الاثنين، 5 يونيو 2023

محمد الدليمي

 الاسم المشتق( المصدر الصناعي ) : أحب أن أفسر هذه اللغة العظيمة وما يجري على ألسنتنا إلا لتظهر ما في قلب الإنسان من نية أو فعلا يريد القيام به، وأخص بالذكر هنا ما كان مصدرا صناعيا، وما كان بقية من المشتق، وأيضا يشملها هذا الحديث ما جعلك تتوهم به؛ فالغتنا العظيمة فصيحة بائنة لا تقبل الغموض، بل لا ترضى بغير الفصيح البائن. 

وقد اشرقت الأرض بنور ربها وأنزلت اللغة العربية، بائنه على محتوى الحياة الدنيا ، فلا معنى يشاكل معنى ولا لفظ يعاضد لفظ أخر ولا يشتركا بالقسمة مع بعضيهما ، وحجتنا في قوله تعالى ( إنما أمره إذا أراده شيئا أن يقول له كن فيكون ) فلو اشتركا بأحد طرفيها لأختلط الأمر على المأمور . 

فلفظة ( جمهورية ، مظلومية  ) كلها لا تنبئ عن حقيقة وإنما تنبئ بعض من معناها؛ فيحتاج الإنسان إلى تأويل اللفظ حتى يظهر مبتغاه ولا يصل إلى معناه الحقيقي بالبته. 

وهذا ما يسمى بتحريف المعنى عن أصله كي نصل لمفهوم نتعامل به، فقولك جمهورية لا تنبئ إلى شيء تقصده من خلال اللفظ وإنما ستسقط عليه حجة الأشتراك بالأمر ، وهذا يقودنا إلى أمر الشورى الذي أمر الله به، والشورى تكون لمن لهم العلم والسلطة ( فهي نافعة لا ضارة ) أما الجمهورية فهي اشتراك الناس جميعا في الأمر  ( ضرها أكبر من نفعها )، هذا من وجه اللغة، وتقع المظلومية، بوقع الظلم على أخر فنقول مظلمة ومظلومية فلان ويراد بها تأويل اللفظ كي نفهم ما المقصود لأنها مشتقة من اسم المفعول مظلوم مضاف إليه ياء النسب، وهو مصدر صناعي،  وهذا ما يجعل الأمر أكثر اشتباكا وأكثر  جهلا لمن استفقد المعنى الذي لا يصل لقراره أو معناه الحقيقي. 

ولمفهوم المعنى عن اللفظ فلألفاظ التي كست المعاني فهي أما ثلاثي أو رباعي أو خماسي، وكلها حروف أصلية، أما المعاني الظاهرة على اللفظ وتسمى ألفاظ المعاني، كأخواتها التي يظهرها السياق من ألفاظ الحروف الأصلية ( الثلاثي والرباعي والخماسي والسداسي وهو قليل  كاستحوذ) ؛ فيظهر المعنى على اللفظ فينشئ فضاء خاص به، فكلما لحقته بالحقيقة المبتغاة ظهر إليك معنى أبعد وهكذا. ولنضرب مثالا كثير الأستخدام ( الجاهلية ) مصدر صناعي مشتق من اسم الفاعل ( جاهل ) ، فلو فتشنا عن معنى الجاهلية ما استقرت لمعنى بالبته ، ولكن لو فتشنا عن الاسم المشتق جهل لفهمنا إنه لا علم له، وفهم السامع ما تريد قوله عنه. ولكن قولك رجل يعيش في الجاهلية لن تستقر لمعنى ولن تجد لهذه الجملة من قرار.

لغتنا العظيمة لا تقبل الغموض ولا تقبل التأويل للوصول للحقيقة الجزئية، وإنما تقبل الفصيح الواضح البائن .

وقد جرت عادة الإنسان على تهويل ما يصوره للناس، فيبدأ باستخدام ألفاظ المصادر الصناعية المشتقة ، أو باستخدام اسم الألة الذي يحتاجه في تهويله؛ وهذا ما يسمى الكذب المبالغ فيه.

كانت العرب منذ القديم تنبئ بفراستها لمن علم اللغة وتعلم علومها فهي تلك الألفاظ نفسها التي نستخدمها اليوم، كان في القديم يستخدمونها، وبما إنها لغة الوحي فهي تنبئ عن صدق كلامك من كذبه ، بل الأكثر من ذلك فهي تنبئ عن شخصيتك التي تتحاور بها للأخرين كله من خلال الألفاظ التي يستخدمها الإنسان لأخيه الإنسان الأخر.



محمد الدليمي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق