- و كتب: يحيى محمد سمونة -