السبت، 8 يونيو 2019

بقلم د.رمضان الخضري


تطور الدلالة في نص " اكتفيت بحبها "

لست أدري مبررا واحدا لقالتي هذه غير أنني أعتبر الأديب ( شاعرا أو قاصا أو ناقدا ) ضمير أمته على كل الأحوال ، وهذا سبب كاف جدا لكي أعتبر أن الأديب هو ذلك القاضي الذي يمكنني أن أقبل حكمه في مجتمعه .
وحينما هزني نص "اكتفيت بحبها " هزات متعددة ، كلها هزات أصلية فقررت أن أكتب عن النص بمنهج أدركه تماما ، ربما أنني أراه جديدا إلى حد كبير ، ولا علاقة لي بما يراه الآخرون ، فكلنا يتحدث عن نفسه من باب العصمة ، ويتحدث عن غيره من باب الموبقات .
فالسابقون رحمهم الله جميعا كانوا يتناولون الدلالة من الناحية التاريخية في التطور ، بيد أنني أرى كما تعلمت من الدكتور :"محمد فياض "_ حفظه الله جل في علاه _  أن الكلمة لها استمرارية تاريخية ومجتمعية من ناحية الدلالة ، ولها قابلية على تطوير نفسها حينما تجد الأرض الفكرية الخصبة والعفية التي تعطيها مقومات جديدة ، ولاتنفي مقوماتها ودلالتها القديمة .
غير أنني أرى أن هناك كلمات كثيرة انكمشت في دلالتها ، وانحدرت من سموها ، وكلمات أخرى سمت وعلت ، وعلماء اللغة يرجعون الانكماش والسمو إلى عوامل تاريخية مرت بها الأمم التي تستخدم اللغة .

وفي ظني أن هذه المشكلة العميقة قد أجاب عنها هذا النص "اكتفيت بحبها " ، حيث إن العاطفة الفردية من شاعر مثل العبقري / عبدالعزيز جويدة ومن قبله شوقي العظيم وبينهما ناجي ومحمود حسن إسماعيل ونزار قباني وصلاح عبدالصبور ، قد استطاع أولئك جميعا أن يجعلوا عاطفتهم في الشعر تلقي بظلال على الألفاظ حينما استخدموا الألفاظ بطريقة مبتكرة ، فصادف هذا الاستخدام الفردي هوى في نفوس المستقبلين لنصوصهم ، فأخذت كلماتهم وألفاظهم حقها من الشيوع والذيوع ، مما ترتب عليها تطور في دلالة هذه الألفاظ .
فحينما يبدأ شوقي العظيم أمير شعراء العالم ، ولتقدم وزارة ثقافة دولة الإمارات العربية كل يوم أميرا للشعر العربي ، لكن لن يستطيع أحدهم أن يقول مثلما قال شوقي في مطلع قصيدته :
قتيل عينيك ينفي عنهما التهما
فما رميتِ ولكن القضاء رمى
ولن يستطيع أحدهم أن  يبدأ نصه كما بدأ محمود حسن إسماعيل :

أبداً أُجن إذا تحدر طيفها
من عرشه السامي إلى محرابي
وأهم أرشف من منابع حسنها
فيض الهوى المترقرق المنسابِ
خمراً من الألق السني تدفقت
لا من جنى التفاح والأعنابِ
الطهر في لألئها والنور في
صهبائها والنار في أعصابي
من راح يغويه الجمال فإنني
ألهمت منك هدايتي وصوابي
ولن يستطيع جميع من حصلوا على جائزة أمير الشعراء الإماراتية أن يقولوا حكمة لدنة ، وفكرة بسيطة معقدة كما قالها نزار قباني :
من جرب الكي لاينسى مواجعه
ومن رأى السم لايشقى كمن شربا
حبل الفجيعة ملتف على عنقي
من ذا يعاتب مشنوقا إذا اضطربا
فيامن يعاتب مذبوحا على دمه
ونزف شريانه ما أسهل العتبا
الشعر ليس حمامات نطيرها
نحو السماء ولا نايا وريح صبا
لكنه غضب طالت أظافره
ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا
ولا يستطيعون جميعهم أو مفردهم أن يبدأ بما يبدأ به عبدالعزيز جويدة بسهولة ورشاقة ومنتهى الروعة حينما يقول :
لاتحسبي أني أحبك مثلما
تتصورين مشاعري فوق الورقْ
أنا شاعر في كل شيء إنما
عند الكتابة عن هوانا أحترقْ
إن قضيتي فوق وسعي ، بيد أنني أشعر ( طالما أنا مكلف بها فهي في وسعي ) ، وكم دعوت الله أن يعطيني عمرا لأتمها وأرى جدواها ولو قليلا من الأيام أو الأسابيع او الشهور .
أشرت منذ قليل لتعلمي من العالم الكوني العلامة الدكتور محمد فياض _ حفظه الله جل في علاه _ وكانت الاشارة مقصودة لسبب مهم للغاية ، الدكتور فياض العظيم متخصص في هندسة البرمجيات والسوفت وير ، ويظن البعض أن هذا التخصص بعيد عن علوم اللغة ، وأنا أقف في صف هؤلاء الذين ظنوا .
لكن الذي أضعف اللغة العربية على وجه التحديد أن البحث فيها اقتصر على اللغويين تماما ، عكس اللغات الأخرى كالانجليزية مثلا ، والفرنسية كذلك ، والألمانية خلفهما .
فمثلا وجدنا أن عالم الطبيعة ( برجمان ) تحدث عن الدلالة في اللغة الانجليزية ، وقال إنه يختلف في فهمه هو وعلماء الطبيعة لدلالة كلمات مثل الزمان والمكان والصوت وغيرها ، فهو يرى أن الكلمات إذا لم تأخذ دلالتها عن طريق التجربة والقياس ، فلاشك أن هذه الكلمات سوف تصبح هراء ، وفي ظني أن جاكبسون وميخائيل باختين العظيمين قد تبعا ( برجمان ) ، وحاولا أن يطبقا هذا الكلام عمليا على أرض الواقع ، فقال جاكبسون سؤاله المشهور ( ما الذي يجعل من هذا النص نصا أدبية ؟! ) فهو يبحث عن العلمية في أدبيات النص .
وكذا تحدث عالم القانون الشهير ( ترومان أرنولد ) عن دلالة الألفاظ والتي تجعلنا عبيدا لهذه الألفاظ فيما يشبه الرق والاستعباد ، فرأى أن الألفاظ حينما تحمل دلالتها كاملة بطريقة مبتكرة تصبح لها سلطة وسيطرة كبيرة على المتلقي .
مايهمني قوله الآن : أن قصر البحث اللغوي على علماء اللغة في عصر التكنولوجيا يشبه كثيرا حال ربان السفينة الذي لايعرف سوى سرعة الموج وارتفاعه ، أما إدارة الموتور والبوصلة والاتجاه وعلوم الفلك ، والحمولات ، وكيفية السير وتغيير السرعات وغيرها فلا علاقة له بها ، وبالتالي فإن السفينة توشك على الغرق .
أخذني الكلام لوجهة بعيدة عن الدخول للنص الذي تأهبت للدلوف إلى ردهاته ، والبحث في غرفاته ، فأصبحت كمن عرض بضاعته ولكنه لن يتمكن من البيع الآن ، لذا سوف أترك للقاريء العظيم أن يستمتع بنص ( اكتفيت بحبها ) عسى أن يمنحني الله قدرة جديدة للغوص في عمق هذا النص .
********** 
قالوا : اكتفيتَ بحبِّها؟
************
قالوا : اكتفيتَ بحبِّها؟
قلتُ : اكتفيتُ ولا أريدْ
قالوا :
قلوبُ الناسِ تطمعُ في المزيدْ
قلتُ :
قلوبٌ فارغةْ
لو أنها عَشقَتْ بِصدقٍ
لارتوَتْ حتى الثُّمالةِ
وارتوى حبْلُ الوريدْ
إن الذي في الحبِّ عاشَ
كما نعيشُ بِحبِّنا
باللهِ قُلْ لي بعدَهُ
ماذا يُريدْ؟
هي كلُّ ثانيةٍ تمُرُّ بعمرِنا
دومًا نراها في الهوى والعشقِ
مِيلادًا جديدْ
ولأنها مِشكاةُ نورٍ
قد تَدلَّتْ داخلي
نورٌ بهِ وصلَ الفؤادُ لذروةِ التوحيدْ
هي كلَّ ثانيةٍ تؤكِّدُ لي
وتَبعثُ قلبَها كي يَطمئنَّ
وقلبُها هو فرحةُ الطفلِ المسافرِ
في دمي في كلِّ عيدْ
يا قلبَها
أرجوكَ بلِّغْها السلامَ
وقلْ لها
قَسمًا بمن رفعَ السماءَ بلا عَمدْ
حتى أموتَ حبيبتي
تَبقِينَ وحدَكِ في الحياةِ
ولن أَزيدْ
********
عبدالعزيزجويدة
********



بقلم درمضاز الخضري 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق