‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل

السبت، 12 فبراير 2022

محمد دمو

 محاكمة ذاتية!

(قصة قصيرة جداً)


اليوم سنحضر جميعا، محاكمة من نوع خاص..

محاكمة ذاتية تختلف عن باقي المحاكمات التي اعتدناها في حياتنا..

فلتبدأ إذن هذه الأخيرة، وبها تبدأ قصتي..

قال المساعد بالقاعة بصوت عالي: 

محكمة..

فوقف الحضور كلهم، إحتراما للعدالة.

وبعد تناول(الرئيس: أنا) ملف القضية.. 

قال: 

فتحت الجلسة، الملف كذا.. وكذا..

والمتعلق:

ب(المشتكي أنا الآخر)، الساكن بعنوان كذا.. وكذا..

وب(المشتكى به أنا الآخر) الساكن بنفس العنوان.

وقال أيضا:

لتتقدم هيئة دفاع الأول، وهيئة دفاع الثاني..

قدم كل من الهيئات ملفاتهم إلى رئيس هذه المحكمة..

وبعد قراءة النص المترافع عنه..

قال الرئيس:

يشتكي المسمى كذا..يقصدني هنا (المدعي)، أن المشتكى به في أنا الآخر(المدعى به)، قد ألحق بالأول مجموعة من الأضرار، دون أن يراعي حسن الجوار..

بحيث أقدم على فعل بعض الأشياء، يوم كذا.. وكذا..لا تقبلها شريعتنا السمحاء ولا ثقافتنا العريقة، أشياء خارجة عن القانون الداخلي لهذا الكيان المشترك!

ثم بعد ذلك أمر الرئيس، هيئة دفاع الثاني بالترافع..

وقف الدفاع من أجل المرافعة ثم قال:

إليك سيدي الرئيس، بعد الإستئذان طبعا.

إن موكلي كان يومها غاضبا، يائسا من محنة الحياة وصعوبة التحمل، فقام بالشيء المذكور، دون نية مبيتة من جراء ذلك، لقد فعل المنسوب إليه من أجل التنفيس عن حاله، لا أقل ولا أكثر..

ثم قال أيضا:

واطلب، من محكمتكم الذاتية الموقرة، براءة موكلي..

وأضاف:

ولمحكمتكم الموقرة واسع النظر.

وبعد سماع دفاع الثاني، أمر الرئيس، هيئة دفاع الأول بالمرافعة.

 وقف هو الآخر من أجل المرافعة ثم قال:

إليك سيدي الرئيس أترافع، بعد السماح لي طبعا..

إن الماثل أمامكم، قد قام بأعماله المشينة، والتي لا تليق بصفته ينتمي إلينا، ومواطنا في هذا الكيان المشترك. طغت عنه أنانيته، فجعلته يتعدى الخطوط الحمراء. والتي يعاقب عليها القانون الذاتي..

رقم كذا..وكذا.. والذي يقول: كل من اعتدى على..الخ.

وقال أيضا: 

وأطلب من محكمتكم الموقرة، ردع كل من سولت له نفسه أن يجرم بمثل ما قام به هذا الماثل أمامكم، بأقصى العقوبات.

وأضاف بدوره هو الآخر:

ولمحكمتكم الذاتية الموقرة، واسع النظر.

وبعد الاستشارة قام الرئيس.

فقال المساعد بالقاعة ثانية: 

محكمة..

خرج الرئيس من أجل المداولة..

وما هي إلا بضعة دقائق حتى دخل ثانية للقاعة.

فقال مساعد القاعة، بنفس الطريقة: 

محكمة..

جلس الرئيس ثانية، وفتح ملف القضية من أجل نطق الحكم.

ثم قال: 

بعد دراسة الملف عدد كذا.. وكذا، والإلمام بحيثيات القضية، وبعد المداولة، نحكم على المشتكى به بتقديم اعتذار كتابي، للرفع من معنويات المشتكي..

وأردف قائلا:

رفعت الجلسة..



-بقلم: محمد دومو

-مراكش/ المغرب

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2020

حينما تغرد العصافير. . بقلم ابراهيم عبد الكريم

قصة واقعية 
(جرت أحداثها في السبعينات من القرن الماضي.)

من عادة السيدة فاطمة  الجلوس وسط المنزل على حصيرة،  تحت ظل  شجرة  التين العملاقة التي غرسها زوجها في حياته. لحظة   تستنجد فيها بظل الشجرة للوقاية من حرارة الشمس الساطعة في منتصف النهار وهي  محاطة بأحفادها لتحكي لهم   قصة  من القصص التي تمليها عليها ذاكرتها والتي تمكن  خيال الأطفال  من السفر بين مغامرات قيس وليلى  وشهامة  ذويزن  وغيرها من الحكايات التي تزخر بها ذاكرة  الكبار. هذه المرة  كانت الحكاية بطلتها  هي وعائلتها. بدأت القصة  بعبارة، كان يامكان في عهد سيدنا السلطان رجل  من ٲطيب الرجال،  يحمل ٲحلى وٲجمل الٲسماء، اسمه حميد،  متزوج من ٲجمل النساء، امرٲة  اسمها فاطمة.. 
في يوم من الأيام  وبعد تدبير شؤونها المنزلية  في الصباح الباكر. جلست تنتظر زوجها طوال النهار لكنه لم  يعد. خرج بعد صلاة الفجر،  كعادته، ليشتري بعض الطيور من   دجاج  وديكة  وكذلك  بعض الأرانب   لبيعها في السوق  الٲسبوعي   من يوم  الثلاثاء.  غيابه كان   لا يتجاوز  أربعة  أو  خمسة ساعات،  قبل ٲن يعود إلى بيته لمداعبة ابنه الأصغر. الفتى  الوحيد من ٲبنائه الخمسة. كان جد فرح  بابنه. يتفاخر به بين الناس، لكونه ذكر يضمن   استمرار اسمه العائلي. كان يردد باستمرار" هو خليفتي في هذه الدنيا" .  عادة  استعملت من طرف الرجال للتفاخر بابنائهم الذكور.
لكن  هذه المرة خرج حميد، زوج فاطمة،   ولم يعد الى بيته.  طال غيابه،  لم يظهر له أثر طوال النهار. غياب  ٲربك فاطمة. "نطلب من ربي    ٲيسمعنا   ٲسماع  الخير"، هذا ما رددته  وهي تحاور ابنتها البكر.  بدٲت علامة الحيرة تسيطر على وجهها. حاولت التملك في تفكيرها والحد من الافتراضات اليائسة  إلا أنها فشلت في إخفاء قلقها على غياب زوجها.
 حوالي الساعة الرابعة من بعد منتصف النهار، حضر شرطيان أمام باب المنزل. بمجرد رؤيتهم بهتت ملامح وجهها، اصفر لونها.  لم يسبق لها الحديث إلى الشرطة.  كانت تخاف منها من مجرد مصادفتها  في الشارع.   ظهور الشرطة في البلدة  كان علامة على  مصيبة  أو  مشاجرة دامية. أما هذه المرة، فالحدث شيء آخر، الشرطة بمنزل حميد. "الله يستر يارب" الكلمات التي نطقت بها فاطمة قبل أن  يخبروها  بوفاة زوجها. حسب  رواية  الشرطة،  لقد تعرض  حميد الى حادثة سير  سببها  انسان متهور مخمر. في الٲخير  طلبوا منها الالتحاق  بالمستشفى البلدي للتٲكد من هويته.  السيد  حميد،  الانسان البسيط،  الطيب، المحبوب،الذي يشقى يومه ليوفر لقمة عيش لأبنائه. تعود على شراء بعض الطيور والٲرانب من العشائر والبلدات القريبة لبيعها  في السوق الأسبوع.
صرخت  فاطمة عند سماعها  الخبر.  هرع   الجيران  الى المنزل لمواساتها والتخفيف عنها من ألم المصيبة التي ألمت بها وعائلتها. الكل يبكي فقدان السيد حميد، الكل يذكر خصاله. بكى الكل لبكاء   الأطفال في  فقدان  ٲبيهم. 
 أصبحت  فاطمة  ٲرملة،  مسؤولة عن  عائلة  مكونة من خمسة أفراد. أربعة بنات  وولد صغير مازال  يتابع دراسته بالابتدائي.  كان محطة عناية فريدة من طرف  أفراد  عائلته .  بعد الانتهاء من  مراسم الدفن وتقبل التعازي،  بدأت فاطمة  تفكر في العمل خارج المنزل  لتدبير  شؤونها  وحياة أبنائها.  لا بد من مورد مالي  لمستلزمات البيت  والعيش للٲبناء.  لحسن الحظ  بالمدينة  مصانع للتعليب الحوامض.  لم تجد  فاطمة صعوبة في الحصول على عمل.  لكنه عمل شاق ولا يتجاوز أربعة أشهر في السنة.  كانت مجبرة على العمل بالليل وما يحيط ذلك من مخاطر.    لكن لا  بد من توفير القوت اليومي للعائلة.  لابد من الصبر وتحمل الصعاب. استمرت في عملها دون  توقف، دون  أن تظهر تعبها أو  تشتكي لٲحد لاسيما لابنائها، لا تريد ان تشعرهم  بالخوف الذي بداخلها، لا تريد أن تشعرهم بالٲرتباك الذي  يصيبها كلما خرجت للعمل خاصة في الليل. فاطمة التي عاشت في كنف زوجها معززة مكرمة ٲصبحت اليوم  تبحث بمشقة عن عيش ابنائها.كان السيد حميد، رحمه الله، يحبها ويعاملها معاملة الزوج الصادق الٲمين لزوجته الوفية الصبورة رغم صعوبة المعيشة.  لايبخل عنها بهدايا في كل مناسبة  كالأعياد وغيرها. للٲسف مدة عمل  المصانع  لا تتعدى أربعة أشهر في السنة. باقي السنة التجٲت  للعمل في حقول الخضر والفواكه.  عانت  فاطمة بين العمل خارج المنزل وداخله، من تربية الأبناء  ومراقبة  دراستهم  من جهة ومن جهة ثانية  توفير لقمة العيش للعائلة.  ٲمام صعوبة  الحياة  اليومية، طلبت من بناتها  ترك الدراسة والخروج للعمل لتقاسم  المسؤولية معها.  عجزت عن  سد حاجيات  العائلة بأكملها، لاسيما وأن العمل التي تحصل عليه  غير رسمي،  وغير كاف للعيش  وتسديد اجرة الكراء.  كانت تخرج في الصباح الباكر، بعد  صلاة الفجر زهاء  الساعة  الرابعة  والنصف للتوجه إلى المكان المسمى" الموقف"، المكان الذي يجتمع فيه العمال من رجال ونساء، شباب وشابات،  في انتظار أصحاب الضيعات الفلاحية  وغيرها من الأعمال الشاقة سواء ليوم أو ٲكثر. اختيار العمال يخضع لمعايير القوة  الجسدية، الجسمانية.  أما النساء فحالهم شيء آخر، خاصة  التحرش الجنسي الذي  يؤدي في الغالب إلى  الاغتصاب  من طرف  وحوش لا يراعون، لافقر العائلات ولا مبادئ دينهم الحنيف، ناهيك عن  غياب حقوق الإنسان التي لاتحترم  ولا تراعى من طرف ٲرباب العمل،  أما الأطفال فحدث  ولاحرج، يستغلون  دون مراعاة حقوقهم.
   غالبا ما كانت  فاطمة تحصل    على عملها   اليومي،  لكن في بعض الأحيان.  ترجع إلى منزلها خاوية الوفاض، دون اجرة.   أصبحت  المعيشة صعبة، توفير العيش للأبناء  وتربيتهم لوحدها صعب المنال،  المعاناة اليومية كثرت واشتدت  قسوتها. ٲقترح عليها  مرارا  الزواج، إلا أنها رفضت، مفضلة الاهتمام بأبنائها، على الرغم من  الوحدانية، استمرت على هذا الحال لسنين عديدة..
في يوم من الأيام أخبرها أحد أقاربها  بحقها  في تقديم شكاية لتعويضها عن فقدان زوجها في الحادثة التي كانت السبب في وفاته،  في البداية لم تصدق الفكرة،  لم توليها  ٲي اهتمام، لكن    بعد ما  اشتدت   معاناتها اليومية  وافقت على المقترح.  ليس لديها ما تفقده.  لماذا لا تجرب حظها؟ أخذت الفكرة  بجدية  و  بحثت عن محامي ليمثلها في قضيتها.  كان لابد ٲن تسافر الى مدينة تبعد عن بيتها  بكيلومترات عدة.  قامت  بالإجراءات اللازمة  في تفويض تمثيلها  أمام المحكمة  في شكايتها للحصول على تعويض لوفاة زوجها . الزوج الطيب الحنون. مرت سنين على رفع  القضية أمام المحكمة.  إلا أنها   لم تجد اذن صاغية، كلما  ذهبت لاستشارة المحامي إلا و ٲكثر الوعود دون أي نتيجة. لم تيأس، بل ثابرت إلا أن تبين لها أن المحامي يتلاعب بقضيتها وٲن الحكم  صدر، أما التعويضات فقد ضاعت منها وان المحامي استحوذ على كل شيء،  لا يريد منحها حقها من المال. مضت سنين  إلى أن حل وقت   الانتخابات  البرلمانية، ولحسن الحظ أن المحامي تقدم كمرشح في المدينة التي تسكنها فاطمة. انتهزت الفرصة للاتصال به مع تهديده بفضح أساليبه لدى الساكنة إن لم ينصفها ويسدد  حقها من المال الذي حكمت به لها المحكمة. بهذه الطريقة استطاعت فاطمة الحصول على نصيبها من مستحقاتها لوفاة زوجها.   وظفت  المال الذي حصلت عليه  في شراء  منزل صغير عاشت  فيه  وأبنائها ما تبقى لها من الحياة، تتمتع  وتكد  في عملها الى ان كبر الابن  الصغير، فأصبح  رجلا يتحمل مسؤولية ٲمه.  عاشت مع ابنها  معززة مكرمة  لا تبخل بالدعاء لزوجها  بالرحمة، كلما نظرت لأبنائها  وٲحفادها أو تذكرت سيرته الطيبة

ابراهيم عبد الكريم.

السبت، 5 سبتمبر 2020

صلاح الفقيه /فلسطين

قلق.
حين دخلت النفق ، اعطاني جدي سبحته ، وأوصاني بالسلام.
وحده لاح من بعيد ، تتبعه زوجته ، التصقت زوجتي خائفةً بي؛ وارتجفنا.
مال يمينا ،ً ملت شمالاً ، تحسست خنجري ،  وحين اقترب ، طعنته.
لمحت في عينيه وهو يهوي ، أسئلتي كلها ، وفي يده سبحة جده.

رجاء بقالي

من الذاكرة  :
كتب احمد الطنطاوي:
ــــــــــــــــــــــــــــ
منعطف جديد فى كتابة رائدة القصة القصيرة جدًا
[ رجاء البقالى ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 بعنوان : ما لا نراه


عند نقطة خالية من ذلك الشارع الصخيب ، تقف و صغيرتها بعد طول مسير..
 تسند ظهرها إلى الجدار .. تتستر بصمتها و تشخص الى الأرض تلاحق المارين
 بين يمين و يسار، بينما الطفلة تترنح نؤومةً من تسكعها و بيدها دميتها المحطمة..
سيدة المكان أنتِ الآن فلتهنئي ..
ابسطي كفك و الدثار ، و ارقبي .. فغدا تزهر في موقدك النار .. غدا يلهو
 و طفلتك الفرح..
تحت بصرها الجزوع، تتراكض الأقدام.. تتكاثف ثم تتبعثر، تدهس ظلالها الهاربة
 الى الوراء، الى غريماتها تفترش الحرير ، و تُسقِط نظراتها الحجرية على الفراغ
عبر جدار من زجاج..
بين غفو و صحو ، تستجمع الطفلة أشتات المشهد..تحملق في الدمى الكبيرة المنتصبة في الواجهة ثم تستدير الى امها تغرس نظراتها في الأرض ، تحفرها شفرات في متاهات الانتظار ..تحتضن ساقيها الصغيرتين و أشلاء دميتها ، و تشرد في
بقايا أقدام و ظلال ، تعكسها الأضواء الراعشة المنبعثة من رؤوس أعمدة باسقات ،
على رصيف شارع طويل
شارع تتسول واجهاته العابرين .
ا

القصة بقلم سامية صادق وقراءة احمد طنطاوي

النص المشكلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Samia Sadek

توافق

يُقلّبُ لُعَبَهُ القديمةَ , يفتشُ عن واحدةٍ تُشْبِهُهَا,
تتشاكلُ عليه الملامحُ , يحقق فى التفاصيل .
يَسقط ُعن وجههِ قناعُها ؛ فيمتدُ ظلُها طويلا أمامه  .

( سامية صادق )
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أبعاد النص المتداخلة تجعله يتصف بالاحتشــــــــــــاد  الحائر ...
ما يستدعى الإعجاب النقـــــــدى عند النظر إليه  _ إجبارًا _ من
 زوايا   متعددة ,  هو يفـــــــــــــــــــتش فى ألعابه عما يَظن أنه
 مماثل  لها ,   و لا يفتش عنها كحقيقة _  بينما هى مختبئــــة
فى قنــــــــــــاعها    الذى يرتديه هو .

تخاتله ضبابات الحقيقــــــــــة و الوهم فيتوه و لا يصل إلـــــــى
مبتغاه .
حين يفتش فمعنى هذا  أنها ليســـــــــــــــت فى واقعه الفعلى
( الآن ) و الزمنية هنا أســــــــــاسية [ الزمن الحقيقى الفيزيائى
و الزمن النفســـــــــــــــــى الخاص , فهو يعانى  زمنين ,  يعيش
ماضيًا   بينما تعيش  هى  حاضره ] ,   لكنها  بواســـــــــــــــــطة
 حضورها الرامز المقنَّع  ( قناعها الذى يرتديه هو  ) موجودة
 بشكل من الأشكال  كمحايثة( أو إمكان ) ,  بدليل أنها ظهرت
فى خلفــــــــــــــــــــية ما لم يرها هو  ,  إنما ظهر له فقط  ظلها 
المشاكس كنقطة كشــــــــفٍ للخداع المستتر الذى قفز ممتدًا
أمامــــه ,   خداع  حقائق الحياة و أوهامها على العموم و ليس
 خداعها هى تحديدًا .

هو حائر أصــــــلا لا يعرف ماذا يريد أو ما الذى يجب أن يفعله
فكل الأمور ملتبسة أمامه حتـــــى ملامحها  قد غابت عنه فهو
 الآن يجلب الأشياء القديمة , فلاشــــــــــــــــك أن العمر قد  ولَّى ,
  ( و ربما تكون أيضًا  قد رحلت عن الحياة كفرضـــــــية محتملة
بشكل كبير )

النص كله يعالج الوهم بتداخله الزلِق مع الحقيقـــــــــــــة معالجة
إحداثيات هندســــــــية ,   نكاد نمسك بعنصر الواقع فيقفز فورًا
جانب الخيال و العكس  حتى نصـــــــــــــاب بالدوار  ... فنفكر فى
 واقعنا و الأشياء المحيطة بنا نحن أيضًا  بكل مفرداتها الموحية ...

إنه من هذه الناحية كــ " نركيسس " الذى راقب وجهه فى بحيرة الماء
فعاش لحظتها واقعين , و هو بهذا يلعب لعبة وجوديــــــــة  قد تكلفه
الكثير   لو ساير خدعتها و تبِعَ الظلال  . 

علينا أن نفكر جيدًا فى :

الألعاب ... و الأقنعة ... و الظلال

هى كلها رموز و دلالات لعبثيـــــــــــــة وجود نعيش فيه على الهامش :
نلعب و نتوهم و نمنى النفس و نكذب على انفسنا و نعتمد الخيالات
و تعجبنا الأقنعة _ ســــــــــواء ارتديناها نحن أم ارتداها غيرنا  , لا فرق _
الأمر كله إذن عبث فى عبث كما هتف مكبث فى نهايــــــة مونولوجه
الشهير :

"ما الحياة إلا ظل يمشي، ممثل مسكين
يتبختر ويستشيط ساعته على المسرح،
ثم لا يسمعه أحد: إنها حكاية
يحكيها معتوه، ملؤها الصخب والعنف،
ولا تعنى أى شىء "”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص مكتمل تقنيًا كقصة قصيرة جدًا ...  دخول مباشـــــر إلى عمق
 المشهد   , و الحركية تشمل أركانه توترًا , و القفلة حققت مسعاها
بكسر أفق التوقع و استثارة عنصر ( ما بعد القراءة ) الذى سيقوم به
 القارىء تلقائيًا  مع هذا  الانفتاح ( لا الاغلاق) للقفلة ,  و الداعى إلى
 التأمل و   اســــــــــتدعاء المستويات الأخرى لتعاملات المخيلة  إزاء
العناصر  التى تخاطب أنواعًا أخرى من الواقع غير هذا الذى ألِفناه
 و نحياه  .

رجاء البقالي

عن التكثيف و أشياء اخرى :
حوارية عن قصة قصيرة جدًا لرجاء البقالى


   


/  أدوار /
Rajae Bekkali
 2015

ينفض عنه التراب و يندس تحت الغطاء ..
من عمق الأزل ، ينبعث أنين الأرض .. ترشح التربة .. تتعالى الأيدي بليلة تستجدي من ظمأ و جوع ..
عند قدمي سريره المتهالك ، كان وحيده الرضيع يئن بين
 يدي أمه ، يصارع الموت ..
أيتها الأرض ، ألم أملأ جوفك بما تشتهين ؟ 
من سنين ، أتوارى عن الأحياء كوحش عليل ، 
اتلصص عليهم من بعيد ، انتظرهم على التلة نعوشا ، و بيدي القاسيتين هاتين أقدمهم إليك قرابين ؟
طوقت الأيدي عنقه .. اجتذبته من تحت الغطاء ..
عند الظهيرة ، سار نحو التلة يحمل بين يديه جثمان ابنه الوحيد ..
وقف عند قبره الصغير .. نظر إلى عمقه البليل ..
سلم الجثمان لزميله و مضى ........

( رجاء البقالى \ 24 ديسمبر 2015)

الجمعة، 17 يناير 2020

فاطمة مندي

وفاة أخي

ثمة نهران التقيا ، فأوردا جدولين جميلين يصبان في أرض لم تكن مؤهلة لمصبهما، كان احداهما يكبر بمصب أخيه بسنوات قليلة .
قبل أن يموتا والديهما، لم يكونا نهرين، كانا بعينين يسودهما كحل ضفافهما بأبوية أكبر من ان تكن رائعة، كانا يحلمان بولديهما كما تحلم النوق بفصيلها.
ما كان لفوارغ الصمت أن تحيك لقلبه المزيد من الفجا ئع بعد أن أصمه خبر وفاة والديه فى حادث مروع حد التحجر .
ودعهما بقلب هزيل ودموع حارقة ، الصدمة غيرت خارطة حياته، وألف الاعتكاف بذكراهما كل مساء ليعتصر الصبر شوقا؛ أملا أن يدفع عن قلبه برد فقد انهما بقبص من الماضى، وهو يعلم أن بتر القلب هو بتر الوجع ، وأن كبرياء مفارقة الوجع كعصاة سليمان.مهما صمد فالليل أكله.
بقى الصغيران بلا أهل ،بلا دخل، قرر الصبى الآكبر بتر دراسته والنزوح إلى سوق العمل .
عكف الصبى على تربية أخاه وتكملة مشوار والده ، وافنى مشوار دراسته مؤقتا ليكمل مشوار اخاه.
عمل فى الورش الميكانيكية ، وأظهر رجولة متقدمة، وأد احلامه دفنها مع والديه، من أجل تربية اخاه الذى يصغره بأ ربعة أعوام، كان الأخ الصغير مازال فى الصف الرابع الآبتدائى .
تتركز فى أعماق ذاكرته كلمة والده: خلى بالك من أخوك، أهتم به، لا تتركه وحيداً، كما لو أن والده كان يعلم أن العمر قصير .

كان يعلم أنه مهما صبر فالليل طويل، ومشواره مع أخاه يحتاج اميالا من الصبر.

ظل يحمل على عاتقه حسن تربية الأخ الأصغر، سنوات طويلة.
عانى كثيرا بين عمله ومراعاة الصغير، كان بعد عناء عمله الطويل يسهر اوقات اضافيه فى المنزل بين التنظيف واعداد الوجبات والمذاكرة مع الصغير ثم يذهب إلى فراشة منهك القوى يقتله الاجهاد.

مرت الأيام والسنون ، وكبر الأخوان معا، بعد طول جهاد، وعناء ، وصبر، وتخرج الصغير من كلية الطب، ،سر به اخاه، و الشقيق الأكبر أكمل هو الاخر دراسته فى المنزل ولكنه درس فى كلية نظرية.

وأحس بعد عناء طويل أنه أدى رسالته ، ونفذ وصية والده.

وتمضى الآيام بعجلات مسرعة ، يتكرر غياب الصغير عن المنزل بحجة العمل ،عندما يتملك الشوق من خافق الاخ الآكبر لرؤية الصغير يقرر الذهاب له فى مقر عمله، ينظر إليه عن بعد، يرأه وقف مع زملاءه يرتدى ما يميز الأطباء ،سروال أبيض، يخفق قلبه منتشياً ؛ بنجاح زراعته وازدهارها، يقف بعيداً ينظر إلى الصغير فى إنبهار، يرسل إليه بعض نظرات الفخر والآعجاب تحتضنه وتنعش اساريره.

فجاءه ينتبه الصغير لوجود أخاه ، فتتغير ملامحه، ويملئ العبوس محياه ، مشيرا إلى الأخ الأكبر بزاوية عينه بالآنصراف.

يمضى الأخ الكبير يعتصره الألم، لأنه لم يستطع سماع صوت الصغير، ولم يثلج صدره بضمة تثلج صدره وتطفئ لهيب شوقه و بعده .

يبقى الأخ الأ كبر وحيداً يشتاق إلى رؤية الصغير وحيائه يمنعه من الذهاب لرؤيته أو إحراجه .

زهدت نفسه كل شئ وتلونت الأشياء أمامه بألوان باهته، يتسلل إلى قلبه شئ من حزن، وأتشحت الدنيا بلون اليأس، وارتسمت على خارطة وجهه علامات حزينه، قام من مرقده وقرر الخروج إلى الهواء الطلق، وتغير روتين أيامه، وتناول الطعام فى خارج المنزل، في أحد المطاعم، لكسر الملل والحزن الذى تسلل إلى حياته .

دلف إلى المطعم، تقدم أقرب طاولة، جلس يتصفح قائمة الطعام ،
وعندما استقر على طعام، نظر إلى الشيف ليخبره بالآختيار، على مرمرى بصره رأى اخوه يجلس مع فتاة التي كانت قف بجواره في المستشفى.
وقف من ثبات ونظر إلى اخاه نظرات عتاب، واستنكار، أشاح الصغير بوجهه فى الإتجاه الآخر، خرج من المطعم يعتصره الألم، والندم على عمره وأحلامه من أجل الصغير.

فى الطريق تنزلق الدموع مواسية وعاتبة، والنفس تهدهد اساريره وتهدئها ،والعقل يعنف ويعاتب قلبه، والقلب يرفض اللوم أو الحزن.

يقف قبالة النيل يعاتبه، شاخص النظر إلى زرقة مياهه قائلا : لماذا يانيل طعم مياهك صار مر؟ وطعامنا الذى ترويه بمائك صار ماسخ كأيامك ؟ حتى صارت نفوسنا مريضة، وتشتت معانينا، وتاهت معها سعادتنا .

انتبه من شروده إلى يد تربت على كتفه، فأستدار فوجده صديق عمره وطفولته
تعانق الصديقان، وفهم أنه رجع من الخارج كان يكمل دراسته هناك وبعد السلام الحار و مزيد من القبل الحارة لفراق السنين، سأله صديقه ماذا بك اراك باكيا
لماذا ؟

أجاب الأخ الأكبر: أخى الصغير مريض بمرض خطير.
أردف الصديق : إن شاء الله ربنا يشفيه، وحشتنى جدا، لن أقبل أعتذارك لى.

سأله : عن ماذا؟
أجاب الصديق : أن تقضى اليوم معى أريد أن أعوض ما فا تنى فى الغربة، أقضى معى اليوم، سري عني واسري عنك.

ركبا الأثنان عربة الصديق ومضى معا يوما ممتعا، تجولا فى معظم شوارع القاهرة، وتناولا الطعام أكثر من مرة، ومع ظهور أول خيط من ضوء النهار، قرر الصديقان العوده إلى منازلهم ، وأمام منزل الأخ الأكبر وقفت عربة الصديق ونزل لتوديع صديقه قائلا: يوم الخميس زفاف شقيقتي هستناك.

قال الأخ الأكبر : حاضر .

فى حفل الزفاف لمح الصديق الأخ الأكبر دالفا إلى القاعة، هرول عليه معانقا.
قال الاخ الاكبر: الف الف مبروك عقبالك، فقال الصديق : لا عقبالك اولا أقبل كى تهنئ شقيقتى .
وتقدم الصديقان من بدج العروسان وهنئ الأخ الأكبر العروس متمنيا لها مزيد من الفرحة والحياة الهانئة، ومن خلفه أقبل العريس كان يسلم على بعض زملائه ،
فأستدار لتهنئته ومد يده للمصافحة، وهنا الجمت المفاجاءة فاه.
وقفت الكلمات فى حلقه ، إنه أخاه ونزلت دموعه مسترسلة تباعا،
تقدم صديقه وقال للشقيق الأكبر : أعرفك دكتور أحمد زوج شقيقتى ، واستدار بوجه إلى الشقيق الآكبر وقال موجها

حديثه للعريس: أعرفك يا عريس هذا اروع صديق لى واحسن صديق لى إنه يعلوا مرتبة الأخ والحبيب إنه صديق طفولتى وصديق عمرى، أحبه واحترمه جدا ولو أننى عندى شقيقة أخرى ما بخلت بها عليه وأنا مطمئن، لأننى اهديها بأروع هديه .
هرول الأخ الأكبر مسرعا.
هرول فى أثره الصديق وامسك به من دبر فوجده يبكي بكاءا صامتا.
سأله فى ذهول ودهشة: ماذا بك أنت تبكي.. لماذا ؟
هل شقيقك بخير؟ فعلى صوت بكاءه قائلا : لقد تلقيت الأن خبر وفاة أخى.

فاطمه مندى

فاطمة مندي

الشبح

صرخات تخترق أذن الليل، يتناهي إلي أذن الدالفين إلي القرية ، خبر مازال مبهما
تأوهات بأشتعال الألم ، في صدور الأهل .
اتشحت القرية كلها بعباءة الحزن على فقيدها، غادر الرجال إلي مكان الحادث لأستلام رفاته.
أتشحت النسوة بالسواد، وأفترشن الطريق في إنتظار الرفاة .ا

تلقت القرية خبر وفاة أحد أبناءها تحت عجلات القطار بمزيد من الأسى على فقدانه؛ فمازل عريس بضعة أشهر، وهو الأخ الأصغر لسبعة أشقاء.
ا
في المستشفي تسلم الأشقا ء هاتفه ، حافظة نقوده، ثيابه التي طرزتها عجلات القطار.
تخرج تأوهات بأشتعال الالم مدوية من الاخوات على فقدانهم صغيرهم، الذي سافر كي يحضر أخشاب يقوم بتصنيعها في ورشته الصغيرة .
تمتلئ طرقات المستشفى بحشود متظاهرة من أهل البلدة؛ كي تسرع إدارة المستشفي بإنهاء الإجراءات الروتينية لتصريح الدفن .
وتتسرب الشجاعة والصمود من أبدان الأاخوه ، وتخور قوى صمودهم أمام عنفوان الحدث ،
ألماً على فقيدهم، تهرول مجموعة من الرجال نحو الأطباء؛ كي يرحموا
الفقيد .
قبيل الفجر ، تستقبل القريقة الرفاة بمصابيح كأنها تستقبل عرساً تتقدمه المصابيح .
وتروض خطوات الرجال أمامه ظلاً طويلاً، ترسمه أشعة مبهرة ترسمها مصابيحهم في عتمة الليل،
تبعثر خطواتهم هدوء كان يغشي المكان .
تقفز النساء من ثبات عند مشاهدة الموكب ، تتعالي الصرخات تشج قلب السكون الرصين .
تعفر الأخوات وجوهها فى الثرى ، وتنشب الأم راحتيها في الثرى وتضعه على رأسها .
في نهاية القرية المدافن ترقد جثة الفتى الصغير فى مثواه الأخير، وسط حشود كل أهل البلدة الصغيرة، تشيعها الدموع المحرقة، وبقلوب حزينة وصدور انهكها االخبر ونفوس مزقها الألم .
بعد إنتهاء مراسم الدفن ، ذهب بعض المشيعين إلى منازلهم، والبعض الآخر ذهب مع أهل الفقيد لمساندتهم .
جلس الجميع أمام المنزل على المقاعد، وأفترشن النسوة الحصير، في حزن وأسي وعويل مازال ينسج عبارات الفراق .
علي غير توقع تناهى إلي سمع أهل القرية صوت استغاثة ، رأى الجميع اكثر من رجل مهرولين قبالتهم ، معللين أن شبح القتيل يهرول خلفهم علي الطريق .

بعد برهة من الوقت شاهد الرجال خيال تنسجه عتمة الليل علي جدران المنازل، ويفترش الطرقات، وصرير الرياح يحمل الثرى ويرسم به نوات أفقية تحمل معها كل ما هو في الطريق ، ظهر لهم خيال شبح من بعيد يروض خطواته؛ كأنه طفل مازل يتعلم خطواته الاولى، ظل الخيال يقترب إلى أن ظهر الشبح، وكان مدرج في دمائه .
وقف الجميع من ثباتهم وهرول كلاً إلى منزله .
هرول أخواته عند رؤيته، كما هرولت جميع النسوة .
خرج والده على عجل لمشاهدته هو وأمه يريدان رؤيته حتى ولو كان شبحاً .

بدا الظل من بعيد يغزل سجادة الطريق وتتصاعد مع إقترابه انفاسهما اللاهثة.
أقترب الشبح من والده دون النطق بكلمة.
قالت الأم : الف سلامه عليك يا حبيبي بعد الشر عنك من القطار، وأرادت عناق الشبح، منعها الأب
معقباً في همس : كلميه من بعيد .
جلس الشبح باكياً :
لقد قابلني في طريق عودتي أناسي كثيرة، وعند أقترابي منهم يهربون لماذا؟ حتي قابلت صديق لي عندما رأني فر مسرعا لماذا؟ً!!
والان تمنع أمى من عناقي يا أبى لماذا؟
حتي أخواتي يهربون منى لماذا ؟ هل عندك تفسير ؟ وأين زوجتي ؟ الم تعلم بوجودي ؟ نادها يا أبي.
علل الآب : لان ثيابك مليئة بالدماء ، فالناس خائفة منك.
ولان وجهك مليئ بالجروح فالناس تخافك.
أما زوجتك فهي ليست هنا . لقد سافرت إلى أهلها .
أه لو تعلم يا أبي ماذا حدث لي؟ لن تصدق!! .
لقد اخذ اللصوص ثيابي، ومحفظتي، بل ونقودي ، وحذائي واوسعوني ضرباً وتركوني مغشيًا علي اعتقدوا اننى قد فارقت الحياة.

فاطمة مندي

الأحد، 8 ديسمبر 2019

احمد علي صدقي

قصة قصيرة
لكل ضيف إكرامه
تخاصم مع زوجته حول تأثيث جديد للبيت و وشراءها سيارة رباعية الدفع كما فعل صديقه مع زوجته.. استخفها وما استجاب لرغبتها المجحفة.. انتهت المشكلة بأن وضعته أمام أمرين، كلاهما مر: إما تجديد التأثيث وشراء السيارة وإما الطلاق..
كانا يدرسان بنفس المدرسة. وتعلق بها وتعلقت به فكانت ثمرة لقاءاتهما زواجا أنبت نباتا حسنا ما استطاعت اي شائبة ان تمنعه عن النمو حتى الاثمار.. لكن كل نبات اذا لم يعتن به يكون مصيره التلف..
في عملها كممرضة، تصاحبت مع إحدى العاملات معها، من بنات الأغنياء، فأصبحت هي الواعظة الناصحة لها في كل شيء حتى في أمور الحب وفلسفة الحياة..
في صباح يوم خصومتهما. نظر اليها شزرا ونظرت اليه نظرة قصدت فؤاده بسهمها. كانت سهام حبه لها تنغرس في صدره فيحس بها بردا وسلاما على قلبه أَمَّا اليوم فقد أحس بقساوة هذا السهم وأحس بجرح بليغ يخافه أن لا يندمل.. لم يكلمها وما كلمته.. ولكن تكلمت الأعين ودل ضعف بريقها على حزن ما ألفته.. خرج الرجل غاضبا بدون إفطار .. وهي تنظر اليه همهمت شيئا في داخلها لم يفهمه، فقال لها: ارجعي لرشدك يا حبيبة قلبي. فهل تُهْتِ أم أرادوا انحرافك؟ ثم أخذ دراجته الهوائية وذهب لعمله.
في العاشرة صباحا رن هاتفه فإذا بمكتب عدول يستدعيه للحضور.. خَمَّنَ حينها مضمون ما همهمته الزوجة صباحا وعرف أن الأمر أكبر مما تخيله.. طلب الإذن من رئيسه في العمل ومضى حيث ينتظره أكبر لغز قظ مضجعه البارحة وها هو الآن يقطع عليه مواصلة عمله.. 
سأله العدول عن سبب الخصام الذي أوصلهما للطلاق.. قال: هو تكلفي بشيء لا أستطيعه.. جادلته زوجته أمام العدول.. استسلم وساير الأمر حتى لا يذاع خصامهما بين الناس.. فَهِم العدول موقف الرجل وفَهِم مِنْ تبجح المرأة أن طلبها مجحف حقا.. طلب قد يضع أمام الزوج عقبة كؤود يصعب عليه صعودها، وهو في بداية مسيرته.. سعى العدول جاهدا أن يذلل تلك العقبة لهما بصلح جميل، لكن المرأة كانت متشبثة بشروطها.. افهمها الرجل أن في حالة عدم استجابة زوجها لطلبها وتطلقت، فالطلاق تدمير لأسرتها وإن لم يعاكسها واستجاب لرغبتها فالوقوع في براثن بنك بأخذ قرض مالي هو ايضا تدمير لهذه الأسرة الطرية التي هي في بداية مشوارها.. فاكثر العائلات ارهقت كاهلها بثقل ديون لا تستطيع تسديدها فعاشت بقية حياتها مربوطة بصخرة تعاسة خنقتها حتى الموت.. لم يبخل العدول بجهد بل استمر في محاورتها بكل مفاهيمه حتى اقناعها بالصلح. تراوغت كثيرا لكن اقتنعت في الأخير أن الصلح خير.. تقبلت كلام العدول.. تصافحوا.. شَكَرَا العدول على عمله.. خرجا متجهين كل نحو وجهة عمله..
 والرجل في طريقه، فكر في الأمر مليا وتساءل كيف تحدث خصومة بينه وبين زوجته بهذه الحدة، وقد كان وإياها في وئام لا تشوبه شائبة.. فهي من كانت تقول له: أنا الراضية فلا أسخط أبدا، وأنا البشوشة فلا أقلق أبدا.. تقول له: أنت خلقت لتنعم بي وأنا خلقت لأنعم بك.. فكيف بهذا التغيير المفاجئ؟ خمن كثيرا ثم استنتج  أن السبب قطعا هو في معاشرة تلك الصديقة التي ما حبذ هو يوما صداقتها رغم انه صديق وفي لزوجها.. كان يعرف جيدا أن معاشرة اساسها الثرثرة، والغرور وكثرة الاموال وسيارة  رباعية الدفع و ملابس من شركات ذات صيت عالمي هو نهر جارف لا بد ان يجرف معه زوجته. وهذا ما وقع.. امرأة مدللة .. تفاخر بلا حدود أمام من أراد ومن كره.. امرأة دللها زوجها و استجاب لكل رغباتها وهو نفسه المدلل من أب مستشار يكدس الاموال في الابناك فلا يعرف مصدرها ولا كم هي في ارصدته البنكية..  تصاحبت امرأته مع هذه المرأة، بموجب عملهما والسكن بنفس الحي.. غدت تمر عليها كل صباح، بسيارتها، لتحملها معها الى العمل.. عرف انه لن يكون سبب هذا الشقاء إلا منها.. فهي التي قد تكون نفخت في روعها ودفعتها لطلب هذا الطلب الذي لا قدرة لنا للتصدي لِمِحَنِه..
 رجع مساء من عمله، وجدها  كئيبة.. منكمشة على نفسها تجثم على صدرها صخرة تعاسة لم تستطع تحمل ثقلها.. حاورها في الموضوع.. توصلا لتراض بينهما.. تناست قلوبهما، التي كانت قد تعودت على الحب منذ زمان، هَمَّ ما وقع.. مرت بخاطره فكرة ظنها ناجعة لنسيان ما وقع.. ناقش معها فكرة استدعاء صديقتها وزوجها للعشاء.. دعوة كان هدفه منها تخفيف حزن زوجته من جراء ما وقع، ثم لحاجة ملحة في نفسه يريد قضاءها.. أخبرها بأنه فكر في وجبة عشاء شهية تجمعهما مع الضيفين للدردشة سعيا للترفيه.. فرحت بالمقترح.. حبذت الأمر، واعتبرته ردة فعل إيجابية تشكر بها صديقتها التي تنقلها كل يوم الى عملها ويزيد اللقاء من توطيد العلاقة معها.. علاقة ما حبذها زوجها بموجب ما وقع و يسعى جاهدا لقطعها.. 
في الصباح تركها تهيء المنزل و تَتَهَيَّأَ لإحضار العشاء.. خرج ليأتيها بملتزمات التحضير.. مر بالبنك.. أخذ كل ما كان يختزنه بالرصيد.. كان رصيده  قليل من المال اقتلعه من قوت يومهما لشراء دراجة نارية هو في حاجة اليها للذهاب لعمله.. برصيده الآن في جيبه، انطلق نحو بائع للذهب.. تفقد ما عنده من أجمل الحلي.. اقتنى عقدا وخاتما ثم أدى ثمنهما وخرج.. مر بصديقه بائع الزهور.. طلب منه ان يحَضِّر له أجمل باقة ورود مما عنده وسلم له العلبة التي بها العقد بعد أن كتب بطاقة وضعها بداخلها وكتب أخرى، طلب من البائع ان يضعا بباقة الورود.. ثم أوصاه أن يرسل الكل الى المنزل في الثامنة مساء.. أخبره أن لا يسلم هذه الأشياء إلا لصاحبة المنزل وأن لا يخبرها بالمُرْسِل.. اشترى الخضر والفواكه وقصد المنزل.. وضع ما أحضره بالمطبخ.. وجد زوجته منهمكة في تدبير شؤون البيت.. غارقة وسط أليات بيت الضيافة(الصالون) ترتبها.. أعانها في ما استطاعه.. عندما انتهيا من تهيئ البيت، تناولا  غداءهما مع الأولاد.. بعده مباشرة انهمكت الزوجة في تحضير طعام العشاء للضيوف.. نادته لمساعدتها.. لبى رغبتها.. كان بقربها كممرض مع طبيبة.. يناولها من المعدات ما دعته لتناوله.. بين الرفوف والثلاجة كان رائحا راجعا تغمره فرحة لم تضارعها فرحة من قبل.. فرحة مصالحة زوجته وفرحة ما دبره لها كمفاجأة.. فتحت رائحة الطعام شهيته حاول كبحها لكن زغردة بطنه كانت تفضح ما كان يخفيه. فكلما اقترب الطعام من نضجه وفاحت رائحة لذته، تفتحت شهيته وزغرد بطنه أكثر.. أخذ يقضم من هذا الفاكهة وتلك وهذه الحلوى وتلك ويتناول بأصبعه شيئا من هذه الآنية وشيئا من تلك.. ازعج الطباخة بتصرفه فأقالته من عمله.. استمر بها العمل حتى قربت السابعة مساء.. قالت له حينها وهي مبتسمة والإنهاك باد على محياها: بما أن صديقك سيأتي بزوجته، يجب علي أن أهيئ نفسي لأن أكون في أبهى يومي. قال لها: أريدك ان تكوني أجمل من صديقتك. فأنا أعرفها، فهي تتزين بلا مناسبات فكيف بها وهي في زيارتك. فأنت اليوم بيت قصيدها لتريك أبهى ما عندها.. لا محالة فستكون في أبهى يومها، لتفخر عليك بما لديها من ملذات الحياة.. تبسمت ودخلت بيت النوم وأقفلت الباب.. بعد ساعة من الوقت قضتها في الاعتناء بهندامها، خرجت وهي كالقمر في ليلة البدر. ثم قالت:
- أظن ساعة الضيوف قد اقتربت.  قال لها:
- اقتربت الساعة وبزغ القمر.
رمقته بعينين كحلاوين وأهدته من ثغرها ابتسامة زادت نور وجهها بريقا. نظر إليها رأى وجهه في عينيها.. فاضت عيناه دموع فرح وقد استرجع حبيبة كان ريح الاستخفاف قد عصف بها.. نظرت اليه رأت وجهها في عينيه.. فاضت عيناها دموعا من الفرح وقد رأت فيه زوجا صابرا على كل هفواتها.. عانقها وعانقته.. اقتسما البهجة بضحكة طفلين انبعثت من قلبيهما وقطرات دموع الفرح تتدحرج على خديهما.. ذهبت الى المطبخ لإحضار ما لذ مما طبخت وذهب هو يهيئ الطفلين للحفل.. رن جرس الباب.. خرج.. كان بالباب، من أحضر الهدايا.. ناداها لتستلمها فهي باسمها.. تسلمتها.. أخذ  الظرفين المصاحبين للهديتين ليطلع على ما هو مكتوب بمها.. فتح الذي بالباقة وقرأ: هذه هدية لك ممن يحبك وممن لا يستطيع الاستغناء عنك.. الامضاء: حبيبك العزيز.. عبس وجهه واندهشت هي مما قرأ ومن كتبه.. فتح العلبة واخرج منها ما بها.. انبهرت المرأة بالعقد الثمين الذي اخرجه منها ، ثم فتح الظرف و قرأ: هذا عقد من ذهب ولكن عندي ثمنه بخيس بالنسبة لمعدن أنت منه ايتها الطيبة.. الامضاء: حبيبك الذي لن ينساك.. تقمص وجها عبوسا وسألها: من يكون هذا الحبيب؟ هل لك حبيب غيري يا امرأة؟ قالت: لا. لكن أظن أن صديقك هو من كتب هذا.. نادى ابناءه.. وضعهما قرب أمهما ثم أخذ هاتفه وانضم اليهم وأخذ سيلفي مع الطفلين والأم وبيدها باقة الورود.. أخذ علبة الهدية.. أخرج منها العقد.. علقه في رقبة الزوجة.. أخذ لهم سيلفي آخر، والمرأة منبهرة لا تعرف ما حل بها.. سألها ألا زلت لم تعرفي من أرسل اليك الهديتين؟ أجابت: والله لقد التبست علي الامور فما عدت أعرف رأسي من قدمي.. طبطب على كتفها ثم أمرها بإحضار وجبة العشاء.. قالت له: ألا ننتظر قدوم الضيوف؟.. قال لها: ألا زلت لم تتعرفي على من هو ضيفك العزيز؟ قالت: لا.. قال: إنه حبيبك الذي تعرفينه جيدا.. إنه حبيبك الذي لن ينساك أبدا.. إنه الرجل الذي كنت له امرأة انجبت له هاذين الطفلين الغاليين.. فهل يمكن أن يكون في الوجود ضيوفا أحسن منك أنت والاولاد.. لا زالت لم تستوعب الأمر فقالت كيف؟ أخرج الخاتم الذي كان بجيبه ثم تناول أصبعها ووضعه فيه. فقالت:
-ولم كل هذا؟ قال:
- قال لها: أنا ضيفك اليوم، وانت ضيفتي، وهذه الهدايا لك، زوجتي.. هدايا أريد بها أن أقيد حبنا الذي كدنا نضحي به رغبة في اشباع تفاهات الحياة.. حب كاد يموت بكيد الكائدين.. فهمت ما يعنيه وضحكت وقالت: من اليوم التاكسي عندي افضل من سيارة رباعية الدفع لامرأة تحرضني على خصومة زوجي.. ضحكت المراة وضحك الرجل وضحك الطفلين.. نظر اليها وهي تبكي من الفرح وقطرات الدموع تتساقط من عينيها وقد اختلطت بالكحل فرسمت خطوطا على خدها كوشم على خد هندية من هنود السيو.. دموع تساقطت على عقدها فوق الصدر فزاد بريقه.. كان ينظر اليها ويمعن النظر كأنه يراها بهذا الجمال لأول مرة.. ظهر له لأول مرة ما تتحلى به من أساور تزين معصمها.. ومن  خواتم تلمع في اصابعها.. زادتها فتحة قفطانها المغربي الجميل رونقا و قد أظهر بداية صدرها المعلق عليها ذلك العقد الذهبي الانيق.. رأى الشعر الناعم الذي تدلى فوق جبينها. رأى وجهه في وجهها فبكى على اشتغاله عن هذا الجمال بإكراهات العمل ثم ضحك.. تعانقوا، زوجة، وزوج، وطفلين بريئين.. تعانقوا جميعا عناقا وطد سعادة رافقتهم طيلة حياتهم.. كانت ذكرى هذه الليلة وثاقا غليظا أمضوه لكي لا ينكتوه أبدا...

كتبها احمد علي صدقي 
بالبيضاء يوم 02/12/2019.

الخميس، 28 نوفمبر 2019

أحمد علي صدقي

رب خطيئة ترجعك الى صوابك.
كان قد بلغ من العمر الاربعين إذ بلغ أشده.. لم ينعم بما تمناه.. كان يرى الايام تسير به نحو غروب شمسه.. فضاقت به الأرض بما رحبت.. كان يتناسى همومه بالخروج للغابات مستعينا بالطبيعة باحثا فيها عن قطمير سعادة ينتشله، بتنفس هواء و زقزقة طيور، من تحت صخرة التعاسة التي كانت تجثم على صدره.. كبر وكبرت لديه لذات الحياة.. ملأت أفكاره ملذات الدنيا فغابت عن عقله عقوبة الآخرة.. كان يرى نفسه يقترب من خط النهاية ولم يظفر بما ظفر به كثير من اقرانه وخصوصا منهم المحتالون...
وهو يتجول يوما في الغابة أخذت بيده يد القدر الى امرأة أرملة ترعى انعاما لها.. رأى في تلك المخلوقات أموالا تمشي بحرية على أديم الارض وما وجدت من يصطادها ويرودها الى رصيد بنكي يستغل برصانة. فقرر ان يكون هو ذلك الصياد.. طلبت منه المرأة مساعدتها..  نفخ الشيطان في روعه أن أطلب يدها للزواج.. تموت فَتَرِث أنت أنعامها.. استشارها في الأمر فوافقت بلا تردد.. أحبته لشخصه وما أحبها إلا لأنعامها.. استنكر أهلها، لفارق العمر، زواجها منه كما استنكر أهله زواجه منها.. ورأى الناس في الأمر طمعا ومصلحة.. فما باركه أحد  لهما.. بعد أيام فقط، وكان الفصل شتاء، شاء القدر ان تسقطت المرأة من فوق سطح منزلها وهي تحاول اصلاح تسرب مياه الشتاء من فوقهما.. 
ماتت ودفنها أهلها مشككين في سبب موتها.. تدخَّل القضاء ونظر في الأمر..  فكان نصيب الرجل من كل هذه التركة التي تفرقت بين اهل المرأة، سنتين سجنا والمنزل البسيط الذي تهالك أكثر بعد هجره وبسبب تسربات المياه من سطحه.. لم يرغب أحد في أخذه فبقى ينتظر صاحبه... 
أتم الرجل مدة سجنه وهو يفكر فيما قاده اليه جشعه.. بحث عن كفارة لخطئه فوجدها في الانابة الى الله.. علمه السجن التخلي عن تلك الخواطر السيئة التي كانت تقظ مضجعه.. خواطر نفذها فقادته لما آل اليه.. كان أهله قد خاصموه منددين بذلك الزواج فما زاره احد منهم طيلة مدة سجنه.. رجع الى ذلك البيت المتهالك.. قرر اصلاحه والمكوث فيه حتى يأتي الله بأمره..
بدأ بحفر أساسه، فإذا به يعثر على صندوق من حديد.. انتشله من التراب.. فتحه فوجدا به أمولا و ذهبا.. ممتلكات كانت تختزنها صاحبة البيت من السرقة وما أرتها اليه.. ضمه الى صدره.. فرح بكنزه وما اخبر به أحدا.. أصلح منزله.. وتصرف في امواله بذكاء و فطنة وعاش في بحبوحة سعادة امده بها خالقه حين سلم أمره اليه.. اسباب عيش انتشلها من تحت أكوام تراب ما نظَّر لها ولا تعب من أجلها..
أحمد علي صدقي
  المغرب

الخميس، 10 أكتوبر 2019

جميلة محمد

قال لها تاخرت وهو بالامس لم ياتي
سجل عليها الكثير من المخالفات 
والكثير من التهاون 
والكثير من عدم الانضباط 
وبخها وعاتبها و كتب مكتوبا يشتكيها وترك لها الاطنان من الملفات العالقة وراح يحتسي قهوته مع زبونه الجديد ...انه بصدد ابرام صفقة ..يجني من وراءها الالاف ... ...
لان اجر  الوظيفة كما يقول مرارا  ..لايكفي لسد حتى عشرة ايام من حاجات البيت المتزايدة وحاجته للدخان والقهوة وكازوال لسيارته التي تشرب  الكازولل كما يشرب هو الماء .  بشراهة ولا تكتفي     ..
بينما بقيت هي  منكفئة على تلك الملفات المتراكمة طيلة مدة غيابها ..وعقلها مشغول بالاولاد 
.ترى هل المربية ستغيير الحفاظ لابنها بالوقت ..ترى هل ستعطيه البزازة المعدة قبلا و  المملوءة حليب  عندما يحين وقتها .. وابنتي هل ستعتني بها المعلمة ..هل ستاخد غذاءها كاملا .. ام انها لن تجد من ينتبه اليها .. 
تشتغل بسرعة ...وتركيزها مشتت ..ترى كيف ساعود البيت ..فنقل العمل معطل و حافلات المدينة المهتر ئة تاتي مملوءة عن اخرها ...
سأجد نفسي معلقة في جنباتها مع المشرملين واللصوص وروائحهم النتنة  . 
اكملت عملها على احسن وجه ..والتفتت الى الملفات على مكتبه ..قالت في سبيل الله ..لاجل اولئك المساكين سياتون لاغراضهم ولن يجدوها .. جلست بمكتبه تشتغل ..ماتراكم من شغله .. 
فجاة ظهر يجر احدى ضحاياه ..يقول لها هيا انهضي من مكتبي ...وجلس وامر رفيقه بالجلوس ...
ستكون راضيا . يقول له . المهم كما اتفقنا ...وسيجاره يحترق ودخانه يرتفع فوق راسه كعباب قطار فحم حجري قديم من زمن الوسترن .. 
بينما هو ..منشغل بضحيته..استأذنته في الذهاب هي تريد ان تصل للبيت قبل خروج الابناء . حتى تعد لهما شيئا لياكلاه ..وتريد ارضاع صغيرها ..الحليب يضغط على صدرها 
بمجرد ان نبست بكلمة اريد استئذانك .حتى نهرها وصاح ::وتخلي لي انا الخدمة كلها.... الالا.. جات معاك ...
بقيت هي مصدومة .وقالت :.الله يخليها قاعدة ..ضروري خصك تغوث وتشوهنا ..واسيدي من الصباح وانا خدامة وانت الي ماكنتيش 
قال هو :كيفاش انت جاية حتى العاشرة وكتهضري 
اجابته : انا جيت حتى العاشرة وخدمت خدمتي وخدمتك 
واردفت :انت جيتي قبل مني منوضها صدعات وجالس على التسمسرات ..ها الطموبيلات هالعمليات . هال ..  تزويرات .. اسيدي خليني نمشي نجمع ولادي ...ونربح شوية الوقت قبل ما تعمر الطريق ..را كتوصل معطلة عليهم وتيخليوهم لي في الزنقة .  اما تربية كنلقاها عايمة في ماها ...
سيري وانا داب نكتب بك ..ديما معطلة وخارجة بكري . ...حاسة براسك انت ..وصاح :الالا احللي فلوسك ..الالا ...
اجابته :انا لي نحلل فلوسي ..انا لي كنخدم برة انا لي كنسمسر الناس وندي فلوسهم ولا انت ..
قال هو ؛واش انا لي ماكنخدمش خدمتي 

لا اسيدي . انا لي  في الدار نخدم لهذاك الي بحالك ساكن في القهوة 
.وفي الخدمة تلقاك انت واخرين خدامين في القهوة وبالقهوة ...
و ا...الحمل في الدار وف الخدمة علية انا وحدي .  
 قام يرمي بالملفات عن مكتبه ويصرخ : الالا اشكتخلطي ف العرارم ....الالا ما تصدعتيش ب تخربيق ديالك ..
تخرجي نكتب بك .
خرجت ولم تلتفت وقلبها يدق في حلقها و هي تحاول ان تتنفس . 
وهي تقول  : اويلي على حالة ،واش  هاذ الاولاد لمن كنربيهم واش ماشي لهاذ البلاد ؟
ردت عليها زميلة تمر من نفس الممر .
ههه .شفتي بعد هاذ  الجحيم لي احنا فيه: ..خدمة ليل ونهار وقلة القيمة والاعتبار ..زوجات ليهم وامهات لولادهم وموظفات في جنبهم و طبخات وصبنات وطبيبات نسهروا على صحتهم و دايرين راسهم براسنا .. لا تسامح لا احترام 
 قالت هي: اختي هادشي غي عندنا ..شفت واحد الفيديو المراة في اروبا ..كتولد كيشجعوها و يعاونها كتخلص  باش تعتني بولادها ..وما تخدمش وتخليهم ..
ردت زميلتها : شفتي الاسلام فين كاين 
هادوك الي كيعرفوا بقيمة الام والتربية . 
والله يصلح ويديرلنا تاويل 
واكملت هي...   وهما في طريقهما الى مخرج الادارة :  ماحيلتنا للوقت قاصحة وماحيلتنا لوليدات وبواتهم 
هههه ضحكت ساخرة رقية وكل هم صغار خصنا نربيوا الاولاد وبواتهم .  ....والي معانا في الخدمة خوتهم . هههه 




يتبع .....
جميلة محمد

الأحد، 29 سبتمبر 2019

بقلم محمد محجوبي

غيبوبة صمت الجدران
....

بعدما اشتمت من طالع الصدفة رائحة الليل . كان الشيخ الهرم على محطات عمره لا يستطيع فك طلاسم النهايات . والعالم محدودب على ارتجاج الغايات في سحنة الشيخ العجوز ترددات أصوات من خلال ملإ البنين والبنات . ليتعزز صندوق الميراث صديد حاجات تشابكت خيوطها الحمراء
في المساء . أسرت لأمها أن زوجها العجوز عقد مجلسا عائليا لتوزيع حصص الإرث .
كانت الزوجة اليافعة المسكينة تبوح لأمها حظ حياتها وكيف انتهى بها الى تلك الحصة التي احتفلت بها قبل أن يكون الليل وجهه الكابوس . قبل أن ينتهي شوطها من سنوات عانسة بائسة .
قبل هزيع الليل الأخير . كانت الأم قد عقدت عقدة الفرح لكي تنتشي في غدها القادم طقس ابنتها الجديد . بينما تجمدت خيوط الليل في لحظة وحشية حملت عاصفة حمراء . في بيت البنت يتكوم الشيخ العجوز ببكمه وصممه وعماه . تحت طائلة الداء . بينما يرتج السكون ارتجاجات قضيب من فولاذ يهشم رأس الزوجة المسكينة . بينما تتحرك عاصفة السطو على الصناديق في حين يتكثف المصير المهزوز شناعة وفضاعة .
في الصباح هاتفت الأم بنتها فلم تكن لزوايا البيت سوى صدى عابث في قدر حتمي . في ذالك الصباح تفحصت الأم رأس ابنتها المهشم وكان جسدها هو الآخر ينازع شبح الشيخ العجوز . بينما تخندق السؤال دما والجدران صمت موت جاثم عسير  .

محمد محجوبي
  الجزائر

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

محمد علي صدقي


بعد طول انتظار
درس كثيرا قاصدا بذلك أن يصبح معلما أو ربما استاذا.. عرض سيرته الذاتية على مدراء المدارس.. ما استجاب لطلبه ولو مسؤول..ما أشفى غليلهم ما حَبَّرَ فيها من معلومات.. وما وجدت بها أيديهم تعليلا يُمَكِّنُهم لمده بعون.. ارتفعت أثمان كل شيء.. تغيرت المقررات.. تدنت المستويات.. ترقب أحلاما وانتظر إجابات فما حصل الرجاء.. قرر أن يشتري أغناما يرعاها ليتناسى ما درسه، ويستفرغ ما اختزنه، ويمتلك ثقافة القطيع.. تسكع في المقاهي.. تعلم لغة الكلمات المتقاطعة.. التقى بمحزبين.. تحزب.. ترشح.. عزالقوم في الخطاب واستخفهم.. تولى الأمور  .. ضم نعجة المدينة الى نعاجه.


احمد علي صدقي من المغرب
الرباط في 19/09/2019

يحي محمد سمونة

نحو علاقة طيبة  《 ٦ 》

كان المسجد قريبا من المسكن الجديد الذي انتقلنا إليه، و كانت المنطقة التي غدونا إليها يغلب على قاطنيها صفة التجار ميسوري الحال، و كنت آنذاك في مقتبل العمر، و كان إمام و خطيب المسجد القريب منا، رجلا عالما يتمتع بحب و قبول لدى عموم سكان الحي.
و كنت قد أحببت الشيخ حبا جما، و كم كنت أتألم إذا حالت ظروفي دون صلاة الجماعة في المسجد، أو إذا حالت ظروفي دون حضور مجلس علم الشيخ في شرحه ل "رياض الصالحين" 
و لو رأيتني يوم جندت في خدمة العلم كانت صورة الشيخ و كلماته لا تفارق مخيلتي، بل كنت طوال مدة خدمتي تلك أتمثل بكلمات الشيخ سلوكا و واقعا و أدبا و خلقا، بل و أكثر من ذلك أنه حين كنت أتلقى أوامر الضابط المسؤول عني كنت أنصاع لتلك الأوامر  قياسا على ما كنت قد تتلمذت به على يدي شيخي الذي كان على منهج رباني في هدوئه و وقاره و سمته الحسن، و لم أكن أعهد في الشيخ غلوا أو تطرفا أو تشددا في القول و العمل 
لم تكن الفضائيات قد ظهرت آنذاك، و كان العلماء يومها هم رأس هرم الطبقة المثقفة، و كان تدبيرهم للأمور هو الأسلم في توجيه المجتمع نحو رقي و تماسك و ازدهار.
نعم، قد كانت كلمة الشيخ تمثل دائما أطيب أنواع الكلام سواء من حيث الصفاء و النقاء و سلامة التوجيه 
و لكن .. !!
بمجرد أن ظهرت الفضائيات اختلف الحديث تماما، ذلك أن هذه الوسيلة الإعلامية، قد كانت لها أجنداتها التي خفيت على أهل الثقافة في مجتمعاتنا، و لعل على رأس تلك الأجندات: 1 - تحويل نمط التفكير في تفسير الوقائع و الأحداث من نمطية التفكير الديني و ما يحمله من طوية حسنة إلى نمطية التفكير السياسي و ما يحمله من فلسفات و رؤى معقدة تفضي بالمرء إلى تخليه عن سلوكه السوي إلى سلوك أعوج قوامه غلو و تطرف و تشدد 

قلت: قد كان لزاما علي و أنا أسير معكم في سلسلة / نحو علاقة طيبة / أن أبين لكم سمات التفكير الديني و سمات التفكير السياسي و ما لهما و ما عليهما في حياتنا المعاصرة


- و كتب: يحيى محمد سمونة -

مليكة مستظرف

مليكة مستظرف : قصة (امرأة عاشقة.. امرأة مهزومة..)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

ذهبت الى العرافة, وضعت ورق اللعب على صدري ورددت وراءها “هاقلبي, هاتخمامي …”. تجشأت كثيرا وقالت انه بيني وبينه سحرا جعله يهرب مني. لكنها أكدت لي أنه سيعود وعندها سأكون ملزمة ”بذبيحة كبيرة” و “ليلة كناوية”. لم أفهم جيدا معنى “ذبيحة كبيرة” لكن حركت رأسي بالموافقة. ثم قوست حاجبيها, و أغمضت عينيها وأخذت تحرك شفتيها بسرعة , تكلم أشخاصا تراهم هي فقط. وأخبرتني أن جنيا أسود يدعى”ميمون” سكن جسدي هو السبب في كل ما يحدث لي. شعرت بالفزع لمجرد التفكير أنني اقتسم هذا الجسد النحيل مع جني أسود مشاغب. خرجت من بيتها الذي كان بحجم خم للدجاج. علقت بثيابي رائحة البخور.اللعنة.
أخذت رزمة من الاوراق المالية وأعطتني بدلا عنها شموعا. بيت العرافة يقع في ازقة ملتوية و متشعبة كالمتاهة. وأنا سأدخل متاهة و حروبا أخرى مع الجن و العفاريت كأنه لا تكفيني معاركي مع الانس, حتى ازج بنفسي في معارك مع الجن. اشعلت الشموع لكي يشتعل حبه من جديد, لكنه لم يأت. بدأت أفكر جديا في اقامة ”ليلة كناوية” وزيارة الولي “بويا عمر”.
أنظر من نافذة غرفتي ,قطتي أصبحت تمشي بصعوبة بعدما ازداد بطنها انتفاخا فأصبح بحجم اجاصة. أبي طردها من البيت وأنا أقدم لها الطعام خلسة. تركت البيت منذ مدة لتلحق قطا أجرب أغواها, و بعد ذلك عادت تتمسح بي . أنا كذلك تركت العالم بأسره وتبعته. لم يكن وسيما . كان يشبه دبا صغيرا أصلع بكرش مرتخية تخفي أعضاءه التناسلية, ومِؤخرة ضخمة ووجه مدور. كنت دائما أكره الرجال ذوي المؤخرات الضخمة و الوجوه المدورة. فكيف أحببته؟ هو هكذا الحب دائما يأتي بلا موعد. الحب كالموت , كالمرض يأتي دائما حين لا ننتظره و في الاوقات و الاماكن الاكثر غرابة. الحب يجعلنا نتصرف كالاطفال بلا منطق. لماذا لا يخترعون مصلا ضد الاصابة بالحب؟
أحس بالبرد . أنظر الى السماء. تبدو سوداء هجرتها النجوم. ستمطر لا محالة. أعطس ثلاث عطسات, سأ صاب بنزلة برد . لا احب فصل الشتاء , فصل الانوف الحمراء والازقة الموحلة. عندما كنت طفلة كنت احب فصل الشتاء. أخرج برفقة “اولاد الدرب”, نصرخ بفرح لا يضاهيه اي فرح , ”آشتاتاتا أصبي صبي”. صوت “نعيمة سميح” المنبعث من الراديو الصغير, يبدو مرتخيا وملتويا. البطارية توشك على النفاذ, “ياك آجرحي جريت وجاريت”.
هو لا يحب “نعيمة سميح” و ” أم كلثوم”. يقول أن هذه النوعية من الاغاني تجعله يتثاءب. كيفت حياتي حسب رغباته و أهوائه ومزاجه. لا نخرج الا حين يريد هو. لا نرتاد سوى الاماكن التي يرتاح لها هو . رغباتي انا مزاجي انا…. لا يهم فيما بعد… فيما بعد.
أسمع آذان الفجر, يجعلني أشعر برغبة في البكاء. أتمنى لو أبكي بصوت مرتفع و أركل الارض بقدمي كما كنت أفعل و أنا طفلة , فتأتي أمي و تضعني في حجرها و تهدهدني و تغني بصوت خفيض, ” الله الله محمد رسول الله”, فأرتاح وأنام .أسمع خطوات أمي متجهة الى الحمام لكي تتوضأ.أبي يصلي في رمضان فقط. أما هو فحين سألته لماذا لا يصلي, قال انه يؤمن بالله وكفى, وليس في حاجة الى اثبات ذلك خمس مرات في اليوم.
عندما جاء لخطبتي, رأته أمي من فتحة الباب, ضربت خديها بكفيها حتى ارتسمت أصابع عشرة على وجهها, وقالت,” لازين ولامجي بكري”. لكنك أمي دائما ترددين, ”الرس المغطي احسن من الراس العريان”., ثم انني احبه.عاودت النظر اليه من فتحة الباب. بدا وسيما في قميصه الاصفر. تذكرت انني اكره اللون الاصفر. لون الاسنان الصفراء المتعفنة والابتسامة الصفراء المنافقة,و” للاميرا” الجنية التي تعشق الاصفر.أبي بدا ممتعضا هو الاخر. أخذ يعبث بالشعيرات الاربعة التي نبتت فوق صدره بلا مناسبة.نفث دخان سيجارته في وجهي وقال ” انها عملية خاسرة بالتأكيد”. لكن أبي, متى كانت العواطف تحسب بآلة حاسبة؟ هل أكلم اأبي ام تاجرا في سوق الخردة؟
نظر الي و أكمل ” ثم انه موظف”. نطقها كأنها سبة أو تهمة, لكنني أحبه. هز كتفيه وقال ”اذهبي الى الجحيم … جيل ما كيحشمش”. و هل تخجل انت ابي عندما زوجتني و أنا بعد طفلة بجديلتين؟ كسبت يومها من وراء تزويجي / بيعي كثيرا. أتذكريومها جاءت أمي أخذتني الى الحمام, غسلت جسمي و نتفت شعر ابطي و عانتي, وقالت لي كلاما احمر له وجهي خجلا. وخضبت النساء يدي بالحناء و كحلن عيني… كانت زغاريدهن أشبه بالصراخ والولولة. وبعدها وجدت نفسي أمام رجل طويل جدا. أول شيء فعله صفعني وقال ” نهار الاول يموت المش”. وعرفت بعد ذلك انني المش او القط الذي يجب ان يموت. هذا كل ما أعرفه عن الزواج,حمام ,حناء وزغاريد ورجل يصفعك لكي يثبت أنه الاقوى, وبعد ذلك يملأ بطنك أطفالا و يهرب. زوجي الاول هرب وترك لي خازوقا. وهذا الذي أحببته هرب و ترك لي خازوقا آخر, كلهم يهربون عندما تصبح الامور جادة. أمي تلوي شفتها السفلى و تسأل عن سبب اختفائه. الجني الاسود مازال يسكن جسدي , أختي تخرج لي لسانها وتشهر في وجهي أصبعها الوسطى. العرافة تقول يلزمك “ليلة كناوية” و “ذبيحة كبيرة” وكثير من الاوراق المالية. تضع النقود بين نهديها وتشعل سيجارة من نوع ”كازا” و تطلب التسليم. جارتي تقول ان العرافة كانت “شيخة”*, وعندما جار عليها الزمن أصبحت عرافة.
أشعر بالجوع. ألبس الخف .سأذهب الى المطبخ وآكل فطيرة مدهونة بالعسل. أتراجع في آخر لحظة. يجب أن أقلع عن هذه العادة السيئة. فعندما أغضب لا أجد سوى المطبخ أنفس فيه عن غضبي. في بعض الاحيان , آكل كل شيء و أي شيء وأنا أبكي. يبدو منظري مضحكا و مقرفا. بعدها أذهب الى الحمام وأدخل اصابعي في حلقي و أتخلص من كل شيء.
يجب أن أكون قوية.هذه المرة لن أنفس عن غضبي و حنقي في الأكل . سأذهب اليه هو في مقر عمله, وأخرج له لساني وأقول له “ان الكون لا يبدأ وينتهي عند قدميك”.
سأقول له ”أنا نادمة لأنني أعطيتك أكثر مما تستحق من الحب و الاهتمام”.
سأقول له”أنا نادمة لأنني كنت مستعدة لأي شيء معك, و لم تكن مستعدا سوى للكذب و النفاق. فهنيئا لك على قدرتك الفائقة على الكذب”.
غدا سأحرق صوره و رسائله و هداياه وأكاذيبه. ولن أشعل الشموع ثانية لكي يشتعل حبه ويعود.ولن أقيم “ليلة كناوية”.
أوف أشعر بالجوع, سآكل فطيرة واحدة لا غير. ترى كم تكلف ” ليلة كناوية”؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
..

مليكة مستظرف

الجمعة، 20 سبتمبر 2019

بقلم عبد الستار الخديمي

قصة قصيرة
***مرفأ التيه***
في غمرة من فوضى المشاعر سألته في وجل: هل أحببتني أم بالأحرى هل بقي من الحبّ مسافة؟ كانت تبحث عما يرتب الفوضى ويجمع الشتات ويروي ظمأ الأيام العجاف.. كانت تائهة ضائعة شاحبة شاخصة.. تلملم نفسها المبعثرة في نفسها.. وتربت على قلبها الساكن تحت صدرها المهتز في فورة بركان هاج بعد سكينة دهر.. تتذكر أنهم كانوا يسمونها بذات العيون الناعسة والرموش الساحرة والابتسامة الفخ تصطاد بلا هوادة.. التحفت بنرجسية الجمال والدلال وكانت تجهل أنهم جهلوها ونافقوها ودفعوها إلى شفير الهاوية..
 لم تسقط ولم تنحن وبقيت شامخة شموخ النخل.. بقيت تترقب وتجدف في بحر حيرتها ورغبتها وغربتها..
 في كل غفوة كان الطيف المجلل بالبياض يأتيها ويهمس في أذنيها: أنت عروس كل العصور، انتظري في شغف ولهفة.. ستكونين ملكة تتربع على كل العروش.. فأنت المفرد الذي لا جمع له وأنت الجمع الذي لا مفرد له..
 ضاعف الطيف من نرجسيتها فقتلتها نرجسيتها واتضحت رؤياها: من أراد كل شيء خسر كل شيء..
 نعم أحبّك الكل وتاه عنك الحب الحقيقي.. فابحثي عنه في ثناياك في الليالي المقمرة..
كان متردّدا، وجلا، خجلا.. الردّ يعني موقفا، والموقف يعني التزاما.. ما بين خفقان القلب والرغبة في الحب ووطأة الواقع يكمن مربط الفرس، الصمت خيانة والبوح انتحار وما بينهما برزخ من الشك والريبة.. تيقن بأن البوح إعصار، قد ينعم بحبها الفريد وقد تتكسر مجاديفه في عمق البحر الهائج..
لا يمكن أن يكون إلا بمواصفات الطيف يزور في لحظات التيه والوجوم ليعلن عن الوجود.. ويذوي في ثنايا النسيان.. لم يكن سؤالها إلا فخّا.. نرجسيتها أسست نرجسيته.. لا يريد البوح خوفا من البوح..
كانت الرؤيا.. وكانت تدس وجهها بلونه المخملي وعينيها اللامعتين الدامعتين دوما في حضنه البارد رغم اتساع صدره كجلمود الصخر.. فيربت على كتفيها ويمرر كفه الثقيلة على خصلات شعرها المتناثر حول جبينها الملتحف بلون القمر في عز كينونته.. كانت كالقطة الشريدة الطريدة التي أصابها الذعر والفزع.. إنها بكل بساطة تبحث عن الدفء.. تبحث عن محطة لقطارها الذي طال سفره.. تبحث عن مرفأ لغربتها.. تنوء بثقل السنين على كتفيها.. ولكنها لا تزال جميلة فاتنة قاتلة برموش عينيها.. إنها لا تبحث عن رجل بقدر ما تبحث عن أمل ينير دروب مستقبلها.. يطهّر ماضيها وحاضرها من رجس الأيام.. ولكن هيهات كان صدره رغم اتساعه صقيعا متجهما كأيام الشتاء.. نطق بصوته الخشن في حشرجة وقال: نامي يا صغيرتي لعل البنفسج يزهز في الشتاء..
وفي عمق ذاته قرر أن يتحد مع نرجسيتها ومآسيها ويكون عونا للطيف.. أو هو الطيف يرافقها دوما في أحلامها ويزرع الأمل في دروبها.


بقلم الأستاذ عبدالستار الخديمي/تونس

الاثنين، 16 سبتمبر 2019

سميرة مسرار



رحلة الصحراء
الجزء الثاني


    رنّ هاتفها فحمدت الله ــ سبحانه وتعالى ــ لأنه منّ عليها برجوع خط الاتصال لينقذها من هذا التشتت القاتل:

ــ ألو من معي؟

جاء الرد من الطرف الآخر:

ــ أنا يوسف، افتحي، أنا أمام الباب ويدي مملوءتان بهدايا عيد ميلادك: حلوى العيد وعطرك المفضل! ما زلت أحفظ تاريخ ميلادك عن ظهر قلب كما أحفظ النشيد الوطني. فاجأتك، أليس كذلك؟

أغمضت عينيها لحظة وهي تقاوم ثقل هذا الاتصال على قلبها. في هذه اللحظة بالذات لا تريد أن تفكر  فيه على الإطلاق، ولا في كل ما يربطها بوسطها وعملها، خاصة وأن جوارحها كلها تسير الآن في وجهة مغايرة بعد أن بدأت تعصف بها رياح الصحراء. ردت عليه في امتعاض:

ــ أعتذر يا يوسف، لن أطيل الحديث معك الآن، أنا في مدينة العيون مع صديقاتي جميلة وصفاء ورقية. لقد فاجأنني وأهدين لي هذه الرحلة للاحتفال بعيد ميلادي.

ــ يا الله، حدث كل هذا وأنا آخر من يعلم! هل كنت فعلا بحاجة لسفر كهذا للاحتفال بعيد ميلادك وسط كثبان من الرمال يتصاعد منها بول البعير. كنت ظننتك في البيت ككل مساء وأردت مفاجئتك...

ــ هذا ما حدث!

شكرَته باختصار شديد، ثم أنهت المكالمة، ورجعت إلى صديقاتها اللواتي كنّ يتمايلن على أنغام موسيقى خُيّل لها أنها لم تسمعها من قبل. كان بودها أن تتمايل مثلهن، ولكن جسدها تحجّر وكأن يوسف وخزه بإبرة أفقدته حيويته التي كان من اللازم أن تظل متيقظة في هذا الفضاء البعيد عن صقيع الإدارة وبرودة الناس. وهي كذلك، رأت الفارس الأسمر ينظر إليها بتركيز غير مألوف فتتسع عيناه لتحتويها، وكأنهما تريدان السيطرة عليها وابتلاعها بسحرهما المغناطيسي. تسمرت أمامه كأسير حرب استسلم للعدو بعد أن ألقى أرضا كل أسلحته. كانت ترى في عيونه نارا تشبّ فتذوّب جليد برد يوسف شيئا فشيئا فيتلاشى في صمت عميق. عادت بذاكرتها إلى الماضي، وقبل أن تستعيده بكامله أيقظتها من سباتها عينا الصحراوي الذي احتواها بنظراته الثاقبة، ثم توجه إليها بلهجة بدوية فيها رنة لم تسمعها من قبل وكأنها سمفونية الريح التي تغني بين الجبال لتصاحب الرّحل في هرولاتهم:

ــ لصوتكِ نبرة جميلة تشبه رنات أراجيز القمر وهو يناجي الشمس قبل الكسوف. هل يوسف الذي كلمك هو قمرك وأنت شمس الضحى؟

اقشر بدنها وهي تستقبل لأول مرة في حياتها هذا الوابل من الحليّ المرصع بجواهر الكلمات التي اختفت منذ آلاف السنين بين ثنايا الكتب القديمة. أخذ الدم المتجمد في عروقها يتدفق بين هضبتي صدرها وينطلق من أصابع أرجلها ليصعد شيئا فشيئا نحو الأودية التي تختفي بين جبالها. تلعثمت فإذا بها تستيقظ فجأة على ضحكات صديقاتها اللواتي تفطّنّ لدهاء الصحراوي واستغربن من سؤاله المباشر وإن كان قد غلفه بمسحة من الغزل الرقيق.

لم تنبس ياسمين ببنت شفة، فأخذت صفاء تحكي عنها وتقول بأنها نموذج المرأة المثالية، كافحت سنوات عديدة في مجتمع رجولي خانق لتصل إلى ما وصلت إليه الآن، حتى اعتقدت أن ما أنجزته في حياتها المهنية خرافة. لهذا، فهي لم تفكر أبدا في الحب ولا في الزواج. أما يوسف فلم تذكره، فظل السؤال معلقا كتميمة لا تنفع لصد صداع الرأس المزمن.

أحست ياسمين بنوع من الإهانة والشفقة في نفس الوقت، ومع ذلك فقد سامحت صديقتها لأنها تعلم أنها تحبها كأخت شقيقة. كل هذا حزّ في نفسها، ولكنها تتفق معها في كل شيء قالته في حقها، إنها فعلا امرأة ذات شخصية قوية، وأنها لم تذق الحب الحقيقي رغم أنها اليوم في موسمها الرابع، هي زهرة لم ترتوي بماء الحياة وكتاب لم تقلّب صفحاته لتقرأ فصوله.

ابتسمت ابتسامتها الباردة المعهودة، ثم عادت إلى صمتها لترتمي بين أحضان هاتفها الذي أثبت أكثر من أي وقت مضى بأنه منقذها الوحيد من أهوال هذه الليلة الليلاء.

ظلت عيناها على الهاتف، ولكن نفسها كانت تحدثها باستمرار، فاسترسلت في حوار ذاتي أخرجها من عالمها بشكل نهائي:

 ــ أنا في أشد الحاجة إلى العزلة، أريد أن أحس بانتمائي المطلق لذاتي لأنها ملجئي الوحيد الذي أهرب إليه دائما. هنا تكمن سعادتي الحقيقية! أنا لست صحراء قاحلة أو زجاجة نبيذ معتقة في أقبية الأمراء، أنا نهر متدفق لم يكفّ أبدا عن الجريان، أنا شهد متجدد في غابة تفوح برائحة الشيح والحرمل والخزامى، أنا سيدة الحكمة والمنطق لأنني أحمل أنوثة أربعة عقود، أنا مترعة المشاعر وعطائي بلا حدود، إذا تكلمت فاح العطر من فمي وأغرقت المكان بالورود.

وهي على هذه الحال، تعالت الموسيقى من جديد في حين كانت المضيفة الجميلة تتنقل كالنحلة بين الضيوف لتقدم لهم الشاي والتمر. رأت صديقاتها وباقي الفتيات، في قمة السعادة، وهن يتمايلن على أنغام الموسيقى الصحراوية المرصعة بكلمات أغنية من نبض شعر «تبراع» الخيام الضاربة في رمال الصحراء:

تبسيمة عراضي لحظة         فالحزم اتزيد المشقة

و ضحكتها نار اتلظى            لا يصلاها إلا الاشقى

حاولت أن تتحكم بعينيها في كل ما تراه حتى لا تسقط أسيرة في عينيّ الفارس الأسمر. ولكن خالجها شعور  بأن المغنية ربما أحست بها فبدأت تغني وكأنها تعبر عنها. آنذاك عنّفت نفسها لتفيق من شرودها وعادت إلى فتح النقاش في هذا المجلس. بدأت تطرح الأسئلة على الفتاة المكلفة بالشاي لتقصي المعلومات عن باقي الضيوف. لم تتردد صاحبة الشاي في أن تذكر لها اسم كل واحد وتحكي قصته، وعندما وصلت إلى فارسها الأسمر تمنت لو كان بيدها قلم لتدون أدق التفاصيل عنه وأن ترسم وجهه على زجاج كأسها لتعانقه كل صباح.

«حمّاد ولد ابنو!» لما نطقتها محدثتها أحست وكأن قلبها عاد ليعزف من جديد أنشودة الحياة، حمّاد ربيع العمر المتجدد في هذه الأرض من بلاد الله! هنا التقت عيناهما فأحست بضجيج القلب وآهاته، وتساءلت هل تتصاهر أرواحنا فعلا لتنجب لحنا خالدا تهيم به النجوم ويشهد عليه القمر، أم أنه فقط جنون الليل الذي جاء ليبعثر ما بداخلها من تركيز ويوقظ ما كان قد نام من تأوهاتها؟ حاولت الانسجام مع مجلسها متمايلة مرة على وقع الألحان ومتحدثة مرة أخرى إلى رفيقاتها...

بعد مرور حوالي أكثر من ساعتين على أنغام الموسيقى، قدم صاحب المنتجع العشاء لضيوفه، كان عبارة عن مأدبة تتألف من أكلتين، الأولى طبق من الثريد بلحم الجمل، توارثه بدو الصحراء عبر السنين، والثانية صحن كبير من مختلف أنواع الأسماك مطهي على الطريقة الأوربية احتراما للضيوف الأجانب الذين لا يقدرون على هضم لحم الجمل.

تعمد حمّاد الجلوس بجانبها على مائدة الأكل محاولا إظهار اهتمامه بها. وبلباقته العجيبة ظل يبحث عن أسباب واهية لملامستها، مرة برجله ومرة بكتفه، وكأنه يخبرها أنه هو أيضا لا يدري ما كان يحصل له في تلك الساعة. سألته عن نفسه فأجابها:

ــ أنا ابن الرمال، ككل صحراوي تفوح مني رائحة الأعشاب البرية المبللة بندى الأيام. هنا لا نحتاج للباس فاخر أو لسيجارة أمريكية، ولا نهرب من قسوة الخيام إلى رفاهية القصور لأن جلودنا تنفر من ليونة المضاجع، غذاؤنا الشعر وشرابنا الشاي ومتعتنا ذكرياتنا الجميلة في أوقات الصيد بين النجود والوهاد. ومع ذلك فقد أصبحنا نتطلع إلى العالم وأخباره عبر ذبذبات المذياع. لا نحتفل أبدا بأعياد الميلاد، ولا نركب أحدث السيارات، ولا نسمع لفيروز وأم كلثوم اللتين ما سمعت بهما قط قبل توافد السائحين والأجانب علينا.

سألته بحذر شديد:

ــ وهل للنساء مكان كبير في حياتكم هذه؟

أجاب وهو يفترسها بنظراته الحادة الناعمة:

ــ أنا مجنون إذا عشقت! أصبح كمخمور مدمن، لا أفيق من سكري إلا حين أرتشف رحيق شفتيّ المرأة التي أكون مهووسا بحبها، ولا أستريح إلا وضفائرها تائهة بين يدي، ولا أجلس تحت الشمس إلا حين تظللني ابتسامتها، ولا أتكلم إلا لأقول شعرا في حضرتها لأعبر لها عن آلام غيابها.

هنا أحست ياسمين وكأنها في حلم، وتساءلت هل تراه يخبرها في هذه اللحظة عن هيامه بها، أم أن قلبها المتلهف هو من يوهمها بذلك خاصة وأنه خلاء من مثل هذا الحب العجيب. خطفت عينيها هنيهة إلى بياض شعر صدره فغابت قليلا، ثم أطرقت خجلا فاحمرت وجنتاها وزادها ذلك جمالا وحسنا وهي تتصنع براءة الأطفال. التفت إليها وقد أحس بأثر جاذبيته عليها، وقال:

ــ لا تعدّي شعر المشيب على صدري ولا أعدّ سنينك التي تزيدك شبابا! يكفي أن عطرك يسكرني، وعبيرك يغازلني، وعيناك تجذبني وتوقد ناري، ويداك تدعوني لملامستهما، فأين المفر؟

تجمد دم ياسمين في عروقها. هل يقاسمها فعلا شعورها تجاهه أم أنه يقرأ عليها فقط إحدى قصائده، أم أنها ثملت من موجات الإعجاب التي مزقتها وقد جاءت من مدينتها مؤهلة لاستقبال مثل هذا الحديث في هذا المكان المعزول؟

أعادتها إحدى صديقاتها إلى الواقع حين طلبت منها مصاحبتها للغسيل واستنشاق الهواء قبل الرجوع إلى الخيمة. اغتنمت ياسمين هذه الفرصة للهروب من فارسها ومن ضعفها، فرافقت صديقتها التي لم تتوقف عن الحديث والضحك دون أن تنتبه لشرودها.

بعد عودتهما كانت الخيمة في أوجّ الموسيقى وبعض الفتيات اللواتي التحقن بالسهرة يرقصن متمايلات يمينا وشمالا ووجوههن مغطاة بملاحف زرقاء وسوداء، وغيرها بألوان متفائلة، كما هي العادة عندهن. بدأت ياسمين تبحث من جديد عن مكان للجلوس لأن مكانها قرب صاحبة الشاي لم يعد متوفرا إذ جلست فيه إحدى مرافقاتها. وهي تبحث، أحست بيدين تمسكانها فإذا بالأسمر يسحبها إلى حلبة الرقص، رفضت في البداية لأنها تعلم جيدا أنها لا تتقن غير الكلام والمرافعة، وأن الرقص بالنسبة لها يبقى من المسائل التي كرهت الرجال من أجلها لأنها تذكّرها دائما بأحداث لم تعجبها في طفولتها. أصر حمّاد على مراقصتها، رافضا أي عذر، وهو يطلب من المغنية أن تدرج اسمها ضمن أغانيها.

حاولت ياسمين الخروج من المأزق، استسلمت، بدأت ترقص وصديقاتها يضحكن تارة على طريقة رقصها وتارة على محاولاتها تهربها. بعد ذلك تطوعت جميلة لمراقصة حمّاد، فاغتنمت ياسمين الفرصة للجلوس في مكان بعيد عن النار والموسيقى. بعد قليل، لحقت بها صديقتها وهي تعتذر:

ــ أحسست أنك متضايقة، فحاولت التدخل لحل الأمر.

ابتسمت ياسمين، وقالت:

ــ لا تبالي! عادي.

هربت إلى هاتفها وهي تقرأ رسالة من يوسف، فابتسمت وتذكرت أول يوم التقت به في رحاب الجامعة وهي في سنتها الأولى. يومها لم تكن تعرف حتى كيف تملأ استمارة التسجيل، لكن يوسف ساعدها، كان دائما موجودا بجانبها، يدعمها ويقويها ويحميها حتى من نفسها. تذكرت يوم رفض أبوها أن تتابع دراستها وأراد إرغامها على التزوج بمعلم حزين وبخيل في نفس الوقت إذ كان يشتري سروالا واحدا مرة في السنة وحذاء خلال كل ثلاث سنوات. ما زالت تتذكر كيف وقف معها يوسف وشجعها على ألا تستسلم، وظل بجانبها عند هروبها من بيت والديها. يا الله! لمَ تعود بذاكرتها إلى ماضيها الكئيب؟

أنهت رسالة يوسف التي وجدت فيها دعما ومحبة صادقين كالعادة، فارتاحت قليلا، وعادت إلى مواصلة الجلسة المحمومة بالرقص والموسيقى، تلك الجلسة لم تضع عذوبتها بين كؤوس الشاي وأطباق الحلوى.

صمتت المغنية فجأة، نادت على حمّاد وطلبت منه أن يتفضل بإلقاء قصيدة شعرية بعد أن أطنبت في مدحه وفي الثناء على موهبته الفياضة. وقف فارسها حمّاد وقفة الجبل الصامد ومشى نحو المنصة كما يسير الجمل الأصيل وهو يشق مفاوز الصحراء في مقدمة قوافل الحجيج، تفحص كل الحاضرين بنظراته الثاقبة وكأنه يطلب منهم التركيز وحسن الإنصات. ظل على هذه الحالة برهة من الزمن حتى ظنت أنه بلع لسانه، غير أنه انطلق بصوت رفيع فيه نبرة لا شبيها لها، وأنشد:

نبغي سلم والفات فات
يا دموع العين السايلات
على خدي ومحجلات
ليالي كنت نجيها
وقصايد عندي ساويات
الدنيا ولي فيها
ذوك القصايد نايبات
عن حد ص يبغيها
لنحكاو لكم وازنات
والمعاني نزيهة

كان يعيد إنشاد الشطرين الأولين من حين لآخر كلازمة، ويقف على القافية كما تقف النعامة على هضاب الرمل، حالمة وليست بالغافلة. سكرت ياسمين بأقداح الشعر والإلقاء، وهي التي لا تعرف من خمر الدوالي إلا اسمها، فلم تعد قادرة على التحكم في صوت خفقان قلبها.. مدت يدها إلى الحلوى فسقطت من بين أصابعها، وضعت وجهها بين يديها لعلها تخفي دموعها من شدة تأثرها خاصة وأن الأبيات كتبت فيها كم أخبرها بذلك من قبل في نهاية حديثهما، ولكنها لم تصدقه إذ كيف يكتب شاعر شعرا في امرأة لم يلتقِ بها إلا بضع دقائق! هل الشعر كذّاب إلى هذا الحدّ؟ وهل الحب فعلا أعمى ليغمرك ــ من حيث لا تدري ــ بكل هذا الاحساس اللذيد؟


(يتبع)

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2019

احمد علي صدقي



وخلق الانسان ضعيفا:
من كثرة خوفه، كانت أمه تُعَيِّرُهُ بأنه لا ينهض الدجاجة عن بيضها.. استفزه الأمر فامتحن مرة جرأته .. تشاكس مع الدجاجة فوق بيضها.. تكسر البيض تحتها.. تفقست صيصانا ملأت نقنقتها حظيرة الدجاج.. حاول الفرار خوفا من الدجاجة وخشية من استخفاف أمه له.. عصفت بالديك ريح الوجد فاعترض طريقه.. نازله أمام الدجاجة.. غلبه بنقره وكثرة صقاعه.. استنجد حينها الولد بأمه معترفا بضعفه وآمنا بإقلالها من شأنه.

تصفية حساب:
تنازعا حول من ترك الباب مفتوحا لتدخل حية الى منزل مهترئ يجمعهما.. بحثا عنها كثيرا فتخلى احدهما وتابع الآخر.. عثر هذا الأخير على جحر بفناء البيت فقال لصاحبه وقد ثارت ثائرته:
أتدري أن الحيات عندها إحساس عجيب برائحة البشر؟ قال الآخر:
كيف ذلك؟ قال:
إن اردت أن تعرف فما عليك إلا ان تجانب الجحر وتضع يدك أمامه وسترى، فإنها إن كانت به فستخرج في الحال وسأقتلها طبعا. قال:
 وان لسعتني؟ قال:
لا تخف يا أخي فان لسعتك فأنا هنا بجانبك.


احمد علي صدقي من المغرب

الجمعة، 9 أغسطس 2019

احمد الحمد المندلاوي

هروب شيطان ..



**كان الزوج منهكاً في الكتابة بين كومة من الأوراق و المسودات في غرفة متواضعة مطلة على حديقة المنزل ، فاجأه صوت زوجته الحسناء حين قالت له بلغة ذات نكهة لطيفة هادئة:
- هل ذهبوا ؟
انتبه الزوج على صدى هذه الكلمة العجيبة ،ليقول لها بذهول:
- من هم ؟
- جماعتك يا سيدي الأديب .أليس كذلك!!
- ما القصة! و من هم الجماعة؟
- عجيب .. الذين كانوا معك هنا .. تتحدث معهم و يتحدثون معك  ؛بالإشارة  حيناً و بصوت واضح أحياناً أخرى.
- أنتِ يا عزيزتي تقولين شيئاً غريباً.
- أنا !!
- نعم أنتِ .
- بل كانوا معك حقاً، والدليل على ذلك أنَّك لم تنبه إليَّ ؛و لم تنصت الى حديثي معك .. رغم ما بيننا من أواصر المحبة و المودة .
- حسناً .. حسناً . ما كنتُ أقول ، بل كنا نقول على زعمك؟؟.
- تقول فاعلٌ ؛ فاعلاتٌ ؛فعلٌ و هكذا غيرها من فعل معل ..
- الزوج مذهولاً :
- و ماذا بعد؟
- بشكل شبه غاضبة مع ابتسامة ساخرة.
- دعنْي أذهبْ الى المطبخ لأعمل لك كوباً ساخناً طيباً من شاي محمود لتهدأ أعصابك،أحسن بكثير من الحديث عن الشخبطات  فعل معل .
- لا لا تذهبي ... كلامك هذا عن الجماعة و الفعل معل (كما تزعمين) أطيب بكثيرٍ من الشاي .. هذا ما كنتُ ابحثه فيك منذ سنين طوال..
- لو كنتُ أعلم ذلك و ما له من متعلقاتٍ؛ ما تحدثتُ قط!! و لطالما رأيتك بهذا الوضع ؛و أنا أسدل الستار عن الكلام..و لكن ما دفعني الى هذا الحديث ،هو شيطان الشعر؛كما تقول أنتَ مراراً .
الزوج أكثر ذهولاً :
- ها ..ها الآن فهمتُ إنهم شياطين الشعر؛هم الذين كانوا معي .. أنتِ على صواب.. وأنا أضع أساسيات قصيدة أنوي كتابتها ،في ذم (داعش) ؛ و لكن هربوا مني هذه المرة ، و فرّوا بلا عودة ، لأنهم يكرهون (داعش) ،فهم يرون أنفسهم أفضل بكثير من هذه الثلة القذرة!!

...
                                                أحمد الحمد المندلاوي
5/4/2015م -  بغداد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 22 يونيو 2019

بقلم نجوى سالم

 " سرطان الحب "
_______________
 🦋🦋🦋🦋
 هكذا ترى  روحها ، و يراها الأقربون ، فكيف لها أن تستعيدها بنفس الخفة و اللياقة ؟
أصوات متداخلة و خيالات لوجوه  لا تكاد تعرفها
كلهم يقولون : ألف مبروك " يا ماجي حمدا لله على سلامتك
ما كانش حد مصدق إنها هتعدي المرة دي على خير . .   بس انتي اتأخرتي قوي 
تنظر إليهم بعين نصف مفتوحة ، تضع كلتا يديها على رأسها التى هشمها الصداع 
تهمس بصوت غير مسموع :  آ ا ا ا ا ا ا ه
حاسه كأني كنت في كابوس
منهكة بشكل غير عادي
عاوزه أفضل نايمه طول الوقت
انا بحاسب نفسي ليه كده بقسوة ؟!
مش مصدقة إن عمري اتسرق مني
موجوعة من الأذية ، و الإهمال و السفالة اللي اتعاملت بيها ، و حزينة على عمري اللي راح هدر  . . .
تنتبه إليها ليلى ( زوجة أخيها ) :  بتقولي إيه 
يا ماجي ؟  عاوزه حاجه ؟
لا . . لا . . انا فين؟!
_ انت هنا . . .  و سط حبايبك اللي بيحبوك بجد و بيخافوا عليكي زي عيونهم
_ ليه أنا تعبانه قوي كده ؟!
  محتاجة فترة نقاهة طويلة كاني عوفيت من سرطان عاطفى بمعجزة إلاهية بحق
 تنظر في كفيها ، ترى أثر لون أزرق على إبهامها كأنها كانت تبصم على وراق  ما . .تنظر متعجبة تسأل هالة : ما هذا ؟
تجيبها هالة مبتسمة كان عم الشيخ  سعيد
بياخد بصمتك على صك الحرية 
يدخل د/ باسم متهللا قائلا : خلاص ياستي 
كتبنا لك خروج  . . مبروك قضينا على سلطان الحب نهائيا   و الباقي عليكي انتي

بقلم نجوى سالم        🦋🦋🦋🦋