‏إظهار الرسائل ذات التسميات قراءة تقدية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قراءة تقدية. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 11 فبراير 2022

حافظ محفوظ // تونس

 قراءة في قصيدة "مثل عجوز بيتر بيخسّل" تقريبا

                                                                                                     لمنصف الوهايبي




"في غرفتي في الطّابق العلويّ أشيائي كما خلّفتها: صحف مكدّسة ومذياع ومائدة وكرسيّ ودولاب وسجّاد ومرآة وألبوم لعائلتي التي كانت، ولم أفتحه إلاّ مرّة ( أمّ وطفلاها)، وثمة لوحة فوق السّرير كأنّها "سرّ السّنونو". 

كان يوما مشمسا ففتحت شيّاكي المطلّ على حديقة جارتي أعني على بلكونها، وهي الوحيدة دائما أو هكذا خمّنت منذ رأيتها في الأزرق الصّوفيّ صحبة كلبها، ونظرت لم أرها كعادتها تقدّم ماءها للزّهر مثـل السامريّة للمسيح( لعلّ بئرا غاض) أو تعطو بعين الديّك نحو قرنفل يحمرّ. لم أرها كعادتها تمسّح كلبها الكانيش إذ يثغو، بأزهار الحواشي أو تهدهده ، وهذا اليوم لا برد ولا قيظ. و أبعد،  في الطريق رأيت طفلا يستحثّ حصانه الخشبيّ مأخوذا بلعبته، ولكنّي عجبت لأنّني ما عدت أسمع،  رغم ثقل الصمت دقّات المنبّه أو صياح الطفل.  قلت لعلّ شيئا ما تغيّر، أم ترى أذني بها وقر؟ وأشيائي كما الأشياء، أسمائي كما الأسماء، ألبومي هو الألبوم، مرآتي هي المرآة، سجّادي هو السّجاد، دولابي هو الدولاب، قلت إذن أبدّل هذه الأسماء، ألعب لعبتي الأولى: كأن أدعوك يا مذياع... صنبوري ويا مرآة كرسيّي ويا ألبوم مرآتي ويا سجّاد دولابي ويا دولاب أنت حديقتي " سرّ السنونو" أنت مائدتي ومائدتي هي السجّاد يا كرسيّ أنت منبّهي ومنبّهي ألبوم عائلتي سريري لوحتي صوت المذيعة ضفدعي صحفي سريري الباب نهري جارتي ديكي ... ورحت أبدّل الأسماء أسمائي وألعب لعبة الشعراء.

شبّاكي سلحفاتي نبيذي ببغائي زهرتي قطر الندى الأطفال أسماكي وأضحك عاليا وأقول لي حسنا تغيّر كلّ شيء. 

كان يوما مشمسا فجلست مبتهجا إلى السجّاد ثمّ ملأت كأسي ببغاء واحتسيت كما اشتهيت وكان حلوا حامضا ونظرت في بعض السرير لمحت نعيا بائتا وقرأت أخبار الطيور فكدت أعطس مثلها وأقول زائرتي كأنّ بها حياء أم ستزورني؟ ثمّ اضطجعت بلوحتي وفتحت صنبوري فخشخش ضفدعي.

لم أدر حقّا كيف نمت وكم؟ سوى أنّي لمحت الضوء أصفر من سلحفاتي وكنت نسيتها مفتوحة وسمعت دقّات من الألبوم عالية وطقطقة من الصنبور خافتة ونهضت وقفت من برد على الدولاب ثمّ سحبت من الحديقة معطفي ونظرت في الكرسيّ لم ألمح سوى عيني مطوّقة بزرقتها كما هي دائما.

أحسست أنّي لم أنم فجلست فوق منبّهي وسحبت سجّادي إلى ضوء الطريق كعادتي ليلا ورحت أقلّب المرآة مائدة فمائدة موائد كلّها كانت لنا ( أمّ وطفلاها السّوالف مثل أجنحة السّنونو كنت أبسم حذوها) وذكرت أغنية لنا " قد كان عندي بلبل" كنّا نغنّيها أنا وأخي بصوت صليحة فترنّ ضحكتها .

وقلت إذن أترجمها إلى لغتي فقد والله تشبهني وتشبه حالتي  قد كان عندي صرصر حسنا أترجم إذ أخون وصرصري في حقّة زرقاء من خشب ولا قفص ولا ذهب وأضحك عاليا وأكاد أرقص إذ سمعت الدّيك من غضب يدقّ النّهر وهو يصيح كفّ ستوقظ الأطفال واستغرقت في ضحكي فماذا تفعل الأسماك عند الديك قل أم هل أصاب الديك مسّ ؟ 

غير أنّي قلت معتذرا لها وكأنّني أثغو: 

خذي قطر النّدى هي كلّ ما عندي ولكن لو دخلت لديّ بعض الببغاء ولوحتي تحتاج من زمن إلى ديك كجارتنا العزيزة". 


                     حين يصبح الشّاعر العربيّ صرّارا في حقّة من خشب

                                    "هشاشة الجميــــل"

                                   قراءة في قصيدة"مثل عجوز بيتر بيخاسل تقريبا"*

                                                 للمنصف الوهايبي


                                                                               ــــــــــــ حافظ محفوظ

يتّسم المنجز الشعري للمنصف الوهايبي  بالتّجريب، وهي سمة لا يعسر على القارئ تتبّعها وتمثّل ملامحها. ومن مظاهر التجريب لديه الاشتغال ضمن مشروع متكامل يظهر على شكل كتاب تتظافر نصوصه لتشكّل وحدة بارزة. هذا النوع من الكتابة يقتضي من الشّاعر التخطيط لما يكتب والبناء الواعي للنّصوص، فهو يصنع قصيدته ويباشرها راسما لها غاية إن صحّت العبارة  ويدخلها مسلّحا ببرنامج قوليّ محدّد يعدّل حدسيّا وجماليا. بهذا تكفّ الكتابة الشعريّة عند المنصف الوهايبي عن أن تكون انفعالا أو استجابة وجدانية لمثير خارجيّ، لكنّ ذلك لا يعني الاستجابة لغرض من الأغراض أي الانصياع لفعل النظم بمعناه المسطّح.

إنّه يكتب عالمه إن شئنا، مسخّرا من اجل ذلك ثقافته وذائقته بعيدا عن مستلزمات المشافهة والإنشاد وهو ما يطلق عليه النّاقد حسن البنّا عزّ الدين  ( الوعي الكتابيّ )الذي يفترض فيما يفترض وجود استراتيجيا كتابيّة واضحة تقطع مع الشفاهيّة المطلقة التي ما تزال تطبع أغلب الشعر التّونسي والعربيّ عموما، وتسجنه داخل إطار الحضور والزّمانيّة فكأنّما هو شعر مكتوب للإلقاء ينتهي تأثيره بمجرّد نزول الشاعر عن المنصّة فإذا قرأته بعد ذلك وهن تأثيره فلا يحتاج منك إلى جهد لبلوغ معانيه فهي على رؤوس ألفاظه، ولا يستدعي تأويلا لتعرية عنصره وعنصره الأسمى صوت منشده وآداؤه.

أمّا نصوص منصف الوهايبي لاسيّما تلك التي كتبها في العشريّة الأخيرة  فإنّها من جنس تلك النّصوص المفتوحة على التّأويل ذات بنى متداخلة ونسيج معقّد تعقيدا يشدّ إلى طرفيه اللّغويّ والدّلالي وتفرض على قارئها اللّطف في النّظر والمغالبة في التحليل والفهم والمجاهدة للوصول إلى الحقيقة فيها. إنها تتطلّب من القارئ أن يكون داخلها لا خارجها وهو الأمر الذي يستدعي قارئا نموذجيّا يعيد صياغة النصّ ويتأوّله تأويلا. يقول الشاعر في مقالة له: " ثمّة دائما شخص آخر هو رفيق غامض يتقدّم فيعلن عن ميلاد قصيدة ثمّ يعقبه آخر فيضخّ فيها دما جديدا."  

وقراءة التأويل تتبرّم من المنهج معتبرة إيّاه عائقا أمام بلوغ حقيقة النصوص. وكثيرا ما صرّح أصحاب هذا الاتّجاه أنّ المنهج النّقديّ مهما اتّسعت مداراته إنّما يجيب عن أسئلته أكثر ممّا يجيب عن أسئلة النّصوص. والقارئ النّموذجيّ في عرف التّأويل هو البديل المثاليّ للكاتب النّموذجيّ. والأثر المفتوح دعوة لمشاركة المؤلّف كتابة أثره.  (L'œuvre ouverte est une invitation à faire l'œuvre avec l'auteur)                

"لأنّ النصّ يمكن أن يحتوي نصّا مضمرا أو نصّا تحتيّا sous-texte يندسّ وينزلق بين الكلمات المرئيّة المقروءة ".  

يقول الدّكتور عدنان الظاهر: " أقرأ شعر المنصف الوهايبي ... فأجد نفسي وجها لوجه مع وأمام الشاعر. قلّة من الشعراء من يملك هذه القدرة على استحضار القارئ وإفراد المكان الذي يستحقّ في نصوصه. لا أبالغ إذا قلت إنّي أجد نفسي على صفحات الديوان بل وفي كلّ سطر، بل وما بين كلمات السطر الواحد. الفراغ الأبيض يملأه القارئ ضيفا كريما مكرّما على الشاعر. يدعوه الشاعر أن يشاركه فيما يقرأ من تصوّرات وأفكار وانفعالات ومشاعر ومن ثمّ في أن يقف منه موقف الدّارس والمحلّل والنّاقد. لا يدع القارئ أن يمرّ على شعره مرّ الكرام. يرغمه على التّفكير وعلى التّساؤل وأن يقاسمه جميع معاناته. وهذا ضرب جديد من الشّعراء." 

من أجل هذا تخيّرنا من مدوّنة الشاعر منصف الوهايبي نصّا له لم يضمّه كتاب من كتبه المنشورة هو قصيدة " مثل عجوز بيتر بيخاسل تقريبا " وقد استمعت إليه في أكثر من مكان وقرأته منشورا في جريدة القدس العربيّ. 


النصّ مرتع نصوص:

إنّ أمر هذه القصيدة غريب حقّا، فلو نزعنا عنها لعبة الأسماء التي يغرينا بها الشاعر فإنّنا لا نكاد نعثر منها على شيء غير مذكور في قصائد أخرى بشكل أو بآخر. أعني أنّ جلّ العبارات المكوّنة لهذا النصّ مستدعى من نصوص أخرى وردت في مجاميعه المنشورة أو في قصائد مفردة له اطّلعنا عليها. أتراه يؤكّد قول زهير بن أبي سلمى إذ يقول:

وما أرانا نقول إلاّ معارا             أو معادا من قولنا مكرورا

أم أنّ الأمر يتجاوز ذلك ليصعد بهذا النصّ إلى مكانة أثيرة لدى الشاعر فيكون جماع نصوصه وخلاصة بيانه؟ 

أم أنّ اللعبة لا تقتصر عنده على اللعب بالأسماء كما ورد داخل هذا النصّ بل تتعدّاها إلى اللعب بالنّصوص، لعبا يجبر القارئ لا على تتبّع مقاطع هذا النصّ بالتدقيق والتثبيت فحسب إنّما يجبره على تتبّع القصائد القديمة للشاعر أيضا؟

سنحاول فيما يلي  أن نربط بين هذه القصيدة وأخيّات لها سابقات معتمدين في ذلك على أوجه الشبه بينها  ( لا نريد أن نستعمل ها هنا مصطلحات نقدية تعني ما نذهب إليه مثل مصطلح التناص أو مصطلح التّطريس، فإنّني في الأصل أحاول الاقتراب شخصيّا من هذا النصّ ولا غاية لي من خلال هذا العمل غير المتعة الذاتية و بلوغ أقصى ما يمكنني من فهم. إضافة إلى أنّ التأويل وإن زعم  بعض روّاده، كما زعم أصحاب نظرية التلقّى، ارتكازه على ثوابت يمكن تفصيل القول فيها، يتجرّد من كلّ ما له علاقة بالمنهج لأنّه فعل يعتمد الخبرة القرائيّة والذائقة الفنّية والرّؤية الجماليّة وهي أمور إلى الحريّة أقرب منها إلى القيود.

" فتحت شبّاكي المطلّ على حديقة جارتي أعني على بلكونها وهي الوحيدة دائما أو هكذا خمّنت منذ رأيتها في الأزرق الصّوفيّ صحبة كلبها".

- الحقّ أقول أنا أتلصّص من نافذتي فإذا أبصرت بجارتي تخرج و الكلبة، ناديت على كلبي وخرجنا مثلهما نتنزّه أو نتسكّع في الطرقات.

" لم أرها كعادتها تمسّح كلبها الكانيش إذ يثغو، بأزهار الحواشي أو تهدهده".

- فجارتنا لم تخرج هذا اليوم على عادتها والكلبة لم تنبح في هذا الوقت على عادتها.

- ثمّة كلب أطلّ من نافذة السيّدة التي كانت تستقبلنا منذ عشرين عاما.

" وأبعد في الطريق رأيت طفلا يستحثّ حصانه الخشبيّ مأخوذا بلعبته".

- طفل صغير يستحثّ حصانه... وكان حصانه الهزّاز من ساج قديم.

- لا شيء غير حصانك الهزّاز يا ابني، عاريا بردان، يقبع بانتظارك، غير حسرتي الأخيرة.

" أمّ وطفلاها، السّوالف مثل أجنحة السّنونو".

- كان جناحه المخضوب مرآة لأمّي.

- أين السّنونو في سماء البئر يهوي ثمّ يهوي .

_ كان جناحه المخضوب بالحنّاء منسدلا ...

- اللّيل أجنحة السّنونو...

"  و نظرت في الكرسيّ لم ألمح سوى عيني مطوّقة بزرقتها كما هي دائما".

- لم تزل عين مطوّقة بزرقتها تشيّعنا.

"وذكرت أغنية لنا " قد كان عندي بلبل " كنّا نغنّيها أنا وأخي بصوت صليحة فترنّ ضحكتها. وقلت إذن أترجمها إلى لغتي فقد، والله، تشبهني وتشبه حالتي، قد كان عندي صرصر حسنا أترجم إذ أخون وصرصري في حقّة زرقاء من خشب ولا قفص ولا ذهب...".

- أن يضحك منّي صرّار ذهبيّ أخرجه فتحي النّصري من أحقاق طفولته فيما كان يفكّر في غيلفيك.

        يمكن أن نذكر أمثلة أخرى سواء كانت جملا كاملة أو عبارات أو كلمات مفاتيح أو إحالات على أماكن بعينها أو أشخاص... استدعاها المنصف الوهايبي إلى نصّه هذا، بل قل ركّب منها هذا النصّ تركيبا. فماذا يكمن وراء هذا الفعل الواعي؟ 

هل نضب المعين كما غاض ذاك البئر الذي كان للجارة؟

ما دلالة هذا التّوظيف للقصائد القديمة؟

هل لهذا علاقة بالحقيقة الكامنة داخل النصّ؟ وما هي هذه الحقيقة، حتّى لا نقول ما هو مقصد الشاعر وحتّى لا نقول ما المعنى الذي يريد إيصاله للقارئ؟ 

محاولة لاكتشاف النصّ:

من الجليّ أنّ الشاعر بنى قصيدته على حكاية ونقصد بذلك تواجد بنية سرديّة واضحة يمكن تحديد مقاطعها أو إن شئت مختلف وظائفها. وهي نزعة درج عليها في أغلب كتاباته في السنّين الأخيرة بل ونجد لها آثارا حتّى في كتابه الأوّل "ألواح" ولا نطمح هنا إلى تبيّن العلاقة بين السّرديّ والشعري في تجربة الوهايبي فقد تناول هذه المسألة غيرنا  بكثير من البراعة و بحث في مفهوم توظيف الحكاية وما يتّصل بها من دلالات. حسبنا أن ندرك هذا النصّ في سرديّته كما نفعل حين نريد تلخيص حكاية وتقديم أحداثها بعد القراءة ولكنّنا نرى لغاية تجريد النصّ الأصليّ من لعبة التّسميّة و إعادته إلى أصله كما لو أنّها لم تكن فيه أصلا. على ذلك يكون كما يلي: 


في غرفتي في الطّابق العلويّ أشيائي كما خلّفتها: صحف مكدّسة ومذياع ومائدة وكرسيّ ودولاب وسجّاد ومرآة وألبوم لعائلتي التي كانت، ولم أفتحه إلاّ مرّة ( أمّ وطفلاها)، وثمة لوحة فوق السّرير كأنّها "سرّ السّنونو". 

كان يوما مشمسا ففتحت شيّاكي المطلّ على حديقة جارتي أعني على بلكونها، وهي الوحيدة دائما أو هكذا خمّنت منذ رأيتها في الأزرق الصّوفيّ صحبة كلبها، ونظرت لم أرها كعادتها تقدّم ماءها للزّهر مثـل السامريّة للمسيح( لعلّ بئرا غاض) أو تعطو بعين الديّك نحو قرنفل يحمرّ. لم أرها كعادتها تمسّح كلبها الكانيش إذ يثغو، بأزهار الحواشي أو تهدهده ، وهذا اليوم لا برد ولا قيظ. و أبعد،  في الطريق رأيت طفلا يستحثّ حصانه الخشبيّ مأخوذا بلعبته، ولكنّي عجبت لأنّني ما عدت أسمع،  رغم ثقل الصمت دقّات المنبّه أو صياح الطفل.  قلت لعلّ شيئا ما تغيّر، أم ترى أذني بها وقر؟ وأشيائي كما الأشياء، أسمائي كما الأسماء، ألبومي هو الألبوم، مرآتي هي المرآة، سجّادي هو السّجاد، دولابي هو الدولاب، قلت إذن أبدّل هذه الأسماء، ألعب لعبتي الأولى: ورحت أبدّل الأسماء أسمائي وألعب لعبة الشعراء.

وأضحك عاليا وأقول لي حسنا تغيّر كلّ شيء. 

كان يوما مشمسا فجلست مبتهجا إلى المائدة ثمّ ملأت كأسي نبيذا واحتسيت كما اشتهيت وكان حلوا حامضا ونظرت في بعض الصّحف لمحت نعيا بائتا وقرأت أخبار النّاس فكدت أعطس مثلهم وأقول زائرتي كأنّ بها حياء أم ستزورني؟ ثمّ اضطجعت بسريري وفتحت مذياعي فخشخش صوت المذيعة.

لم أدر حقّا كيف نمت وكم؟ سوى أنّي لمحت الضوء أصفر من نافذتي وكنت نسيتها مفتوحة وسمعت دقّات من المنبّه عالية وطقطقة من المذياع خافتة ونهضت وقفت من برد على السجّاد ثمّ سحبت من الدولاب معطفي ونظرت في المرآة لم ألمح سوى عيني مطوّقة بزرقتها كما هي دائما.

أحسست أنّي لم أنم فجلست فوق كرسيّي وسحبت مائدتي إلى ضوء الطريق كعادتي ليلا ورحت أقلّب الألبوم صورة فصورة، صوّر كلّها كانت لنا ( أمّ وطفلاها السّوالف مثل أجنحة السّنونو كنت أبسم حذوها) وذكرت أغنية لنا " قد كان عندي بلبل" كنّا نغنّيها أنا وأخي بصوت صليحة فترنّ ضحكتها .

وقلت إذن أترجمها إلى لغتي فقد والله تشبهني وتشبه حالتي  قد كان عندي صرصر حسنا أترجم إذ أخون وصرصري في حقّة زرقاء من خشب ولا قفص ولا ذهب وأضحك عاليا وأكاد أرقص إذ سمعت جارتي من غضب تدقّ الباب وهي تصيح كفّ ستوقظ الأطفال واستغرقت في ضحكي فماذا يفعل الأطفال عند جارتي قل أم هل أصاب جارتي مسّ؟ 

غير أنّي قلت معتذرا لها وكأنّني أنبح: 

خذي زهرتي هي كلّ ما عندي ولكن لو دخلت لديّ بعض النّبيذ وسريري يحتاج من زمن إلى امرأة تشبه جارتنا العزيزة. 


المكان: غرفة في الطّابق العلويّ، بعيدة عن الأرض، خلوة يهرب إليها الشاعر كلّما ثقلت عليه الهموم وحزّ روحه الواقع، وهو مكان لا هو بالأرضيّ ولا هو بالسماويّ هو بين هذا وذاك. عاد إلى غرفته بعد أن خلّفها لمدّة لا نعرفها قد تكون طويلة تفوق العشرين سنة( ثمّة كلب أطلّ من نافذة السيّدة التي كانت تستقبلنا منذ عشرين سنة) وقد تكون قصيرة، يوم واحــد أو بضعة أيّام( قرأت خبرا بائتا...)  

الزّمان: بين الظهيرة وساعات الليل.

الأحداث: فتح الشاعر شبّاكه المطلّ على بلكون جارته فلم يرها، تذكّر حديقة جارته القديمة في بيتهم القديم، بيت الطّفولة، تلك الجارة التي كانت تسقيه( تقدّم ماءها للزّهر مثل السامريّة للمسيح). وترعاه وهو يكبر( تعطو بعين الدّيك نحو قرنفل يحمرّ). وتمسّح عليه بيديها ( بأزهار الحواشي). وتهدهده ( الهدهدة للطّفل كي ينام). حين يبكي. 

البئر الذي كان مصدرا للماء ( لعلّه جفّ)

قال: لعلّ شيئا ما تغيّر.

هو لم ير جارته بل رأى نفسه حينما كان طفلا يستحثّ حصانه الخشبيّ مأخوذا بلعبته. ولم يعد يسمع صياحه القديم لذلك يقرّر أن يبدّل الأسماء ( أسماء الأشياء الحاضرة أمامه) هو يريد أن يغيّر الواقع، يطلق أسماء جديدة على ما يراه ويسمعه فكان أن انتقى تلك الأسماء الجديدة من قاموس طفولته:

الصنبور، الحديقة، ألبوم عائلته، ضفدع، نهر، ديك، سلحفاة، ببّغاء، أسماك...

                عاد إلى طفولته بفضل هذه الأسماء الجديدة فابتهج وشرب نبيذه( استبدل ماء الجارة الذي كان يرويه بالخمرة) "والخمرة هي ماء الحياة في عرف الشعراء، هي بديل لبن فسكر الصّوفي معنويّ ناتج عن الدّهشة والرّغبة في الاتّحاد بالذات الإلهية والخمرة بالنسبة إليه السبيل الوحيد لإظهار الشيء وجلاء الغموض عنه . 

             تلتقي الخمرة والماء في الإمداد بالحياة فالماء في سيله يسقي الطلل ليعيد إليه حياة سلبها منه الزمن إنّه رواء الأرض  الرواء المعادل لحليب الأمّ في فترة الطفولة أمّا الخمرة فهي ما يسقي ذاتية الشاعر بغية الإحساس بمتعة اللحظة على الأصحّ بغية الحياة . لكأنّ الشاعر بلا هذه الخمرة لا يحيا حياته أو لا يوجد في زمنه إنّها حياته وحليبه الذي يرنو ويتطلّع إليه."  

            شرب إذن خمرته ونام كما لو أنّ جارته سقته وهدهدته وحينما استفاق من نومه استفاق من وهمه( لم أدر كيف نمت وكم). فأراد مواصلة تلك اللذّة الرّوحية لذلك فتح ألبوم العائلة وأخذ يقلّب صوره ( ركّز في النصّ على صورته وهو يبتسم حذو أمّه وأخيه) وهي الصّورة التي ذكّرته بأغنية " قد كان عندي بلبل".

          لقد كان الشاعر في الماضي بلبلا في قفص من ذهب وها هو اليوم صرصر في حقّة من خشب. 

        هذه هي إذن حالة الشّاعر كما يقول ( فقد، والله تشبهني وتشبه حالتي). فيكون ضحكه العالي من حالته تلك ضحك كالبكاء. يحتاج من يسكته ويهدهده ليعود إلى النّوم كما في الطّفولة. لابدّ من الجارة وهي رمز العطاء والحبّ والطمأنينة. لذلك طلب حضورها في الحاضر. وسمع طرقا على باب بيته ولكن... لقد كانت الجارة غاضبة هذه المرّة وعوض أن تمنحه ما يحتاجه فقد صاحت به أن كفّ عن البكاء والتبرّم من الواقع وعن الشكوى من الحاضر لألاّ يستيقظ الأطفال النّائمين أي لألاّ تنتقل شكواك إلى بقيّة الأطفال فيستفيقوا من غفوتهم و يبصروا حقيقة الواقع. وتتحوّل دلالة الجارة ممّا كانت عليه في الماضي إلى رمز للسّلطة القامعة التي تسكت صوت الحريّة.

                        كلّما قام في البلاد خطيب      موقظ شعبه يريد خلاصه 

           وإذا عدنا إلى الدّيك في الأسطورة العربيّة وجدنا له دلالات أبرزها الديك الكوني  وديك العرش أو إن شئنا الأنموذج العلويّ الذي عليه سائر ما على الأرض. والدّيك الكوني ديك أسطوريّ أو ملك بحجم الكون رجلاه في تخوم الأرض السفلى وعنقه مثنية تحت العرش وقد أحاط جناحاه بالأفق مشرقا ومغربا. يقول الكسائي في قصص الأنبياء عن هذا الديك " الدّيوك كلّها من هذا الدّيك" ص 66. وعليه يصبح المطلوب من تسميّة الجارة في هذا النصّ بالدّيك تمثيلها للسلطة التي تريد أن يكون الكلّ على شاكلتها أي تابعا لها وإلاّ فإنّها ستسكت صوته.

          ولكنّ الشاعر يواصل الضحك رغم غضب الدّيك( الجارة) ( السلطة) ويتساءل باستغراب واستهزاء " ماذا تفعل الأسماك عند الدّيك؟" أي ماذا يفعل الأطفال عند الجارة وهي الوحيدة دائما؟ كما يقول في بداية النصّ أي ماذا دهى الناس حتّى يناموا ويطمئنّوا لهذا الدّيك أعني لهذه السّلطة؟ 

هل أصاب الدّيك مسّ؟

هل جنّت هذه السّلطة، فتتصوّر أنّ الأطفال (الشعب) نائم عندها؟

             و يواصل الشاعر استهزاءه فيعتذر من الجارة بمدلولها الذي ذكرنا ويهديها زهرته "وهي لسلاسة بنائها ورقّتها وتنوّع ألوانها وظهورها في فصل الرّبيع قد أصبحت في الأعراف رمزا واستعارة ومجازا وصورة للطّراوة والشّباب وصورة للأناقة الأنثويّة" هي كلّ ما يملكه الشاعر (؟؟؟) ويعرض عليها خمرته لعلّها إذا شربت عادت مثله إلى صورتها القديمة التي في خيال الشاعر والتي يحتاج إليها أي يحلم بها من زمن تلك الصّورة المثالية لعالم يسود فيه العدل والحرية والخير. ولوحتي تحتاج من زمن إلى ديك كجارتنا العزيزة. وجارتنا هنا ليست صاحبة البلكون بل هي صاحبة الحديقة وليست صاحبة الكانيش بل صاحبة الكلب الحارس وليست تلك التي تريد إسكات غنائه بل تلك التي تقدّم له ماءها مثل السّامريّة للمسيح. جاء في إنجيل يوحنّا أنّ المسيح غادر أورشليم منطلقا إلى الجليل وكانت طريقه تمرّ عبر مدينة السّامرة. وكان قد أرسل تلاميذه إليها ليبتاعوا طعاما، وفي غيابهم توقّف عند بئر يبدو أنّها كانت تخصّ يعقوبا، أحد أجداد الشعب اليهودي. فصادف هناك امرأة سامريّة وطلب منها أن تعطيه بعض الماء ليشرب، فتحيّرت المرأة، كيف أنّه وهو اليهوديّ، يطلب أن يشرب من سامريّة، ذلك أنّ الشعبين كانا يتبادلان ضغينة دينيّة وقوميّة منعتهما من إقامة أية علاقة بينهما فأجابها المسيح:

" لو كنت تعرفين مبادئي لما حكمت عليّ بحسب القاعدة الشائعة بين اليهود ولما كابدت في ذاتك أيّ تردّد في أن تطلبيها منّي ولكنت فتحت أمامك نبعا آخر للماء الحيّ الذي يطفىء عطشك إذا غرفت منه، فهو الماء الذي ينبجس منه نهر يقود إلى الحياة الأبديّة  ".

            يطلب الشاعر وهو النبيّ أن يتعرّف الآخر الممثّل هنا بالسلطة مبادئه قبل أن يحكم عليه بحسب ما يشاع أي دون علم بالحقيقة التي يحملها داخله. إنّه يطلب من الآخر أن يسمعه ويتواصل معه تواصلا يؤدّي إلى التّساقي فالشاعر يؤمن أنّه قادر على أن يفتح أمام الآخر نبعا للماء الحيّ الذي يطفىء عطشه إذا ما أعدم كبرياءه و فتح بابا للحوار الحرّ. 

     يهوذا خان المسيح، فصلب.  ولكنّ كلماته الدّاعية إلى الحبّ بقيت في الأرض ولم تمحها سلطة بيلاطس. كذلك الشعر الجيّد الصّادق، يبقى في النّاس ...

نقرأ في قصيدة يوميات برجوازي صغير للمنصف الوهايبي:

"يا صديقي ما الذي نفعله في زمن 

تحكمه أجهزة القمع وسيف الخونه

ما الذي نفعله في زمن

مارسوا فيه دروب القتل والزّيف

وغسل الأدمغه

غير أن نكتب شعرا

فيه شيء من خيوط الأمل

ربّما يقرأ شعري عامل في منجم

يفتح في الصّخر طريقا

ربّما يهتف في أصحابه كان رفيقا." 

على شاكلة السيموزيز :

         يمكن أن نواصل قراءتنا لهذا النصّ بتحديد الثغرات الموجودة فيه أو بالبحث عن مستويات أخرى للتأويل ( التأويل المضاعف ) على حدّ عبارة أمبرتو إيكو في كتابه الأثر المفتوح . كأن نتّجه إلى الألوان المستعملة داخل النصّ فنلاحظ طغيان الأزرق فقد ذكر في ثلاثة مواضع، بينما لم يذكر الأحمر إلاّ في موضع واحد( تعطو بعين الدّيك نحو قرنفل يحمرّ ) وكذلك الأصفر ( سوى أنّي لمحت الضوء أصفر من سلحفاتي ) في حين غاب اللّون الأسود (  وهذه الألوان هي الألوان الأساسيةالأربعة).

" منذ رأيتها في الأزرق الصّوفي"

" لم ألمح سوى عيني مطوّقة بزرقتها كما هي دائما"

"وصرصري في حقّة زرقاء من خشب" 

              نلاحظ في هذه الاستعمالات أنّ الشاعر جعل اللّون الأزرق فيما يحيط أي في الغلاف والغشاء ففي الموضع الأوّل هو للثّوب الذي يحيط بالجسد، جسد الجارة ( ولما كانت الجارة كما ذهبنا إلى ذلك صورة للسّلطة ) فنفهم أنّ السّلطة مغلّفة بالزرقة. وفي الموضع الثاني هو للموجودات التي تحيط بالعين أي كلّ ما يمكن أن تبصره وهو الواقع الماثل أمام العين. أمّا في الموضع الثالث فهو للحقّة التي يعيش داخلها الصرصر أي الشاعر وهي عالمه كاملا . 

         ولمّا كان الأزرق دلالة على التعفّن والفساد ( هذه الأرض زرقاء كبرتقالة) أي متعفّنة وفاسدة . فإنّ الفساد والتعفّن سيطال بالتّالي السّلطة والواقع والعالم، وهي قمّة التشاؤم والسوداوية التي عليها الشاعر. ولعلّ اللّون الأسود الغائب هو لون دواخل الشاعر.

          أمّا إذا ما وجّهنا النّظر إلى العناصر الأولى للحياة وهي الماء والهواء والتّراب والنّار فسنلاحظ حضورا مكثّفا للماء يأتي بعد ذلك التّراب والهواء في حين تغيب النّار كما غاب اللون الأسود في الألوان. فلا نكاد نعثر على ما يحيل إليه إلاّ في دلالة الحمّى التي في قول الشاعر" وأقول زائرتي كأنّ بها حياء أم ستزورني" ويحيل هذا القول على قصيدة للمتنبّى هي قصيدة الحمّى ومنها:

       وزائرتي كأنّ بها حيـــاء        فليس تزور إلاّ في المنــام

       فرشت لها المطارف والحشايا         فعافتها ونامت في عظـامي 

          فالنّار إذن تسكن دواخل الشّاعر كما سكنها اللّون الأسود. ومن دلالات النّار العذاب والحرقة والحيرة والخوف وضع ما شئت من الدلالات فهي كثيرة ولا ريب.

          أمّا في خصوص لعبة التّسمية التي انبنى عليها النصّ، بل لعلّى لا أجانب الصّواب إذا قلت ركّب حوله نصّ هو في الحقيقة شذرات من نصوص أخرى للشاعر فإنّنا يمكن أن نقسّمها إلى ثلاثة أقسام:

1) تغيير أسماء  الأشياء الموجودة داخل الغرفة تغييرا بينيّا فيأخذ هذا الشيء اسم الشيء الآخر (  الصّحف/ السرير، المائدة/السجّاد، السجّاد/الدّولاب، المرآة/الكرسيّ....) هذا القسم يشار إليه داخل النصّ بقول الشّاعر أبدّل هذه الأسماء، ألعب لعبتي الأولى. 

2) إطلاق أسماء حيوانات على الأشياء ( شبّاكي سلحفاتي، الأطفال أسماكي، نبيذي ببّغائي، صوت المذيعة ضفدعي) هذا القسم يشار إليه داخل النصّ بقول الشّاعر ورحت أبدّل الأسماء أسمائي وألعب لعبة الشّعراء. 

ففي القسم الأوّل يقول الشاعر ( أبدّل هذه الأسماء) أمّا في القسم الثاني فيقول ( أبدّل أسمائي).

ويقول في القسم الأوّل ( ألعب لعبتي ) أمّا في القسم الثاني فيقول ( ألعب لعبة الشعراء ).

       فما دلالة ذلك؟ 

3) تغيير جملة كاملة هي طالع أنشودة حفظناها في طفولتنا ( قد كان عندي بلبل في قفص من ذهب) ب: ( قد كان عندي صرصر في حقّة من خشب)  هذا القسم يشار إليه داخل النصّ بقول الشاعر قلت إذن أترجمها إلى لغتي فقد، والله، تشبهني وتشبه حالتي. 

         هل تغيّر اللعب في هذا القسم إلى جدّ وإذا كان الأمر كذلك فهل نفهم أنّ اللعبة التي انخرط فيها الشاعر وهو في وحيد في غرفته قد قادته من تسميّة الأشياء حوله إلى تسمية ذاته فلم يجد اسما يطلقه على نفسه إلاّ الصّرصر أو هو صَرَّارُ اللّيل أي الجدجد وهو حشرة كالجراد يصوّت في الليل وهو أكبر من الجندب وبعض العرب يسميّه الصّدى.  

فهل الشاعر هنا مجرّد صدى وهو الصوت الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها أي أنّه لا يفعل إلاّ ترديد ما يقوله الآخرون وما يشعرون به فيكون بذلك لسان قومه وها هنا مماثلة جوهريّة، الشاعر باعتباره صورة مصغّرة لمجتمعه. 

    أم يكون الصّدى بمعنى العطش. تقول العرب صَدِيَ الرّجل فهو صَدٍ وصادٍ والمرأة صَدْيَا.  

     فإذا كان الشاعر عطشان فإنّه يطلب الرِّوى، أي يطلب الماء كما فعل المسيح مع السّامرية. فهو إذ يطلب الماء يطلب الحياة. 

    أمام ما سبق إذن، يمكن أن نجيب عن السؤال الذي طرحناه في البداية، فنقول إنّ اللعبة لا تقتصر عند الشاعر على اللعب بالأسماء من أجل اللعب بل تتعدّاه إلى اللعب بالنّصوص أي أنّه يعود إلى نصوصه القديمة كما عاد إلى حياته القديمة، إلى أمّه وأخيه وجارته وأناشيده وغرفته وغيرها..

      فكما عاد إلى كلّ ذلك ليأخذ منه ما به يواجه واقعه المرّ، عاد إلى قصائده القديمة ومن لحمها شكّل جسد قصيدته الجديدة.

     فماذا نطلب من شاعر يبوح لك بأنّه مجرّد صرصر في حقّة سوداء لا يرى شيئا ممّا حوله إلاّ أن يغوص عميقا في ذاكرته يبحث فيها عن قطرات من الضوء والأمل؟؟؟

     وحال شاعرنا هي حال أغلب الشعراء العرب المقيمين في أوطانهم. فهل علينا أن نطرد الشعراء العرب من أوطانهم ليعودوا إلى طبيعتهم بلابل مغرّدة للحبّ والأمل والحريّة أم نتركهم، فيظلّوا صراصير في حقق زرقاء من خشب؟



السبت، 5 فبراير 2022

هشام آلِ مصطفى /الجاف فهم اخر لرواية المغربي حسن اوريد ربيع قرطية



فهم اخر للرواية التاريخية

 

عن رواية ربيع قرطبة  للروائي المغربي حسن أوريد

   

لم اطلع على روايات (الموريسكي  ) و( سيرة حمار)

ورواية

(الاجمة) لحسن أوريد كي احكم على مجمل اعماله وتطوره السردي غير اني اطلعت مؤخرآ على روايته الاخيرة  ( ربيع قرطبة)  ومن محاسن الصدف انها كانت رواية تاريخية ضمن الموجة الحالية التي تعصف بروايات المبدعين العرب وكأنها رد  فعل على فوز  رواية تاريخية في اخر جائزة لل/بوكر 

(رواية موت سعيد )

فرواية / ربيع قرطبة /للكاتب المغربي  أوريد تقع ب ١٦٠ صفحة صادرة عن المركز  الثقافي العربي /ط بيروت    ٢٠١٧

متحدثا فيها  عن الخلافة العربية /الأموية في الأندلس

ومتعمقآ سرديآ في سراديب البلاط الأندلسي  ..عارضآ  بفن تخييلي جوانب الصراع الخفي  على كرسي الحكم

منطلقآ من جوانب نفسية ودينية واجتماعية  وأدلجة /سياسية عبر رؤية نقدية /منطقية تحلل الشخصيات ونصورها وتعرضها بإسقاطات تاريخية حسب فهم الحاضر

لتشكل رموزآ معبرة عن حكام اليوم وآسرهم واتباعهم

كما كانت 


تدار اللعبة في الماضي الأندلسي اشارة ذكية الى التشتت المغاربي والعربي حاليآ

 وكل ذلك يبثه من محور شخصية الحكم المستنصر بالله الذي ورث الكرسي من والده الناصر عبد الرحمن

 وهنا تومض الرواية ومضتها الذكية حيث يقوم الحكم بوصفه ساردآ عليمآ باستحضار سيرته وهو من على فراش الموت اذ يرويها الى خادمه الوفي الذي يقوم بدور السارد الضمني  الثانوي لينقل سيرة سيده بمئات المشاهد والصور بميتا سردي 

/ما وراء السرد /جمالي ومؤثر


للدراسة تتمة


٢.....


لقد حاول حسن أوريد نقل الأندلس من حنين ماضوي الى فكرة حالية بإسقاطات  تاريخيةعبر سيناريو متقن و مترابط للأحداث 


وكأنه يروي لنا مسلسلآ  تاريخيا ناجحا في تقنية توثيقية رتوصيفية ناجحة سيميائيآ


 بل ان روايته تصلح لذلك ومن الممكن تحويلها الى عمل فني  ( ناجح كمسلسل او فلم )لكثرة الصراعات والتناقضات فيها


نعم ان الرواية عديدة المحاور لكن كاتبها استطاع التعبير عنها بانسجامية محورية رئيسة ذات  دلالات بليغة و ،بإسقاطات ذكية على حاضرنا


فالصراع الأموي والعباسي آنذاك صورة للتشتت  العربي حاليآ


اما إشارته الى ضعف  الخلافة في بغداد لتسلط البويهيين   عليها(إبان القرن الحادي عشر الميلادي) اشارة رمزية للصراع الشيعي /السني الحالي


 او قل  صورة للتنافس المذهبي العربي /الفارسي تحت  مظلة الدين والمذهب لدوافع سياسية


بل عبر عنه بالصراع بين السلاجقة والبويهيين على مركز الاسلام /بغداد في حينها ضمن صراعات جانبية اخرى


بين الفاطميين في المغرب والأمويين  في الأندلس مولدة مجالآ حيويآ لولادة الحركات الانشقاقية المتشددة كالقرامطة والحركات الاسلامية الاخرى 


كما ولدت داعش حاليا ولدت تلك الحركات وهذه الالتماعة التقنية المعبرة  وظفت توظيفيآ ذكيآ  للتاريخ /من المؤلف من بين إيجابيات تأثيرات الرواية


لكن هذا لا يعفي حسن أوريد  الذي وقع  بتناقض مزدوج بين تشاؤمه لعرضه ماضي منقسم وبين  تفاؤله الفعلي  لدور التغيير المستقبلي /العملي الذي يؤمن به كمفكر وباحث اكاديمي 


او وقوعه تحت التأثير السلبي للأحداث الماضوية  على تفكيره الإيجابي /العملي لتحليل  الواقع 


وذلك يتجلى حين عبر السارد عن اندثار الأندلس  كحضارة

فأحياها في أذهان خادمه كفكرة 

ليرد بها على مؤثرات الحاضر ردآ عمليآ بنقله الأندلس من الحنين الى ال فكرة


٣.......

هل كانت الرواية ناجحة تقنيا


انا في طبعي لا أميل الى السارد العليم الذي يقود الرواية لوحده /وخلفه يجري بقية الأبطال كالعميان وقد يقودهم سارد غبي

قليل التوصيف /ومصاب بفقدان بصر فكري لا تركيز له


فلابد من سارد  ثانوي ،او ظمني  .....وحتى سارد اخر

او كما عبر عنهم الناقد اسماعيل ابراهيم عبد بال ساردين المساندين

او

الساردين الثانويين


ولعل استعمال أوريد لتقنية مأوى السرد وما وراء السرد بوثيقة الخادم وحكاية الحكم/الخليفة أعطت ميتا سردي جمالي للرواية 


اما لغتها فايحائية فنتازية  وسريعة الإيقاع ،بسيطة لكنها مؤثرة 

لكنها تعاني انشطارآ او تفككآ


لذلك

فعيبها الوحيد الضعف البلاغي والتشتت التركيبي للجملة


فمن ناحية الترددات للجملة والعبارة والكلمة تعاني انشطارات في التوصيل  والتوصيف


عبر  البراغماتية التوليدية او ما يسمى في النقد الحديث بالتاويلية المعبرة /هرموني / او التداولية اخر صرعات النقد الحداثوي


٤....

 الكاتب 

اكاديمي دكتوراه علوم سياسية

باحث 

مفكر

تدريسي

الطبعة الاولى من الرواية نفذت سريعا

بواقع ٢٥٠٠ نسخة

أمامي طبعة مستنسخة /أوفسيت 


من الطبعة الثانية 

عدد نسخ ط٢ /٣٠٠٠ نسخة بيروت


الاوفسيت بغداد /بلا مطبعة

عدد النسخ ٥٠٠ نسخة حسب الطابع

تعتبر الطبعة الثالثة /بلا إذن من الناشر


تنويه


فتنة على الناشرين المزورين /بلا موافقات

وتجاوزآ لحقوق النشر المحفوظة في كل بلاد الله كأعراض الناس

الا في بلادنا التي لا تحفظ حتى أرواح كتابنا 

فكيف بحقوق النشر ؟؟!!!


بقلم 


هشام ألجاف أل جاف 



هشام ال مصطفى 


بغداد .العراق

الثلاثاء، 1 فبراير 2022

محمود عبد شكور في قراءة نقدية للمجموعة القصصية بلاد الطاخ طاخ

 المجموعة القصصية" بلاد الطاخ طاخ" لانعام كجه جي



«بلاد الطاخ طاخ».. سخرية بحجم الألم والحنين

السبت 29 يناير 2022 - 7:35 م

 محمود عبد الشكور

مثل أثر الفراشة الذى لا يُرى ولا يزول، على حد تعبير محمود درويش البليغ الذى يليق بمعنى الفن، تترك هذه المجموعة القصصية، المنسوجة من مادة الألم والخيبات، والمطرزة بالحنين والذكريات، مساحة واسعة من التأمل والدهشة، وبعض الشجن العابر وراء السخرية اللاذعة. تقول القصص ولا تقول، تعيد قراءة العادى والمألوف، وتفضح الادعاء وجنون العظمة، وترد على المخاوف بسردها ومواجهتها، وتنتقم بالفن من القبح والإحباط.


الروائية العراقية إنعام كجه جى التى رصدت التغريبة العراقية فى روايتها «طشارى»، والتى عادت إلى قراءة التاريخ فى «النبيذة»، تقدم فى هذه المجموعة القصصية، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، بعنوان «بلاد الطاخ طاخ»، 12 حكاية تستوعب عالما بحجم الوطن، وبحجم قدرة الكاتبة على التقاط اللحظات والتفاصيل.


لعلها رفقة بلاد لا شفاء منها، تسكن فى القلب ولا تغادرها مهما كانت قسوة الظروف، وليست هذه القصص البديعة إلا تنويعة على «الانفلات السعيد»، أو «رحلة العمر»، التى عاشتها بطلات إحدى قصص المجموعة: حاصرهن الخوف لأسبابٍ مختلفة، فكان الانفلات السعيد، وكانت رحلة العمر.


تحكى إنعام مستعيدة ذاكرة خصبة وحية، فتمنح الأشياء (مرأة أو صورا قديمة أو جواز سفر أو كاميرا عتيقة أو نخلة وحيدة أو تمثالا شمعيا أو مسدسا ذهبيا أو حافلة منطلقة) دلالاتٍ شديدة الثراء، تستدعى التاريخ، وتنقل الفكرة من دون صخب أو هتاف، بل يمكن القول إن هذه القصص ترد على زمن الصخب والهتاف و«الطاخ طاخ»، وتهزمه بالسخرية، رغم التسليم بأن الاستبداد، وفشل السياسة، قد دمر البلاد، وأسقط النخلات العاليات، وجعل الكثيرين مثل بطلة إحدى القصص، التى تترجم هزيمتها بأن ترفع علامة النصر، وهى تمسح دمعتها بردائها.


يمكن أن تقرأ المجموعة أيضا عبر مفتاح تجسده عبارة تقولها بطلة إحدى القصص: «يطاردنى بلد الألف ليلة حيثما حللت، ليس بينها ليلتى»، ورغم أن أبطال وبطلات الحكايات يواجهون قوة عاتية، فإنهم لا يتوقفون عن محاولة العودة للبلاد، سواء عبر السفر، أو من خلال استدعاء الذاكرة.


لعل القصص «نشيد الحياة السرى» الذى يتحدى الإحساس بالعجز والألم، وأن يبتكر ما يعادل تلك التجارب المختلفة، وأن يجعل مصطلح «أن تسافر» بديلا عن مصطلح «أن تهرب أو تهج»، كل قصة تمتلك مفاجآتها ودلالاتها العميقة، رغم بساطة ظاهرية فى الاستهلال، سرعان ما ندرك عمقها مع كلمة الختام، وإن كنا أمام نهايات تفتح بدورها على أسئلة معلقة.


فى «مرأة كرداسة» تبدو المرآة شاهدة على تحولات التاريخ، وعلى فقدان الأصدقاء، وفى «صورة المرحوم» تقوم صورتان بنفس الدور، من صورة بومدين فى الجزائر، إلى صورة شهيد فلسطينى معلقة فى باريس، الصور تشهد وتعيد التاريخ كاملا بأبطاله وأنذاله، والسخرية تصنع جسرا واصلا بين «الحسرة» و«الحصرة»، فيصبح فعل التبول تحررا وتمردا وتعليقا فى الوقت نفسه.


فى «عارية فى الوزيرية» يصبح رماد النحات العائد إلى وطنه جزءا من تمثالٍ يتحدى التزمت، حتى الرماد يتحالف مع الأحياء فى مواجهة القبح، وفى «الكاميرا الأولمبس» ترصد تغيرات عاصفة عبر كاميرا حديدية عتيقة، صاحبت صحفية خلال نصف قرن، وعندما يمتلك الكاميرا أحد السادة الجدد، يصبح امتلاكها مصادرة للتاريخ وللشاهد معا.


السخرية من الاستبداد تعبر عن نفسها فى قصة «بلاد الطاخ طاخ»، فيتحول الديكتاتور إلى تمثال شمع يريد حريته بعيدا عن المتحف، ولو فى مقابل رشوة الحارس، ويتحول أيضا إلى ممثل لشخصيته فى فيلم، وفى «مسدس من ذهب» يحصل الشاعر على سلاح ذهبى من الديكتاتور، فيهرب الشعر إلى الأبد، وفى القصة المدهشة «المترجم رجب»، يتسلل جنون العظمة من الحاكم إلى مترجمه، فلا نعرف كيف انتشر الداء العجيب؟!


وسط قصص المجموعة، تبدو قصة «الخوافات» كجوهرة لامعة، إنها حكاية الخوف والتمرد عبر سبع شقيقات، كل واحدة تخاف من شىء مختلف، ومن خلال رحلة خيالية ينتصرن على مخاوفهن، ويسحقن من أراد إنهاء الرحلة، المرأة هى الحلقة الأضعف فى سلسلة المجتمع، وتتحمل نصيبا أكبر من الخوف، ولكنها قادرة على أن تتغلب عليه، وأن تنطلق إلى البحر.


يبدو الحب ملاذا ووطنا بديلا، ولكن ببعض الثمن والألم: فى «مرارة» يصبح الزوج الذى اختارته المرأة رغم الرفض واحة مواساة أمام ألم استئصال المرارة، وفى «نخلتى» يبدو الحب قصير العمر أمام صوت الشعارات التى لم يتحقق منها شىء.


ولكن الوطن يستعيد حضوره فى القصة الأخيرة «عهود وحدود»، عبر رحلة معاناة لعراقية عائدة برا من الأردن إلى بلدها، تفكك القصة تجليات الحصار والاستبداد، وترد على السخرية بسخرية، ترى العائدة إلهام قائمة بأسماء نسوة تحملن نفس اسمها، فتعلق: «كل هؤلاء إلهامات ممنوعات من السفر؟»، يسألها ضابط المخابرات: «دكتورة بأى مرض؟»، فترد ساخرة: «حاشاك بالأدب»، فيعلق بدوره: «يعنى شغلة ميتة»، تتساءل إلهام وهى ترى الأجانب فى بلدها يديرون الأمور: «أى وطن هذا الذى تدخله بالقاموس؟»، وتختزل أصل المأساة فى عبارة: «يذهب بعبع، ويأتى بعابع».


يتعلم أصحاب البصر من العميان أصحاب البصيرة (قصة عمياء فى ميلانو)، وتمتزج تراجيديا أم لم تعرف ابنها بعد 16 عاما من رحيله، بملهاة سوداء تجعل أما تدفع كفالة لتسفير ابنها من الوطن، بدلا من أن تدفع فدية لمختطفيه، إذا ظلَ فى الوطن.


لم ترد إنعام كجه جى أن تمد خيط العبث إلى نهايته، رغم بذرة عبث ضمنية حاضرة فى القصص، ولكنها اختارت أن يظل الواقع مسيطرا، باستثناء قصة الشقيقات السبع.


تركتنا نتأمل المفارقة فى حضورها الثقيل الواقعى، مثلما نتأمل غلاف المجموعة المعبر (لوحة للفنان على آل تاجر) التى تجعل جيفارا راقصا من راقصى المولوية، فكأنه يعبر بذلك عن تلفيقٍ فج، يعادل أحوال البلاد والعباد الملفقة.



الاثنين، 31 يناير 2022

صالح الرزوق: الحداثة الواقعية قراءة في رواية (ليلى والحاج) لمحمد الأحمد

 


 الحداثة الواقعية  في رواية 

(ليلى والحاج) 


تتكون رواية (ليلى والحاج)* لمحمد الأحمد 

من مواقف وحالات وسلوك. وإذا كانت الغاية منها رسم صورة لمجتمعات الشرق، التي تتصف بالعنف والدموية، فإنها بنفس الوقت تحاول تقديم صورة مماثلة عن سوسيولوجيا الزعامة. وهذا يفترض الكلام عن تأثير المجتمع على الأفراد أو على الوعي الباطن لهم. ولذلك كانت الرواية تتابع مصائر أبطالها داخل مجتمع الدولة الافتراضية أو مجتمع الأمة استطرادا كما يقول خليل أحمد خليل في كتابه الهام عن “العرب والقيادة” **. فهي لا تحدد مكانا معينا للأحداث، ونحن نستدل عليها من الطقوس والعادات. ومنها عزل النساء عن الرجال وحجاب المرأة ومناسك الحج. وهذه إشارات واضحة عن التأسلم وعلاقته بالدولة والأمة في العصر الحديث. لذلك أنظر للرواية وكأنها أليغوري، أو مجاز عن مشروع يتطور في الظلام. وقد عبرت عنه شخصيات حاملة لفكرة، أو ما نسميه في النقد الأدبي “وظيفة”***، وهي:

1- الأب مجبل. ويبدو لنا بصورة إنسان مشعوذ يسخر الخرافة للتحكم بمصائر أفراد عائلته وأتباعه. ولذلك هو إنسان متبوع بمصطلحات الدكتور خليل مثل أي إله أو معشوق أو حاكم مرعب.

2 – وابنتاه ليلى وسلوى، وهما تابعتان ومتبوعتان في وقت واحد، وكانتا فنيا جزءا من الشكل والمضمون. الأولى شهدت على الأحداث ونقلتها لنا بحذافيرها. والثانية غابت عن الأنظار وهربت مع أول عاشق وقعت بغرامه.

3- ثم أخيرا مدير أعماله شدري الذي يتزوج من ليلى بالإكراه، وجميل حارس بيته الذي يغري سلوى. وهذا يعني أنهما تابعان من جهتين، ومشروعهما لا يهتم بتحرير النموذج وأناه الأعلى ولكن إشباع الرغبة فقط.

وعموما يمكن قراءة علاقات التبعية السابقة بضوء التحليل النفسي كما يلي:

1- الأب وهو الإله المعبود، مصدر القوانين واللغة والمعايير.

2- ثم البنتان الطامحتان بمكانة أم عظيمة أو إلهة.

3- وفي النهاية الابنان الغادران والشريران واللذان يرتكبان جريمة نحر الأب. ولذلك يستحق أحدهما صفة الجاحد والخائن والسارق ص80، والثاني تشتعل به النار وهو نائم ص94. فهما وجهان لعملة واحدة يحركها الطمع والأنانية كما تقول ليلى في آخر سطر ص94.

وهناك نتيجة منطقية واحدة لهذا السيناريو. وهي تحويل دراما الصراع على المرأة والسلطة إلى نوع من المأساة أو إلى إعادة تركيب دراما العائلة كما يرويها لنا فرويد. وبكل بساطة تتبنى الرواية هذه الحبكة. ولذلك يمكن أن نقول إنها عمل يتألف من نماذج وأنماط وليس من وقائع مجردة. ويبدو لي أن محمد الأحمد، بتحويل مربعات فرويد إلى دوائر، أسس لرواية صراع أجيال وإنما بمفهوم جديد. فهي ليست عن تناحر الماضي مع الحاضر وليست عن أزمة الحداثة ودخولها بمواجهة مباشرة مع نفسها. وإنما عن سلوك أفراد لأنماط، واستجابة كل منهم لتداعيات المرحلة التي يعيش فيها. فالخائن جميل يجد صورة عنه في الأناني شدري. وليلى تجد معادلها الموضوعي في سلوى. وباستثناء الأب، الذي لا ثاني له، تتطور بقية الشخصيات بشكل ثنائيات. كل شخصية تتكون من وعي باطن، نصف مرئي ونصف مستتر. أو جزء حاضر وجزء بعيد عن الأنظار.

وهنا يلعب محمد الأحمد لعبته. إنه يضع كل شخصية ضمن إطار حقبتها الخاصة، بمعنى أن مضمونها لا يمكن تفسيره إلا من خلال مؤثرات مرحلته أو طوره الاجتماعي والنفسي.

ولنبدأ بالأب.

إنه أركيتايب لزعيم شرقي، ويختصر كل معاني الشخصية البطركية التي كانت موجودة قبل عام 1915. وكما ورد في مطلع الرواية: إنه يجتهد ليعرف نفسه. وهو مزيج من الواقع والخيال. ص15. وترسمه الرواية بشكل رجل يتهالك على الملذات وفي نفس الوقت يستمتع بالسيطرة. وركوب المرأة في غرفة النوم لا يدانيه شيء غير الجلوس على الكرسي وكأنه نسخة من عبد الجواد بطل ثلاثية نجيب محفوظ. رجل يفكر بامتلاك كل ما تطاله يداه. ولذلك كانت شخصيته اجتماعية وليست تاريخية. فهو حامل للمعنى وليس منتجا له. وبتعبير آخر إنه شخصية تعيد تسويق نماذج قبلها: أمثال جوزيف كاف بطل الأعمال الغامضة التي وضعها كافكا. بالإضافة لـ “كابيتان” بطل ميشال زيفاكو. وهذا يعني أن شخصية الأب هي مزيج معقد من حبكة المغامرات بما ينمو خلفها من دسائس وتآمر مع رؤيا تصوفية عن المشاكل الغامضة التي يعاني منها الإنسان المعاصر.

أما ليلى فقد كانت جزءا من المأساة. فهي لم تبذل جهدا في تبديل مسار الأحداث واكتفت بالمشاهدة. لقد كانت منفعلة وقليلا ما بادرت بالتصرف. لقد أحبت جميل واقترنت بشدري. وانتبهت للخطأ الذي ترتكبه أختها ولم تمنعها من التمادي. وقد كانت مثالا عن الشخصية السلبية والمستسلمة والتي لا تعرف شيئا عن الممانعة. وفي الحقيقة لم يكن في رأسها غير والدها الأوديبي أو مثالها الأعلى. فقد كانت تغار من خلوته مع شيخان أجمل زوجاته ص44. وتنظر لعلاقته معها كأنها أغنية عظيمة توقظ أعتى الأحاسيس المدفونة في أعماق المرأة، كما ورد بالحرف الواحد ص 48. وربما كانت تعتقد أن والدها يخونها مع زوجته كما خانها جميل باختيار سلوى. وهذا الخطأ الأوديبي المتكرر هو الوجه الثاني لعقدة أوديب ولمشكلة الجنس الفموي وما يتبعه من حرمان وعذاب. وبرأيي كان إحراق شدري في خاتمة الرواية، وهو في سريره، تعبيرا عن الانتقام من فكرة الرجولة على وجه الإطلاق، أو أنه خصاء متعمد لا يلتهم عضو الذكورة فقط ولكن كل ما ارتبط به.

و تبقى شخصية جميل. ويمكن أن تقول إنه أساس الحبكة. فهو الجوكر أو الشيطان في الرواية. فهو متمرس على الوشاية ص 71 وعلى الدسائس ص 72. ويمكنه أن يلعب ألاعيبه وهو موجود أو وهو غائب. ولقد تمكن محمد الأحمد من إعادة رسمه بنفس البراعة التي رسم بها هنري ميلر صورة بطل روايته المتألقة “شيطان في الجنة”. لقد كان يقضم على مهل أملاك مضيفه. وهذا هو المبدأ الأول لجميل، أن يقضم الأب في حياته وفي مماته.

غير أن بناء الشخصيات ليس هو بيضة الديك في هذه الرواية المحكمة والشفافة. فالمونولوج الذي تروي لنا به ليلى الأحداث كان متزنا. لا يحمل تناذر الحداثة. فهو مونولوج هادئ ومتسلسل وكأنه حوار مسموع أو مناجاة درامية بطريقة ليلى سليماني في رائعتها (أغنية هادئة).

وهنا لا بد من تعقيب.

لقد تكبدت عناصر الخيال الفني في الحداثة خسارة على مستوى الحوار وجعلت منه صوتا لفوضى الأفكار والمشاعر وهي تتجزأ وتتصارع داخل المساحة النفسية المسموح بها للفكرة. فالحداثة هي لغة الممكن وليس الواقع. وهذا بديهي لأنها تعادي الطبيعة. زد على ذلك أنها تماهي بين الشخصيات وذات الفكرة أو أنا السارد العليم. وأية رواية حديثة تتكون من لوحات مبعثرة لشخصية واحدة تكرر نفسها. ولنضرب مثالا على ذلك بأعمال رائد القصة التسترية جمعة اللامي. لقد كان يلعب لعبة الكلام الصامت أو ما نقول عنه لغة الأعماق. وهذه هي خلاصة الفعل الفني حينما يمزق رابطته مع مصادره. فهو لم يسهب في حجز مساحة منظورة لأبطال كل قصة وترك لهم حرية التجوال ضمن حدود تجربتهم الخاصة. وكذلك في “لعبة المغزل” للإريتيري حجي جابر. عملت وحدات البنية بالتوازي، وكان الواقع بمساواة المتخيل، والخيال عرضة للماضي والحاضر. واحتكر الزمن الحالي واقعه المنظور. وهذا ما تسبب بتحويل البنية إلى منصات فنية وليس لبؤرة هي منبع الأحداث والشخصيات. ومثله كان السوري حيدر حيدر يقدم شخصية واحدة تحت عدة أسماء. بمعنى أنه يجزئ ذات الفكرة في عدة صور وصيغ بلاغية للإعراب عن وجهة نظر واحدة لا يمكن أن تتغير. فجوقة شخصياته مثل وجوه اليابانيين. لا تجد أي فرق بينها.

لكن في (ليلى والحاج) ينفصل وجدان الشخصيات عن الذات، ويتحول إلى مادة. ويأخذ كل طرف ما يلزم من التفصيل والتحديد.. الملامح للنظر والتفكير للحدس والإحساس. لقد استكملت الرواية المنظور بالمحسوس. وتكهنت عن المعنى بالصور وليس بالتراكيب والصياغة. فهي ليست رواية إبلاغ ولكنها رواية مشاهدة وتعايش أو تكافل. ويمكن القول إن العمل كله جاء بشكل تأملات في أثر العقل الاجتماعي على الأحوال والظروف النفسية والسياسية أو بقليل من التجاوز في شؤون حضارتنا الجريحة ومن خلال حكاية أجيال في عائلة واحدة، أو من خلال دراما صراع الآباء والبنين كما فعل تورغنيف في عمله المشهور.

** منشورات دار الحداثة. بيروت. 1985.

***الشخصية الوظيفية هي التي تعبر عن نمط ثابت ومتكرر بغض النظر عن الاسم والعمر والحال. مثل عفريت المصباح وهكذا.




جميلة محمد القنوفي قراءة في صليل الصمت

 تقول مليكة الجباري 

سأقذف بنفسي تحت أمواج القصيدة ....

وهي تعلن عن توفر الفرصة اخيرا للاحتفاء بخروج المولود الجديد إلى القراء،..."صليل الصمت "



فتكتب على صفحتها :

《وأخيرا يفرج عن ديوان ‘صليل الصمت  ‘بدعوة من جمعية المعارف بمدينة سلا》

يوم السبت 2022/1/29... نلتقي


وفي يوم السبت ،

يحل صليل الصمت وهو يرفع الصوت ، يكسر جدارات المحال، و يشد الرحال عابرا  سهول الغرب محلقا بسرب من خيرة ادباء الشمال وشعرائها ونقادها :

الدكتور نجيب الجباري 

والمبدعة زكية بن عمر

بوقديد 

ليعمر بنسائم حروفه الندية قلوبا متعطشة ويرفع بأمواج  طقطوقاته الجبارية عن عشاق القريض  الحجر والدجر  ويجول بمخيالهم عوالم إبداعية متنوعة، فيسافرون معه بغير اجنحة ، يطرقون ابواب الدهشة ،يقتنصون كل معنى جميل واستعارة متمردة تفك شفرة نفسية إنسان الألفية الثالثة ، بحنكة و ذكاء، وتهز الوهم، ترجم الخوف، وتجوب  عنان السموات مستمسكة بعرى الحرية ، تتوشح احلامها وتقبظ على جمر الحقيقة ،تعري الصمت لاتتخلى عن ذاتها ،ولا أدوارها ولا  تاريخها،لاتفرط بالهوية ،لاتنبطح لجحافيل الذئاب،《فالصقور لا تتحكم بها الذئاب》تقول مليكة الجباري في اطلال تحت المطر وجامعة ليمونج. 

صليل صاخب  يسبح ب الاعماق 

 يزحزح الاحجار الراكدة ، يسمع الأذان الصماء  انه يكره البدايات الخائنة، الغادرة كما يكره ثنائية العصر 《القناص والطريدة 》في قصيدة عرفة ،

كما يكره عمى الشمس عن الحقيقة

و خيانة العمر  ،..يكره خيانة  عصاه الغير السحرية التي لا تستطيع إستعادة الزمن الضائع و لا تستطيع اعادة الشباب ولا تغيير الحقائق ،فقد  اختلفت الاحوال والامور  وما عاد التغيير يستند الى  السحر الخارق  وماعاد ممكنا توقع المعجزات. فالتغيير يحتاج اليوم الى واقعية في التعاطي مع متغييرات الزمكان (العصر بكل تناقضاته ).

اذن فعصى صليل من شجرة الحرية و الاحلام ،تحتمل عدة تاويلات: لكنها ما عادت العصى  كما كانت عصى موسى ( التي تفجر الماء من الصخر  ،عصى يهش بها على غنمه  وعصى  تتلقف ثعابين السحرة الافاكين و عصى تفلق البحر فتغرق الفرعون  و انما هي  عصى الالفية( لا سحرية ، بعيدة عن معجزات الغيب اللاهوتية) ،عصى الواقعية الممكنة  ، التي تستطيع ان تتوكأ عليها لتسند ضعفك ).(في رمزية إلى غياب القوة // السند) .والى (انحطاط الامة و غياب القوة وغياب المرجعية العلمية التى تفرضها تطورات العصر الحديث). 

صليل يعري شجرة التوت (

 لاتغيب دودة القز،بل تصنع الحرير للموتى ) من ضحايا الانكسار ،(ضحايا رصاص الثمانينات) في ذاكرة الشاعرة الطفلة  و تحضر  (ناي من شجرة  الحرية )  اعلان (عن اكتمال لعبة عرائس القش ) في قصيدة ( عمى الشمس )

 تعبير عن تلك الهشاشة التي  طالت كل شيء في محيطها (وفي قصيدة اخرى تقول : انه  رجع صدى صور واللوحات النزيف الدامي ب دوار العسكر و المرس، صراخ صليل مرتد : لا تحاكمني في زمن الفضائع قد اغمض التاريخ عينيه عن فرسان   الوطنية ) في هذه الأمة لتجد نفسها مرابطة خارج : الحقول والأسوار والحضور والأعمار(خارج  التاريخ) ، خارج خرائطنا وسط خناديق الموت ، منبطحة مستعدة للتسليم ، تسكن ظلمة النسيان في انتظار عدو مجهول .(تراه قادما  ولا تريد ان تراه)،لا تتحرك ،لا تفعل شيئا لانقاد حاضرها ومستقبلها. في قصيدة (عمى الشمس )

في هذا الصليل الاستباقي ، يحضر الراعي يعزف على ناي الحرية يغيب القطيع ( اللامبالي) ،ثنائية أخرى ل ظلال التوت 《ناي الراعي من شجرة الأحرار تقول الشاعرة . 》 لكن في دروب الافاعي  (تغيب الراعية) ، كناية عن الفاسدين والفساد المستشري في دواليب المجتمع. فيقمع ويعتقل و يخرس الافواه. لكن صليل الصمت متماد في النفخ في هذا" البوق " مجلجلا في الافق..  

و يمتد في  سفره  النثري الممتع  بهمسه( المدوي)، يعري الصمت وشجرة التوت ويعزف على موجة الحرية والعدالة والنور  يجمع مثنى ، مثنى : الثنائيات الوجودية  ليعيد ترتيب انطلوجياه في (ثنائية النور والعمى) 

يقول الأديب العربي بن جلون: 

《انَّ (ما بعد الحداثة) ستحاول ترميمَ ما خرَّبتْهُ أُخــتُــها (الحداثةُ) فتمد الجسورَ بين النص الجديد والنصوص الماضية، سواء التاريخية أو الدينية أو الأسطورية...أو ما أفرزتْهُ قرائحُ الأدباء . على سبيل المثال، تأثُّر (أبي العلاء المعري) بالقرآن في ((رسالة الغفران))..!》.

فيمن  تتاثر الشاعرة الأستاذة  في صليل الصمت: 

حقا ، انه صليل شاعرة ثائرة، يزحف على كل طيف مظلم ،يرفض أنصاف الاشياء و انصاف  الطريق ،انصاف الحرية و انصاف القصيدة و انصاف الحضور حتى انه يرفض انصاف الاقمار،

يصنع الأمل من توهم الفرح والحرية ،هكذا تكتب شاعرتنا   المقيدة الى ( عروبتها وتاريخها منطقتها المغاربية من جهة والاندلسية في الشمال والجبلية وهي بنت القصر الكبير) مسقط راسها (موطن وادي المخازن و  الاميرة عائشة وحكايات النضال والانتصار و طريق الوحدة بعد الاستقلال وسنوات النضال وذاكرة الرصاص و الدم يغطي وزرتها البيضاء ) كلها صور تتضافر لتشكل "ينبوع بداية "تشكل هويتها الشاعرة. 

 هي التي ماتزال تستحي ان تكتب نفسها تقول الشاعرة (استحي من اللغة وهي تقبض هي متلبسة ،تدين جرمي، أصبح رهينة شمس عربية.) في قصيدة (انصاف الأشياء).

التي تعتبر ( جسدها موطنها ) في قصيدة عرافة وتقول : (مدني لا تشبه النهايات )و تخشى أن تتعدى حدود المقبول والمسموح به ،هنا يعلو صليل

(الخلفية المحافظة) **يدوي و يرفع صوت نون النسوة التي ماتزال عاجزة عن كسر عقال الاقفال الغير مرئية التي تلجم تعبيرها الصريح عن احتياجاتها العاطفية  الطبيعية  ،تكبل فكرها و قلمها  :  (الاعراف والحدود) فتكتب خارج سياق ذاتها ورغبتها  ومفرذاتها.( و خارج ما تريد وبعيدا عنه ). فتكتب بمحددات ،

*تكتب على استحياء .《انها الخلفية المحافظة  من جهة و التي تحظر بين  الشاعرة وماتكتب ومن جهة القبود على التعبير سواء التي فرضها المجتمع او فرضتها قواعد اللعبة السياسية. 》.

لذلك فهي في قصيدة : ( انصاف الاشياء) ترفض أن تكون ب "انصاف " صرخةهوية ،بلا قضية، مسلوبة الارادة بين الاقصاء والاعتقال ،خرساء بالصوت ، ترفض ان  تتوشح الصمت ، فتعلي صليلها الهادر بامواج الغضب والرفض والادعان  لكل تلك الامتهانات المترسبة والمتجذرة، خليط من ألم ووجع وامتعاض  في قصيدة انصاف الأشياء  التي تحترق فيها روح الشاعرة ووجودها المتلاحم  

بعصافير الحرية المقصية و المعتقلة خارج الحقول والمكبلة  في قصيدة انصاف الى الهاوية .

 عاد جدا ان يتغير مزاج هذا الصليل ،

ثارة يغضب و يعري الصمت في القصيدة الأولى من الديوان 

وثارة يتوشحه قلقا وخوفا

 في قصيدة (انصاف) ، 

خاصة في غياب نقطة ارتكاز وثبات  مجتمعي  و نفسي مع كل هذه التجاذبات والاعاقات والتناقضات ،حيث تكبر و تحضر الازدواحية تتغلغل في كل شيء حتى انها تغييب وحدة الفكرة، ويتشظى النسق كما تتشظى الأفكار والمشاعر وتتضارب بذهن وقلب الشاعرة . وتنسكب شلالات من الافكار والجمل والصور والمشاعر والقصص والاحداث الغير مترابطة ، التي تنسكب مرة واحدة لكن (في نفس وادي صليل الصمت) .

وهذه سميائية شعر الحداثة

يقول الأديب العربي بن جلون : 

بعض النقاد الجدد، الذين أطلُّوا علينا في حقبة (الحداثة) عَــدُّوا النصَّ الأدبي مستقلا بنفسِهِ، ومكتفيا بذاته، لا علاقة له بالذوات الأخرى، كأنه (سقط من السماء) لا أصل له》 .

حقيقة، فكثير من النثر (الشعري) لا وصل بين اطرافه واجنحته وأفكاره.ومشاعر الشاعر وخلفيته.

و كثيرا ما يفتقد الناقد لجسور الربط بين الشاعرة ومحيطها والشاعرة وخلفيتها الثقافية والدينية والفكرية و كل من تأثرت بهم من الشعراء والأدباء سلبا وايجابا .

لكن هذا الربط الجذلي  بين نصوص الشاعرة ومرجعيتها  هنا  حتما  غني  بتجربتها التعليمية  التي اثرت على صياغتها الادبية وتراكيبها و جملها وصورها الابداعية وبنائها وموسيقاها الداخلية ..الخ 

شاءت أم أبت . قصدت ام لم تقصد..(التأثر واقتباس الرموز و محاكاة الدلالات  أحيانا والاحاءات التعويضية أحيانا أخرى). تحضر بقوة

خاصة انها، هي استاذة اللغة العربية المجازة فيها والتي اكيد اطلعت على اشعار فطاحيل الشعراء من المشرق والمغرب..وحتما لا تكتب من فراغ بل طبيعي جدا ان تكون تأثرت بهم..

وقد لا يغيب تماما عن ذهنية الناقد كما عن  ذهنية الشاعرة.

التطرق إلى  مواضيع التأثير والتأثر . التي يصعب تقفي اثرها عند الشاعرة . 

وهي تقول : في تسبيحات فصول ان صليل الصمت يفضح شموخ الحقيقة .

 رغم  اننا ان  حاولنا وضع اليد علي بعض مقومات هذا التأثر ومرجعية  صليل البنيوية ،الجمالية والفنية والبلاغية،  نفتقد  الكثير من دلائل الربط وآلياته. في غياب التقيد ب الأوزان والتفعيلة والبحور ،لكن مسلم به ان القصيدة 《 النثر》تبقى منقلبة على كل قواعد السابقين ،مستعصيةو متمردة كمل صليل على كل القواليب ،تأبى الانصياع لنظام النقد العربي القديم وحتى الحديث. 

فتنحصر قرائتنا في  تقصي حمولة المعنى  وسبر دلالاتها و تعرية رسائلها الاتية من اعماق متشبعة  بجماليات البلاغة اللغوية المتكئة إلى  الصفاء الروحاني  و الروحي الشاعرة  المتاثرة حتما بالايقاعات الاندلسية والطقطوقة الجبلية و الموشح و خرير ذاكرة لوكوس ،قرع سيوف الفرسان على مياهه صاخب بالحلم على موجة الحرية والعدالة والنور  المحسوسة والمسموعة . 

كما يمكن أن ينم هذا الانفصال عن الماضي عن ( المرجعية في تقنية الكتابة ) ،و  انفصال الشاعرة  عن الجسور الأدبية والشعرية القديمة ، عن تمرد على تقاليد وعادات ،عن جموح  حرف ثائر يحاول كسر القواليب ،يرفض أن يمشي على دأب الاسلاف، يتملص من ان يلبس كل جلباب قديم ،كما ينم   عن تلقائية الشاعرة وعصاميتها و مدى مصداقية تعبيرها وصدقية التفكير والشعور.وعدم تكلفها في صياغةنصوص صليل . بينما  يقطع الصلة بين الشاعرة  و قواليب  الماضي (الشعر العمودي وشعر التفعيلة ) من حيث المبنى،

فإنه يربطها من حيث المضامين ب ب مدارس تعبيرية وتاثرية كلاسيكية تبتعد عن الرومانسية وتغوص في الواقعية الجديدة ، حالها حال معاصريها من الشعراء. الذين عاصروا العولمة وثورة الانترنيت و ادب المراة على المواقع الالكترونية و تأثروا به كما يعاصرون تدهور الأمة وانحطاطها وتفككها. وتقطع اوصالها، فلانستغرب ان يعكس ذلك  الابداع الادبي والشعري بالخصوص التفكك المستشري في كل شيء في الامة .

وعن الاستياء والخوف والقلق من كتابة كل شيء.

يقول أحد رواد هذه المدرسة  انس الحاج  :

ها و《هي الأمور التي لا نجرؤ على انتقادها لأنّها مكرّسة. ولأنّنا نخشى أن نكتشف بعد حين أننا كنّا على خطأ》.


و مايزال صليل مليكة متفرذا ، وحيدا متحديا نفسه ،يلتزم بقضاياع  تغلب عليه : 《 ( تقنيةُ الفوضى الخلاقةَ) التي تُراكم كلَّ الأحداث والمواقف والصور والشخصيات، دون خيطٍ يجمعها》.يقول الأديب  العربي بن جلون.

 وما يزال صليل الصمت غاضبا ،ثائرا ،منتقدا ، مسافرا يعبر القفار الملغومة ، بين الشاعرة وجودها  و  جسدها و مرآتها و اكراهات الزمن ،(سطوة الزمكان)  و غضبة "الريح وعمى شمس نيسان" وذلك السراب الذي يرفق ولادة الشاعرة في القصيدة فيرسم الاحلام المجنونة ،المستحيلة و الحكايات.المظللة.،وهو يطوي المسافات والازمنة بين الواقع والخيال والأحلام المربوطة(بالمتقلبات) بالشمس والريح والزمكان وهذا الخواء ،(في المرأة العجوز) ،

تمتد هذه الثنائية: 

 الزمان والمكان 

الواقع والخيال 

الشباب والشيخوخة.

أحيانا حتى تتعدى  المزاوجة بين المدرستين: " الواقعية الجديدة  والمدرسة الرومانسية الحالمة" ، لتطرح اسئلة أكثر فلسفيةوعمقا  عن أنطولوجيا  (وجودية الإنسان وقضايا الامة  المرأةوالطفل والاسرة و التحرر).

لتنحث تجاعيد مبرحة تلغم المرآة الشاعرة الخائفة من  الشيخوخة) من الهرم بينما تتوقعه ما ينم عن قلق خفي مترسب عميقا بوجدان  الشاعرة ، يعريه صليل نون المحنة الصامت الذي احدث فجأة《ضجيجا يكفي ليسمع حشرجات أنات أنثى》 : (او أمة أكثر ما تخشاه سيرورة التاريخ و قوانينه وسننه الكونية  : كما يقول الشاعر : (هذه الأيام دول )و(كل شيء اذا ما تم نقصان ) 

فأكثر ما تخشاه  الشاعرة : (المرآة والتجاعيد).في قصيدة( المسافة الملغومة) 

 لايعيب الشاعرة ان تحب نفسها وتخشى فعل الزمن على ملامحها ليست نرجسية  ولا شكلا من اشكال الفصام بقدر ما هي دلالة   بحث عن الذات والقة بالتفي وتقديرها ،هو قلق انثوي على استحياء، من (التعبير عن هواجسها الذاتية) .في خضم هذا الزخم من القضايا والرسائل المجتمعية الساخنة التي تحترق بنارها  المراة عموما وحقوقها  ووتضاءل الانوار حولها و (تخفت الاصوات المفروض ان تدعمها وتعبر عن وضعها و تطالب بإنصافها ) هذا الصليل تعمد  إيصال صوتها للقراء  .

(ومن صليل ذات  الشاعرة  امام المرآة. في( المسافة الملغومة )

إلى صليل أمة أمام  الاطلال ) في قصيدة (اطلال تحت المطر وجامعة ليمونج)

نقتفي أثر الشاعرة (في  صليل  الاطلال )

في ليمونج ،

يقول انسي الحاج : 

ه كثيرا ما《تختلط التقدميّة بالتخلّف والماركسيّة بالتعصّب المذهبي والثوريّة بالحداثة الحزبيّة والحاضر بماضٍ لا وجود له》.

 فنلحق بهذا الامتداد الوجداني للشاعرة في محيطها وتاريخها وهي تعود بذاكرة قوية إلى الخلف مسترسلة في وصف ذلك الصليل  الربيعي  الدفين الذي تنطق به  العيون الزرقاء وطقطقة المطر على جدران ونوافذ الاطلال في الدروب القديمة( بليمونج) واغنية( المغرب  الكبير ) المسموعة  بين السطور . اكيد ان  اطلال (ليمونج ) تحرك ساكن التاريخ  في ذاكرة الشاعرة التي تستعيد 

(الأندلس) تستحضر الفتوحات و الزلاقة و 800 سنة من الحضارة هناك على الضفة  الأخرى )

وفي الأجواء وبين السطور

صليل ( اغنية المغرب الكبير )، تشهد الجبال على قصة كفاح  قديم ، قصة إحالة ل

 ( كفاح الخطابي والقصف الثلاثي للمنطقة و النصر في معركة انوال على تحالفات الاستعمار ) .حيث تحيلنا الشاعرة الى ذلك الزمن بكل سلاسة وانسيابية  عبر رمزية دلالية : الجبال ،الصقر والذئاب  والخيانة ،العيون الزرق والعيون السود.

لا نبتعد كثيرا  فمازالت تنبش في ماضي الذاكرة وتنزل محاملها..واحدة تولى الاخرى. 

شتانا بين الماضي و بين الحاضر 

عندما تحط الرحال بصليل الحقيقة المجلجلة، في واقعية هذا الحاضر الراهن  المزلزلة والتي  تهز الظمائر حتى  الميتة : (حاجة اطفالنا إلى الفطام )، فقد (سرقت احلامهم ،وكسرت اجنحتهم ) تقول الشاعرة : فهل "تتنصل الخيام من اوتادها "؟!!!

"سؤال لا يحتمل الا جوابا واحدا"

فرمزية الاوتاد في العرف المحلي دلالة على (الأولاد والرجال) في (الأسرة المغربية..) والحقول الجرداء :( حقول  الثقافة والفن والاجتماع والاقتصاد والسياسة ..الخ) في رمزية الى غياب التنمية في كل الحقول السابقة خاصة المرتبطة بخدمة وتأهيل واستيعاب الشباب حتى لا يضطر إلى الهجرة بحرا  بلا مجاذيف. الاحتراق الذي قد  تقصده الشاعرة 《احتراق الجسد_ الوطن وارواح شبابه》في قصيدة (الحقيقة واحدة الاحتراق.)

ثم تنتقل لترفع صليل المناجل العرجاء  لتصف لنا حالة حاملي (الأقلام الخائفة ، المرتجفة) في غياب أفق أكبر وأوسع لحرية التعبير وتعرية الواقع بدل تعرية الصمت وشجرة التوت.

وتستمر في تعرية الجذور الصماء ،الحافية التي تحترق بينما تحضر ثنائية (القناص والطريدة)،  تغيب ثنائية (الحرث والحصاد) وثنائية (العمى والشمس )وثنائية( النماء والبناءالتربوي والمهني )  )

و حتى لا يرحل الابناء .وتفتقد البلاد إلى أوتادها،رجال المستقبل وسواعده.

تقول الشاعرة : يلزمني الضوء نحو هذا الرحيل ..إلى أن تقول وتشتهي رسائل الفجر إلى 

هذا الشراع لنا).

انه صليل الانعتاق..و ناي الحرية .

لا تمل شاعرتنا  من الصهيل في وجه اصحاب الوعود الكاذبة الذين تواجدوا لكي يصنعوا ذاك الواقع المؤلم الرابظ في ذاكرة الطفلة  . وتأمل وهي الان صاحبة قلم ورؤية ان يصل صوتها لاصحاب الظمائر والادوار المسؤولون غلى صناعة دراما المشهد( السياسي) الثقافي الفني المغربي  في ان يتعلموا اعطاء الوعود الحقيقية.

هذا الصليل يعري الصمت وشجرة التوت ويعزف على موجة الحرية والعدالة والنور يرفض انصاف الاقمار و انصاف الحلول ،يطالب بتغيير فعلي، حقيقي .

《صليل يدوي بهدوء، خارج عن المألوف ،يكسر الجرة ،يحلق خارج الصندوق و  يستحق ان يقرأ بعناية ويسمع باصغاء》.



خاتمة : 

 صليل لا يمل منه، هاديء ،رقيق في ظاهره  متمكن في صقل المعاني لا يخلو من دلالات ذاتية  وطنية وقومية وانسانية  لشاعرة حية ،غيورة  على هويتها ومؤثرة جدا في محيطها .

قراءة مقتضبة سريعة و أفقية لسبع قصائد  هي الاولى من الديوان ،والتي يمكن اعتبارها (مفاتيح مغاليق )(صليل الصمت) ا(لغاضب ،الجامح) (الطامح) نحو الانعتاق. 

صليل سابر للمعنى ، متوشح  جمال الربيع ، سابح في ثنايا الضاد ، خارج عن القواليب ، بكل اصرار و حب و  بلا مجاذيف.. 《هو صوت الخاص وصوت الكل و صوت لاأحد 》 يقول الناقد نجيب الجباري ويردف ( هذا ما يميز الشاعرة عندما تكون ذاتها).

و يخلص بأن : صليل الصمت هو حالة شعر .

بثنائية التضاد التي يحملها بدءا من عنوانه والتي تتقارع فيها كلمتي : (صليل # الصمت) لتحدثا هذه الجلجلة والجلبة التي تعتبر جرسا منبها  الى وجوب سماع صوت هذا النداء الرقيق ،الراقي الذي يطوي  المسافات بين السطور والعناوين والعصور.خارجا عن السطر وعن المالوف والنمطية المطبقة على المشهد الثقافي الفني المغربي عموما. ليعيد طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها في مقبل الايام.

يعتلي البراق ، و على بساط الريح  يجوب سلا _ رقراق و يسلم على ضفاف المحيط ، من هنا وهناك  يجمع حروف الاهداء الموقع بدلالات متمردة (غير كلاسيكية ولاقديمة) : سلام بيني وبينكم ،لاحدود ولااقبية ولا زنانزين..تقول مليكة 

وهي تعلن  مع صليل ولادتها الجديدة .

 صليل الصمت يترجل عن صهوة القصيدة ،ل يقطف اجمل باقات الود و رياحين الورد وزهور صبر الصبار الصامدة ، يهديها صاحبات القلوب الوردية اللواتي تحملن عبيء التنظيم والتنسيق لحفل التوقيع : " الشواعر القديرات : "فاطمة لعبدي" ورحيمة بلقاس و فاطمة الزهراء الماروني .. و يمتطي بساط الامنيات ،يعد بلقاء قريب بالبوغاز.

السبت، 22 يناير 2022

البروفسور أميرة عيسى

 الهايكو الياباني وشعر الومضة 

نظرة بقلم 


أستاذة النقد الأدبي في الجامعة اللبنانية

بايحاء من ديوان

"للحُبّ رائحة الأرق"

للشاعر ناصر رمضان



عندما وصلني من مصر، عَبرَ المسنجر، ديوان صديقي الشاعر ناصر رمضان، بعنوان

" للحُبّ رائحة الأرق"، وجدتُه ينتمي إلى شعر الومضة أو ما يُقال له الهايكو الياباني، وبما أنّه سمح لنا، مشكورًا، بنشره كاملًا على صفحة المنتدى الأدبي الأسترالي العربي، وجدتُ أنّه قد يكون من المفيد أنّ أعطي نبذة تاريخيّة مختصرة عن هذا النوع من الشعر الذي ما زال حتى الساعة، مسألة يدور حولها الكثير من الجدل الأدبي.


في إحدى ليالي سنة ١٦٩٤، بينما كان معلم الهايكو الأول، الشاعر الياباني، ماتسوو باتسو (١٦٤٤-١٦٩٤)، يلفظ أنفاسه الأخيرة، كتبَ:

"مريضٌ وقتَ ترحالي

وأحلامي تتجول طافية

في الحقولِ الذابلة" 


تعريف الهايكو: 

هو نوع من الشعر الياباني، يحاول الشاعر فيه من خلال ألفاظ بسيطة، التعبير عن مشاعره واحاسيسه العميقة. تتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط، ويكون من سبعة عشر مقطعًا صوتيًا ( باللغة اليابانية)، وتُكتب عادة في ثلاثة اسطر (٥/٧/٥).


اجتاز الهايكو اليابان ليصل الى العالم بأسره، فوصل إلى شواطئ الشعر العربي الذي كان يتميز بقصائده الطويلة، ببحوره وقوافيه.

هاجمه النقاد في بواكيره لكنه استمرّ مثبتًا كيانه، وأُطلق عليه عند العرب اسم الشعر الومضة أو الشذرة أو التوقيعة. ويقول الشاعر المغربي سامح درويش، وهو يُعدّ من اهمّ شعراء الومضة المعاصرين، أنّ وجود الهايكو في الشعر العربي هو نتيجة  "المثاقفة العربية اليابانية" التي تعززت في ستينات القرن العشرين، ويضيف أنّ الهايكو العربي لن يكون له معنى إذا لم يأخذ من روح وثقافة الشعب العربي، وأهم خصوصيات الهايكو العربي تتمثل في وجود نفحة غنائية وجرعة من المجاز وحضور ذات الشاعر بشكل أقوى من باقي تجارب الهايكو عَبرَ العالم، ويضيف إلى ذلك الخروج عن الإيقاع الياباني نظرًا لخصوصية اللغة العربية، مع التأكيد على الإبقاء على روح الهايكو المتمثلة في البساطة والآنية والتحلل من زخارف البديع دون إهمال روح البلاغة المتجددة.


وهناك ترجمات للهايكو الياباني والعالمي الى اللغة العربية وخاصة في العقود الأخيرة، تمّ تقديمها من المترجمين العرب أمثال: عبد الكريم كاصد، محمد عضيمة، وحمد الأسعد وغيرهم.

ولقد شهدت ستينات القرن الماضي أولى محاولات الهايكو العربي بدءًا بتوقيعات الشاعر الفلسطيني عزّ الدين المناصرة، وبرقيات الشاعر السوري نزار قباني، وتأملات  الشاعر وعالم الأجتماع المغربي عبد الكبير الخطيبي، مرورًا بتجارب الكتابة على نمط الهايكو مثل تجربة كلّ من عدنان بغجاتي، وعز الدين الوافي وغيرهم.


ما يميز شعر الومضة هو الخيال المتأجج، البعد عن الحشو، التركيز على الكلمات ذات الكثافة والمفاجأة التي ترافقها الدهشة.


ولا بُدّ من ذكر أن ١٤ سبتمبر ٢٠١٩، كان يومًا حافلًا لشعر الهايكو في طوكيو حيثُ تمّ إحياء الندوة العالمية للهايكو في دورتها العاشرة، وهي تُقام كلّ سنتين، على أن تُقام في المغرب عام ٢٠٢١.


وأنا اكتب عن شعر الهايكو، تذكرتُ زيارتي إلى اليابان سنة ٢٠١٦، حيثُ لفت نظري واجهات محلات بيع الزهور، التي كانت تعرض تنسيقات رائعة الجمال تحتوي على وردة واحدة فقط، هذه الوردة تمثل شعر الهايكو، هي بيت القصيد في القصيدة العربية الطويلة التي قد تغلب عليها الصنعة عند البعض في دروب ملاحقتهم للأوزان والقوافي. 

لذلك نرى بعض الشعراء المعاصرين يلجأون إلى شعر الومضة، كشاعرنا المبدع ناصر رمضان، حيث قدّم في ديوانه " للحُبّ رائحة الأرق"، ومضات، مُدَمّجة، معجونة بالمشاعر والأحاسيس والمعاني المتجددة وذلك دون أنّ يهمل موسيقى اللغة العربية الساحرة...

سأتطرق إلى قراءة بعض الومضات في ديوان الشاعر ناصر رمضان:


"الحُبّ:

حالات من الدوران أعرفها

كعاشق رقصة التنورة

يدور يدور لا يغشى

وكلّ الناس مبهورة"

(٩٧، شعر)


هذه الومضة تصور لنا حالة الحب عند الشاعر، الحب الذي تغلفه قدسيّة المتصوفين، رقصة التنورة وما فيها من العشق الألهي والفرح والتفاني. الحب يجعل العاشق يدور في عالم طاهر، يدورُ ويدور معه العالم، والناس مبهورة، فقط العشاق يفهمون المعاني، فقط الذين اختبروا العشق يمكنهم الدخول إلى معبد الشاعر، قلبه الذي يجمع كلّ ما هو إلهي وبشري...


"بالحُبّ أطوي البيدا طيّا

وأشعرُ أنّي ما زلتُ حيّا"

(٢٨، شعر)

كم من الغنى في هذه الومضة، إنها كالقرص المُدَمَّج الذي يحتوي على كلّ الأغاني والمواويل التي تُحدّث عن تجربة الحب عند الشاعر. فالحب عنده هو أكسير الحياة، بالحب يصبح ذاك الجواد الجامح الذي يطوي الصحاري بقوة العنفوان، يتحدّى المصاعب ليصل إلى الحبيب حيث الوصال والفرح ومعنى الحياة، ذاك الحب الذي لا عطش بعده. هذه الومضة تُصوّر بثواني كلّ الإرث الإجتماعي العربي ونستذكر "الصحراء والبيداء تعرفني.." وقيس هائمًا في الصحاري، وعنترة في ميادين القتال يلمح ابتسامة حبيبته من خلال لمعان السيوف، والعديد العديد من الصور المطبوعة في مخيّلة القارئ العربي...


"وما ليلي سوى 

ليلى أعاتبها

فلا ليلي ولا ليلى

أجابا"

(١١، شعر)


يلعب الشاعر في هذه الومضة على الطباق اللفظي، فيدمج الليل وليلى، فهو يعيش ليلًا يقاسي فيه من عِشْقٍ المحبوب وهجره، فلا الليل يجيب لأنّاته، ولا ليلى تحنّ. وتعود إلينا صورة قيس يتحرق شوقًا هائمًا في الصحاري، فرمزيّة الاسم هنا تغوصُ في عمق تاريخ الحب عند العرب، وتبقى ليلى رمزًا للعشق والعذاب والالم حتى الموت، ويبقى قيس رابضًا في مخيّلة كل العاشقين...


"عَجَزَ الإنسانُ العربي عن التفكير

فلجأ إلى التكفير"

(٢٠، نثر)

الومضة ممكن أن تُشعل ثورة، تهدّ جبالًا وتبني مجتمعات، فهذه الومضة للشاعر ناصر رمضان هي محاولة إصلاح في نمط الفكر العربي، حيث أنّ المجتمعات العربية تفتقر إلى مراكز للأبحاث العلميّة، ورؤوس الأموال عوضًا عن تكريسها للأبحاث العلمية، نراها تتوجه إلى الدراسات الدينية السطحية التي تحضّ على التفرقة وتكفير الآخر، وكأننا ما زلنا حتى اليوم نبحث في جنس الملائكة متناسيين حاجات العصر الحاضر من ضرورة البحوث العلميّة والتقنيّة، لهذا نجد مجتمعاتنا العربية في أدنى المستويات العلمية مقارنة مع باقي الدول...


خاتمة: 

وهكذا نرى أنّ شعر الومضة، الهايكو، هو قصيدة التكثيف والتلميح والإيحاء وإعطاء القارئ الفرصة للتفكير والجنوح بخياله الخاص إلى ما ابتدأ به الشاعر، هي قصيدة النضج الفكري للشاعر وللقارئ معًا، هي قصيدة الصمت الذي يُحدّث المتلقي، هي بداية الطريق، يضعك الشاعر في المقدمة، بفتح الطريق ببعض المفاتيح الصلدة وعليك انتَ ايها القارئ أن تكتشف كلّ تعرجاته، وديانه وجباله لذلك هي كُتبت للقارئ المثقف الذي يتمتع بإحساس شعري مرهف، قارئ يمكن أن يتخيّل ويستنبط،  فالومضة هي القصيدة المفاجأة، تترك القارئ مندهشًا، يريدُ المزيد ولا يجد الإجابة إلا في أعماق نفسه...

اترككم للاستمتاع بقراءة ديوان الشاعر المتألق ناصر رمضان، ودائمًا مع الشكر والتقدير.


ناصر رمضان عبد الحميد

للحب رائحة الأرق ومضـــــــات

الطبعة الثانية

بطاقة فهر�سة

حقوق الطبعمحفوظة

مكتبة جزيرة الورد ا�سم الكتاب: للحب رائحة الأرق «وم�سات» تاأليف: نا�ضر رم�ضان عبد الحميد ت�ضميم الغلاف الفنان العراقي: هنري كونوي لوحة الغلاف للفنانة الت�ضكيلية: اإليدا م�ضاعين الأردن رقم الإيداع: 9002 - 2017م الترقيم الدولى: 80-83-6565-977-978

الطبعة الأولى 2017

القاهرة: 4 ميدان حليم - خلف بنك في�سل �سارع 26 يوليو - من ميدان الأوبرا 01000004046 - 27877574 Tokoboko_5@yahoo.com



للحب رائحة الأرق

الإهــــــداء

إلى الصديق الجميل حامد دراغمة وإلى د: ريما دراغمة والكاتبة الروائية نبيهة دراغمة وعائلة دراغمة بطوباس وفلسطين والأردن وألمانيا وأمريكا، وكل مكان مخضر بوجودهم، وأخلاقهم العاليه صداقة

ناصــــــر

أعتز وأفتخر بها. أهدى لهم هذا العمل لأنهم يستحقونه.

3



4

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

شــــــكر خــــــاص

أشكر من القلب الصديقة المبدعة والفنانة التشكيلية الأردنية

إليــــدا مضاعــيــــــن

على أهدائها الغلاف الذي زين كتابي وأشكر المصمم العراقى

هنري كونوي

على التصميم الرائع تحية له وللشعب العراقي.

5



6

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

المقــــدمــــــة

الومضة فن قديم في الشعر عرفه العرب وأعني به قصيدة البيت الواحد التي فيها من التكثيف والإيحاء والمفارقة والادهاش فهى عبارة عن لحظة أو مشهد أو موقف أو إحساس شعري خاطف يمر في الذهن، ويصاغ بألفاظ قليلة ومعاني كثيرة، ُتوفي الغرض، وهذه الومضات محاولةمنيفيإثراءهذاالفنوجعلتها«كبسولة» خفيفةالمأخذسهلة

المعنى وأتمنى أن يصل مفعولها إلى قارئ العصر الحديث. وقسمتها إلى:

1- شعر. 2- نثر.

ناصــــــــر

لعــــــــلى أوفــــــــق واللــه الموفــــق

7



8

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

مفتتح

«أ»

أنا من يرتقي بالحب فوق مدارج النجوي وأصعد دونما خوف وابحر مرفأي سلوى فلا أمسي يؤرقني.. ولا يحوي غدي قهرا عرفت طريق أغنيتي وفسرت الهوى شعرا

***

9



«أ»

ما الشعر إلا شجيرات تظللنا وقت الهجير وناي يطرب القلبا

«ب»

وما الشعر الطروب سوى جنون فى الفؤاد ربا ونكذب فيه كي يحلو ويصدق فيه من كذبا

«جـ»

هرمت مع العروبة رغم حبى وبان الشيب فى رأسي وقلبي كبرت وما كبرت برغم بأسي وتاه الحلم فى جهتي ودربي حظيت وما حظيت ببعض ضوء

10

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

وغاب الضوء عن آفاق هدبي

«د»

أنا العربي يا ليلي.. وليلي كله خيبات وكيف أعيش فى بل ٍد.. أعاليه بلا رايات أنا المنسى في قومي.. بلا صوت ولا نايات أن المحبوس في خوفي.. بلا قوت ولاغايات أن المغلوب في وطني.. وثوراتي بلا ثورات

«هــ»

إنما الدنيا كتاب كل مافيه ربيع.. من توانى فى اقتناص العلم يحيا فى صقيع

«و»

كنت أطعمك قمح قلبي وأسقيك ماء روحي وأدثرك بجسدي أتعجب كيف تقتات من فتات الأرض وتشرب من ملح أجاج وتتدثر بالسحاب، كنت ألملم فيك روحي، ف َصرت أشبه بالسراب

11



12

للحب رائحة الأرق

الشــــــعر

(1)

للحب كن قال الوجيب(1( وصوته صوت خفوت لكنني وأنا المعلم صرت ألتحف السكوت

(2)

شتى جراحات الهوى إهمال

(1( الوجيب: صوت القلب.



للحب رائحة الأرق

(3)

(4)

على ريح كأن الرخو(1( ثوبي صحوت فلم أجد إلا الغبارا

(5)

13

في كفي تترنح ومضة وأفكر فيك فتختنق

يطوف الناس

بالبيت العتيق وأطوف حولك علني أتطهر

(1( الرخو: التراب.



(7)

يحاصرني فألجأ للجحور ويقتلني فأحيا فى سرور

(8)

14

للحب رائحة الأرق

(6)

أقبلها وتعصرني ضلوعي فشوق القبلة الأولى سراب

ويسبقني الخيال إليك أصبو وكم (للشعر) ُيشتاق الخيال



للحب رائحة الأرق

(9)

ويُضيعالهُمس فنغترب والشاطئ خلفي ميقات

(10)

لغٌزوآحاجي يا هذا الشوق المتنامي والمتمادي والعتمة دهشة

وما ليلي سوى ليلى أعاتبها فلا ليلى ولا ليلي أجابا

(11)

15

الأرجح أنك



(12)

أقاتل وحدي كأني أقاتل نفسي فلا أنا مغلوب ولا أنا غالب

(13)

الشعر بعض من ضنا نوح وبعض من سنا بوح وثلج ينهش الدفأ

16

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

(14)

وتحت مظلة العشق صحوت و ُقبلتي أرُق

(15)

والجسم يعشق قبل الروح أحيانا

أجوب «الفيس» والدنيا وعندك مرفأ الروح

(16)

17



(19)

أنا من عيونك استقي فعلام طرفك ناعس

18

للحب رائحة الأرق

(17)

لا تحسبي أني ببابك سوف أجثو فعلى الأعتاب ألف فاتنة وكأس

(18)

مجنون من فكر يوم ًا أن يسكن بيت العشاق



للحب رائحة الأرق

(20)

(21)

وبشاطيء أنت جمال

الحب أغنيتي وأغنية الخلود

(22)

يأتي الصباح ولا تأتي بشاشته ما عاد حبك يأوينى ويحميني

19



(23)

جهلوا المحبة لودروا ما أمرها ما أطلقوا للحرب صاروخًايدمر

(24)

ما بين عيونك والخدين شيء لا يمكن أن يوصف زهر يقطف

20

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

(25)

يا فرحة العمر ماذا يكتب القلم وهل بغير الحب للعشاق مغتنم

مهماأرتحلِت فأننى لك ذاك ٌر ماغتبت عني وما أرتضيت بدي ًلا

(27)

من دمعتها أعرف ما تريد وليسليفي الدمع ذنب

(26)

21



(30)

22

للحب رائحة الأرق

(28)

بالحب أطوي البيد طيا وأشعر أنني ما زلت حيا

(29)

صريع الحب حاشاه يعاب وماليغيرباب الحب باب

صريع الحب حاشاه يتوب في حالتيه معذب وغريب



للحب رائحة الأرق

(31)

أكبرت حسنك عن وصف وعن أوزان جف البيان وحارت الأقلام

أهل المحبة فوق الفوق أطهار وعند باب الرجا بالحب أخيار

(32)

23



(34)

وحدي أنا فتعالي دثريني وأقرئي لي ما تيسر من أناشيد البروج

24

للحب رائحة الأرق

(33)

بالحب أسريت نحو هواك مرتقيًا والروح تعرج نحو السدرة الأولى



للحب رائحة الأرق

(35)

لست ممن يعشقون الحب تحت نار المدفأة

(36)

قالت: أفتح للحب بابا قلت: لا أبغي عذاب ًا ما زلت قاب قوسين ولا أبغي صعودا

(37)

كم صنت حبك رغم الهجر أحميه

25



(39)

26

للحب رائحة الأرق

(38)

ورغم طول الأسى في القلب أطويه

بك يا حبيبة صرت أعرف من أكون أناصرتمجنونًا وما أحلى الجنون

تدللي أولا تدللي مازل ِترهن أنا ملي



للحب رائحة الأرق

(40)

(41)

تزييني أو لا تتزيني ما زال خصرك شاطئًا

(42)

مازلِت قهوتي بالصيف ومعطفي لكل شتاء

27

أهوى البعيد وكل فاتنة لها شهب تنير



(45)

أبوح وبعض البوح من ألم دواء

مدد مدد مدد

في مثل حسنك لم أجد

28

للحب رائحة الأرق

(43)

لست ممن يعشقون الهجر لكن هكذا ترضى الحبيبة

(44)



للحب رائحة الأرق

(46)

(47)

رسمتك فوق حسن الحسن حسنًا لأنك لست من ماء وطين

أصبحت كالشجر المأسور

(48)

29

مدد مدد مدد

بالحب ينتعش الجسد



(50)

30

للحب رائحة الأرق

(49)

أستتر خلف الضباب وخلف الليل والحذر

حار الأطبة في الدواء وهل لمقتول دواء

سعيت للحب لا أبغي به بد ًلا وما سعيت لدينار ولا جاه



للحب رائحة الأرق

(51)

طردت الشك من قلبي فعشقك دونه جهل البشر

(52)

(53)

في عتمة الليل كان الحب قنديلي وكان طيفك رغم الهجر أكليلي

31

عشقتك دون شيطان الرذيلة



(56)

32

للحب رائحة الأرق

(54)

شربت كأس الهوى حتى سكرت به وال ُورق فوق الغصن يحتضر

(55)

مضيت بالحب لم أحفل بالآمي وشهوة العشق لا تبقي ولا تذر

فتشت في كل اللغات



للحب رائحة الأرق

فلم أجد لي مثل حبك من لغة

(57)

سافر ُت في كل العصور فلم أجد لي مثل حبك موطنًا

(58)

33

مدد مدد مدد

وجراح قلبي دون عد



(59)

يطوف الناس حول ضفاف عينك وأنا بالرمش أسكر

(60)

مهمارحل ِتفأنطيفكحا ٌضر بين الجوانح ساكن بفؤادي

(61)

حلمت بأن أزف الشعر عطر ًا فإذا بعطرك سيد الأشعار

34

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

(62)

يقول الناس لي في الحب عيب فقلت العيب في ظلم الفؤاد

(63)

والذي نفسه بغير جمال لايرىفيالحب غير الشهوة

أنا رغم مأساتي وبؤسي لم أبعك ولم أبع نفسي

(64)

35



(65)

كل شيء في الوجود الرحب لا يحلو بغير الحب

(66)

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة الا صار مجنونًا

(67)

لا يعرف الحب الحسود مهما تظاهر بالتشيد

36

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

(68)

(69)

والذي من غير حٍب ليس إنسان ًا سويًا

عنياك أغنية اللهب فأسمحي لي أن أقترب

على سرير الماء

أحملها

وأنسى أنني في

السبح عاجز

(70)

37



(72)

شعاع الحب ليس له قناع ولا يمحى ولا يخفيه قاع

يا أيها الحب المسافر في دمي ما زلت وحدك في الدروب غريب ًا

سافرت بالحب أميا ًلاوأميا ًلا

(73)

38

للحب رائحة الأرق

(71)



للحب رائحة الأرق

وعدت لا أحمل غير الهم آتقا ًلا

(74)

الحب بين الناس وحٌي عبقري

سقمت من الغرام وناح غصني ولكن ما نأيت ولا ندمت

(76)

(75)

39

بالحقد صرنا أمة معزولة



وعلى رصيف العالمين نباع

(77)

إذا جاء الحبيب فكن مغامر وطر بالحب فوق جناح شاعر

(78)

الشارع الممتد حب ًا مغلق نحو الكذوب

40

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

(79)

(80)

أسر ِت من الدلال لديك قلبي ويحلو الأسر في سجن الدلال

(81)

«إنه الإنسان يأتي كل أسباب الخراب» وأسأل الشعراء والعشاق تظفر بالجواب

41

إنها الأحلام بيتي طيفها تاج عمري



(83)

42

للحب رائحة الأرق

(82)

عوذت حبك من أبليس والناس أو أن يوسوس

في الهوى الخناس

لا دار للمر بعد الحب تأويه ولو تدثر بالديباج والذهب

(84)

يا ليلى أكون ولا أخشى العواذل والجنون

ِ

أنا حيث كنت



للحب رائحة الأرق

(85)

لم يخلق الحب للإنسان كي يشقى والقلب أن يهوي حنون

(86)

ما العيش إلا عشق فاتنة تهوى هواك وتعشق النجوى

(87)

لا يسلم القلب

النقي من الهوى

حتى يذوق الحب

أو يتألما

43



ولم أرى في قلوب الناس قلب كقلب العاشقين إذا أحبو

إذا أحببت في الأنثى القوام فلا تجزع إذا هرمت عظام

(90)

صافحت كل نساء الأرض قاطبة

(89)

44

للحب رائحة الأرق

(88)



للحب رائحة الأرق

لكن نبضك للعروق حياة

(91)

وتذكرني القبلة الأولى ورعشة مهجتي فوق السحاب

ما طال عمر الحب الإطال للمرء بقاؤة وفي رواية «شقاؤة»

(92)

45



ومنذ لقاؤنا الأول وما للقلب غير حديث عينيك

الناس في شرع الهوي تتعثر وأنا بحبك كل يوم أزهر وشفاهي العطشى لأروع قبلة أخذت لطول حديثها تتكسر كيف الوصول إليك دون خطورة من كل ناحية آراك فاسكر

(94)

46

للحب رائحة الأرق

(93)



للحب رائحة الأرق

(95)

وما أدارك ما الحب لهيب يشعل القلب

(96)

ما زلت قدحي حين أشرب قهوتي ما زلت «سيجاري» «وتبغي»

(97)

الحب: حالات من الدوران أعرفها كعاشق رقصة التنورة يدور يدور لا يغشى وكل الناس مبهورة

47



وحدي سابح بالحب يسكرني وأذ ُكر قبلتي الأولي

حلمت بأن تسعى إليك قصائدي فإذاك تأتي دون حلم

(100)

وبسطت قلبي للحبيب لعلني أجد النجاة

(99)

48

للحب رائحة الأرق

(98)



للحب رائحة الأرق

فلم أجد غير الضنا

قبلت كل نساء الأرض قاطبة حتى لثمتك تهت في الوادي العتيق

(102)

أصبحت لا اشتهيك وإنما تشتهيك قصائدي وأقسم حين أراك ترقص لكل حروف الشعر

(101)

49



(103)

خجولة أنت والهوى لا يعرف الخجل

(104)

أنعيشًابين جها ٍل محال أن يطيبا

(105)

إلاكلشيء ما خلا الحب زائل وكل جمال دون نهدك باطل

(106)

الومضة: أن تأخذ «نفس ًا» من «سيجارة» ما قبل النوم

50

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

و«الهايكو»(1( أن تشعل أخرى وتنام

(107)

الشعر يدلف للقلوب رواية فاكتب بشعرك قصة الإنسان

(108)

سأمضى حالم ًا من حيث أبغي وما حلم الفتي إلا يقين

(109)

ولي فؤاد صار يعشق نفسه فأراح قلبي والهوى محظور

(1( الهايكو: فن جديد على الشعر وهو فن ياباني يحاكي قصيدة الومضة يتكون من سطر أو أكثر.

51



(110)

والمرء ما بين الجهالة والنهي قلب يدق وعقله ربان

(111)

أنام ولا أنام وأنت شدوي وفي الأسحار وجهك لا يغيب وكم ناجيت في الأحلام طيف ًا ولكن لا سميع ولا مجيب

(112)

أن الذين ينادونك من دون القبلات أكثرهم لا يعشقون

(113)

الشعر يحلو كلما رددته

52

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

ويعز إن عزت لنا الأوطان

(114)

إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم قصيدة فليكملها فالعالم بالشعر بقاء

(115)

لي جرعة الماء النقي وللمساكين التراب هذا هراء المدعين ومحنة الزمن الخراب

(116)

صبري على ذاتي طريق ثباتي

53



فإذا عشقتك فأعلمي أني عشقت حياتي

(117)

لغتي حين تبوحين تبوح وحين تسرين تنوح

(118)

الشعر من نفس العشاق مقتبس والشاعر الحق بين الخلق أنسان

(119)

أنا في هواك عزفت لحن قصيدتي وهتفت باسمك

54

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

كي أعانق وحدتي فإذا محيا كل وجه ناضر وإذا الربيع يزيل هم الغربة

(120)

حنانك كان أقوى من حنيني وشكك كان أقوى من يقيني لقد كنا مع ًا روح ًا بروح وكم ضاعت ظنونك في ظنوني فكيف إذا غضب ِت وكيف أرضى وقد تاهت يمينك في يميني شممت رحيق عطرك في ضلوعي فلا تجني على وتتركيني

(121)

وما الشعراء غير نسيم صبح يعانق في الضحى وجه السراب

55



(122)

كأن نهدك مصنوع من الما ِس فكيف أخفى لهيبي بوح إحساسي إني أحبك أنثى لا مثيل لها وتلفح الريح بالأشواق أجراسي

(123)

كل القلوب سهام الحب تشعلها ما أجمل الروح حين النار تزكيها

(124)

داري ودراك رغم قرب جوارنا صرنا كما المسجون والسجان

56

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

النثــــــر

(1)

السياسية كالحب يصلحها العقل ويفسدها القلب

الحب كالمصعد أن لم يأخذك إلى أعلى فحذار أن تصعد

(3)

اشتباكات بين عقلي

(2)

57



وقلبي دون خسائر دون دمار «من وحي نشرات الأخبار»

(4)

في الحب كلما زاد اللهب أشعل فؤادك واقترب

(5)

وجهي المتجلي في المرآة يعكس وجهك المتجلى رغم برودة الزجاج

(6)

الحب هو الدابة التي عقرها الناس فدمدمت الحياة عليهم بعذابها وويل لكل أفاك كذوب

58

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

(7)

في الحب: من لم ي ِف بالغرض فبقاؤه مرض

(8)

الإنسان خلق ليحب لا ليجلس كالدب

(9)

الحب كالإبداع مرتبط بالحرية والمزاجية، وكلاهما مفقود في الوكر العربي

(10)

أن تكون صادق ًا فقط

59

الحب كالكتابة

معهما حاول



(11)

المليحة ليست في الخمار الأسود المليحة قلبها نبض، ووفائها عهد وطيفها سر لا يهتدي إليه سوى زاهد وواجد، لا تشتهي شيئ ًا سوى أن ترى وميض عيونك وأنت تنظر إلى جيدها المرصع بالعبق لعلك ترضى، هي عرش عمرك حين تصعد للسماء وللفضاء وللمنى على شاطئيها تغني وتعزف لحن الصبابة فوق الوتر، تغزل من النجوم كلمات ومن المساء شجيرات، ومن الصباح ضحكات، هي نور وجنة، ولاء ونجوى وصال وغنوة، صلاة ومحراب، طفلة لا تعرف غير الدلال جواب، مثيرة وأميرة، قليلة وكثيرة، ولائها لك ولاء ولغيرك فناء، حضنها جمر وخمر،

60

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

صمتها شعر، وهمسها سكر بوجها سر وأى سر، تتسربل بأريح العطر لتنشر بالحياة الرضا

(12)

ليس هناك من طريق إلى الحب الحب هو الطريق

(13)

تحررت من قلبي والقلب إن يهوى أسير

(14)

في الحب موت الرقيب أولى وابقى

61



(16)

الحب مدرسة الجنون واللغه مدرسة العلوم والفنون

(17)

القصيدة بلا وجع ثمر بلا ساق والساق عبأ إذا لم تساعدك على السباق

62

للحب رائحة الأرق

(15)

الشعر هو: تلخيص ذاتك والحب هو: تخليص ذاتك



للحب رائحة الأرق

(18)

الناس على دين إدارتهم والحب إرادة وإدارة

(19)

هي ليست أنثى هي بغداد

(20)

عجز الإنسان العربي عن التفكير فلجأ إلى التكفير

(21)

الأحلام ليست خواطر وشوارد الأحلام تجارب قليلها بالحب يتحقق وقليلها يشفي

63



علمونا في الصغر

أن الإنسان روح فقط، والحقيقة أن الإنسان غير ذلك، وغير ما تعلمنا، فالإنسان جسد تسكنه روح وليس العكس، فبقدر الاهتمام بالجسد تنتعش الروح، وليس العكس، فالجائع بلا روح كالريشة تذروة الرياح، الرياضة للجسد، والطعام للجسد والصلاة للجسد، والروح تابع وليس قائد، وما الروح للجسد إلا كضبط إيقاع للحركة حتى لا يصبح الانسان كوحش الغاب والعقل هو مناط الحركة وحاميها، وميزان الاعتدال في الأق�وال والأفعال، والحرمان للجسد بحجة الارتقاءوهمثبتضررة،وقدي ًماقالوا:العقلالسليمفيالجسمالسليم،

وأنا أقول: الروح السليمة في الجسد السليم.

(23)

لا تعط ظهرك للحياة فلن يحميك أحد كن لنفسك سند ولروحك مدد

64

للحب رائحة الأرق

(22)



للحب رائحة الأرق

تحرر من قلبك وأعشق بعقلك فالعاشقون على باب الهوى ضعفاء

(24)

الجميلات خطهن عاثر ولا ينبئك مثل شاعر

(25)

الصباحات الدافئة لا تعني بالضرورة أني أحب

(26)

في الحرب تضيع الحقيقة وفي الحب أيض ًا

65



(27)

للحرب طرق كثيرة وللحب طرق أكثر

(28)

لا تكن ضد الضد فحسنك أن ترى ضدك وأقصد في حبك لو تسطاع القصد فكلنا في الحب عبد

(29)

غد ًا بدونك خلف أسوار الوجود أعذب

66

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

(30)

الشعر ترجمة والحب جمرة، واللغة مابين بين كليهما ثمرة

(31)

الشعر إحساس واللغة إيناس وإحساس وإختيار وتعارف وتآلف والحب سراج وهاج وفى الكلمة تكمن الفكرة، والشعر فكر وطهر

(32)

الشعر أنفاس تتلاحق والحب أرواح تتعانق

(33)

وما أكثر الناس ولو حرصت بعاشقين

67



(34)

الصباحات الدافئة لا تكون الا بين أحضانك فدثري قلبي المثخن

(35)

الشعر هو أنت، والحب أيض ًا والحرف مطواع الكذوب

(36)

المرأة بلا حب بستان بلا ماء

(37)

الرجل بلا حب حارس بلا أسلحة

(38)

السياسية فن الممكن والشعر فن اللاممكن

68

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

والحب ما بين بين كليهما حائر

(39)

الثقافة فن المرونة والشعر فن الكينونة والحب مرايا التلقي

(40)

خذ من الشاعر ثلاث ًا 1- حديث عذب ًا 2- ورقة قلب 3- وسرعة في الحب

(41)

الحب هو الرواية التي لم تكتب بعد فاقلام الخلائق لم تعد تصدق وليس لها من دون الحب كاشفة

69



الحب تبادل قيمة

الحب تبادل احتياج

(44)

الحب تبادل ُأنس والشعر تعانق نفس والعاشق بهواه يبوح

(45)

الحب فن الإشباع والشعر فن الأمتاع والثقافة فن الاستماع

(43)

70

للحب رائحة الأرق

(42)



للحب رائحة الأرق

(46)

الحب تبادل أفعال والشعر تبادل أقوال والثقافة تبادل عادات وحضارات

(47)

الحب تبادل عطاء والشعر تبادل عناء والثقافة تبادل بناء وارتقاء

(48)

الحب تبادل ثقافات، والشعر تبادل لغات والثقافة أنكار للذات، والألفاظ قوالب المعاني والقلوب كوامنها الألفاظ

71



(49)

بيننا وبين الحب مسافة حجمها بحجم الصمت

(50)

في الحب أنت المسجد والساجد والمعبود والعابد، وفي الشعر أنت المقصود والقاصد، واللغة بيت المقاصد

(51)

المريض من يفقد القدرة على التفكير والتعبير، والميت من يفقد القدرة على الحب

(52)

من لم يكن في حياتك بسمة أمل

72

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

(54)

73

فأخرج من عبائته بلا خجل

(53)

من علمنى حرف ًا صرتلهذكرًا

إذا لم يكن الشاعر فيلسوف ًا متبحر ًا في عالم الحكمة وشمس المعارف الكبرى فلن تسمع منه سوى الماء ماء، والهواء هواء وكذلك العاشق

(55)

ما حيلتي لهواك وكل طرقي مغلقة

ّ



(56)

الحب هو كمية المشاعر بداخلنا نترجمة وفاٍءوعطاٍءوتضحية

(57)

الحب ذكر والشعر فكر والعلم متابعة، واللغة بيت المعرفة

(58)

الشعر هو كمية الحب بداخلنا نترجمة حروف ًا مموسقة، تتأرجح بين الواقع والخيال

(59)

فى عيد الحب تعال نقتسم الحب أنت تحفظ لي شغف البدايات وأنا أحميك من عصف النهايات

74

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

إلى صديقي حامد دراغمه إهدي هذه الأبيات

يا صديقي في انفراج الحب في اللغة الجميلة في فضاء الصبح والدنيا عليلة في محياك الربيع حين تخضر الخميلة في ثناياك هدوء، يعرف الراجي سبيلة وبكفيك عطاء يؤثر الخل خليلة. جئت من بيت عريق قل في الدنيا مثيلة

***

وردت الشاعرة السورية

ناهده(1( شبيب علي بهذه الأبيات

(1( الشاعرة ناهدة شبيب: شاعرة سورية تقيم بين القاهرة وحماه صدر لها: �� نصف امرأة شعر، ط سوريا �� أنا لن أحبك شعر، ط جزيرة الورد �� القاهرة �� صهيل الجراح شعر، ط جزيرة الورد �� القاهرة �� بكاء علي جدار الوطن شعر، افتار �� القاهرة

75



يا صديقي دمت دهر ًا، في أغانيك الجميلة تمنح الأقمار نور ًا- في لياليها البخيلة أي سحر أي شعر ذاك في اللغة الأصلية دمت في دنيا المعاني بسمة الصدق العليلة

76

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

الشاعر في سطور

- ناصر رمضان عبد الحميد -1975/7/21 - عضو اتحاد كتاب مصر - عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية - عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية - سكرتير رابطة شعراء العروبة (2005 �� 2015( - سكرتير رابطة الأدب الحديث - سكرتير تحرير مجلة النهار - سكرتير الجمعية المصرية لرعاية المواهب - عضو المنظمة العالمية للكتاب الأفرو آسيوين - عضو جمعية حماة اللغة العربية - عضو مؤسس بنادي أدب الجيزة - سكرتير نادي أدب الجيزة في الفترة من 2010: 2012

عضو اللجنة الثقافية لهيئة خريجي الجامعات

77



- مدير مكتب جريدة البيئة الجديدة بالقاهرة «جريدة عراقية يومية تصدر في بغداد، للفترة من 2013: 2017»

- ترجمة له موسوعة شعراء العرب «إعداد الشاعرة المغربية فاطمة بوهراكه»

جريدة الرأي المصرية �� موقع الرأي برس �� رابطة مجموعات محمود درويش، موسوعة مبدعو مصر عبر الإنترنت �� كتاب الإعلام والثقافة (الأزمة والحل) مؤتمر اللجنة الفكرية «اتحاد الكتاب» 2019

دار يسطرون.

نشر شعره ومقالاته في:

- جريدة الأهرام. - المصريون. - جريدة المساء المصرية. - جريدة الأخبار المسائي.

- جريدة الأهرام المسائي. - جريدة المسائية - جريدة روز اليوسف. - المصري اليوم. - جريدة القاهرة. - جريدة الأهالي. - جريدة عقيدتي. - جريدة أخبار التعليم. - مجلة النهار المصرية. - مجلة رابطة الأدب الإسلامي- السعودية. - مجلة منف الثقافية. - جريدة وطني أسبوعية تصدر بليبيا.

78

للحب رائحة الأرق



للحب رائحة الأرق

- جريدة الحدث- فلسطين. - جريدة تمودة المغرب. - جريدة المستقبل العراق. - جريدة البنية الجديدة العراق. - جريدة هنا الجنوب العراق. «ذي قار»

- جريدة الأنوار لبنان. - جريدة Siny لبنان.«غادة فؤاد السمان»

- مجلة كفرنو سوريا. �� جريدة العراقية الأسترالية �� جريدة الفداء سوريا �� جريدة الأسبوع الأدبي، تصدر عن إتحاد كتاب العرب سوريا. �� جريدة كواليس الجزائر. �� جريدة الشعب تونس �� مجلة اليمامة السعودية. �� جريدة الأضواء البصرة �� مجلة الأداب والفنون بغداد

- كما نشر شعره في أكثر من موقع عبر شبكة الانترنت.

- كتب عنه أكثر من ناقد وكرمته أكثر من جهة ترجم ديوانه بي حيرة الصياد للغة الفرنسة ترجمة اللبنانية (مني دوغان) عن دار إدليفير كما ترجم شعره إلي اللغة الإنجليزية واللغة الفارسية صدر له.

- ترانيم روح شعر 2009م الآداب - القاهرة.

79



- في المطار رواية 2010م الآداب - القاهرة - مرايا الرحيل شعر 2011م الآداب- القاهرة. - أوراق الخريف نقد 2012م الآداب- القاهرة. - حديث النار شعر 2013م الاداب- القاهرة. - لن أنسحب شعر 2014 دار فلاور للنشر والتوزيع. - علمني الحب نصوص أدبية 2015م الأداب. - طيفك بين الرصاص شعر 2016م.

طبع وزارة الثقافة «الهيئة العامة لقصور الثقافة» وهو الديوان الفائز بالمركز الأول في إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد بالطباعة على نفقة وزارة الثقافة»

- الوهابية تشوه الإسلام ط مركز يافا- القاهرة. بالاشتراك - بى حيرة الصياد: شعر سلسلة طيوف عن دار يسطرون - قالت لى أمى: شعر شركة افيروس للنشر والتوزيع - فقه الحياة: تنمية بشرية مكتبة الأداب

�� شموخ شعر مركز الحضارة العربية كما أن جميع مؤلفات الشاعر مطبوعة رقميا دار العبيكان السعودية

80

للحب رائحة الأرق






قراءة البروفسورة أميرة عيسى