‏إظهار الرسائل ذات التسميات قراءة نقدية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قراءة نقدية. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 13 سبتمبر 2020

مجد الدين سعودي // إدريس الهكار....المغرب

ادريس الهكارفي قصيدة (بلاش نكتب) :فعل الكتابة صادق وحارق
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _




استهلال
_ _ _ _

ادريس الهكار ...
زجال حكيم ...عاشق للزجل والكتابة بالنسبة اليه مقدسة ومحترمة وهي كما يقول فرانز كافكا: ( الكتابة شكلٌ من أشكال الصلاة).
ويصفه الأستاذ رشيد سكري قائلا : ( إدريس الهكار التازي من الرعيل الذي أصيب بهمس الزجل ، بل بِهوس الكلمة الشعبيَّة منذ نعومة أظافره ... 1)..
كتاباته حكيمة لا تهادن أحدا لأن : ( القلم يجرح غالبا أكثر من السيف.) كما يقول المثل الدانماركي .
يقول عنه الناقد والشاعر نور الدين حنيف : (منْ تازَة نَزَح ، على بحْرِ الزّجل رَكَح ، بقلْبٍ لا يرْتاحُ حتّى تستوي سفينَتُهُ على " جودي " الرّوعة ، بكائِناتٍ هيَ كلماتٌ لا كالْكلِمات ، وحُروفٌ في النّقاءِ سامِقات ، تَغْشَى بَصَرَكَ وأنتَ تتّهِمُها بالْبَساطَة ، فيعمِيكَ شُعاعُها لأنّكَ لمْ تحْسِبْ للسّنا فِيها حسابا ... وَ فاتَتْكَ آنَئِذٍ فُرَصُ الْعوْمِ في سَدِيمِ الْعِشْقِ عنْدما يكْتَسِي لوْنَ الْمَحَبّة الْإنْسانِيّة لِلْإنْسانِيّة جمْعاء  4 )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

القسم الأول
_ _ _ _ _ _

في السيرة الذاتية
_ _ _ _ _ _ _

من مواليد ضواحي مدينة تازة سنة 1952
اشتغل تقني فلاحي ثم محاسب
تابع دراسته الابتدائية والثانوية والتقنية بالرباط
له اسهامات في الشعر الفصيح والزجل والقصة القصيرة
له ديوان زجلي بعنوان (سوق راسي)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في العنوان
_ _ _ _ _

(بلاش نكتب) هو عنوان قصيدة زجلية للشاعر ادريس الهكار ...
وهي عبارة عن بوح عن (الكتابة ) بغيرة على الكتابة وصدقية الخطاب وشفافيته، فالقصيدة الحقيقية تلامس كل الجوانب وتعري الواقع ولا تهادن أو تستسلم.و(الكلمة) رسالة ناضجة ومسؤولية حقيقية  ...لأن :( الكتابة انفتاح جرح ما ) كما
يقول فرانز كافكا .
(بلاش نكتب)عنوان يحمل عمقا كبيرا وتصورا حقيقيا ... ف (لا تقود الكتابة الا الى المزيد من الكتابة) حسب كوليت.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ __

القسم الثاني
_ _ _ _ _ _

الفصل الأول: الكتابة ضد التزييف
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في بوحه الزجلي (بلاش نكتب) يؤكد الزجال ادريس الهكار على شفافية الكتابة وعدم زيفها ، لأن الكتاباة تتولد من المعاناة كما تؤكد أحلام مستغانمي: (  لتكتب , لا يكفي ان يهديك احد دفترا واقلاما , بل لا بد ان يؤذيك احد الى حد الكتابة.).
يقول الشاعر ادريس الهكار:
(بلاش نكتب
إلى كنت غ نضحك عل الكلمة
ونكتبها معاني مغشوشة
وتضيع لحروف فواد الغضبة
وتـتخبى النقاط بين الحدورة والعقبة
ما هي فسما طايرة
غير عل الأرض تغش .. وتحمي الكوشة
دخاخنها عجاجة .. تحرق البرواك والدومة)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الفصل الثاني :الكتابة مرآة وسمعة الكاتب
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

ينطلق ادريس الهكار من أهمية فعل الكتابة التي تمثل مرآة الكاتب ، وقد صدق الروائي الجزائري الكبيرواسيني الأعرج عندما قال: ( الكتابة لا شيء سوى رعشة الألم الخفية التي نخبئها عن الآخرين حتى لا يلمسوا حجم المأساة وجحيم صرخات الكلمات المذبوحة بنصل صدىء ).
فيقول شاعرنا:
(وما نبغيش
ما نبغيش .. تطيح الصمعة ونبقى بلا سمعة
أنا الكلمة على راسي شان وهمة
ونقولها بالفور.. زيد فالموتور يا شيفور
يا الله نكتبو جميع ذيك الكلمة
نفرحو شي نهار ونغنيوها معنى)
وكأنه يصدح بلسان الفنان (الفار الت):(  أنا لا أكتب ، أنا أبني)
 _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الفصل الثالث :أهمية الكتابة
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

يواصل الشاعر ادريس الهكار بوحه الشعري عن أهمية الكتابة التي قال عنها محمد شكري :(  إن الكتابة تبارك من يخلص لها ولا تتخلى إلا عن الإنتهازيين)، لهذا يؤكد شاعرنا:
(كيفاش
انت يا ذاك السطر يا القاري
شد النوبة بحال خوتك
وشطب ما بين السطورا
واخة ما بقى صف ما بقاو صفوفا
غير البكى ضحك والضحك بكى
والعين واخة تشوف كتعمى
والفم بلا لسان صار حشومة
شكون يغمز هاذوك النوامة)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الفصل الرابع : (كتابة صفراء: كتابة ميتة)
_ _ _ _ _ _  _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

ان كتابة ادريس الهكار ضد النفاق وتجميل الواقع لأن قلبه عاري من كل الأشواك كما قال عبد الفتاح كيليطو:
عبد الفتاح كيليطو   ( كنت دائما متأثرا بعنوان لبودلير: «قلبي عاريا»، من الممكن أن هذه هي الكتابة).
ولهذا يواصل الشاعر ادريس الهكار:
(كيفاش
سدو البيبان وكلاو الكاغيط
ها لخضر ها لصفر
والباقي .. بلا لون مشري
الكارطة فالجيب كتبري
يا حلومة
كيفاش
بانو لي فالمنام وانا فايق
كيشمو المرقة وياكلو الكيسان
لحسو صباعهم ونساو الفوطة
وبلاش الفوطة .. أنا زعفان)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

خاتمة
_ _ _ _ _

وأجمل ما نختم به هو نهاية النص الزجلي(بلاش نكتب):
(بلاش نكتب
إلى كنت غ نضحك عل الكلمة)
فهذا غوستاف فلوبير يعترف قائلا: (أنا غاضب من كتاباتي الخاصة ، أنا مثل عازف كمان أذني الموسيقية سليمة لكن أصابعي ترفض إعادة اإتاج المعزوفة التي أسمعها بداخلي .) .
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

احالات
_ _ _

1 رشيد سكري: ديوان « سوق راسي » لإدريس الهكار التازي : التشكيل بلغة الزجل
2 عبد الرحمان الصوفي : التناص الامتصاصي ومنطق سيميائية المحسوس في الديوان الزجلي - سوق راسي - لإدريس الهكار
3  محمد منير شرف الدين :  (عن الكتابة أكتب )
4 نور الدين حنيف : (إدريس الهڭـار التّازي شاعِرٌ يصْرُخُ بِأصْواتٍ منْ حَرِير)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

النص الزجلي (بلاش نكتب) لادريس الهكار
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

( بلاش نكتب
إلى كنت غ نضحك عل الكلمة
ونكتبها معاني مغشوشة
وتضيع لحروف فواد الغضبة
وتـتخبى النقاط بين الحدورة والعقبة
ما هي فسما طايرة
غير عل الأرض تغش .. وتحمي الكوشة
دخاخنها عجاجة .. تحرق البرواك والدومة
.
وما نبغيش
ما نبغيش .. تطيح الصمعة ونبقى بلا سمعة
أنا الكلمة على راسي شان وهمة
ونقولها بالفور.. زيد فالموتور يا شيفور
يا الله نكتبو جميع ذيك الكلمة
نفرحو شي نهار ونغنيوها معنى
.
كيفاش
انت يا ذاك السطر يا القاري
شد النوبة بحال خوتك
وشطب ما بين السطورا
واخة ما بقى صف ما بقاو صفوفا
غير البكى ضحك والضحك بكى
والعين واخة تشوف كتعمى
والفم بلا لسان صار حشومة
شكون يغمز هاذوك النوامة
كيفاش
سدو البيبان وكلاو الكاغيط
ها لخضر ها لصفر
والباقي .. بلا لون مشري
الكارطة فالجيب كتبري
يا حلومة
كيفاش
بانو لي فالمنام وانا فايق
كيشمو المرقة وياكلو الكيسان
لحسو صباعهم ونساو الفوطة
وبلاش الفوطة .. أنا زعفان
.
وعلاش
المعنى عليا وعليك يا مول النوبة
مدادك شربتيه قبل ما يوذن لفقيه
الوسخ ساح يا ذاك الكلمة
لبسي معانيك .. بغيت نسولك آش طرى ليك
واش زعما ينفع غسيلك .. صابون تازة ....؟

بلاش نكتب
إلى كنت غ نضحك عل الكلمة..)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

إدريس الهكَار (شتنبر 2020)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

مجد الدين سعودي 

السبت، 28 سبتمبر 2019

يحيى الشيخ

«الأديب المغربي: مولاي الحسن بنسيدي عليّ» في ضيافة 

المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس
ــــــــــــ بقلم يحيى الشيخ ــــــــــــ

استقبل المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس، مساء يوم الخميس 26 سبتمبر 2019م، الأديب المغربي مولاي الحسن بنسيدي عليّ. وقد حضر هذا اللقاء ــ الذي تم نقله على المباشر عبر شبكة التواصل الاجتماعي ــ عدد من الضيوف والمهتمين، من بينهم الأستاذة خديجة أميتي ممثلة رابطة كاتبات المغرب فرع باريس، نيابة عن الأديبة نجاة الكاظي رئيسة الرابطة بفرنسا، والشاعرة والفنانة التشكيلية السورية ريم السيد، والروائية المغربية المهندسة حياة اليماني، ووفد من مدينة بريتوريا (جنوب إفريقيا) ــ من أصول هندية ــ، وبعض أعضاء المركز (سمير الشيخ ونادية حايدة ونعيمة محضار)، وآخرون. 
كان هذا اللقاء فرصة للتعرف على تجربة السيد مولاي الحسن بنسيدي عليّ في مجال الإبداع الأدبي والقانون المغربي وقضايا الكتابة والنشر في المغرب وحوار الأديان والتعايش السلمي بين الشعوب وأواصر الأخوة الجزائرية المغربية ودور المجتمع المدني في بناء الدولة الحديثة وواقع الهجرة، وغيرها من المواضيع. تلا كل هذا نقاش مستفيض ومداخلة قيمة للسيدة أميتي حول «الكتابة النسائية وواقع النساء المهاجرات» وقراءات شعرية لضيف اللقاء وللشاعرة ريم السيد، وتبادلات فكرية وودية مع الحاضرين ومع ضيوف جنوب إفريقيا.
والجدير بالذكر أن السيد مولاي الحسن بنسيدي عليّ، الذي شرف المركز صحبة السيدة فاطمة بالعربي، محام سابق وفاعل في جمعية «ملتقى الفن والإبداع بالناظور»، وأحد أدباء مغاربة المنطقة الشرقية (وجدة)، كما أنه ينشط في المغرب وخارجه حيث ساهم خلال هذا الأسبوع في الندوة الدولية حول حوار الأديان بدعوة من السيد غالب بن الشيخ وفاطمة بالعربي. لقد كانت بداياته كفاعل جمعوي في «المقهى الأدبي» الذي يشرف عليه السيد عبد السلام بوسنينة، وإليه يرجع الفضل في تشجيع أديبنا على طبع كتبه الإبداعية المتنوعة بين الدراسات القانونية والقصة والرواية والنقد الأدبي والمسرح والشعر الزجلي والفصيح. 
من أعمال الأديب مولاي الحسن المطبوعة بالمنطقة الشرقية (وجدة/بركان)، رواياته: «غادة العامرية» و«ذاكرة الخيول» و«قلب بين نور ونار»؛ ومجموعاته القصصية: «أيلان .. حين ينزف الورد (مطبعة نجمة الشرق، أبركان، 2016م)»؛ ومسرحياته: «عودة آريز (مطبعة الجسور، وجدة)» و«صهيل الجياد (مطبعة نجمة الشرق، أبركان)»؛ ودواوينه الزجلية: «جذبة المداح (مطبعة نجمة الشرق، أبركان، 2018م)» و«خويا العربي (مطبعة الجسور، وجدة،)» و«لمّيمة (مطبعة نجمة الشرق، أبركان، 2018م)». كما أن له دراسات نقدية حول مجموعة من المبدعين المغاربة، من بينهم الشعراء حسن الأمراني ومحمد علي الرباوي. أما اهتمامه بالمسرح فيرجع إلى سنة 1976م حيث لعب دورا في مسرحية حسن الأمراني الشعرية «البحر والرجال». أضف إلى هذا اهتمامه بالدراسات والإشكاليات القانونية إذ سيصدر له قريبا كتاب «الشهادة كدليل إثبات في المادة الجنائية».
يمكننا أن نعتبر تجربة الأديب مولاي الحسن بنسيدي عليّ شهادة حية على تطور الكتابة الأدبية والنقدية بالمغرب الشرقي، تضاف إلى تجارب كثيرة لجيل شعراء المنطقة الروّاد الذي ظهر مع بداية السبعينات، كمحمد بنعمارة وحسن الأمراني ومحمد علي الرباوي وعبد الرحمان بوعلي ومحمد فريد الرياحي وعبد السلام بوحجر ومحمد منيب البوريمي ولحسن كردوس وعبد القادر لقاح، هذه التجربة التي استمرت مع جيل الشباب وتطورت في مضامينها ومبانيها كما عند سامح درويش.
لقد تناولت عروض الأديب مولاي الحسن بنسيدي عليّ مواضيع شتى انصبت على تجربته الإبداعية والجمعوية والقانونية، أبان فيها كلها عن روح تشبعت بالمواقف الإنسانية التي عبّر عنها ــ هنا في باريس ــ خلال اللقاء الدولي حول تعايش الأديان والشعوب ومحاربة التطرف بكل أنواعه الدينية والسياسية. وفي نهاية اللقاء، ألقى السيد مولاي الحسن بعضا من قصائده الفصيحة، وهي: «بوح عاشق في الخمسين» و«من فرط جنوني» و«زوار منتصف الليل»، وهي تصوير للمأساة التي عاشها المغرب خلال سنوات الرصاص. أما الشاعرة ريم السيد فقد شنّفت أسماع الحاضرين بنصوص جميلة، منها قصيدة «تجليات» المنشورة في ديوانها الأخير «مقامات الوجد (دار الفارابي، بيروت، 2016م)».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باريس، بتاريخ 27 سبتمبر 2019م.


بقلم الآديب يحيى الشيخ 

الثلاثاء، 11 يونيو 2019

بقلم محمد عياد



التشكيل المغربي بصيغة المؤنث:ذاكرة جماعية تعطي لنون النسوة المغربية حقها في الوجود.


 
هو المصنف الخامس في سلسلة المصنفات النقدية التي أصدرها الكاتب والباحث محمد أديب السلاوي عن التشكيل المغربي خلال الأربعين سنة الماضية، وهو محاولة لإبراز مساهمة المرأة المغربية في بناء المشهد الجمالي الحديث في المغرب الراهن، إذ يرى الباحث/ المؤلف، أن ساحة الإبداع التشكيلي المغربي، كانت دائما وباستمرار مبصومة بـ’صيغة المؤنث’ مارست عليها المرأة منذ عهود بعيدة وحتى العصر الحديث، فنون الحياكة والنسيج والتطريز والنقش والتزويق والزخرفة والخزف وغيرها من الفنون المتميزة بنشاطها الإبداعي، والتي تترجم هوية المغرب الحضارية على العديد من المستويات. 
  في فاتحة هذا الكتاب، تقودنا مصادر التاريخ في رحلة سريعة نحو الإبداع النسائي المغربي، تمتد من العصر الحجري الوسيط، إلى العصر الحاضر، لتؤكد لنا أن ‘صيغة المؤنث’ في مختلف الفنون طبعت بجمالها وجاذبيتها وإحساسها الأنثوي، مختلف الصنائع والبدائع، لتعطي الإبداع التشكيلي المغربي هويته الجمالية على مستويات متعددة . 
وفي العصر الحديث، يكشف لنا المؤلف/ الناقد، أن الفنانة المغربية ومنذ أربعينيات القرن المنصرم، وهي إلى جانب الرجل تنجز أعمالا فنية على مستوى كبير من الريادة والإبداعية، تملك المقومات الفنية الأصيلة، بعضها على صلة عميقة بالجماليات الموروثة عن تراث الماضي، بعضها الآخر يلتقي في أسلوبه وصياغاته الفنية مع ما وفد علينا من جماليات الفن الأوروبي المعاصر بأشكاله ومدارسه واتجاهاته المختلفة.  
لذلك يرى المؤلف، أن المتأمل في الحركة التشكيلية المغربية بصيغة المؤنث، في المغرب الراهن، سيلاحظ بيسر وسهولة تنوع أساليبها واتجاهاتها وطروحاتها الفنية، التي تتشبت بأصالتها وتراثها، وتعانق في ذات الوقت، الحداثة (العصرنة) في مضامينها الجمالية، وهو ما يفرض على الباحثين والنقاد، النظر بإيجابية إلى هذه الحركة، ليس فقط لأنها تستمد هويتها من الهوية الوطنية الأصيلة، ولكن أيضا لأنها تنفتح بوعي وإيجابية على العالم وحداثته الإبداعية. إن العديد من الفنانات المغربيات يقول المؤلف، استطعن إثبات وجودهن الفني في أنحاء عديدة من العالم، استطعن انتزاع اعترافات كبار النقاد في أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا والشرق العربي، والسؤال المحير هل استطعن إثبات ذاتهن داخل الحركة الثقافية المغربية..؟ وعلى أي مستوى..؟ ليس بعيدا عن ما طرحته فاتحة هذا الكتاب، من قضايا، تضع المبدعة المغربية في موقعها الجمالي، فإن جدارياته الأربعة، عالجت بحرفية نقدية، وبأسلوب بعيد عن التعقيد، قضايا الهوية والمنهج في التشكيل النسائي المغربي، كما استقرأت المدارس والاتجاهات التي اشتغلت عليها المبدعات المغربيات، من خلال ثقافة اللوحة، ومن خلال التيارات التي تحدد معالم الحركة التشكيلية المغربية بصيغة المؤنث.. 
وفي الجدارية الأخيرة من هذا الكتاب يحاول المؤلف التعريف بأهم الأسماء التي يتشكل منها فضاء الإبداع التشكيلي المغربي بصيغة المؤنث، وقد وضعها على شكل قاموس مرتب على الحروف الأبجدية، سهل التناول، سهل الاقتراب من المرجعيات الأكاديمية التي من شأنها تسهيل عمليات البحث والمقاربة. 
 ومن أجل وضع القارئ المهتم أمام المشهد التشكيلي النسائي بالمغرب الراهن دون عناء، قسم المؤلف الحركة التشكيلية المغربية بصيغة المؤنث، في هذه الجدارية، بين ثلاثة أجيال مترابطة ومتماسكة.
1-  جيل الرائدات: وتمثله مجموعة من الفنانات البارزات، من أمثال: مريم امزيان/ الشعبية طلال/ فاطمة حسن/ لطيفة التيجاني/ مليكة اكزناي.
2-   جيل المخضرمات: وتمثله جماعة واسعة من المبدعات/ من ضمنهن: بنحيلة الركراكية/ فاطنة الكبوري/ فاطمة ناجم/ مليكة اكزناي/ فاطمة بنت أوعقا، نفيسة بنجلون/ نادية بولعيش/ فوزية جسوس/ شريفة الحيمري/ نجاة الخطيب/ عائشة الدكالي/ أمنة الرميقي/ ربيعة الشاهد/ خديجة طنانة/ زهرة عواج/ صبيحة القدميري/ ريم اللعبي. 
3- الجيل الثالث: ويتميز بظهو أسماء شابة، منها: إكرام القباج/ محاسن الأحراش/ مريم العلج/ أمنية بنبوشتى/ مريم الشرايبي/ ريم اللعبي/ نادية الأزرق/ مريم بلمقدم/ سعدية بيرو/ عزيزة جمال/ حليمة حادوش/ نادية خيالي/ نوال السقاط/ ليلى الشرقاوي/ أسماء علمي/ جميلة العرائشي. 
وفي نطاق هذا التقسيم قدم المؤلف قراءة معمقة للاتجاهات التي خاضت/ تخوض المبدعة المغربية من خلالها تجاربها التشكيلية، وهي تتوزع بين الفطرية والتجريدية والواقعية والتعبيرية. 
في تقديمه لهذا الكتاب الهام، يقول الدكتور ندير عبد اللطيف: هذا الكتاب يجب اعتبار (مدير إصدارات أمنية) ذاكرة جماعية يؤرخ لأزمنة المغرب الفني التشكيلي بصيغة المؤنث، يعطي لنون النسوة المغربية حقها في الوجود، ويرد الاعتبار لما أنجزته من تجارب متراكمة في الثقافة الصباغية.
  نعم، لا نبالغ حين نقول إن هذا الكتاب/ هذا القاموس التشكيلي يعتبر أول دراسة فنية مرجعية تنبش في ذاكرة المغرب وتحتفي بتاريخية الفن التشكيلي النسائي عبر حقب ومراحل عرفت مخاضات لإثبات الذات، وبَصَمَتْ بعمق تجربتها بصيغة بصرية مغايرة، وبولادات فنية متعددة، بعضها استثنائي منفلت، وبعضها الآخر لم يراوح مكانه وبقي يستنسخ تجارب إنسانية من هنا وهناك.  إن هذا الكتاب لم يقتصر على الحفر في الذاكرة الفنية المغربية النسائية فحسب، بل استطاع أن يزاوج بين جل الحساسيات التشكيلية قديمة وحديثة، أصيلة ومقلدة، محاكية ومنفلتة، ليتوقف كاتبه في النهاية على خصوصيات كل مبدعة تشكيلية مغربية، سواء من حيث عمقها الصباغي المشترك، أو من داخل تفريعات إبداعية جمالية هاربة. 
إنه العمل الأول من نوعه في المكتبة التشكيلية المغربية، ويستحق منا كل التنويه.

بقلم محمد عياد

السبت، 8 يونيو 2019

بقلم د.رمضان الخضري


تطور الدلالة في نص " اكتفيت بحبها "

لست أدري مبررا واحدا لقالتي هذه غير أنني أعتبر الأديب ( شاعرا أو قاصا أو ناقدا ) ضمير أمته على كل الأحوال ، وهذا سبب كاف جدا لكي أعتبر أن الأديب هو ذلك القاضي الذي يمكنني أن أقبل حكمه في مجتمعه .
وحينما هزني نص "اكتفيت بحبها " هزات متعددة ، كلها هزات أصلية فقررت أن أكتب عن النص بمنهج أدركه تماما ، ربما أنني أراه جديدا إلى حد كبير ، ولا علاقة لي بما يراه الآخرون ، فكلنا يتحدث عن نفسه من باب العصمة ، ويتحدث عن غيره من باب الموبقات .
فالسابقون رحمهم الله جميعا كانوا يتناولون الدلالة من الناحية التاريخية في التطور ، بيد أنني أرى كما تعلمت من الدكتور :"محمد فياض "_ حفظه الله جل في علاه _  أن الكلمة لها استمرارية تاريخية ومجتمعية من ناحية الدلالة ، ولها قابلية على تطوير نفسها حينما تجد الأرض الفكرية الخصبة والعفية التي تعطيها مقومات جديدة ، ولاتنفي مقوماتها ودلالتها القديمة .
غير أنني أرى أن هناك كلمات كثيرة انكمشت في دلالتها ، وانحدرت من سموها ، وكلمات أخرى سمت وعلت ، وعلماء اللغة يرجعون الانكماش والسمو إلى عوامل تاريخية مرت بها الأمم التي تستخدم اللغة .

وفي ظني أن هذه المشكلة العميقة قد أجاب عنها هذا النص "اكتفيت بحبها " ، حيث إن العاطفة الفردية من شاعر مثل العبقري / عبدالعزيز جويدة ومن قبله شوقي العظيم وبينهما ناجي ومحمود حسن إسماعيل ونزار قباني وصلاح عبدالصبور ، قد استطاع أولئك جميعا أن يجعلوا عاطفتهم في الشعر تلقي بظلال على الألفاظ حينما استخدموا الألفاظ بطريقة مبتكرة ، فصادف هذا الاستخدام الفردي هوى في نفوس المستقبلين لنصوصهم ، فأخذت كلماتهم وألفاظهم حقها من الشيوع والذيوع ، مما ترتب عليها تطور في دلالة هذه الألفاظ .
فحينما يبدأ شوقي العظيم أمير شعراء العالم ، ولتقدم وزارة ثقافة دولة الإمارات العربية كل يوم أميرا للشعر العربي ، لكن لن يستطيع أحدهم أن يقول مثلما قال شوقي في مطلع قصيدته :
قتيل عينيك ينفي عنهما التهما
فما رميتِ ولكن القضاء رمى
ولن يستطيع أحدهم أن  يبدأ نصه كما بدأ محمود حسن إسماعيل :

أبداً أُجن إذا تحدر طيفها
من عرشه السامي إلى محرابي
وأهم أرشف من منابع حسنها
فيض الهوى المترقرق المنسابِ
خمراً من الألق السني تدفقت
لا من جنى التفاح والأعنابِ
الطهر في لألئها والنور في
صهبائها والنار في أعصابي
من راح يغويه الجمال فإنني
ألهمت منك هدايتي وصوابي
ولن يستطيع جميع من حصلوا على جائزة أمير الشعراء الإماراتية أن يقولوا حكمة لدنة ، وفكرة بسيطة معقدة كما قالها نزار قباني :
من جرب الكي لاينسى مواجعه
ومن رأى السم لايشقى كمن شربا
حبل الفجيعة ملتف على عنقي
من ذا يعاتب مشنوقا إذا اضطربا
فيامن يعاتب مذبوحا على دمه
ونزف شريانه ما أسهل العتبا
الشعر ليس حمامات نطيرها
نحو السماء ولا نايا وريح صبا
لكنه غضب طالت أظافره
ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا
ولا يستطيعون جميعهم أو مفردهم أن يبدأ بما يبدأ به عبدالعزيز جويدة بسهولة ورشاقة ومنتهى الروعة حينما يقول :
لاتحسبي أني أحبك مثلما
تتصورين مشاعري فوق الورقْ
أنا شاعر في كل شيء إنما
عند الكتابة عن هوانا أحترقْ
إن قضيتي فوق وسعي ، بيد أنني أشعر ( طالما أنا مكلف بها فهي في وسعي ) ، وكم دعوت الله أن يعطيني عمرا لأتمها وأرى جدواها ولو قليلا من الأيام أو الأسابيع او الشهور .
أشرت منذ قليل لتعلمي من العالم الكوني العلامة الدكتور محمد فياض _ حفظه الله جل في علاه _ وكانت الاشارة مقصودة لسبب مهم للغاية ، الدكتور فياض العظيم متخصص في هندسة البرمجيات والسوفت وير ، ويظن البعض أن هذا التخصص بعيد عن علوم اللغة ، وأنا أقف في صف هؤلاء الذين ظنوا .
لكن الذي أضعف اللغة العربية على وجه التحديد أن البحث فيها اقتصر على اللغويين تماما ، عكس اللغات الأخرى كالانجليزية مثلا ، والفرنسية كذلك ، والألمانية خلفهما .
فمثلا وجدنا أن عالم الطبيعة ( برجمان ) تحدث عن الدلالة في اللغة الانجليزية ، وقال إنه يختلف في فهمه هو وعلماء الطبيعة لدلالة كلمات مثل الزمان والمكان والصوت وغيرها ، فهو يرى أن الكلمات إذا لم تأخذ دلالتها عن طريق التجربة والقياس ، فلاشك أن هذه الكلمات سوف تصبح هراء ، وفي ظني أن جاكبسون وميخائيل باختين العظيمين قد تبعا ( برجمان ) ، وحاولا أن يطبقا هذا الكلام عمليا على أرض الواقع ، فقال جاكبسون سؤاله المشهور ( ما الذي يجعل من هذا النص نصا أدبية ؟! ) فهو يبحث عن العلمية في أدبيات النص .
وكذا تحدث عالم القانون الشهير ( ترومان أرنولد ) عن دلالة الألفاظ والتي تجعلنا عبيدا لهذه الألفاظ فيما يشبه الرق والاستعباد ، فرأى أن الألفاظ حينما تحمل دلالتها كاملة بطريقة مبتكرة تصبح لها سلطة وسيطرة كبيرة على المتلقي .
مايهمني قوله الآن : أن قصر البحث اللغوي على علماء اللغة في عصر التكنولوجيا يشبه كثيرا حال ربان السفينة الذي لايعرف سوى سرعة الموج وارتفاعه ، أما إدارة الموتور والبوصلة والاتجاه وعلوم الفلك ، والحمولات ، وكيفية السير وتغيير السرعات وغيرها فلا علاقة له بها ، وبالتالي فإن السفينة توشك على الغرق .
أخذني الكلام لوجهة بعيدة عن الدخول للنص الذي تأهبت للدلوف إلى ردهاته ، والبحث في غرفاته ، فأصبحت كمن عرض بضاعته ولكنه لن يتمكن من البيع الآن ، لذا سوف أترك للقاريء العظيم أن يستمتع بنص ( اكتفيت بحبها ) عسى أن يمنحني الله قدرة جديدة للغوص في عمق هذا النص .
********** 
قالوا : اكتفيتَ بحبِّها؟
************
قالوا : اكتفيتَ بحبِّها؟
قلتُ : اكتفيتُ ولا أريدْ
قالوا :
قلوبُ الناسِ تطمعُ في المزيدْ
قلتُ :
قلوبٌ فارغةْ
لو أنها عَشقَتْ بِصدقٍ
لارتوَتْ حتى الثُّمالةِ
وارتوى حبْلُ الوريدْ
إن الذي في الحبِّ عاشَ
كما نعيشُ بِحبِّنا
باللهِ قُلْ لي بعدَهُ
ماذا يُريدْ؟
هي كلُّ ثانيةٍ تمُرُّ بعمرِنا
دومًا نراها في الهوى والعشقِ
مِيلادًا جديدْ
ولأنها مِشكاةُ نورٍ
قد تَدلَّتْ داخلي
نورٌ بهِ وصلَ الفؤادُ لذروةِ التوحيدْ
هي كلَّ ثانيةٍ تؤكِّدُ لي
وتَبعثُ قلبَها كي يَطمئنَّ
وقلبُها هو فرحةُ الطفلِ المسافرِ
في دمي في كلِّ عيدْ
يا قلبَها
أرجوكَ بلِّغْها السلامَ
وقلْ لها
قَسمًا بمن رفعَ السماءَ بلا عَمدْ
حتى أموتَ حبيبتي
تَبقِينَ وحدَكِ في الحياةِ
ولن أَزيدْ
********
عبدالعزيزجويدة
********



بقلم درمضاز الخضري 

الثلاثاء، 5 فبراير 2019

قراءة نقدية بقلم محمد لبيب

** رؤية النفي والإثبات في شعر "فاطمة العبدي".
قصيدة : 《نشاز 》 نموذجا.



     قبل أن أشرع في هذه الورقة النقديةأحب أن أشير إلى أنني اكتشفت فاطمة العبدي خارج خيمة الشعر بادئ الأمر،عرفتها واحدة من سكان الفيسبوك الطيبين الذين يتبادلون الورود والتحايا الجميلة كل صباح، تجمعت لدي مع الأيام أجزاء صورة عن الإنسانة" فاطمة العبدي"إكتمل عبرها بورتريه الإنسانة المثقفة الملتزمة الحالمة
وهي تخفي خلف ذلك حزنا عميقا يبرره موقفها الذي لا ينفك منتقدا 
للأمور كما تجري.
    بعد ذلك تعرفت إلى  "فاطمة العبدي" الشاعرة، صاحبة ديوان 《 خبايا حروف الهجاء 》في أحد الملتقياتالآدبية حيث أهدتني مشكورة نسخة من ديوانها فاطلعت على بعض قصائده
وعقدت العزم على أن أجعل إحداها موضوعا لقراءة نقدية عندما يتهيأ الظرف ،ظل الأمر يؤجل لأسباب بعضها يشرح وبعضها غير قابل للتفسير،إلى أن عثرت صدفة  على نص  " نشاز " منشورا على الجدار الأزرق فعاودتني فكرة القراءة.
ووجدت أنه نص شعري جذير بالقراءة لأمرين إثنين : 
■ أولهما أنه كتب بعد صدور الديوان وهو بذلك يمكن أن يقدم صورة حديثة عن تطور الحساسية الشعرية لدى الشاعرة العبدي.
 ■ وثانيهما أنه نص بعيد الغور من حيث نسقه الفكري ورؤيته الفنية.
   وهكذا وجدتني عالقا في شرنقة  النص الجميل ،العميق.
  ومنذ اللقاء الأول بهذا النص أومض لي بإشارات خاطفة ،رأيت أنها تلخص الرؤية الفنية والنسق الفكري لمجموع التجربة الشعرية للشاعرة.
ابتدأت الشاعرة هذا النص بالإشارة إلى معنى الركوض وسواء أكان نعت الركوض عائدا على الذات أم على الحروف فإن حضورهذا المعنى دال على البحث عن فكرة معينة والعدو خلفها في رحلة بحث كأنها "سرمدية"ما يدل على أنها فكرة منفلتة، هاربة وسيترسخ معنى هذا الإنفلات في مناسبات كثيرة من النص الشعري حيث ستضطر الشاعرة إلى الحفاظ على مسافة توجس فاصلة بينها وبين الكلمات ،أليس يعضد معنى الإنفصال معنى الهروب.؟..
  وفي السياق ذاته تتوالى معاني الإلتفات إلى الوراء في حال ارتعاب ودهشةوهذيان الظل من فرط التعب واللهاث حيث يصير الوقت عند الشاعرة جغرافية للتعب والهزيمة.
  حاولت الشاعرة أن تنتقل في التعبير عن هاته المعاني السلبية من
طابع التقريرية المباشرة إلى طابع الإيحاء والترميز،فصاغت صورة الصدأ الذي ينخر وجه المدينة عندما  بلغ النص الشعري ذروته
وفي بيان حالات النفي السالبة تدرجت  الشاعرة نحو  النهاية عبر رؤية الإثبات  من خلال معان  إيجابية بانية ،واعدة بالأفق المضيئ تخلع عنها عباءة "النعي" وتلبس رداء "التبشير" والوعد بالأمل القادم..تقول الشاعرة :"أنا هنا لأنتسب لي كزهر ".تفك بذلك إرتباطها بدائرة الأحزان وتنسج الوشائج مع دائرة الكلمات الرقراقة والقلب الدافئ والشموس الساطعة.
تقول الشاعرة: " ياظلي المتوحد بقلبي ،قاوم ملامح الحزن ".
هي بذلك تتحول من وضع الهروب الذي إبتدأت به نصها إلى وضع المقاومة في نهاية النص الذي تختمه  بهذا البيان الشامخ  "سنرتفع كالشجر وقوفا في وجه الريح ".
   مع ملاحظة أساسية أحب أن أنهي بها هذه الورقة ،هي إنتقال الشاعرة من إستعمال ضمير المتكلم المفرد في كل النص  تقول :"أمسكت..أخذت ..أمشي ".إلى إستعمال ضمير المتكلم الجمع 
وتقول :" لن ننتهي..سنرتفع ". 
كأن الشاعرة وجدت خلاصها في إندماجها في ذات جمعية قادرة على الفعل والبناء والإنجاز الحضاري.

            بقلم محمد لبيب : مقالات نقدية
             إلى أن ينام القمر.

الاثنين، 21 يناير 2019

بقلم مجد الدين سعودي

قصة ( لص القلوب ) للناقد و القاص عبد الرحمن الصوفي :  ( كليلة و دمنة ) .. بصيغة أخرى ، أو عندما يتم استغلال العالم الافتراضي لأغراض دنيئة ...
------------------------------------------------------
الناقد والقاص عبدالرحمان الصوفي 
م

تقديم :
--------
عبد الرحمن الصوفي كاتب من العيار الثقيل ، ناقد متمكن من أدواته النقدية و المعرفية و العلمية ، قارئ مدمن لكل الكتب و الدراسات و المفاهيم و المصطلحات ، مثقف عضوي و حقيقي ، يشتغل في صمت الكبار و يكتب بعنفوان المبدع و شهقات المعرفة ...
-------------------------------------------------------------------------
في العنوان :
-----------
عنوان زئبقي و منفلت ، تحايل المبدع ليصدم القارئ ، عنوان جميل يخفي بين طياته الشيء الكثير ، نحن أمام عنوان صوفي لأديب يعرف ما يكتب و ما يريد ، فلا داعي للقراءة السطحية و الهامشية ، نحن أمام كاتب عملاق ، يوظف الرموز و الاشارات الابستيمولوجية و غيرها لتمرير خطابات هادفة ...
لنتعمق أكثر في العنوان : ( لص القلوب ) ...
العنوان يتكلم من كلمتين : 
( لص )  : و اللص يبقى لصا ، سواء كان وسيما أو قبيحا ، ارتدى قفازا ناعما أو أظهر يديه الخشنتين ، سواء كان لص مال عام أو خاص ، لصا يسترزق من الانتخابات أو السياسة أو ...
( القلوب ) : و تحيل في أغلب الكتابات العادية على الحب و العشق وووو ...
لكن مع عبد الرحمن الصوفي ، ( لص القلوب ) ، بطعم آخر ...
في الوهلة الأولى يخيل للقارئ أن القصة ستدور حول رجل يسرق قلوب عشيقاته عبر وسامته و أسلوبه الجميل ، سيظن أن القصة حول زير نساء ....
لكن مع عبد الرحمن الصوفي في ( لص القلوب ) ، سنكتشف لصا آخر ، لص يسرق فعلا قلوب ضحاياه و يقتلهن بعد أخذ قلوبهن ، و القلب هو مصدر الحياة ، ثم يهرب به و يترك الضحية جثة هامدة و مرمية  ...
( لص القلوب ) لعبد الرحمن الصوفي ، هو زير نساء من نوع خاص ، هو دراكولا القلوب و مصاص دماء ضحايا يبحثن عن الثروة و الجاه و الأحلام القاتلة ، و مستغلا العالم الافتراضي للإطاحة بضحاياه و الوصول الى غاياته الدنيئة ...
----------------------------------------------------------------------------
في التسلسل الحكائي :
---------------------
سار عبد الرحمن الصوفي على طريقة السرد المتعارف عليها ، فتسارعت وتيرة الأحداث المحبوكة جيدا عبر عقدة جميلة ، و تواجد أبطال افتراضيين لكنهم قريبون من الواقع ، و شخصيات قوية وأخرى ضعيفة و شخصيات هامشية ، و وجود أفكار مشحونة بالحكي و العبر ... 
-----------------------------------------------------------------------
في توظيف العالم الافتراضي  :
-------------------------------
ذكاء الكاتب عبد الرحمن الصوفي يبدو جليا في استغلال الفضاء الافتراضي ، عبر ملامسة قضاياه و ايجابياته و سلبياته ، و تحذير القراء من هذا العالم الغرائبي و العجيب :
(  اشترى لها هاتفا ذكيا كانت يدهما من اختارته ، اعجبت به غاية الإعجاب ، انه النسر الذي ستركبه ويحلق بها عاليا في العالم الافتراضي...لم تجد صعوبة في تعلم سرعة النقر على شاشة البصمات ، الآن ستحقق أول أمنية لها ، فتح حساب في الفيس بوك ... ) .
و كذلك : (  وانفتاحها لتكسب أكبر رقم من الأصدقاء والجيمات والتعليقات ، لم يخب طموحها تقاطرت عليها طلبات الصداقة من كل بقاع الارض ، تحقق الحلم وأصبح حقيقة ... ) .
و كذلك : (كان بين هؤلاء رجل متوسط العمر ، اسم صفحته ( سارق القلوب )  ...
نحن اذن في فضاء العالم الافتراضي و زمننا الممتلئ بالذئاب ...
---------------------------------------------------------------------------
في مصداقية السرد :
-----------------------
عندما تقرأ قصة ( لص القلوب ) ، تحس بأنها قريبة منك ، نعيش أحداثها كل يوم و بطرق مختلفة ، نعيش  في العالم الافتراضي الممتلئ بالحيل و الخديعة و المكر ، فعالم الفايسبوك أصبح موبوءا و ملاذا للمنحرفين و النصابة و غيرهم ، و قد أجاد الكاتب عبد الرحمن الصوفي في سرد الحكايات للبطلة غير المتوجة ، و له قدرة كبيرة على وصف الأحداث و تسلسلها بأسلوب بسيط و معبر في نفس الوقت .
--------------------------------------------------------------------------------
في متعة القراءة :
---------------
و تتجلى في جعل الكاتب عبد الرحمن الصوفي قصته ( لص القلوب ) محبوكة جيدا ، فالكاتب خبر كل فنون السرد و تعمق في دراسة الأجناس الأدبية و نقدها ، لهذا أمتع القارئ بكل فنون السرد و تقنياته من حكي و تشويق و عقدة و حبكة و صراع و زمان و مكان ... كما نجح الكاتب في اظهار الضعف العربي أمام الاغراء الغربي .
--------------------------------------------------------------------------
في الاختيار الناجح لأسماء الشخصيات :
--------------------------------------
انطلق الكاتب عبد الرحمان الصوفي من الواقع المعاش و اختار أسماء أبطاله من واقعنا : فنجد ( سعيدة النكافة ) و ( خديجة النكافة ) و ( سارق القلوب )و ( بوش ) و ( قابيل ) و ( عربية ) ، و هذا الاختيار ليس اعتباطيا عند الكاتب ، بل هو اختيار ذكي ، مما يجعل القصة قابلة للتأويل السياسي و لتعدد القراءات ، فبوش الأمريكي هو الذي عاث فسادا و حربا و دمارا  في العراق ( عربية )  ، بتواطأ مع عرب آخرين ...
و من خلال لعبة الأسماء و الشخصيات و الأحداث المتعاقبة في قصة ( لص القلوب ) ، يتبادر الينا أن الكاتب يمرر لنا رسائله المشفرة لنأخذ العبرة من التاريخ ...
--------------------------------------------------------------------
خاتمة بطعم صوفي :
---------------------
عالم سي عبد الرحمن الصوفي الابداعي و الأدبي و النقدي ، هو عالم مدهش ، هو كالساحر الذي يخرج من قبعته عدة أشياء ، فمرة يدهشنا بكتاباته النقدية الجميلة ، و مرة يتحفنا بقصصه و خواطره الدالة ، و مرة يفرحنا بلذة نصوصه و جمالية كتاباته ، لهذا نقرأ نصوصه بتمعن و روية ، لأن في أعماقها العبر و الحكم ..
-------------------------------------------------------------------------
مجدالدين سعودي
كاتب و اعلامي و ناقد مغربي
---------------------------------------------------------------------------

قصة قصيرة : بقلم عبدالرحمن الصوفي -------------لص القلوب ------------------
أنهت سنتها الدراسية الثانوية بتفوق ، وجدت أباها عند تنفيد الوعد ، اشترى لها هاتفا ذكيا كانت يدهما من اختارته ، اعجبت به غاية الإعجاب ، انه النسر الذي ستركبه ويحلق بها عاليا في العالم الافتراضي...لم تجد صعوبة في تعلم سرعة النقر على شاشة البصمات ، الآن ستحقق أول أمنية لها ، فتح حساب في الفيس بوك الذي كان فأل خير على ( سعيدة النگافة ) ، هكذا كان يسميها الناس سابقا اما الآن فإنها أميرة عند احد أمراء الخليج..لقد جلب لها الهاتف الذكي السعد وهي ستقتدي بها وتقلدها في كل شيء ...من أجل تحقيق هذا الغرض اختارت أجمل صورها ووضعتها على صفحتها لا تريد لا كذبا ولا تزويرا ، جسدت الحقيقة كاملة أمام فارس الاحلام المنتظر ، زينت كل الصور ابتسامات وردية تقرأ عليها ملامح الجمال والأناقة وعنفوان الشباب..استعملت رجاحة عقلها ورحابة صدرها وتفتحها وانفتاحها لتكسب أكبر رقم من الاصدقاء والجمات والتعليقات ، لم يخب طموحها تقاطت عليها طلبات الصداقة من كل بقاع الارض ، تحقق الحلم وأصبح حقيقة ...
كان بين هؤلاء رجل متوسط العمر ، اسم صفحته ( سارق القلوب ) أشقر البشرة يكتب رسائله لها بلغة أجنبية صعبت عليها التواصل معه...كان عند كل ظهور له يهديها ورودا من أبهى والورود السحرية..استأنست وتعودت انتظار ساعة الأزهار المتساقطة عليها إعجابا من المحب المتيم .. وحين كان يتأخر أو لا يظهر تشعر بعصبية كبيرة وتبقى كالمجنونة تبحث عن شبيه لوردها على جداريات الصفحات ، ولما لاتجد تسجل شعورها الحزين وتشاركه الأصدقاء والعامة..يصلها تعليق المتعاطفين بالجملة ، ترد عليهم بلباقة ، توضح لهم أن سبب حزنها هروب قطها الجميل من المنزل..تتقاطر عليها مختلف صور القطط إرضاء لها..تنام متأخرة وذاكرتها تعد وتحصي أشكال وأنواع الورود التي في حوزتها منه...تستيقظ صباحا أول ما تلمس يدها شاشة الهاتف ، فتجده يعتذر مرسلا باقة من الورد..قررت أن تتعلم بعض الكلمات من لغته حتى يمكنها التواصل معه ، تأتى ذلك بسرعة ..لم يدم التواصل إلا أياما فاجأها ، ثم فاجأها الشاب الأسقر بطلب يدها للزواج ، كان يلح عليها ولم يترك لها فرصة للتفكير..
قبلت طلبه دون تمنع ، كما فعلت ( خديجة النگافة ) تماما ، تزوجت أميرا في السبعين ، وأنقدت نفسها من وحدة القرار. المهم هزمت البطالة والفقر والعنوسة ، فارس أحلام لا يمكن رده .. ذلك كان هدفها ، واليه كانت تسعى . أحست بنشوة الفرح تداعب أصابع قدميها وقسمات وجهها ..تحمر الوجنتان من السعادة و الخجل . سألته وهي تتواصل معه على الشاط ..قلبها فيض شلال من العواطف ( ما اسمك ، لا تقل لي ( اسمك لص القلوب )) ، رد عليها دون تكلف مؤكدا ( لص القلوب وقبك أصبح ملكي ) ..كادت تطير من الفرح حبها أصبح قوس قزح يعانق ضباب الخلجان . شجعته مبتسمة ( سامنحك قلبي دون عناء السرقة ! ) . سألها بدوره عن اسمها ، اجابته بالسرعة اللازمة، ( اسمي ، (عربية ) وهو اسم صفحتي الشخصية الفيسبوكية ) ، كرر الاسم ناطقا حرف العين ألفا ، تهللت أسارير وجهها ، أحست بالغبطة . كررت طلب التعرف على اسمه ، كان جوابه ( بوش ) ، ضحكت وهي تمنحه قبلة هوائية معروفة في عالم الشاط ، ( بوش الأب أم بوش الابن !؟ ) ، بقي متمسكا بالابتسامة وهو يمنحها برهة من الغزل الذي تفصله مسافات ضوئية بين العشيقين ، طلبت منه تحديد وقت الخطوبة ، أكد لها استعجاله ، قالت ( خير البر عاجله ) . لم يمنحها فرصة إشاعة الخبر بين الأهل والاحباب ، وتجهيز نفسها لليوم الموعود حتى هاتفها من المطار يدعوها للقائه ، أخبرت الأسرة التي أصبحت في حالة استنفار استعدادا لاستقبال ضيف جاد به الهاتف الذكي عالمه الافتراضي ..
تعرفت عليه في المطار بسرعة لأنه يشهر لوحة مكتوب عليها ( لص القلوب ) . حيته بوداعة ، رد عليها التحية ، أرادت أن تساعده في حمل الحقيبة التي تصحبه ، تود أن تفعل مثل المرأة العربية الخدومة للرجل ، رفض وعلل بأنها خفيفة الوزن . قبل أن يصلا باب المنزل شاع الخبر ببن الجيران ، يؤكد مجيء دكتور جراح متخصص في زراعة القلوب لخطبة ( عربية ) . الكل كان متلهفا لمعرفة هذا الحظ والسعد الذي جادت به صفحة الفيسبوك .. ارتفعت زغاريد النسوة ، واستقبل ( الدكتور بوش ) بالثمر والحليب جريا على العادة . على أنغام فرقة گناوية قدم لها خاتم عربون المحبة . كان عارفا بشروط الزواج ، لم يترك لها فرصة تدعوه فيها للدخول للإسلام ، بل بادرها بالقبول بالشهادتين . حضر حفل الغداء إمام المسجد والكثير من سكان الحي ، أسلم على أيديهم وسموه ( قابيل ).
قبيل الغروب خرجت مع خطيبها لزيارة المدينة، وبعد أن أصابهما العياء اقترح عليها التعرف على النزل الذي سيقيم فيه ، لم تمانع مادامت الزيارة لن يطول وقتها لأن الأهل ينتظرونهم على العشاء ..أخذ بيدها ودخلت معه الغرفة المحجوزة باسمه ، من واجب الضيافة أن يقدم لها مشروبا ، شربته فوجدته في غاية اللذة ..انتظرت الأسرة (عربية) لكنها لم تعد إلى المنزل ، وفي الصباح نشرت الجرائد الخبر التالي :
( وجود فتاة ميتة ، بعد سرقة القلب من الجسم ) .
عبدالرحمن الصوفي.
بقلم مجد الدين سعودي