الثلاثاء، 9 يونيو 2020

ماهو التاريخ الذي يعبر عن واقعنا؟



محمد أديب السلاوي

-1-
التاريخ في منظور الباحثين المختصين هو تحليل وفهم للأحداث التاريخية عن طريق منهج يصف و يسجل ما مضى من وقائع و أحداث، و يحللها و يفسرها على أسس علمية صارمة، بقصد الوصول إلى حقائق تساعد على فهم الماضي و الحاضر و التنبؤ بالمستقبل.  

و في مفاهيم الموسوعات والقواميس اللغوية، التاريخ فن يبحث عن وقائع الزمان من حيث التعيين و التوقيت، و موضوعه الإنسان وأزمنته / هو القيام بدراسة تعتمد على حقائق الماضي وتتبع سوابق الأحداث في الماضي والحاضر، ودراسة ظروف السياقات التاريخية وتفسيرها في الماضي والحاضر والمستقبل، فمنهج البحث التاريخي في نظر المؤرخين المختصين، هو مجموعة الطرق و التقنيات التي يتبعها الباحث و المؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية، و إعادة بناء الماضي بكل وقائعه و زواياه ، وكما كان عليه زمانه و مكانه، تبعا لذلك فالمنهج التاريخي يحتاج إلى ثقافة واعية و تتبع دقيق بحركة الزمن التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على النص التاريخي . 

والتاريخ في المعاجم البريطانية، حسب كلمة history، كلمة مشتقة من الكلمة الإغريقية (هستوريا) بمعنى التعلم، وكانت تعني حسبما استخدمها الفيلسوف الاغريقي ارسطو طاليس سردا منظما لمجموعة من الظواهر الطبيعية سواء جاءت مرتبة زمنيا أو غير مرتبة في ذلك السرد.
وهناك تعريف آخر للتاريخ هو الذي يعني التاريخ الحي، أما الأخبار فهي التاريخ الميت، والتاريخ هو التاريخ المعاصر بينما الأخبار cronica، هي التاريخ الماضي، والتاريخ أساس فعل ماض بينما الأخبار فعل للإرادة وكل تاريخ يصير إخبارا إذا لم يعد مفكرا فيه. 

وخارج هذه التعاريف، يظل التاريخ مصدرا للتعلم، فهو ذاكرة البشرية ومستودع تجاربها، والمؤرخ هو الذي يتفاعل مع الحوادث ويناقش هذا الماضي من وجهة نظره، والتاريخ ينبع من العظة والعبرة، فنحن ندرس تواريخ الدول والملوك والشعوب لنتعلم، وندرس سير الأنبياء لنأنس بهم، وندرس تجارب الأمم ونرى ما وقعت فيه من الأخطاء لننجو بأنفسنا من المزلات ومواطن الضرر
.
-2-

عندما نطلق هذا المصطلح " التاريخ " عربيا هل نعني به تلك الدلالة التي تشير إلى علم التدوين، أو نعني به تلك العملية التي تحيط بشعاب الأحداث والقضايا التي عاشها الإنسان في فترة معينة، برؤية ومنهاج ومعارف معينة خلال هذه الفترة، التي جعلت / تجعل من التاريخ علما وفلسفة ومنهاجا مطبوعا بالتطور الزمني وموجها بإحداثه وصراعاته وقضاياه. 

1/- جاء في دائرة معارف محمد فريد وجدي قوله :" فالتاريخ هو من أجل العلوم الإنسانية وادعاها للعناية، فيه يعرف الإنسان مكانه من السلسلة الإنسانية ومكان أمته من الهيئة الاجتماعية (العالمية المستمرة) ولو كانت فائدته تنحصر في هذه المعرفة لسهل الاستغناء عنه ولكنه فوق ذلك هو محل العبر ومثار العظات ومصدر العلم والسنن الإلهية في تكوين الأمم وحلها وإصعادها وإهباطها، وعلم هذا شأنه جدير بأن يجعل في مقدمة العلوم اعتبارا وفي صدرها إكبارا". 

2/-  أما عند صاحب كتاب "العبر وديوان المبتدأ والخير في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" العلامة عبد الرحمان ابن خلدون، التاريخ هو تدوين حياة الإنسان ليس فقط فيما ينجزه في حياته من منجزات وقضايا، ولكن كل ما يصدر عنه في فكره وعقيدته وأعرافه وتقاليده وفي عمرانه وسياساته وسلامه وحروبه.بل وفي باطله وحقائقه (1) وهو ما جعل/ يجعل التاريخ أبا لكل العلوم والفنون والآداب واللغات والتقنيات وغيرها من سائر ما يعيشه الإنسان ويتخيله ويمارسه في واقعه وذهنه (2(  .

3/- وعند العلامة محمد عبد الرحمان السخاري، صاحب كتاب :" الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ" إن موضوع هذا العلم / التاريخ، هو الإنسان وزمانه ومسائله وأحواله المفضلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة في المكان والزمان، وفائدة التاريخ في نظر السخاري، هي معرفة الأمور على وجهها. 

4/- وعند العلامة أبو الحسن على المسعودي، التاريخ علم يستمتع به العالم والجاهل، موقعه الأحمق والعاقل، فكل غريبة منه تعرف وكل أعجوبة منه تستطرف، ومكارم الأخلاق ومعاليها منه تقتبس، وآداب سياسة الملوك وغيرها منه تلتمس،يجمع لك الأول والآخر والناقص والوافر والبادي والحاضر والموجود والغابر وعليه مدار كثير من الأحكام وبه يتزين في كل محفل ومقام وأنه جملة على التصنيف، فيه وفي أخبار العالم محبة احتذاء المشاكلة التي قصدها العلماء وقفاها الحكماء وان يبقى في العالم ذكرا محمودا وعلما منظوما عتيدا" . 

التاريخ بالنسبة للعلامة المسعودي، هو معلم البشرية الحكمة والأدب ومعرفة الماضي والحاضر، فهو النبع الذي يرتشف فيه الحكماء ما يغذي روحهم في الحكمة وفلسفة الحياة. 

5/-  ويرى صاحب كتاب دروس الفلسفة، المفكر اللبناني جميل صليبا أن التاريخ معلم الحياة، والأستاذ الأول للإنسان، يزيدنا خبرة وحنكة، ويعلمنا كيف نربط النتائج بالأسباب، ونقيس الحاضر على الماضي، ونبني المستقبل على الحاضر. 
6/-  ولصاحب كتاب " قيمة التاريخ" للمفكر الألماني جوزيف هورس، التاريخ هو حاصل الممكنات التي تحققت، والتاريخ هو مصدر العبر في الحياة. 
7/- أما بالنسبة لصاحب كتاب علم التاريخ هو نشو، التاريخ مدرسة لتعليم طريقة البحث، نتعلم منه الحذر واستقلال الرأي وسماحة الطبع.

-3-

بذلك نجد مصطلح التاريخ، مشتقا من المفاهيم الأكاديمية، شرقية وغربية، ولكنه يكاد يكون معتادا في قاموسنا اليومي، نستعمله في أغراض مختلفة، ونوظفه في مجالات مختلفة، ونتكئ عليه في أحاديثنا كما في تقاليدنا وفنوننا الشعبية، مصطلح يرافقنا في الوثائق الرسمية، وفي ذكرياتنا العائلية وفي كل مساراتنا الحياتية، يتحرك معنا من الميلاد إلى الموت. 

وفي المفاهيم الأدبية والسياسية والعلمية، التاريخ بحر واسع من الأحداث والمعارك والبطولات، ومن المعطيات والمعلومات والإشارات التي سجلها الأثر الإنساني، خلال وجودها على سطح الأرض.
على مدى عقود وقرون، أثار مصطلح التاريخ، تساؤلات عديدة وافتراضات متنوعة، وآراء ذات اتجاهات شتى في تفسير الحياة وسيرها وغايتها، تساءل فيها الفلاسفة والمفكرين والمؤرخين، بل تساءل الإنسان باستمرار عن منبع هذا النهر الجاري منذ الأزل، الذي نسميه التاريخ. 
وفي المفاهيم الفلسفية، التاريخ هو مسار واحد، حياة، فموت، فحياة، يسير على شكل دوائر، لكل واحدة فتحة تطل / تؤدي إلى فتحة / دائرة أخرى، وهو ما يجعل الحضارات لا تموت قبل ظهور حضارات أخرى جديدة... وهو مجموعة من الأحداث والمصادفات، قد لا يكون لها أي رابط ولا قانون تسير وفقه، ولكنها مع ذلك تلتقي في " التاريخ" حتى ولو كانت زئبقية الملامح، ولا يمكن إدراكها بيسر وسهولة. 

وفي نظر المؤرخين، التاريخ هو تاريخان، الأول معاصر حي، متحرك، والثاني ميت، يعتمد على أخبار الماضي، التي غالبا ما تكون مبثورة من احد جوانبها.

-4-

والتاريخ، قبل ذلك وبعده، هو أحد العلوم الإنسانية التي استأثرت بالعرب، في ماضيهم كما في حاضرهم...الأجيال العربية السابقة، رأت في التاريخ وسيلة علمية للعبرة في الحياة وفوائد عديدة في التربية والأخلاق، ورأت فيه الأجيال العربية اللاحقة، مصدرا للمعرفة والاستدلال وشحذ الأفكار. 

التاريخ هو العبرة، "هو مصدر الحكم والعبر، منه يتعلم الإنسان ما جربه غيره" (عبد الرحمان ابن خلدون)، وهو " مدرسة للبشرية " كل غريبة منه تعرف، وكل أعجوبة منه تستطرف، مكارم الأخلاق ومعاليها منه تقتبس وآداب سياسية الملوك وغيرها منه تلتمس، وعليه مدار كثير من الأحكام وبه يتزين في كل محفل ومقام" (المسعودي(..
 
والتاريخ هو " مصدر للعظة والعبرة التي تفيد الحياة العملية الحاضرة من تجارب الماضي من ملوك وأنبياء وحضارات سالفة، لتكون منارة لنا في طريق الحياة "(الدكتور حسن مؤنس)، و" فيه يعرف الإنسان مكانه في السلسلة الإنسانية، ومكان أمته من الهيئة الاجتماعية العالمية المستمرة" (محمد فريد وجدي)، وهو " يزيدنا خبرة وحنكة، ويعلمنا كيف نربط النتائج بالأسباب، ونقيس الحاضر على الماضي ونبني المستقبل على الحاضر" (جميل صليبا(..

-5-

في إطار هذه المفاهيم التي نحتها العقل الثقافي العربي، عبر عدة عصور لعلم التاريخ، أثيرت في العهود السالفة وحتى الآن، قضايا فلسفية تتصل جميعها بعلاقة التاريخ بالحياة المعاصرة، حيث ظهرت نظريات ودراسات جديدة، يربط بعضها التاريخ بالفلسفة والاقتصاد المادي، ويربط بعضها الآخر التاريخ بعلم الاجتماع وعلم السياسة، على اعتبار أن التاريخ هو تطوير مستمر نحو الأعلى، يجب استقطاب كل العلوم التي تساعد على تفسير واستقراء أحداثه وحوادثه. 

وخارج هذه الفاعلية برزت نظريات جديدة ومغايرة في الغرب، تقول بلا جدوى، التاريخ...وتسأل: ماذا ينفع البشرية التواقة إلى مستقبلها من رجوعها إلى التاريخ، في عصر تسيطر عليه الهواجس والأفكار والإيديولوجيات والاختراعات المستقبلية...؟. 

الفيلسوف "هيجل" يرى أن الشعوب والحكومات لن تتعلم شيئا من التاريخ ولم تأخذ أي عبرة من أحداثه وحوادثه، ذلك لأن الأخطاء تتكرر في الحياة البشرية رغم معرفتها بها. ويرى أن الحكام يدركون أكثر من غيرهم، من خلال تاريخ الأمم والشعوب، أن الحكم الديكتاتوري زائل لا محالة، وأن الظلم نهايته الفشل باستمرار، ومع ذلك يعودون إلى الديكتاتورية والى نظمها الظالمة.
ويرى زميله الفيلسوف " نيتشه " أن الالتفات إلى الماضي يحرم البشرية من التمتع بحياتها الحاضرة ويشل فاعليتها ويمنعها من الخلق والإبداع. 

ويذهب الفيلسوف " كارل هاينمبرغ بيكر" ابعد من ذلك، حيث يرى أن كل إنسان مؤرخ نفسه، وأن لكل حادث في حياة الإنسان صفة خالصة، ولا علاقة لأي حادث بالآخر. فكل حادث هو كيان خالص ومستقل عن غيره، وأن الأحداث التاريخية في غاية التعقيد والتركيب والاشتباك بحيث يصعب جدا استخلاص العلاقات الثابتة بين مجموعات منها، كما هي الحال في الظواهر الفيزيائية، وهو ما يجعل من الصعب على المؤرخ أن يقرر روابط ثابتة بين الأحداث التاريخية، كما يجعل المتلقي في ارتباك من أمره تجاه الماضي. 

ومن هنا فلا يمكن أن يكون لأي بلد وللعالم كله تاريخ واحد بل تواريخ متعددة ومعنى هذا أن عملية إعادة كتابة التاريخ ينبغي أن تكون متجددة ومسايرة للتطور الفكري والحضاري مع ارتكاز إلى التواصل ومسألة الاقتراب والابتعاد في التواريخ المشتركة بنسبة التطور الطبقي الحاصل في مرحلة معينة في مناطق متعددة من العالم .فالإنسان في تفاعله مع التاريخ موجه وحركة التاريخ الوحيدة التي لا جدال فيها هي حركة النشوء والارتقاء ذلك هو اتجاهه وتلك هي غايته. 

والحقيقة انه مهما كانت الحوادث لا تكرر نفسها وكل حادثة هي بحد ذاتها مستقلة وان استقلالها لا يعني أنها لم تكن ذاتها من أسباب أخرى تعود في أصالتها إلى التاريخ. 

فالتاريخ ليس قفزات متتالية في الهواء بل هو تجديدات للوقائع وتصحيحات وصلت اليوم إلى درجة عالية من التقدم بالنسبة للماضي، فليس هناك شيء ماض تماما بل ماض نسبي لان الرجل فلانا هو ذاته الطفل في مرحلة معينة وكذلك هو الأمر بالنسبة للمجتمعات. 
وفي نظر العديد من العلماء والباحثين المختصين، أن التاريخ لا يمدنا بحلول جاهزة لأنه لا يعيد نفسه، إلا أنه لا محال يعيننا إعانة جذرية على فهم واقعنا بل أنه لا فهم لهذا الواقع بدون العودة إلى التاريخ والفهم الصحيح شرط أساسي لالتماس الحل الناجح.
وحتى هيجل فانه يؤمن بضرورة الإلمام بالتاريخ لذا فيقول :" أما من لم يكن بالعلم الذي يشتمل على هذه التصورات الأولية المجردة فانه حتى لو ظل يحدق في القبة السماوية طوال حياته سيظل عاجزا عن فهم تلك القوانين بقدر ما هو عاجز عن اكتشافها". 

يعني ذلك هيجل يعترف بشكل واضح وأكيد انه لابد للإنسان من العودة إلى الماضي – التاريخ لأخذ العبر وصياغته في النتجية في نظرية تطوير حركة التاريخ. ضمن وجهة نظره يراها ويعتقد أنها هي المسار الصحيح للتاريخ وللحياة وهذا في الحقيقة يعود إلى تفهم كل شخص للحقائق والوقائع، ومن خلال المنظار الشخصي الذي كون هذه الشخصية والعوامل المتعددة التي دعت هذا الشخص إلى هذه الرؤيا.

-6-
الغريب في الأمر، أن الدعاوي التي تقول، لا يمكن اتخاذ أي عبرة من التاريخ، ولا فائدة منه، ظلت على اتساعها منعزلة وضعيفة في ساحة المعرفة...إذ مازال البحث الأكاديمي، يعتبر أن التاريخ ليس أخبارا مجردة، ولا قفزات متتالية في الهواء...وأنه أحد العلوم المتجددة، وأن التاريخ حتى وان كان لا يعيد نفسه، ولا يمدنا بحلول جاهزة لمشاكلنا وقضايانا الراهنة، فإنه لا محال يعنينا على فهم واقعنا، وعلى فهم الآليات التي من شأنها تطوير هذا الواقع... 
بالنسبة للبلاد العربية، التي يرصد تاريخها بكثافة حياة الحاكمين وأحوالهم وقضاياهم وصراعاتهم، في تهميش تام لتاريخ المحكومين، يبرز في افقها الثقافي سؤال حاد : كيف يمكن لهذه البلاد، التي تعيش عصرا بشريا متميزا بالتقدم العلمي والحضاري والتكنولوجي، أن تستفيد من تاريخها الماضي، لصالح تاريخها المستقبلي...؟ 
وحدهم الذين يشتغلون ب"التاريخ" يستطيعون الإجابة عن هذا السؤال الهام...ولكن متى يفعلون ذلك ؟
-7-
عربيا، سادت فكرة تفسير مصطلح التاريخ في إطار من القوانين والأشكال...وهو ما جعل المؤرخ العربي، أمام أمرين لا ثالث لهما، إما أن يتحدث ب " الوثيقة" أو يتحدث عن " الوثيقة" / إما أن يأخذ بنظرية من النظريات العالمية، ليجد لها التدبير والتأييد لها في التاريخ، ويجعل بذلك من علم التاريخ خدمة لأغراض خارجة عنه، أو يحاول استقراء التاريخ للتواصل مع النتائج الحقيقية، بعيدا عن مفاهيم ورغبات السلطة... 

إن هذه الوضعية، دفعت العديد من المثقفين العرب في نهاية القرن المنصرم، إلى المطالبة بوضع أسس مدرسة عربية لفهم وكتابة التاريخ لسد الفراغ الذي ظل يشكو منه التاريخ العربي لفترة طويلة من الزمن.

--------------------------------------
(1) الدكتور جلال الغازي / مستقبليات في علم التاريخ / مجلة مرايا مغربية
(2) الدكتور جلال الغازي / المرجع السابق

بين ازقة الذكريات

بقلم سميرة مسرار 


هل تذكر ذلك اللقاء 
بين شوارع باريس؟
كنت تنتظر في مقهى الرحيل..
هل تحن كأننا خلقنا لذاك اللقاء!؟
لم يكن حميمياً 
كلقاء عشاق هذا البلد.. 
لا نظرات..
ولا همسات 
تغرق عاشقين حتى الذوبان..
أو غزل يشعل الروح
أو عتاب يسيل الدموع
على سفوح الخد..
أو دقات قلب يعلو أنينه!
هل تذكر ذاك اللقاء....
مشينا سنوات طوالا...
قطعنا مسافات وبحار!..
كنا نقاوم صراخ الفؤاد..
نبحث عن طريق الهروب...
نقاوم الريح المعطرة بأريج الحنين...
هل تذكر ذاك اللقاء ..
وعيونا خجلى.. تشتاق..
تريد الرحيل..
تبحث عن موطن في حضن الحبيب 
قبل ان يتمزق القلب..
يظل يشكو وجع السنين 
شراينه تحكي طلقات...
نطقت بها ذكريات يوم أليم....؟
هي ذكريات مقهى الرحيل!
جئت تحمل قارورة عطر..
تمسك زهرة ومنديلا حزين !
هذي دموعي ترسم ما تبقى من حنين ...
آه من أيام سرقت!
غابت، تركت قلبا ضائعا بين الرياح
يقاوم رفات حب عاصف!
يطوف بالأشجان سبعاً..
بين شوارع اللقاء...
هل يسأل المجنون 
لماذا كل هذا الجنون..  
وطرق العاشقين بحور..لا تنتهي..؟
كيف يطيب لك العيش 
ولا يزورك طيفي كل حين..؟
كيف تنسى عناقا من أنين..
شهدت عليه كل الشعوب؟
لمن أبوح بسرنا..
وفحيح الروح يسري والشوق داء مكين؟
لترحل العيون بلا وداع !
ولتتگئ الأنامل على أكف الآهاث؟ 
ألم يسكن صدري
 والصدى يعانق البكاء..؟
فؤادي يغني حزنا..
قضى عليه الحنين...
دعني أودعك بلا دموع وبلا أنين!
هذا وعد مني رغم الدموع..
سأتركك تطير راحلا
أو تمشي بخطوات أمير ..
إني زرعت وشما لن يزول
حتى بعد الموت والرحيل!
هل تذكر مقهانا ذات شتاء؟
لست أدري..
أنت سيد النسيان..
لا تعرف كيف، متى وأين كان اللقاء؟

 ✍#سميرة  4 يونيو 2020

بين الصفحات

بقلم سميرة مسرار


امنحني ترخيصا 
يستهوي همساتي.. 
اعطني مدادا
كي أكتب ما يمليه علي وجداني
من نفحات البوح وممنوع الكلام!
كيف لقلبي أن ينطق  
عن خباياه..
وسيل دمي توقف عن الدوران؟ 
كيف لقلمي أن يكتب  
سطورا..
لساني أصبح عاجزا عن الكلام؟ 
من رماني بين ضفاف المستحيل..
أغرقني.. ولا سبيل..
كيف سأكتب عنه؟
أي قصائد شعر ستطاوعني..
أي موسيقى؟
ضاعت مني الألحان...
كيف سأكتب حبا
يتراقص فوق حروف الجمال ..؟
كيف أنشد أشعارا..
وقلبي تائه بين الدروب؟
لا تماطل.. لا تكابر!
مهما ملئت بماء البعد
فلن تطفأ نار الشوق..
أين أنت يا أستاذ العشق؟
طالبتك لم تؤمن بعد 
بالهوى المكتوب
ولا بالحب المقروء.. 
 لا تسألني لماذا!
بين كتب القانون والدستور 
أستهلك كل المخزون..
راسلتك لعلك تلغي كل البنود 
عشقي يرفض سلطة العقل
عشقي  يكره كل مساطر القانون...!
✍#سميرة

الأحد، 7 يونيو 2020

التشكيل المغربي وسؤال الهوية



بقلم محمد اديب السلاوي


في الحركة التشكيلية المغربية، تنطلق الأسئلة تلو الأخرى، حول العلاقة بينها وبين هويتها الحضارية/ الثقافية. هل هي علاقة فكرية موضوعية متوازنة..؟ أم هي علاقة عشوائية فوضوية.

الذين يطرحون مثل هذه الأسئلة، ينطلقون من فرضية مسبقة، كون العمل الإبداعي التشكيلي، هو عمل ينتمي للفكر قبل أن ينتمي للحرفية، يتأثر بالظواهر والمذهب والاتجاهات والإيديولوجيات والمدارس، يتأثر بالسلبيات والانقسامات والإحباطات، قبل أن يتأثر بالأشكال والرموز والألوان والأساليب الحرفية، أنه عمل إبداعي، يتحرك ضمن فضاء استكشافي/ معرفي، اجتماعي وثقافي/ حضاري، ينطلق من عمق التربة النظرية التي يجد الفنان ذاته وأدواته ومنطلقاته من خلالها.

الذين ينطلقون من هذه الفرضية، لا يجهلون في واقع الأمر، الظروف الثقافية التي تفرز الفنان المبدع، وهي ظروف تتكاتف حولها، شتى أصناف الإحباطات والانكسارات والضغوط، على المستوى الثقافي، الحضاري، كما على المستوى السياسي والاقتصادي، إنهم لا يجهلون أيضا، العلاقات المهزوزة وغير المتوازنة التي تربط الفنان بالحركات الثقافية والسياسية القائمة، وذلك لأن البنية الفكرية الموضوعية لعلاقاته الثقافية والسياسية المتداخلة، هي من صميم وجوده الفني.

ومع أن هذه الإشكالية، قائمة بقوة، فإن عملية البحث عن صيغة التلاحم مع الواقع القائم، قد استطاعت/ تستطيع تحريك الماضي بكل ترائه وتقله في أعماق فناننا المغربي الحديث، بشتى الطرق، لينخرط في حاضر الحداثه والعولمة، عله يأخذ بيد هذا الماضي الكسيح إلى المستقبل الواسع والمبهم.

****
 

يعني ذلك بوضوح أن فن الرسم، هذا الذي يملأ المعارض بصراخ الألوان، هو قبل كل شيء فن للتعبير عن الأفكار والانفعالات، فن للتعبير عن القيم الجمالية، من خلال لغة مرئية ذات بعدين... الأول بصري، وبالتالي فكري، وحروف هذه اللغة وعناصرها الأساسية والبلاغية، هي الخطوط والأشكال. هي البنية والألوان والظلال.
 وقد عبر فنانو العالم، وعبر تاريخ فن الرسم بهذه اللغة عن أفكارهم وقناعاتهم وهواجسهم، قالوا ما أرادوا قوله من والأفكار والنظريات بطرق حسية مختلفة، وعبروا بالألوان والحركات والأضواء والرموز عن القضايا التي شغلتهم أو التي استقطبتهم... على سطوح منبسطة.

 عندما تتحد عناصر لغة الرسم في أنماط تعبيرية، تبدأ الأفكار والأحاسيس في الظهور لتفسير نظرية أو إيديولوجية، بكتابة نص بصري عنها.. لإبراز علاقة بصرية، أساسها الفن والحرية.

 الفنان/ الرسام، في هذه الحالة، ينقل رسالته البصرية بيسر وسهولة كلما تحكم في أدوات لغة الرسم، ينقلها في البداية على شكل خصائص حسية وإمكانيات تعبيرية في حدود نطاق معين من الشكل والأسلوب، ثم تتحول هذه اللغة إلى خطاب مباشر، ذو دلالات وقيم تنتمي إلى المبدع وإلى ثقافته.
 ولربما من أجل تأثير الخطاب التشكيلي على الحياة في الماضي، سيطر عليه أصحاب القرار.
 في الماضي هيمنت القصور والمعابد والقيادات العسكرية على الرسم والرسامين، وأسندت "إليهم وظائف تناسب مهارتهم... وكانت مكانة بعض الرسامين في التاريخ الماضي لأوربا وآسيا العتيقة، تضاهي مكانة العلماء والوزراء وأصحاب القرار والنفوذ.

 وعندما تحررت الفنون التشكيلية من هذه الهيمنة في عصر الديمقراطية، وأضحى الرسام يوقع على لوحاته، ويختار موضوعاته بنفسه، تحول الرسم والرسامين إلى "سوق" المبادرة الحرة، حيث أصبح التعبير من جديد خاضعا للقدرة التعبيرية للفنان، ولمهارته في استعمال لغة الرسم... وأصبح الخطاب التشكيلي ذو اتصال وثيق بالتيارات الفكرية المعاصرة.

 إن الفنان/ الرسام اليوم في العالم الغربي، ولربما في كل العالم، صنع لنفسه مكانة اجتماعية مميزة بفضل النهج الديمقراطي، ويفضل تحرره من قيود الماضي، إذ أصبح يبث خطابه الثقافي والسياسي من داخل صالات العرض الخاصة والعامة، ومن خلال المتاحف والمجلات والصحف، ووسائل الإعلام المختلفة، متفاعلا مع الخطابات الثقافية/ الفنية/ الإيديولوجية الأخرى التي تتفاعل مع المجتمع ومساحاته المختلفة.

 والفنان في عصرنا الحديث، بالإضافة إلى ذلك، أصبح يبحث على المزيد من الإمكانات لتطوير لغته البصرية... يدخل مغامرة الحركة لكي يخرج منها بتجربة جديدة في التاريخ.

 فهل يستطيع الفنان المغربي الانخراط في هذا النهج... وما هو خطابه التشكيلي؟
 وكيف لنا إذن أن نفسر هذه الموجة المتفجرة من الفنون التشكيلية الحديثة في المغرب؟
 هل تعبر هذه الموجة عن شيء معين، هل تعبر عن مرحلة معينة؟ هل تعبر عن سعة أفق الفن المغربي الحديث، واستعداده للدخول في مغامرة البحث والاكتشاف الحضاري أم أن هذه المعارض الاحتفالية المنظمة بكل الجبهات لا تعبر عن شيء... ولا قيمة لها؟

 قبل أي محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد من الإقرار أن هناك أكثر من تناقض أساسي يقوم بين الفن التشكيلي المغربي، وبين مفاهيمه الفكرية/ الثقافية/ الحضارية، بين الفنان التشكيلي ودوره. فهذه الحركة المتفتحة على كل الجبهات وبكل المدن، على الرغم من اتساعها وانتشارها الواسع، فإنها ستظل حركة بدون إيقاع فكري، وأحيانا وفي الكثير من الجهات بدون انتماء، إنها أزمة.
لقد ولد الفن التشكيلي المغربي الحديث، في أحضان التحولات التاريخية/ الحضارية/ الاجتماعية التي اجتاحت المغرب والعالم الثالث والوطن العربي في العقود الأخيرة، وبقي هذا "المولود" على هامش الثقافة الوطنية لفترة طويلة، دون أن يتجذر بمفهوم شمولي في طموحاته، خاصة وأنه أي الفن التشكيلي –بقي لصيقا بأفراد ينتمون لطبقات معينة، ولم يستطع- من خلالهم – فرض نفسه على القيم  الثقافية السائدة، ولا على الصراعات الفكرية التي تسيطر على الساحة الثقافية، إنه –بمعنى آخر- بقي على الهامش، يظهر ويختفي...

ليس غريبا إذن أن يكون ذلك هو الوضع الطبيعي للفن التشكيلي على الساحة الثقافية المغربية أن الثقافة بمفهومها التحولي الواسع مازالت على هذه الساحة هواية خاصة لأفراد مميزين، ومن ثمة لم تستطع هذه الثقافة أن تطرح بشكل جدي وموضوعي المشاكل المتعلقة بهذه الثقافة بقيمها الجديدة، مازالت بدعة. وستبقى هكذا إلى أن تحقق ذاتها، وتخرج من نطاق "الهواية" إلى نطاق الاحتراف، حيث تتمكن من المشاركة والقرار والانتاج والتفاعل.

إن المثقفين (والفنانين فصيلة هامة من لحمتهم) فئة تتوفر بشكل عام –على الوسائل التي في استطاعتها ربط التجربة المجتمعية برصيد التجارب التاريخية، وإعطاء هذه التجربة صياغة إبداعية/ موضوعية لإلحاقها بركب الحضارة الإنسانية، لذلك فإن مجالات الإعلام والسياسة والتربية والتعليم والإدارة، هي المجالات الطبيعية لنشاط المثقفين في كل الأقطار والأمصار التي تؤمن بفعالية الثقافة، مادامت هذه المجالات هي القنوات الأكثر نفوذا في التغيير الاجتماعي والحضاري.

وإذا كنا في المغرب الأمازيغي/ العربي/ الإفريقي لا نحس بثقل مشاركة الثقافة والمثقفين في عمليات التغيير القائمة، ولا برصيد التجربة والعمل الثقافي في هذه العمليات، فلان الثقافة لا حول لها ولا قوة في مواقفها، ولأنها شبه غائبة عن هذه المواقع.

يعني ذلك أن الفن التشكيلي المغربي الذي ينتمي ماديا وموضوعيا إلى الثقافة وساحاتها الواسعة التعدد، قد تكون مشاركته في عمليات التغيير، وفي قنوات التغيير منعدمة، ليس فقط بسبب تبعيته لثقافة مغايرة، ولكن أيضا بسبب القلق والتشرد الذي يطبعه في النقد والتنظير... والتوجيه والمتابعة.

 إن غزارة الانتاج التشكيلي بمغرب اليوم، وحركة المعارض الجماعية والفردية المتصاعدة كحركة انتاج ينحصر جله في المدن الكبرى والمركزية، يصبح من السهل على المتتبع لهذه الظاهرة أن يتسائل كيف تؤدي الفنون التشكيلية المغربية وظيفتها الاجتماعية، والثقافية والجمالية..؟ وما هو موقعها من الصراع الثقافي الدائر في المحيط المغربي/ العربي/ الإفريقي/ العالمثالثي، بين ثقافة تريد أن تكون مغايرة، وأخرى لا تزال تحنط جسدها المترهل بأدوات وأساليب ورؤى الماضي..؟

 والحقيقة، أن الأسئلة التي يمكن أن تطرحها هذه الظاهرة عديدة ومتنوعة ومتشعبة، وكلها تحمل أجوبتها في ذاتها، باعتبار أن الصراع الثقافي المشروع، يكاد ينحصر في الجانب الفكري/ الأدبي/ الإيديولوجي، حيث تقف الفنون التشكيلية المغربية حتى الآن (ترفا) بريئا وعذريا، رغم أنها ليست بعيدة عن المواجهة وعن الصراع الذي تخوضه الثقافة المغربية عبر قنواتها وأدواتها الأخرى.

 وبعيدا عن التنظير، يمكن التأكيد، إن الفن التشكيلي المغربي بكل اتجاهاته، ومدارسه ومعارضه الجماعية والفردية، وتظاهراته الوطنية والقومية والدولية، مازال ثقافيا، ينحصر في أفق ضيق، نتيجة عدة معطيات موضوعية، أهمها انعدام الوعي النظري لدى الفنان المغربي، وانعدم الحوار الجاد والمسؤول بنية وبين محيطه الثقافي/ الاجتماعي، الذي من شأنه أن يطرح القضايا والمشاكل والمعضلات والظواهر التي تنشط تحت وفوق جلد الحركة التشكيلية المغربية، والذي من شأنه أن يضع الحركة التشكيلية المغربية في "إطارها الحقيقي، البعيد عن "النجمية" و"الامتيازية" وما شابه ذلك.

بمعنى آخر، أن الأسماء، والمعارض والتجمعات والاتحادات والجمعيات التشكيلية على تنوع مشاربها واتجاهاتها بمغرب اليوم، ما تزال بعيدة رغم نشاطها الظاهري عن السجال الثقافي الذي من شأنه أن يلعب دوره في بلورة الوعي الفكري والفني للحركة، التشكيلية المغربية وما تزال بعيدة عن الصراعات الصحية التي تخوضها الثقافة المغربية عبر قنواتها ومنابرها وأدواتها العديدة... وهذا يعني أن خطأ تحييديا يسعى إلى تفريغ التشكيل المغربي من محتواه الفكري/ الثقافي، الفاعل والمؤثر، لوضعه في خانة نخبوية بعيدة عن التفاعل والصراع.

كيف لنا إذن أن نتنبأ بازدهار موضوعي للحركة التشكيلية المغربية…؟ وكيف…؟

لا للعنصرية

اه..أتسمعني
 انا الذي احترقت روحي
 ويداي تلوح...مستنجدة
 تحاول عبثا ان تبعدك

اه ..اتسمعني..
انا الذي اصرخ بصمت 
وعيناي مفتوحتان...
انظر بإمعان...
لا أرى  الا رجالا  مرضى

توحدوا  على الظلم ..
يتحركون بكل قسوة ..
ينفثون في الهواء
 بدل العدالة .. سما....

و تهب رياح  الاشواق 
تتمايل كبدي جريحة
 على اغصان الزيزفون
توقد مراجل الحنين ..
ومهرجانات للحرية 
على الاسفلت تجف انهاري.
. تهاجر  روحي..
طيور البجع ترحل عن بحيراتي...

لا تغرب الشمس هذا المساء
لكن ليل العتمة آتى 
يزحف رويدا بالامي

 تكبر ظلال أوجاعي 
تكبل  باعماقي  امنياتي  .. 
تتخثر دماؤك بعروقي
قد مات  ظميرك..

 تستبيح  أنفاسي 
 اختنق قهرا 
بح صوتي 
وانت اخي لا تتراجع...

غلك يصبح اقوى ..واقوى
وروحي  تحت ركبتيك تتهاوى
عمدا تغتال عمري
عمدا .....لا تتراجع ...

اه..أتسمعني
 انا الذي تحترق روحي
 ويداي تلوح...مستنجدة
 تحاول عبثا ان تبعدك

اه ..اتسمعني..
انا الذي اصرخ بصمت 
وعيناي مفتوحتان...

انظر بإمعان...
لا أرى  الا رجالا  مرضى
توحدوا  على الظلم ..

يتحركون بكل قسوة ..
ينفثون في الهواء
 بدل العدالة ..موتا....

تقتلع الورود من بساتيني
تنثر رصاص احقادك  على فرشاتي
تسحق بعدوانيتك احلامي.
تعدمني.. 

غصة في حلقي
 تتورى بعيدا كلماتي

 ارخت جناحاها تعاند
 بالوان الطيف حروفي
تعشق الحياة واحلامي

 تشجب بشدة.... عنصريتك ..

جميلة محمد 
لروح ادم Adam
لا للعنف ..لا  للعنصرية