‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال رأي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال رأي. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2020

جميلة محمد

 شذرات صباحية
تحت عنوان : الحب
الحب الذي اسكت وابكى وهدم وبني والحب تلك القوة الخفية التي تسري بين مكونات هذا الكون : البشر والشجر والحجر والمحيطات في علاقتها الداخلية بين بعضها .وفي علاقتها مع السموات والكواكب والمجرات والجروم ...

الحب ،الذي سالت له اقلام الادباء والروائيين والشعراء ،الرومانسسين والكلاسكيون والجدد . تاه في مهب متغييرات عصر العولمة والديجتيل،  ليجد نفسه  مجرد  "لازمة"  يتداولها الكبار والصغار ومن جميع الاعمار ...صباح مساء ،..وبكل المواقف  والمناسبات حتى اعتباطا ، دون سبر معانيها او الوقوف على صدقها  .حيث  فقدت  عمقها واصبحت كلمة فضفاضة ، روتينية  يستسهلون  النطق بها دون ادراك ابعادها والتزاماتها ونتائجها .فاضحت  عصا موسى عند البعض تفتح له الابواب المغلقة ،
وامست عملة صرف عند البعض الاخر يحولها الى راس مال عندما يشاء ، وجواز سفر عند البعض الاخر  ... ،
عذا ذلك ، فقد تعدت كونها اي الحب تعبير عن العلاقة الازلية للرجل بالمراة او العكس ، في قدسيتها وسموها ورقيها  وكونها  (الحب ) الخيط الرابط بين  سائر افراد المجتمع الواحد وبين محيطه ، وطنه ، واشيائه الثمينة. حتى بعلاقته بالقطة الصغيرة في بهو داره ، بالوردة  الحمراء في بستانه، والباقة المتنوعة المتلونة  في مزهريته والطير على  نافذته يغرد تراثيل الصباح والمساء،  ينشد حبا وسلاما.
واللوحة السريالية على جدارية منزله او  احدى الفنادق الخمس وسبع نجوم او  المؤسسات ،العارضة ..  لتصبح علاقة الحب تلك  العلاقة المتعدية ..لعلاقة  الاب والام والاولاد والاهل فيما بينهم والجيران الى الاصدقاء ، ل تتمدد لتصل الى الشخصيات العامة : الفنانين والممثلين والرياضيين وحتى شخصيات وهمية مفبركة حازت على الكثير من الحب .."كريندايزر" و "جومارو"   وحتى قيادات متميزة  لها ثقل وصدى وعرفت كيف ترسخ حبها بين الناس  كجيفارا ..وصدام ..وجمال عبد الناصر ..وغادي ومحمد الخامس ..وعمر بن الخطاب ..و مانديلا  وعرفات ....اذن الحب اصبح هو تلك العملة الكونية الموحدة للبشر ، العابرة للقارات التي لا تعترف بالحدود والاختلافات اللونية ، القومية ،الدينية ،العرقية واللغوية ..وهي اكثر الطاقات غزارة في هذا الكون الفسيح  وهي اكثر ما يحتاجه البشر، النبات والحيوانات  وحتى الجماد ..ليكن في احسن حالات الرضا ، البهاء والعطاء  .
في زمننا تجابه مشاعر الحب اعتى الانحرفات ، من البخل والاسفاف والتهاون الى الجريمة والتعدي والاختطاف  والاغتصاب  ..وهذا الخلل في منظومة العلاقة بين الأفراد داخل مجتمع ما، ناتج عن  تدهور قيم الحب والسلام  الى  اندثارها ، وقد أذى هذا  العامل الى نشر ثقافة الحقد والكراهية والعنف والعنف المضاد .فقد شح الحب الحقيقي ،التقي ،المتسامي على اطماع الشر   وتناقص تداوله لتحل محله مشاعر الكره وعقيدة الابتزاز والمساومة على الحب والاحتيال كلها باسمه حتى داخل العلاقات الزوجية ، فطغت المصالح المادية واندثرت الوشائج الطيبة ، المتينة بين اغلب شرائح البشر ، و بات الكل يخشى ان يتم استغلاله باسم المحبة ، فازدادوا حرصا على مقاومته ،  حتى بدا بالانقراض لصالح اكتساح  الحقد والغل والاستغلال وبتنا نحاول اصلاح ما افسدناه بجهلنا .فتعالت الاصوات لنشر التعايش والتسامح والسلام والانسانية  التي  ترتكز على دعامة الحب الاساسية والمتضمنة لكل المسميات التي تؤلف بين قلوب البشر على اختلافهم ...الحب ذلك الغائب الحاضر ..احد اهم عوامل الاستقرار النفسي والمجتمعي ذلك البطل الخفي ،المحفز و  المحرك الحقيقي على تحدي إخفاقات  الذات و كبوات الأمم والمجتمعات وهو الحبل المتين الذي به تتحالف وتتألف البشرية  في سعيها نحو تنمية  قيمها المثالية  وميولها السمحة و  أهذافها النبيلة  وجهودها الحتيتة لبناء السلم 
المجتمعي والاممي .

.ماعاد حبك الزائف
 يعنيني
انا في وحدتي
كتابي// مملكتي
دعني استأنس بكم
في مخيلتي
بالاهل
 بالاحبة 
بذكرياتي في غربتي
انت جليسي
و المعارف و العلوم

 و  بنات افكاري


اخترت  راضية
خلوتي
و  السجود لله

برحمته وحده
عن العالمين
يكفيني
جميلة محمد

الخميس، 10 سبتمبر 2020

محمد أديب السلاوي

لنتحدث قليلا عن العالم القروي.

محمد أديب السلاوي

-1-

ان الحديث الجاري اليوم عن الإصلاح، يفرض علينا أن نرتب قائمة الإصلاحات المطلوبة لمغرب يريد السير نحو التطور والتقدم والرفاهية، على أساس الأولويات الملحة والمستحيلة.
في وضع المغرب الحالي الذي يمثل على القرن القادم سلسلة من الأزمات المترابطة وبتعداد سكاني يقرب من ثلاثين مليون، غالبيتهم أميون / عاطلون / فقراء، ينتمون ويعيشون بالعالم القروي، يشكل نموذجا بارزا للتخلف والفقر .
هكذا...وعندما يبدأ الحديث عن التغيير والإصلاح، في إدارتنا واقتصادنا ومجتمعنا ودستورنا. يقضي الواجب علينا تركيز هذا الحديث على البادية المغربية وعالمها القروي، لأن  وضعيتهما الراهنة صعبة للغاية ومحرجة للغاية، وهو ما يدعو إلى جعل كل الإصلاحات تبدأ بهذه الوضعية، وبالانكباب الفوري والعاجل عليها قبل أن تصبح مستعصية، وخارجة عن أي تخطيط أو برنامج أو إصلاح.
إن العالم القروي، ونتيجة لتراكمات مشاكله وقضاياه، أصبح بلا وضعية، فهو عالم للفقر وللبطالة وللجهل وللأمية والتخلف في صورته الشاملة. وهو من جانب آخر، عالم للتجارب الفاشلة، وللابتزاز والقهر. فلاحو الصغار أصبحوا عاجزين عن تلبية أبسط حاجياتهم اليومية في غياب الإدارة الحكيمة. وفي غياب التخطيط والإرادة والإمكانيات التي من شانها إعادة الاعتبار للعالم القروي ولساكنته ولموقعه وعطائه.
إن العالم القروي، لم يصل إلى هذا التدهور، نتيجة سنوات الجفاف التي ضربت "الزرع والضرع" ولكنه وصلها في الحقيقة نتيجة للتهميش المتواصل الذي تسلط عليه وعلى فلاحة الفقراء، وهم أغلبيته المطلقة بلا منازع.
ولعل المسؤولون عن هذا التهميش، وعن تدهور الفلاحين وعالمهم القروي، أصبحوا يدركون أكثر من أي وقت مضى أن الانعكاسات السلبية لوضعية العالم القروي، خطيرة وعظيمة على الاقتصاد الوطني عامة، وعلى سوق الشغل بصفة خاصة، نظرا لعمق دور الفلاحة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

الفلاحة، كما أكد ذلك جلالة الملك لعدة مرات، ركيزة أساسية من ركائز اقتصادنا الوطني، عليها ينبني صرح نمائنا وتطورنا، وعليها تنبني قلاع تقدمنا.
ومن قال الفلاحة، قال العالم القروي، لأجل ذلك نكرر القول، أن الإصلاح الأساسي يجب أن يتجه إلى الفلاحة وعالمها القروي، على أن يكون هذا الإصلاح شاملا وكاملا، يغطي مختلف المناحي الفلاحية والبشرية، ومختلف القطاعات ذات الصلة بها.
أمامنا كمثال على هذا التوجه دولة اليابان :
إن قصة نجاح اليابان في هذا المجال، تكمن في الإصلاحات التي اعتمدت على إنعاش العالم القروي، باعتباره محطة الانطلاق نحو المستقبل، وثمة مثالان آخران احدث عهدا هما مثال كوريا ، مثال الصين اللذان خرجا من أزماتهما في التشغيل والإنتاج بفضل المكانة البارزة التي أعطيت للزراعة في سياستهما التنموية وفي إصلاحاتها الاقتصادية.
إن الأمر يتعلق في عمق الإصلاحات الزراعية في العالم اليوم، بتحقيق الاكتفاء الذاتي في التغذية وإقامة صناعات زراعية وتحويلية في مستوى مطامح السوق العالمي التنافسي وفي مستوى الإمكانات التي تتيحها الأرض المغربية...وعصرنة الفلاح ومحيطه / العالم القروي.

-2-

في الإحصاءات الرسمية، يحتضن العالم القروي مل يقارب 65% من سكان البلاد، يعيش اغلبهم على الزراعة والمهن الفلاحية.
وفي الأرقام الرسمية، لا يستفيد العالم القروي المغربي، إلا من 35% من الدخل القومي، في حين تزيد نسبة نموه السكاني على 3.13%.
من أجل ذلك أولت أدبيات الحركات السياسية المغربية، ومنذ بداية عهد الاستقلال، اهتمامات خاصة لمشاكل وقضايا وأوضاع العالم القروي، باعتباره ساحة تكرس عليه التهميش منذ العهد الاستعماري (1956-1912)ن تفاقم تخلفها، كما تفاقمت حاجياتها الأساسية من التجهيز وكل البنيات التحتية، سواء في المرافق العامة أو في الصحة والتعليم والنقل والتشغيل والسكن.
العالم القروي قاعدة أساسية لكل تنمية فاعلة،ولكن إقلاع حضاري جديد، ومن ثمة طالبت الحركات الوطنية بمخطط اقتصادي/ اجتماعي / ثقافي، مستعجل للإنقاذ هذا العالم والدفع به إلى الإسهام الفعلي في التنمية الوطنية. معتبرة أن تهميش الأسلوب الديمقراطي في تسيير الإدارة المحلية للعالم القروي كما في التجهيزات والدعم المادي، إلى المزيد من التخلف والتهميش والتسلط والطغيان... وبالتالي أدى إلى التدهور والتراجع والفقر والأمية، حيث تعرض إلى حالة استنزاف قصوى بسبب الكوارث الطبيعية التي ألمت به خلال السنوات الأخيرة، الجفاف والفياضانات والعواصف وزحف الرمال، وبسبب الهجرة والتفقير وضعف البنيات الأساسية من طرق وإنارة وخدمات صحية وتربوية ورياضية وغيرها... وهو ما أدى إلى ما يشبه الانهيار.
أن مؤشر النمو الديمغرافي في العالم القروي،سيبقى من أعلى المؤشرات وطنيا وربما عالميا، ومؤشر الفقر والأمية والتخلف بهذا العالم سيبقى أيضا، من أعلى المؤشرات وطنيا وربما عالميا.
ما هي البدائل الممكنة لإخراج العالم القروي من حالة يأسه وبؤسه ؟
تقول الأدبيات السياسية للعديد من الأحزاب المغربية، أن تقدم وتنمية العالم القروي يقتضي الاستخدام الكلي لثرواته البشرية والطبيعية والثقافية وتشجيع المبادرات الخاصة للفلاحين والمشاركة النشيطة لعناصره، لتحقيق تنمية حقيقية، تضمن العيش والتكافل لسكان هذا العالم.
أن الرفاهية الاجتماعية، أو ما يمكن ترجمته ب"الكرامة" التي رددها السيد محجوبي احرضان، وهو زعيم يستمد مكانته في العالم القروي
 هي الهدف الأساسي لهذه الرؤية، بل هي المرتكز الذي تقوم عليه فلسفتها، وهي تتطلب سلسلة من الإجراءات الأولية، كالقضاء على الأمية والفقر والبطالة والظلم والاستغلال. والارتقاء بالمستوى المادي والروحي للمواطنين...وهو ما عجزت عنه العديد من السياسات والحكومات التي سجلت اسمها على تاريخ المغرب الحديث.
"الكرامة" هي أن يضمن الوطن لمواطنيه ما يصون "كرامتهم" من الولادة الى الموت، بالارتكاز على الحق الأكبر الذي وهبه الله للإنسان / المواطن.
وتقول الأدبيات أيضا، أن كرامة الفلاح وعالمه القروي تتوقف  بالدرجة الأولى على التعبئة القصوى لجميع ثروات العالم القروي واستخدامها الاستخدام الفعال والرشيد، مع اتخاذ تدابير للإسراع بإلحاق العالم القروي بالعالم الحضري، وبتصنيع العالم الزراعي وإعداد برامج تكاملية للتنمية القروية، وهي نفسها البدائل الممكنة لإخراج العالم القروي من حالة بؤسه ويأسه ومحنته.

-3-

يرتبط العالم القروي ، بسلسلة من القضايا أهمها قضية الأمن الغذائي، الدعامة الأساسية هنا وفي كل العالم للبقاء، حيث تستمر الجهود الدولية من اجل الابتعاد عن فاجعة الجوع، لتصبح قضية إنتاج واستهلاك الغذاء من أعقد القضايا المستحوذة على التفكير الإنساني، فهي مدار بحث مختلف المؤشرات العربية، سواء في نطاق المنظمات المتخصصة، أو المؤسسات الإنمائية، بحيث بات هاجس توفير الغذاء يشغل حيزا كبيرا في المخططات الإنمائية، بمختلف الأقطار، منذ أوائل السبعينات حيث برزت أزمة الغذاء في العالم.
إن انفجار أزمة الغذاء في العالم قبل حوالي عشر سنوات، والتي تضافرت عليها العديد من العوامل المتشابكة في مقدمتها ارتفاع استعار مختلف أنواع الحبوب، ومستلزمات الإنتاج الزراعي. الأمر الذي ترتب عليه وقوع معظم الدول النامية، ذات الإمكانيات المالية المحدودة فريسة مصيدة الغذاء، وأصبحت هذه المشكلة تستحوذ على أية موارد يمكن توجيهها نحو التنمية الاقتصادية، وهذا ما أدى إلى انخفاض معدلات النمو الإنتاجي، في الوقت الذي يزداد فيه الطلب الاستهلاكي بمعدلات كبيرة، مما زاد المشكلة تعقيدان بحيث أصبح إيجاد الحل المناسب لها يشكل حجز الزاوية في السياسات الإنمائية لمختلف البلدان النامية.
ولا شك أن مشكلة إنتاج الغذاء في المغرب لم تكن لتقل حالة عما هي عليه في مناطق العالم النامي، فقد عانى المغرب وما يزال في هذا المجال، باعتباره منطقة عجز غذائي، ثم لأن تأثره بالأزمة كان اكثر عمقا وحدة من غيره في بعض المناطق المماثلة.
ومما يزيد المشكلة خطورة على المستوى المغربي، أن حجم الفجوة الغذائية خاصة من سلع الغذاء الرئيسية تزداد اتساعا سنة بعد أخرى، فقد تصاعد حجم العجز في مجموعة الحبوب، ومنها القمح  والروز والشعير والذرة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العجز في السنوات القادمة، إذا لم نسارع بخطة إصلاح ناجعة. أما بالنسبة إلى القمح فباعتباره أهم سلع الحبوب الغذائية فإن عجزه الغذائي قد يتصاعد إلى جانب السلع الغذائية الأخرى، خاصة الزيوت والمنتجات الحيوانية ذات الأصل المتجذر بالعالم القروي.
وبالرغم من الجهود التي تبذل في هذا المجال، فإن الفجوة لا تزال في تزايد مستمر، تبين أن الفارق بين نمو الإنتاج الزراعي والطلب على السلع الزراعية، وخاصة سلع الغذاء الرئيسية، أخذ يتنامى منذ أوائل السبعينات...ومرشح لمزيد من "النمو" في المستقبل. وهو ما يعكس تخلف القطاعات الإنتاجية الزراعية مقابل النمو السريع في الطلب الاستهلاكي، ويكفي للدلالة على مدى ما تعانيه القطاعات الزراعية من تخلف، أن الإنتاجية الهكتارية للحبوب لا تتجاوز 1.1 طن، أي نصف نظيرتها في العالم البالغة 1.9 طن، كما تنخفض كثيرا عن إنتاجية القمح في العالم، حيث تبلغ 1.65 طن بالمقارنة مع 4.8 طن في الدول المتقدمة.
أما بالنسبة للإنتاج الحيواني، فهو أكثر تخلفا من نظيره النباتي، إذ لا يقوم على اسس صناعية...ولا على أسس استثمارية.

-4-

إذن، في أي قراءة أفقية أو عمودية لحالة ّ "الأمن الغذائي" في المغرب يتأكد للباحث أن حالة العالم القروي مصدر هذا "الأمن" جد سيئة، ولا تستطيع في الوقت الراهن، وبالإمكانات المتاحة أن تذهب في توجه تحقيقه.
فقراء البنك الدولي لحالتنا الاقتصادية جاءت واضحة كل الوضوح وصريحة كل الصراحة، في هذا الموضوع وأكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن المغرب سيعرف تقهقرا محققا في المجال القروي / الزراعي. كما سيعرف تراجعا في كافة المجالات الاجتماعية والثقافية المرتبطة به، إذا لم تتخذ الإجراءات الضرورية باستعجال، لضمان وتيرة نمو محددة تضمن العيش والاستمرار.

من جانب آخر، أكدت هذه " القراءة" أن إنقاذ العالم القروي وإنتاجيته، تلزمنا بالانتباه إلى الوقت الضائع، فالوقت لا يرحم وكل يوم بل كل ساعة تمر دون إيقاف "النزيف" المتواصل، تعد خسارة لا يمكن تعويضها.
فقد، أصبح للوقت أهمية قصوى، وبذلك أصبح إيقاف النزيف، يتخذ موقع الأولوية في حسابات الوقت والمعالجة لوضعيتنا الاقتصادية / الاجتماعية المتداخلة مع العالم القروي وإنتاجيته.

إن الأحزاب الوطنية، والهيئات الحقوقية والمهنية والجامعات والمعاهد العليا، أصبحت مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بتشخيص حالة النزيف الذي يضرب العالم القروي في الأعماق وتحديد الأولويات التي يجب القيام بها في أفق العقد القادم...وترى أن الإجراءات الأساسية لإيقاف هذا النزيف، وبدأ العلاج لا يحتاج إلى زمان أو مكان، بل ولا يحتاج إلى إمكانيات أو اعتمادات، بقدر ما يحتاج إلى الإرادة القوية والنزاهة والقناعة والحس الوطني الصادق.
وفي اعتقادنا إن معالجة الوضعية الراهنة يتوقف بالدرجة الأولى على وضع أسس جديدة وحديثة وعقلانية لإنقاذ العالم القروي من تخلفه ونزيفه، أن تنمية قروية قائمة على تجديد دماء الاستثمار المنتج، وتشجيع المقاولات القروية بما فيها العلاجية من شانهما إعطاء دفعة جديدة لمستقبل الفلاحة والفلاحين ووضع حد للفوارق بين سكان البادية وسكان الحاضرة، وهما أساس معالجة النزيف الذي أدى إلى "هزال " العالم القروي وضعفه وفقره.
ولاشك أن إعادة النظر في مفهوم الإنتاج الفلاحي، في بلادنا سيدفع حتما إلى تصنيف الفلاحة كمهن لا كحالات اجتماعية، وهو ما يعني ربط الإنتاج بالمردودية والمنافسة الداخلية والخارجية.
فضعف قطاعنا الفلاحي، لا يكمن في كونه ما زال رهن التساقطات أو دون توظيف وسائل التكنولوجيا المتوفرة أو ارتباطه بالنهج التقليدي، الذي أصبح تأثيره على الإنتاج والمردودية الفلاحية والتنموية متعاظما، بل يكمن في الحس الحاد بالتخلف تخلف الزراعة وأهلها، الأرض وأصحابها.
ان فلاحتنا اليوم في ظل أوضاع الفلاحين تستغيث، تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التقييم والمراجعة والى التحديث والتجديد والى الإنقاذ
.
وفي إطار ذلك تحتاج هذه الفلاحة إلى مفاهيم جديدة ومباشرة للرفع من مستوى الفلاحين – سكان العالم القروي وكذلك لطرق الإنتاج والتموين، ولطرق القرض والتمويل، فنحن مطالبون بابتكار وسائل جديدة، وأساليب جديدة للتعامل مع هذا القطاع لإنقاذه وتطويره.
بمعنى آخر، أن الإصلاحات المطلوبة للعالم القروي ما زالت في حاجة إلى رؤية فلاحية، لا تفصل العالم القروي عن فلاحته ن عن مجتمعه وتربيته وثقافته وهويته، لا تفصل عصرنة الفلاحة وتحديثها وتصنيعها عن عصرنة مواطن العالم القروي وتربيته وإعداده ومساعدته على الارتقاء وعلى الإنتاج والمردودية.
إن اعتماد إستراتيجية إنمائية ريفية متوازنة، تقوم على أساس الزراعة الدينامية المستوعبة لليد العاملة وعلى الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة في إنتاجيتها من شأنها إعطاء نفس جديد للعالم القروي، وانتشاله من رداءته التي وصلت حد البؤس واليأس، شريطة اعتماد نفس الإستراتيجية لتطوير المواطن، بالعالم القروي وإخراجه من عزلته وتخلفه.
إن كل إصلاح لا يتجه إلى هذه الناحية، سيكون في نظرنا بلا فائدة، لأن الأمر يتعلق بالعالم الذي نعيش ونتنفس من خلاله الهواء والهوية.

أفلا تنظرون...؟

الخميس، 27 فبراير 2020

محمد أديب السلاوي

الفساد الانتخابي الذي هزم الديمقراطية بالمغرب الراهن.



الانتخابات دورة أساسية في حياة الأمم ذات الأنظمة والتقاليد الديمقراطية. فهي آلية لتناوب الكتل السياسية والقوى الاجتماعية والاقتصادية، تمد الدولة والأحزاب بالدماء الجديدة والأطر الجديدة.
 وفي الدول التي تعمل بالديمقراطية، تشكل الانتخابات فرصة للتلاقي والتواصل والتحاور والمشاركة والاختيار.

وقد أدرك المغاربة مبكرا هذه الخاصية، وأدركوا معها أن الانتخابات هي دورة أساسية في حياتهم، وإنها القناة السياسية التي تصنع للدولة ولمؤسساتها، النخبة والأجيال، ولكنهم صدموا باستمرار من طرف السلطة التي جعلت من العمليات الانتخابية قاطرة لتحقيق خططها وأهدافها المتعارضة مع قيم الديمقراطية، ومع التطلعات الوطنية.

ويجب الاعتراف أن الفساد الذي عرفته الانتخابات على يد السلطة خلال الأربعين سنة الماضية لعب دورا أساسيا في هزيمة الديمقراطية بالبلاد، وفي تحجيم دور المؤسسات وإفشال مفعوليتها، فهزيمة الديمقراطية لا تتمثل فقط في تمييع وتزوير العمليات الانتخابية، ولكنها بالأساس تتمثل في تمييع الفضاء السياسي برمته، حيث فقد مصداقيته، ودوره في التربية والتأطير والمشاركة.

إنه من سوء الأمراض التي أصابت الديمقراطية المغربية، تلك "السلبية" التي طبعت الاستحقاقات الانتخابية في العديد من مراحل تاريخ المغرب السياسي، والتي أدت إلى "تشكيل" مجالس بلدية وقروية وغرف مهنية، وبرلمانات تفتقر إلى القوة الاقتراحية، وعاجزة عن الإنتاجية والابتكار والحماس، لا تتحلى بالكفاءة، عاجزة عن التأثير، وعن التعبير عن إرادة الجماهير، وعن تحريك عجلة التنمية والتقدم، رغم إقرار العديد من القوانين التنظيمية التي تحدد إطار عملها وتفعيلها، رغم توسيع إختصاصاتها وتطوير آلياتها. وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، سنة بعد أخرى، وانتخابات بعد أخرى.

ولا شك أن " السلبية" التي تسلطت على المسلسلات الانتخابية في المغرب منذ مطلع الستينات إلى اليوم، لا تتجلى فقط في وصول طبقة من الانتهازيين إلى مراكز المسؤولية والى المؤسسات المنتخبة بسبب شراء ذمم الفقراء بالمال الحرام وبدعم من " السلطات"، ولكنها تتجلى أكثر في ابتعاد الجماهير عن المشاركة وفي عدم تأطيرها بشكل صحيح من طرف الأحزاب والحركات السياسية، وهو ما أدى دائما إلى نتائج عكسية مدمرة للديمقراطية، وللانتخابات وللمجتمع بكافة شرائحه وفصائله.

وعلى امتداد أربعة عقود "انتخابية"، اتخذت هذه "السلبية" شكلا مرضيا واحدا، يتجلى في الغش والتزوير والارتشاء وتدخل السلطة، وهو ما أصبح يعرف لدى الإعلام، ولدى العامة من المواطنين"بالفساد الانتخابي" والفساد، فعل ضد البشرية قديم قدم التاريخ وقدم الإنسان، أباد حضارات ومذاهب وأفكار وعقائد وسلوكات وتقاليد وعادات، وبسببه اندلعت حروب وأزهقت أرواح بشرية، وبسببه أيضا انهارت أنظمة وقامت أخرى.
والفساد يعني في المفاهيم الشعبية المتداولة، افتقاد الطهارة، وفي المفاهيم السياسية، يعني الاستخفاف بالمسؤولية، ومصادرة الرأي وخيانة الأمانة، وطعن الجماهير / الأمة في ظهرها، والتلاعب بمصالحها وقيمها.
والفساد في واقع الحياة، يصعب حصره وضبطه بدقة، فهو ينسحب على مجالات الحياة كلها، فهو عالق بالسياسة والاقتصاد والمجتمع والأخلاق، لأجل ذلك أصبح الفساد هو القضية الأكثر تهديدا للأنظمة والشعوب على السواء.
ومفهوم الفساد في القواميس اللغوية والمتون الفلسفية والسياسية، يختلف من ثقافة لأخرى، ومن فئة لأخرى، ومن زمن لآخر،لكنه مع " الاختلاف المفاهيمي"، يبقى الفساد هو فعل ضد الإصلاح وضد الأخلاق وضد الشرائع الدينية / السماوية وضد القيم الإنسانية.

وعن أسباب الفساد وأصوله، تتفق العديد من البحوث الأكاديمية، على أن " السلطة السياسية" في عالمنا اليوم، هي أصل وهوية الفساد، تعلل ذلك بالقرارات والتصرفات السياسية، للعديد من "قادة" الأرض، التي أدت الى تخريب المجتمعات وقيمها، والى إشاعة التسفل بين الشرائح والفئات...

فالسياسة لا تنحصر آثارها في المجال السياسي، بل تمتد إلى الأفراد والمجتمعات والقطاعات، خاصة وان فاعليتها في كل الأمم والشعوب، تعتمد على "النخبة" التي تعمل على توزيع المصالح والمسؤوليات، المتحكمة في المجتمع والقيم والأخلاق، وفي الأموال والرقاب، وهو ما يجعل " الفساد" ابنا شرعيا للسياسة ولنخبتها.
وبتجربة الشعوب التي نخرها سوس الفساد (ولنا في الوطن العربي بعض أصنافها)، فإن النخبة السياسية "المخدومة" والتي تصل السلطة خارج المشروعية، بواسطة انتخابات مزورة، أو في ظل ديمقراطية مغشوشة، تعطي الفساد قدرة على التوالد والتنامي والتجديد... وتعمل على تزويده" بالآليات" التي تمكنه من فرض نفسه على البلاد والعباد ليلقي بظلاله على مصالح الناس، أينما وجدوا وكيفما كانت حالتهم الاجتماعية والمالية والثقافية.

وبحكم العلاقات التي تفرضها على نخبتها تصبح"المصالح" بين أفراد هذه النخبة خارج الشرعية والقانون، فعلى يد هذه النخبة أهدرت قيم القانون في العديد من بلدان العالم الثالث، وصودرت الحريات العامة، وغيبت الرقابة الشعبية، وألغيت مؤسسات المجتمع المدني في العديد من أقطار الوطن العربي...لتصبح "السياسة" مصدرا أساسا للفساد، في أصنافه ومستوياته المختلفة.
إن اتساع الأدوار السياسية والاقتصادية والمالية للفاعلين السياسيين، أدى في أقطار عديدة من العالم، إلى اتساع موازي" لمنظومة الفساد..." وبالتالي أدى إلى انهيارات اقتصادية وأخلاقية، ما زالت حديث الساعة وحديث الناس في الأرض.
ولقد كشفت العديد من الدراسات الأكاديمية، أن الفساد الانتخابي / السياسي / الإداري / المالي، هو فساد مترابط ومتداخل مع ظواهر الإجرام الأخرى، المتصلة بالمجتمع ومؤسساته المختلفة. وكشفت هذه الدراسات، أنه بسبب التراكم، أصبح للفساد في العالمين المتقدم والمتخلف على السواء، تقاليده ومؤسساته وسلطاته، لتصبح مكافحته صعبة ومستحيلة في العديد من الدول، غذ بلغ اليأس حدا جعل العديد من الناس يسلمون بأن المكافحة، لن تكون سوى ضرب من العبث، أو ربما كانت كالاعتراض على قوانين الطبيعة، بعدما أصبح الاعتياد على الفساد سنة أو نهجا في العيش وفي المعاملات والخدمات، وفي السياسات له القدرة أكثر مما للقوانين التي تكافحه أو تنهي عنه.

والفساد الانتخابي "كفصيلة من منظومة الفساد" ليس مرضا ظرفيا، فهو جزء لا يتجزأ من "الفساد العام" الذي استسرى واستفحل في دواليب المؤسسات المنتخبة، والإدارة العمومية والقطاعات الاقتصادية...وكل المجالات الحيوية الاخرى بالبلاد، لفترة طويلة من التاريخ.
لقد توفرت للفساد الانتخابي (بالمغرب) بمكوناته : الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ والزبونية خلال العقود الماضية، كل إمكانات الاتساع والاقتدار والنمو، وكل فرص البقاء والاستمرار والتطور والامتداد، حتى إذا وصلت هذه الفترة من تاريخ المغرب السياسي، وجدناه حاضرا بقوة وكثافة على جدارية الديمقراطية. على البطائق الانتخابية. وعلى صناديق الاقتراع. وعلى الفائزين في الاقتراعات المختلفة، يفعل فيها ما يريد، يوجهها حسب هواه وإرادته.
عندما استقبل المغرب القرن الواحد والعشرين، كان المغاربة قد "انتخبوا" خمسة برلمانات (1963-1997) وصوتوا على خمسة دساتير، وخاضوا عددا من الاستفتاءات التي كان محورها تعديل الدستور، ولكن مع ذلك لم تكن النتيجة-كما نرى- في فصول هذه الإضاءة – باعثة على الفخر والارتياح إلا أنها كانت هامة لثقافة الشعب المغربي السياسية، وهامة لتسييس فئات واسعة من المواطنين ولتأطيرهم ولبلورة طموحاتهم الديمقراطية والحقوقية، رغم التشوهات التي لحقت بالعمليات الانتخابية ورغم تراجع دور الأحزاب والمؤسسات السياسية، مما يجعل الشفافية والموضوعية والمصداقية تحديات كبيرة وقوية يواجهها المغرب الجديد في عهده الجديد.
وبعيدا عن حالات الفساد التي عمت الانتخابات المغربية، خلال القرن الذي مضى، يجب التأكيد على أن التجارب الانتخابية في المغرب، ظلت على عادتها،(تمييع الخريطة السياسية / عزوف الناخبين / تدخل الرشوة والمال والتجاوزات الإدارية)، واحدة من أبرز الخصوصيات التي انطبع بها المغرب دون العديد من الدول العربية والإسلامية، ودول أخرى عديدة من العالم الثالث، وهي إقرار التعددية في دساتيره المختلفة، وأن هذه التجارب ظلت من سنة 1963 إلى اليوم، تعبر – بشكل أو بآخر- عن علاقة القوة بالفاعلين السياسيين، وعن النهج السياسي المتنامي لدى شرائح واسعة من المواطنين، خاصة الشباب الذين أصبحوا يحتلون مرتبة متقدمة في نمو المغرب الديمغرافي (52% في أواخر التسعينات) وعن نضج ثقافة حقوق الإنسان لدى هذه الشرائح.

من هذه الزاوية يمكننا أن ندرك بيسر وسهولة، الأسباب التي تجعل المجتمع المدني المغربي، يولي قضية الانتخابات في العهد المغربي الجديد كل هذه الأهمية، فهذه الانتخابات تأتي في زمن مغاير، إذ هي الأولى في عهد جلالة الملك محمد السادس، الذي حمل معه مبادرات كبيرة رسمت معالم النهج الديمقراطي المستقبلي، وهو ما يتطلب في نظر العديد من الفعاليات الحقوقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ضرورة التخلص من ترسبات الماضي، وتصحيح المفاهيم السياسية والدستورية المرتبطة بالعمل والآليات الانتخابية، وتطهير المسارات المؤدية إلى دولة الحق والقانون.

ولاشك أن الوصول إلى هذا الهدف، لا يتطلب فقط إعادة النظر في "الإشكالية الانتخابية بالبلاد" وما يرتبط بها من إشكالات تتعلق بتأسيس الأحزاب وتنظيمها ودمقرطتها، وبالمدونة الانتخابية وقوانينها التنظيمية الزجرية والرقابية، وإنما يتطلب إضافة إلى ذلك تعزيز الضمانات الإدارية المرتبطة برفع وسائل الضغط على الناخبين وشراء ضمائرهم، تعزيز لجان الرقابة، وتشديد العقوبات على المنتهكين للقوانين الانتخابية وهو ما يتطلب وضع خطة وطنية محكمة، بمشاركة كل الأطراف السياسية المسؤولة دستوريا عن المساهمة في تأطير المواطنين، وفي مقدمتها الأحزاب السياسية التي تمثل أداة سياسية لكل نظام ديمقراطي.

وإذا كان الشعب المغربي، ممثلا في قيادته وأحزابه ومؤسساته يسعى إلى أن تكون انتخابات "العهد الجديد" نقطة تحول في التاريخ المغربي، فإن نخبه التقدمية والديمقراطية، ترى قبل الوصول إلى هذا الهدف، مباشرة العمل على تخليق الحياة السياسية وتجاوز الأساليب اللاأخلاقية التي تمت بها الاستحقاقات الماضية. وقد لا يكون الأمر يسيرا بفعل التراكمات والوقائع السلبية التي انطبعت بها الحياة السياسية طيلة العقود الأربعة الماضية، حيث ساهمت الإدارة وبعض المنظمات الحزبية في تمييع العمل الانتخابي والمس بمصداقيته.

هل يعني ذلك أن الوقت قد حان لتصحيح المسار الانتخابي، ومن خلاله المسار المؤسساتي في البلاد...؟
هل يعني ذلك أن الوقت قد حان لتغيير السلطة / الدولة. والأحزاب السياسية واللوبيات، نظرتها إلى المسألة الانتخابية، والمسألة الديمقراطية عموما...؟


محمد أديب السلاوي 

الاثنين، 3 فبراير 2020

محمد أديب السلاوي

التنمية والتخلف، ماهي شروط الحوار بينهما... ؟

في كل مكان وفي كل زمان، يحتاج الإنسان دائما وباستمرار إلى التنمية، تنمية قدراته ليتمكن من القيام بواجباته، بأنشطته وأعماله، وليتمكن من توسيع خبراته، وهو ما يجعل شروط "التنمية" ضرورة لا غنى عنها على كافة الأصعدة، ليس فقط لأنها تنطلق من نظرية التطور الاجتماعي، ولكن لأنها أيضا تجعل الحياة مريحة وفعالة.
التنمية بهذا المعنى في المرجعيات العلمية، ليست فقط رافعة أساسية للتطور، ولكنها ابعد واكتر من ذلك هي العنصر الأساسي للاستقرار والتطور الشامل، تتخذ أشكالا مختلفة، لا تهدف فقط لرقي الوضع الإنساني، ولكنها تهدف أساسا إلى بناء الإنسان وفق ما تسعى إليه قيم النهضة والتقدم والحضارة.
التنمية بهذا المعنى أيضا، هي مخطط علمي/ اقتصادي/ ثقافي يهدف إلى إحداث تغيرات في الفرد والجماعة والتنظيم من حيت المعلومات والخبرات، ومن حيت الأداء وطرق العمل. إنها عملية شاملة / عملية تغيير ونقل المجتمع من وضع إلى آخر أحسن، تهدف إلى تنمية الموارد والإمكانات الداخلية للمجتمع.
مغربيا ، تواجه التنمية ،كما هو الشأن في الدول النامية إشكالات و معوقات متعددة، تواجه إحباطات التخلف الاقتصادي/ التخلف المعرفي/ الأمية / البطالة / انخفاض الدخل القومي / الزيادة السكانية خارج التخطيط /سيادة النفقات غير الاقتصادية./ أي تواجه احباطات التخلف.
ولان التنمية ترتبط في كل مكان وزمان بالاقتصاد والسياسة والثقافة، ترتبط أيضا بالتعليم والرعاية الصحية والحد من الفقر وبالمساواة بين الجنسين والتأهب للحوادث وتحسين الظروف المعيشية ودعم البنية التحتية والخروج من فخ التخلف وإعادة توزيع الثروة، إضافة إلى الاستقرار الداخلي والديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان، وجميعها تشكل الشروط الموضوعية لبناء التنمية. والخروج من حالة التخلف.
وفي رأي علماء التنمية، أن "التخلف" احد الحقول الواسعة التي تنفتح عليها التنمية في الدول المتخلفة، ذلك لان كل الجوانب التي تعالجها التنمية في هذه الدول يكون التخلف فصيلة أساسية في البحت والمعالجة والتنظير، وهو ما يعني أن التنمية هي العلاج الأسمى لكل ظواهر ومواضيع التخلف ولاشك أن العلاقة بين الحقلين(التنمية والتخلف) قيمة سوسيولوجية، من الصعب تفكيكهما أو تشريحهما خارج شروطهما الموضوعية، / التخلف هو اقتصادي، اجتماعي، ثقافي، سياسي، لذلك فان الوعي بالتخلف لا يتم إلا حينما تحدد الدول المتخلفة أهدافها البعيدة والقريبة من التنمية. أي تنمية تريد؟ ما هي الحدود التي تريدها بين التخلف والتقدم؟.
إن التنمية والتخلف في وضعهما العلمي، يعكسان بقوة الأداء الحضاري لأي مجتمع في لحظة تاريخية. التخلف يعكس العجز الذي يكبل المجتمعات، ومن تم يصبح البحت في مكامنه هو الطريق السليم نحو التنمية وآفاقها القريبة والبعيدة.
أفلا تنظرون.....؟



محمد أديب السلاوي

الجمعة، 3 يناير 2020

محمد اديب السلاوي

كلمات سياسية :
السلطة…
-1-
تحيل مفاهيم السلطةفي القواميس العربية إلى السلط والتسليط، أي إلى طويل اللسان. فالسلطة تستمد معناها (لغويا) من فصاحة اللسان وقوة الاقناع، كما تحيل إلى السلطان (موئل السلطة ومركزها) أي الحجة والبرهان، وكأن السلطة تقوم عليها بالإضافة إلى قيامها على التسلط([i]) والإكراه.
وفي القواميس الغربية، تعود كلمة السلطة إلى أصلها اللاتيني Potestas وتعني أهلية التصرف/ القدرة على حق التصرف لحساب الآخرين.
وفي معجم Oxford نجد تفسيرا وافيا لكلمة السلطة Power في كلمتين Ontrol Authority وتعني قوة من يوجد في الحكم على إعطاء الأوامر وإخضاع الآخرين واتخاذ الإجراءات.
أما في المفهوم الإسلامي، وعلى المستوى الديني، يختلف الأمر تماما، إذ ينكر العديد من الفقهاء وجود كلمة "سلطة" في الفقه الإسلامي/ ولكنهم في الغالب يؤيدون وجود نصبها، وجعلها أساسا تنظيميا للدولة، وفق أحكام الدين الإسلامي وأخلاقه.
إن السلطةعند العديد من فقهاء الشريعة، هي تطبيق حقوق الله في الأنفس والأموال وفي الأخلاق والتنظيم الاجتماعي، كما في جمع الزكوات والخراج وأحكام النفقة والميراث([ii]) لذلك تشترط السلطة في صاحبها، العمل بمبدأين: الأول أن تكون سلطة دينية في أحكامها مستندة في تنظيمها وتشريعيها إلى التصوير الاعتقادي الإسلامي، والثاني أن تكون محكومة بقيم الأخلاق الإسلامية.
وفي نظر العديد من الفقهاء وعلماء الشريعة، تكمن قوة "السلطة" في حيادها، ففي نظرهم يجب أن تبقى، في كل الظروف والأحوال، أداة محايدة، لا هي بالخير ولا هي بالشر، ولا توصف بذاتها من صفات التحسن، ولكنها تستخدم لقصد السبيلين في الشريعة الإسلامية([iii]).
وبناء على هذا المفهوم السهل والواضح والشفاف، حدد الفقهاء وعلماء الشريعة الإسلامية قواعد السلطة في خمسة شروط، تشمل تنظيم العلاقات بين الفرد والمجتمع والدولة وهي:
- المساواة بين أفراد المجتمع/ العدل بينهم/ تمتيعهم بكامل حقوقهم الإنسانية/ دعم تكافلهم الاجتماعي/ طاعة أفراد المجتمع (حمل الكافة على الطاعة بمقتضى النظر الشرعي).
وفي تفسير الفقهاء لهذه الشروط، تأكيد وإصرار على أن الإسلام يجعل من السلطة قوة (أحكام نظرية، أمر وطاعة) ولكنه يحددها بقواعد وضوابط تستمد أهميتها وقيمها من الأحكام الإسلامية، من القرآن والسنة التي تجعل المسلمين/ المواطنين سواسية أمام أحكام الشريعة، تنفذ الأحكام في الأغنياء والفقراء/ في الشرفاء والضعفاء، تطبق المساواة بين الرجل والمرأة، تحمي الدين والأخلاق، وتكفل العيش الكريم لكافة المواطنين، وتلزمهم بالطاعة فيما لا يحرمه الله في دينه الحنيف([iv]).
وفي المفاهيم الغربية للسلطة مقاربات متعددة، يعرفها ماكس فيبر، بأنها (الإمكانية المتاحة لأحد العناصر داخل علاقة اجتماعية معينة، يكون قادرا على توجيهها حسب مشيئته)، ويعرفها تالكوت بارسونز: بأنها (القدرة على القيام بوظائف مدنية أو سياسية، خدمة للنسق الاجتماعي، باعتبارها وحدة واحدة) وفي نفس الاتجاه، سار الكتاب الاجتماعيون والسياسيون والغربيون، مع إغناء مفهوم السلطة، من حيث وظائفها السياسية والقانونية والإدارية، أو من حيث مكوناتها وشرعيتها ومشروعيتها([v]).
وانطلاقا من هذه المفاهيم، توزعت أنظمة السلطة على ثلاث مستويات([vi]).
1- السلطة التقليدية: وتستمد نظمها من التاريخ القديم، تقوم على الاعتقاد بأن أحكامها متصلة بقوة شرعية نهائية ومطلقة، إذ يعتقد أصحابها بأنهم يمارسونها من خلال شرعيتهم التاريخية، وأنهم يعملون بنظم وأحكام تلزم متلقيها بالطاعة والولاء.
2- السلطة الكرزماتيكية: وترتبط نظمها بالمقدس الديني.
3- السلطة الشرعية العقلية: وتعتمد على الأنظمة والأحكام القانونية العامة القائمة على العقل والتوافق السياسي والاجتماعي.
وفي العصر الحديث تحولت السلطة في الفكر الغربي، إلى اصطلاح دستوري، يتوزع في كافة الأنظمة على ثلاث مستويات/ السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، يناط بكل واحدة منها (حسب نظام الحكم وطبيعته) مهمة من المهمات، تؤمن للدولة سيرها القانوني والسياسي.
أ/ السلطة التشريعية (ويمثلها البرلمان) يناط بها مهمة وضع القوانين في حدود إطارها الدستوري.
ب/ السلطة القضائيةويناط بها تفسير القوانين وتنفيذها، وتتمثل في القضاة وأعضاء النيابة ومعاوينهم من المحامين، ويشترط في أعضاء هذه الهيئة (بالدول الديمقراطية) استقلال أعضائها، من حيث اختيارهم أو عدم قابليتهم للعزل، وغيرها من العوامل التي قد تؤثر في تحقيق العدالة واستقلالها.
ج/ السلطة التنفيذية فتعرف في القوانين الدستورية بسلطة الحكومة (السلطة الإدارية) وهي الهيئة المنوط بها تنفيذ القوانين وعلى رأسها رئيس الدولة (الملك/ رئيس الجمهورية) الذي يمارس سلطاته بواسطة وزرائه: أصحاب السلطة الفعلية.
وقد دفع هذا التقسيم بعلماء السياسة في الغرب، تكريس الاهتمام بإشكالية السلطة من حيث شرعيتها ومن حيث تقسيماتها وعلاقة كل منها بالأخرى، واعتبر هؤلاء العلماء أن أهم تقسيم للسلطة هو التقسيم التخصصي، وضمانا لعدم التعسف، أصرت العلوم السياسية الغربية على أن تكون السلط منفصلة عن بعضها البعض، وعلى أن تكون كل أشكال السلطة، الأخرى تابعة لواحدة من هذه السلط.
ففي النظام البرلماني (الذي يستمد وجوده من مفاهيم الفكر الغربي)، تتكون السلطة التنفيذية من الوزير الأول والوزراء، يكون الوزير الأول رئيسا فعليا للوزراء الذين يضعون السياسة العامة للدولة، ويشرفون على تنفيذها، وقد أطلق الفقه الدستوري على هذا النموذج، السلطة التنفيذية الأحادية الرأس، بحيث يصير مفهوم السلطة التنفيذية مرادفا لمفهوم الحكومة، لا تشكل مرادفا للسلطة التنفيذيةالتي تضم إلى جانب الوزير الأول والوزراء ورئيس الجمهورية أو الملك، بحيث يصبح مفهوم الحكومة أضيق من مفهوم السلطة التنفيذية التي هي سلطة مزدوجة الرأس، لكن من الناحية الشكلية فقط، إذ وعلى الرغم من رئاسة الجمهورية أو الملك، للمجلس الوزاري، فإن تحديد وتوجيه السياسة العامة للدولة، يبقى من اختصاص الوزير الأول وحكومته (النموذج الفرنسي) أما في النظام الرئاسي فإن السلطة التنفيذية تختزل في شخص رئيس الجمهورية المنتخب في اقتراع عام، حيث يعين عند انتخابه مساعدين له يمسون كتاب الدولة، وليست لهم أية سلطات قرارية خارج توجهات وأوامر الرئيس.
وفي نظر فقهاء الغرب المعاصرين، أن السلطات بتوزيعها الثلاثي المتوزان (تشريعية وتنفيذية وقضائية) تحولت (في النهج الديمقراطي) إلى أنواع من القوة، تنظم جهود وواجبات الآخرين، من خلال القوانين والتشريعات والأوامر التي تصدرها باعتبارها سلطة شرعية، وهي بالمعنى الديمقراطي، تختلف (بطبيعة الحال) عن السيطرة القسرية أو الجبرية التي تلزم الأفراد على التكيف لمشيئتها من خلال استعمال العقاب، ذلك لأن "السلطة الشرعية" بالمعنى الديمقراطي، أصبحت تتأثر في فعاليتها بالأجهزة التي تعتمدها لتنفيذ شرعيتها، وفي تحقيق الأهداف التي تربطها بالمواطنين/ الأفراد الخاضعين لقوتها، وهو ما يفرض علاقات قوية متكافئة بين الطرفين.
-2-
في المغرب يختلف مفهوم "السلطة"، عن مفاهيمها في البلاد العربية الإسلامية، أو في البلاد الغربية، ذلك لأنها اختارت مفهومها المغاير الخاص، يطلق المغاربة عليها اسم "المخزن".
والمخزنكمفهوم لغوي، يعني المكان الذي يتم فيه الخزن (المستودع) وخزن الشيء، يعني الاحتكار له أو التفرد به.
ويرى بعض الباحثين في اللغة، أن "المخزن" مصطلح مشتق من فعل خزن، بمعنى جمع، وقد كان يشار به إلى ما كان يجمع في بيت المال من ضرائب وجبايات، إلا أن هذا التحديد اللغوي في نظر باحث مغربي في العلوم السياسية([vii]) لا يفي بالغرض ولا يقدم تحديدا كافيا عن "المخزن" المصطلح الذي يقدم في الواقع السياسي مرادفا لمفاهيم الدولة والسلطة والنظام مجتمعة.
ومنذ القدم احتل هذا المصطلح (المخزن) مساحة واسعة من الخطاب السياسي، وارتبط بمضامين التسلط/ الحكم خارج القانون/ العنف، ومع ذلك ظلت مفاهيمه تكتنز دلالات تاريخية وسياسية عديدة، لما يمثله من سلطة وطقوس وضوابط تقليدية ومحافظة، هي المصدر الطبيعي لإنتاج الخوف والهيبة والامتثال الدائم والترهيب.
لأجل ذلك، شكل "المخزن" مصطلحا وسلوكا وقضية، محورا للعديد من الكتابات والدراسات، التي تناولته من مختلف جوانبه التاريخية والقانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وارتهن العديد منها على مستوى النتائج والاستخلاصات بزوايا المقاربة والانتماء المعرفي والثقافي والسياسي لأصحابها، وهو ما سنحاول الاقتراب منه في عجالة.
1/ في نظر موسوعة الإسلام: المخزن مفهوم اشتق من فعل خزن (أخفى وحفظ) وكان يشير عند الممالك العربية القديمة، إلى الصندوق الذي احتفظ بداخله الأمراء بالضرائب التي توجه إلى خليفة بغداد، تم تحولت فيما بعد وأصبحت مرادفا للخزينة.
أما البيت "دار المخزن" فهو الذي تجمع فيه الأموال، فكان "البيت" يعني السلطة المركزية، وأضحى أداة للإشارة إلى البيوقراطية.
2/ في نظر الأستاذ عبد الله العروسي: (في كتابه الآليات الاجتماعية والثقافية الوطنية) فإن المخزن هو تلك النخبة التي تشارك في بيعة الملك واختياره وتنفيذ قرارته، وهو كل الأفراد الذين يحصلون على أجورهم من خزينة السلطان.
3/ أما في نظر الأستاذ عبد الكبير الخطيبي: (في كتابه التناوب والأحزاب السياسية) فإن المخزن هو نظام للسلطة والتحكم، متجدر في البيئة الاجتماعية وهرمها، وهو ثقافة وسلوك وقواعد للعلاقات والتحالفات السياسية والاجتماعية وأشياء كثيرة أخرى.
4/ وفي نظر الحقوقي المغربي الأستاذ فؤاد عبد المومني: (في حوار معه) أن المخزن يرمز أيضا إلى احتكار واسع للسلط المادية والرمزية، وإلى هيكلة فضائها العام في محيط السلطة المركزية، وإلى ترتيب الفضاءات الاقتصادية على مدى قربها منه ومن مركزه ومحيطه.
5/ وفي نظر رجل السلطة العريق والمتجدر في "المخزنية" الصدر الأعظم على عهد السلطان المولى عبد العزيز، أحمد بن موسى المدعو (باحماد) أن المخزن خيمة كبيرة، عمودها المحوري وصاريتها التي ترفعها، هو السلطان وأوتادها التي تحيط بها وتشد جوانبها حتى لا تقلعها الرياح هم القياد/ رجال السلطة([viii]).
-3-
وحسب مراجع التاريخ المغربي، الحديثة والمعاصرة فإن نظام المخزن يعود إلى عمق التاريخ الإسلامي في المغرب، تاريخ الدولة الإدريسية، حيث كان الولاة/ رجال السلطة، يجسدون إدارة المخزن وما يخضع لسلطاتهم من موظفين، يعملون تحت سلطة النواب العاملين لأمير المومنين ويخضعون لتعليماتهم وتوجيهاتهم([ix]) وهو المفهوم نفسه الذي ما زال قائما بالمملكة المغربية حتى الآن...
فالمخزنهو الإدارة التي يباشر بها ومن خلالها سلاطين المغرب أمور الحكم، وهو المؤسسة التي تلتقي عندها مختلف مستويات الحكم، من عسكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية، فكان المخزن بهذا المعنى هو الآلية التي تجسد عبرها الحكم الشمولي لسلطان المغرب، ولم تتغير مجموعة من الآليات المؤسساتية، التي تتحول إلى شبكات للمراقبة ولربط علاقاته بالمحيط، ونعني بها شبكة الولاة والعمال والباشوات القياد والمقدمين، وجميعهم يجسدون شرعية المخزن وسلطاته ووظائفه.
المخزنكما سبقت الإشارة، هو فئة من الموظفين، يشرفون على الشؤون العامة بالحواضر والبوادي وجميعهم يستمدون سلطاتهم من سلطات السلطان، فنظام الملكية المغربية في وضعيته التاريخية، يسمو على مؤسسة أو بنية "المخزن"، كما يسمو ويعلو على جميع المظاهر والرموز التي تشكل مقومات المجتمع المغربي، وذلك من حيث تركيبته السياسية والسيوسيو-ثقافية، أو من حيث تركيبته الروحية، فهو يعكس جميع مكونات الدولة، كما تنعكس تلك المكونات في أنظمته، الأمر الذي أعطى دولة المخزنطابعا فريدا ومتميزا على مستوى الممارسة، كما على مستوى مظاهر وتجليات المجتمع المغربي ككل.
السلطةفي المفهوم "المخزني" تطال العام والخاص، بما في ذلك مفهوم الدولة ذاتها، إذ ينصرف المعنى المشاع في الرأي العام حول "المخزن"/ سلطة الدولة على كل الأجهزة والآليات، فحيثما توجد الدولة يوجد المخزن، والعكس بالعكس.
-4-
في نظر العديد من الباحثين والدارسين والفقهاء والمؤرخين، أن الذي صنع حقيقة السلطة، عبر التاريخ، تلك الروابط التي توجد بين المؤسسات السياسية والإدارية والعسكرية والصناعية، وأن السلطة، كانت وما تزال هي الطبقة القائدة لكل عصر من العصور، فهي (أي السلطة) نخبة قليلة، ولكنها قائدة ومؤثرة، في مواجهة الجماهير، أقلية تختصر التاريخ إلى صراع بينها وبين النخب الأخرى للبقاء أو للوصول إلى السلطة([x])، وإلى أهدافها البعيدة.
ونستخلص من شهادات بعض الباحثين حول السلطة في المجتمع المغربي عامة وفي الوسط القروي المغربي على الخصوص، أنها باستمرار، قامت على أساسين:
- التنظيم الاجتماعي
- الأعراف
فهي في نظرهم تركزت على الجذور القبلية والعائلية (القروية والمدنية) كرموز للارتقاء الاجتماعي، من هذه الجذور استمدت مفاهيمها ومارستها، كما استمدتها من الأعراف المتبعة، حيث تعتبر نفسها سلطة مكتملة الأبعاد والصلاحيات، إنها في العرف القبلي كما في الأعراف المدينية استمدت نفسها دائما من نهج العشيرة أو الأسرة، قدسيتها تتأكد من العلاقة التي تجمع المجتمع (القروي أو المجتمع الحضري) بالحاكم: إجلال وخضوع كامل وغير مبرر عقليا، ذلك لأن الخوف الذي يمتلك المواطن الفقير/ الأمي/ المهمش/ الجاهل بالقانون، في حالة عدم الطاعة، يرتقي إلى التعرض للانتهاك، ليصبح التداخل السياسي والمقدس غير قابل للجدل...
هكذا تبدو السلطة في المفهوم المخزني، ذات شخصية مستقلة لم تخضع ولم تتأثر بالمفاهيم الأخرى، سواء ذات المرجعية الإسلامية، أو ذات المرجعية الغربية. فهي ذات نسق خاص، ظل ثاتبا في آليته ومكوناته لعقود طويلة من الزمن المغربي، إلى أن حملت رياح القرن العشرين مفاهيم أخرى على يد الإدارة الاستعمارية، أو على يد إدارة عهد الاستقلال حيث وقع تعديل بعض القوانين المتصلة بالسلطة المخزنية، دون المساس بجوهرها، وهو ما جعل سلطة المخزن تبقى مستمرة، محافظة على مفاهيمها إلى اليوم.
[i]  - إبراهيم أبراش/ من مستجدات الحياة السياسية بالمغرب.
[ii]  - إبراهيم محمد زين/ السلطة في فكر المسلمين (الدار السودانية للكتب/ الخرطوم 1983)
[iii]  - إبراهيم محمد زين/ السابق الذكر
[iv]  - إبراهيم محمد زين/ السابق الذكر
[v]  - إبراهيم محمد زين/ السابق الذكر
[vi]  - دلكن ميشيل/ معجم علم الاجتماع (ترجمة الدكتور إحسان محيي الدين) منشورات وزارة الثقافة والإعلام/ بغداد 1980.
[vii]  - عادل بن حمزة/ المخزن والمؤسسات الاجتماعية (جريدة العلم/ 28 فبراير 2001 ص: 7)
[viii]  - خطاب للصدر الأعظم أحمد بن موسى (باحماد) نقله الأستاذ الحسين اللحية في مقالة السلطان الذي يحكم على صهوة الجواد/ جريدة الصحفية (عدد 57/15 مارس 2002)
[ix]  - العامل الرأي الجديد القديم للسلطة (جريدة المنظمة 28 نونبر 1999)
[x]  - يونس دافقير/ رجالات السلطة المحلية بالمغرب (جريدة المنظمة/ 28 نونبر 1999)


الخميس، 19 ديسمبر 2019

محمد اديب السلاوي

ماهي مفاهيم وقيم التنمية التي نسعى إليها...؟ .

حتى الآن، وبعد ستة عقود من حصوله على استقلاله، يدرك المغرب انه مازال خارج أوفاق وشروط وقيم التنمية، حيت ظلت اختياراته التنموية، معرضة باستمرار لفشل السياسات الحكومية، لأسباب متعددة، منها ما يتعلق بتوجهات الابناك الدولية المانحة، ومنها ما يتعلق بالتوجهات الامبريالية التي ظلت تدفع المغرب المستقل نحو التبعية والانغلاق والإبقاء على الهشاشة والتخلف العميق.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم على المغرب الراهن، بعدما تم تأسيس لجنة موسعة من الخبراء والمثقفين والمهتمين لإعداد نموذج تنموى لائق بالبلاد والعباد، ما هي "التنمية" التي يسعى إليها المغرب الراهن / مغرب عصر العولمة / مغرب عصر التكنولوجية / مغرب الألفية الثالثة...؟
التنمية في قواميس اللغة العربية، المختلفة هي: النماء، والزيادة والإكثار، وهي كلمات في نظر علماء اللغة تعبر عن نفسها بنفسها، ولا تحتاج إلى شرح أو تفسير.
والتنمية في اللغة الإنجليزية، يختلف مفهومها عن اللغة العربية، حيث يشتق لفظ التنمية من "نمى" بمعنى الزيادة والانتشار، أما لفظ "النمو" من "نما" ينمو فإنه يعني الزيادة ومنه ينمو نموا، وإذا كان لفظ النمو أقرب إلى الاشتقاق العربي الصحيح، فإن إطلاق هذا اللفظ على المفهوم الأوروبي يشوه اللفظ العربي. فالنماء يعني أن الشيء يزيد حالا بعد حال من نفسه، لا بالإضافة إليه. وطبقا لهذه الدلالات لمفهوم التنمية فإنه لا يعد مطابقا للمفهوم الإنجليزي developmentالذي يعني التغيير الجذري للنظام القائم واستبداله بنظام آخر أكثر كفاءة وقدرة على تحقيق الأهداف، وذلك وفق رؤية المخطط الاقتصادي في البلدان الصناعية وليس وفق رؤية جماهير الشعب أووفق مصالحها الوطنية بالضرورة.
وفي الفكر الإسلامي، تعبر التنمية عن الريادة المرتبطة بمفهوم الزكاة، الذي يعني لغة واصطلاحا الزيادة والنماء الممزوجة بالبركة والطهارة، ويسمى الإخراج من المال زكاة وهو نقص منه ماديا بمعايير الاقتصاد، في حين ينمو بالبركة، وهو ما يختلف لغة وموضوعا، مع مفهوم التنمية development ذو البعد الدنيوي، الذي يقاس في المجتمعات الغربية بمؤشرات اقتصادية مادية في مجملها.
وفي الفكر الأوروبي، التنمية هي العلم حين يصبح ثقافة، والثقافة كاللغة والعادات والتقاليد والمعتقدات، هي تؤطر التفكير والسلوك الإنساني الواعي، لتصبح عملية تنموية. ولا يمكن ان يحدث ذلك خارج شروطه الموضوعية، وأهمها البحث العلمي، الذي يجعل من التنمية قاعدة في سياسات الدولة الديمقراطية، لا استثناء.
في الدراسات الأكاديمية، يعود هذا المصطلح/ التنمية، إلى الاقتصادي البريطاني البارز آدم سميت في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، وحاليا يعد هذا المصطلح، من أهم المفاهيم التي طبعت الحياة السياسية والاقتصادية في العالم، خلال القرن الماضي بعدما ارتبط بعملية تأسيس نظم اقتصادية واجتماعية وسياسية جديدة، متماسكة، ومترابطة مع العديد من المفاهيم الأخرى، في مقدمتها مفاهيم التخطيط والانتاج والتقدم.
هكذا ارتبط مفهوم التنمية في العصر الحديث، بالعديد من الحقول المعرفية، ليحتل في الدراسات الأكاديمية، كما في الإعلام والعلوم الاجتماعية والسياسية مساحة واسعة، ترتبط أساسا بالفاعلية الاقتصادية/ السياسية/ الثقافية في الدول النامية كما في التي هي في طريق النمو.
وهذه أهم مفاهيم هذا المصطلح/ التنمية، من خلال أقطابها.
1/ التنمية السياسية،وتعرف بأنها عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب، غايته إيجاد نظم تعددية على شاكلة النظم الأوروبية، تحقق النمو الاقتصادي والمشاركة الانتخابية والمنافسة السياسية، وترسيخ مفاهيم الوطنية والسيادة والولاء للدولة القومية.
وتعرف التنمية السياسية/ بأنها عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب، غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية، ويقصد بهذا المستوى، إيجاد نظم تعددية على شاكلة النظم الأوروبية، التي تحقق النمو الاقتصادي بالآليات الديمقراطية.
2/ التنمية البشرية هي اعتبار الإنسان محور كل عمل تنموي، وتربية الإنسان على معرفة ذاته؛ معرفة حدوده وممكناته، وتربيته على تنمية مهاراته الذاتية، وتربيته على الخلق، والإبداع، والحرية، ومقومات الكرامة الإنسانية.
ويعد مفهوم التنمية البشرية حسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"  بأنها  توسيع  الخيارات  المتاحة لجميع الناس في المجتمع. ويعني ذلك أن تتركز عملية التنمية على الرجال والنساء وبخاصة الفقراء والفئات الضعيفة. كما يعني "حماية فرص الحياة للأجيال المقبلة... والنظم الطبيعية التي تعتمد عليها الحياة" (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لعام 1996). وذلك يجعل الهدف المحوري للتنمية البشرية  يتمثل في خلق بيئة يمكن أن يتمتع فيها الجميع بحياة طويلة و صحية و مبدعة.
ومن أبرز الاستنتاجات والملاحظات التي تسجلها التقارير الدولية عن القصور الكمي للأداء التنموي (التنمية البشرية) في الدول المتخلفة.
- ارتفاع الإعالة والبطالة في أغلب الدول السائرة في طريق النمو.
- الارتفاع الكبير في نسبة الأمية بين الكبار في هذه الدول.
- تخلف سياسات التعليم العالي بها.
- تدني الانفاق في مجال الرعاية الصحية بها.
- جمود أداء الصناعة التحويلية بها.
- ارتفاع الخلل في ميزانها الغذائي بين الانتاج والاستهلاك
- استمرار الحجم المرتفع (المطلق والنسبي) لإنفاقها العسكري
- التدني المطلق للبحث العلمي بها.
- ارتفاع مديونيتها الخارجية
3/ التنمية الثقافية، وتسعى لرفع مستوى الثقافة في المجتمع وترقية الإنسان، وتطوير تفاعلاته المجتمعية بين أطراف المجتمع: الفرد، الجماعة، المؤسسات الاجتماعية المختلفة، المنظمات الأهلية. وجعل الثقافة فاعلا أساسيا في حياة الأمة.
4/ التنمية الاقتصادية، ويقصد بها دفع الانتاج في الدولة بشتى صوره للرفع من المستوى المعيشي لمجموع السكان، فهي تعني تحقيق زيادة ملحوظة في الدخل القومي، وفي نصيب كل فرد من أفراد الشعب.
ويستخدم مفهوم التنمية  Developmentفي علم الاقتصاد من طرف الخبراء للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده، ليصبح المجتمع قادرا على الاستجابة للحاجات الأساسية والحاجات المتزايدة لأعضائه؛ بالصورة التي تكفل زيادة درجات إشباع تلك الحاجات عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، وحسن توزيع عائد ذلك الاستغلال.
5/ التنمية المستدامة، وبرز هذا المصطلح خلال ثمانينيات القرن الماضي في الكتابات المعنية بمشاكل البيئة وعلاقتها بالتنمية ، وقد كان تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية الذي نشر عام 1987 تحت عنوان "مستقبلنا المشترك" أول من قدم تعريفا لمصطلح التنمية المستدامة على أنها فى أبسط صورها تتمثل فى "تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة على الحياة والبقاء"، ويعني ذلك، التوزيع المناسب والعادل للموارد، والحقوق والثروات بين الأفراد على مر الزمن، والمساواة المتبادلة بين الأجيال المختلفة وبين أفراد الجيل الواحد، ويرتكز مفهوم المساواة بين الأجيال على فرضية أنه على الجيل الحاضر التأكد من الحفاظ على العوامل اللازمة لضمان جودة الأحوال الصحية والتنوع البيولوجي وإنتاجية الموارد الطبيعية أو زيادتها لمصلحة الأجيال القادمة.
وفي القواميس الاقتصادية الحديثة، يشير مصطلح التنمية المستدامةإلى التنمية (الاقتصادية والبيئية، والاجتماعية) والتي تُلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة. والتنمية المستدامة ليست حالة ثابتة من الانسجام، وإنما هي عملية تغيير وإستغلال الموارد، وتوجيه الاستثمارات، واتجاه التطور التكنولوجي، والتغييرات المؤسسية التي تتماشى مع الاحتياجات المستقبلية فضلاً عن الاحتياجات الحالية.
ورغبة من بعض الخبراء المختصين في جعل مفهوم التنمية المستدامة أقرب إلى التحديد، وضعوا تعريفا ضيقا لهذا المفهوم، ينصب على الجوانب المادية للتنمية المستدامة. ويؤكد هؤلاء الخبراء على ضرورة استخدام الموارد الطبيعية المتجددة بطريقة لا تؤدي إلى فنائها أو تدهورها، أو تؤدي إلى تناقص جدواها "المتجددة" بالنسبة للأجيال المقبلة. وذلك مع المحافظة على رصيد ثابت بطريقة فعالة أو غير متناقضة مع الموارد الطبيعية، مثل التربة والمياه الجوفية والكتلة البيولوجية.
لذلك، تركز بعض التعريفات الاقتصادية للتنمية المستدامة على الإدارة المثلى للموارد الطبيعية، والتركيز على "الحصول على الحد الأقصى من منافع التنمية الاقتصادية، بشرط المحافظة على خدمات الموارد الطبيعية ونوعيتها".
ومع أن هذه التعريفات المفاهيمية تخلط بين التنمية الاقتصادية Le développement  والنمو الاقتصاديLa croissance ؛حيث يتم النظر إلى  هذا الأخير، على أنه ضروري للقضاء على الفقر وتوليد الموارد اللازمة للتنمية  وبالتالي للحيلولة دون مزيد من التدهور في البيئة. فإن قضية التنمية المستدامة ستظل قضية نوعية للنمو وكيفية توزيع منافعه، وليس مجرد عملية توسع اقتصادي لا تستفيد منه سوى أقلية من الملاكين الرأسماليين. فالتنمية المستدامة تتضمن مفاهيمها، تنمية بشرية وبيئية شاملة والعمل على محاربة الفقر عبر إعادة توزيع الثروة.
هكذا، وبعد أن انتهت المؤسسات الأكاديمية من صياغة المفاهيم العلمية الاقتصادية والسياسية والثقافية للتنمية في مطلع القرن الماضي، دفع المنتظم الدولي إلى بحث سبل تكريس هذه المفاهيم وجعلها حقا إنسانيا ثابتا في المواثيق الأممية، فأنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي بهيئة الأمم المتحدة في عام 1981 فريقا عاملا من الخبراء الحكوميين معنيا بالحق في التنمية، أوعز إليه بدراسة نطاق ومضمون الحق في التنمية، وأنجح السبل والوسائل لتحقيقها في جميع البلدان كحق من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وطلب من هذا الفريق أن يولي اهتماما خاصا للمعيقات التي تواجهها البلدان "النامية" في سعيها لتأمين التمتع بحقوق الإنسان.
وفي الفترة ما بين سنة 1981 وسنة 1984، صاغ فريق العمل الأممي، نصوصا للإعلان عن الحق في التنمية، وهي نفسها التي اعتمدتها الجمعية العامة للأم المتحدة في 4 دجنبر 1986 وعهدت إلى لجنة حقوق الإنسان بمهمة دراسة التدابير اللازمة لتعزيز الحق في التنمية.
وكان إعلان الحق في التنمية يشكل في العقد الأخير من القرن الماضي، قفزة نوعية في اتجاه تعزيز وتشجيع احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين.
فديباجة هذا الإعلان، تنص بأن التنمية عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفي التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها.
فالتنمية كحق من حقوق الإنسان في مفهوم هذا الإعلان، هي أمر يتخطى بكثير الزيادات المستمرة في المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، فالتنمية مفهوم متعدد الوجوه يشمل البشر ككل، إناثا وذكورا على السواء، في جميع الجوانب المتعلقة بالحقوق الأساسية، سواء كانت هذه الحقوق اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية.
وخارج كل الجهود السياسية والعلمية التي بذلت في القرن الماضي، من أجل بلورة مفاهيم التنمية على الأرض، سيظل مصطلح التنمية، مصطلحا نابعا من أوضاع الدول المختلفة، والتي هي في طريق النمو.
تقول مصادر التاريخ السياسي للعالم الحديث، أن التنمية، بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت مصطلحا ومفهوما يرتبط بالسياسيات الاقتصادية في الدول السائرة في طريق النمو، على اعتبار أنها تهدف إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي إلى جانب الاستقلال السياسي لهذه الدول، فالتحرر من التبعية الاقتصادية في نظر علماء التنمية، لا يتحقق إلا بتنمية جميع مصادر الدخل في الدولة النامية، بعد دراسة وتخطيط شامل في حدود الإمكانات المتاحة لها، أو القضاء على عوامل الإعاقة برفع المستوى الثقافي، ومتابعة التقدم التكنولوجي، أو الحد من النمو السكاني، والحد من الإسراف أو الكشف عن مصادر الثروات الموجودة في البلاد.
لذلك حولت المنظمات السياسية والاقتصادية، والبنوك والمؤسسات الاستثمارية الدولية، هذا المصطلح/ التنمية، إلى حق من حقوق الإنسان، وبالتالي إلى سياسة تلجأ إليها الدول النامية لكي تتخلص من التبعية الاقتصادية للأجنبي، وتتحول إلى الإنتاج الصناعي، من مؤشراتها ارتفاع مستوى الإستهلاك الفردي، وتوزيع اليد العاملة على كافة القطاعات الاقتصادية، ونمو القطاع الصناعي، تحسين قطاع الخدمات والمواصلات، وتراكم رأس المال، وتدريب التقنيين والأجهزة الإدارية، على المخططات الإنمائية، وازدياد حجم المشاريع الاقتصادية.
والتنمية على هذا المستوى يمكنها أن تؤدي إلى تنمية اجتماعية/ بشرية/ اقتصادية/ اجتماعية/ ثقافية شاملة، إلا أنها تتطلب توجيه مجمل الموارد المادية والبشرية نحو زيادة مجمل الإنتاج القومي، ونحو الرفع من إنتاج الفرد في المجتمع، وقبل ذلك وبعده، تتطلب هذه التنمية، التحول من الإنتاج البدائي الذي يعتمد على الزراعة والتعدين ورعاية الثروة الحيوانية، إلى الإنتاج الصناعي، دون التخلي عن هذا الصنف العتيق من الإنتاج، وهو ما يتطلب علميا التخطيط الاقتصادي السليم/ تكوين رؤوس أموال عينية بتشجيع الإدخار القومي/ متابعة التقدم التكنولوجي أو إقامة مراكز للتدريب متخصصة في التكنولوجيات الحديثة.

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

محمد أديب السلاوي

أسئلة مخيفة عن أوضاعنا المخيفة...



 ماذا يمكن أن يحدث ببلد متخلف، يعاني من الفساد المالي، ومن فساد الإدارة  ومن البطالة والفقر والأمية ومن الجفاف وشح المواد الغذائية وغلاء الأسعار وتدني الأجور... في ظل سياسات حكومية فاشلة ومتراجعة...؟ 
 ماذا يمكن أن يحدث ببلد يعاني من الفساد الحزبي/ الفساد الانتخابي/ الفساد المالي/ الفساد الاجتماعي، يعاني من شراسة الهاجس الأمني، ومن شراسة القرارات الفوقية. ومن تحديات المعطلين، ومن تردي الحريات العامة وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة...؟

 ماذا يمكن أن يحدث ببلد، يلتقي على أرضيته غضب الجياع، وغضب العاطلين، وغضب المأجورين، وغضب النقابات، وغضب الأطفال العاملين، وغضب أطفال الشوارع، وغضب التلاميذ المطرودين من المدارس، وفساد السياسات الحكومية، على صعيد واحد...؟
 ماذا يمكن أن يحدث إذا التقى كل ذلك بظروف دولية، اقتصادية، سياسية بالغة الصعوبة، يقترن فيها الجوع والتخلف وفساد السياسات في هذا القطر، بانتفاضات وثورات ذلك الآخر..؟

 لا أريد الإجابة عن هذه الأسئلة، ولا أسعى إليها، فذلك شأن المختصين. ولكن إشكالية الفساد المالي، وإشكالية الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار وتدني الأجور وتوسع دائرة الفقر والبطالة والتهميش، أصبحت تفرض نفسها على البلاد والعباد. وأصبحت تفرض على الصحفيين والكتاب والمفكرين والسياسيين والنقابين، الذين ينخرطون في المعارضة، والذين يملكون القرار، سؤالا واسعا، كيف التصدى لها، ولو من باب التذكير والاستئناس. 

 ومعروف أن مشكلة الغذاء وحدها، وبعيدا عن السلبيات المؤثرة الأخرى، كانت وما تزال تحظى بأهمية قصوى لدى جميع دول العالم، وزاد الاهتمام بها في العقود الأخيرة، بعد تأزم الموقف الغذائي العالمي، وتزايد الطلب على الغذاء والمنتجات الزراعية، في مناطق عديدة من الأرض. 

 فلم تعد هذه المشكلة، اقتصادية فقط، وإنما أصبحت إلى جانب قضايا الفساد، تشكل أبعادا أخرى، سياسية وأمنية في غاية الخطورة على الدول الفقيرة التي أصبحت بفعل السياسات الفاشلة المتعاقبة تستورد الغذاء من الدول التي أخذت تستعمل هذا الأخير سلاحا لا تصدره إلا بشروط مؤثرة، وهو ما يعني بوضوح أن الاعتماد على استيراد الغذاء يجعل الأمن القومي عرضة للخطر في أية لحظة ... وفي أي بلد.

 الغريب في الأمر، أن حكومات العديد من البلاد المتخلفة/ الفقيرة، جعلت في العقود الأخيرة، من الأمن الغذائي/ الاكتفاء الذاتي في التغذية، شعارا لسياساتها وبرامجها ومبادراتها. لأن الهدف من التنمية كان وما يزال في كل الأقطار والامصار، يتمحور  حول قضية الأمن الغذائي، لما لهذا القطاع من خطورة بالغة على ظاهرة الاستقرار السياسي داخليا وخارجيا، فهذا الأمن الذي يعني بوضوح، اكتساب القدرة الإنتاجية الذاتية القابلة للنمو والتطور تسمح للمواطن بمستوى معيشي لائق كريم، وتؤمن حاجاته من المواد الغذائية الضرورية، لا يقل أهمية عن الأمن العسكري، فكلاهما يحمي الوطن من الانهيار، ومن الاندثار، ومن السقوط .

 إن الأمن الغذائي، أصبح يكتسي أهمية قصوى في الظرفية المحلية/ الدولية الراهنة، ومن أجل تحقيقه وفق شروطه الموضوعية، كان لابد لبلد كالمغرب، ينتمي إلى منظومة العالم الثالث، من بناء إستراتيجية زراعية متطورة ومدروسة، تقوم على فهم عميق لأبعاد الأمن الغذائي وإشكالاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهذا الأمن يعني في المفاهيم ( السياسية/ الاجتماعية/ الاقتصادية ) تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، تأسيسا على قدرة المجتمع على تحقيق ذلك، بموارده وإمكاناته الذاتية، أي بقدرته على إنتاج كل احتياجاته الغذائية محليا. 
 و يشترط الأمن الغذائي في زمن العولمة، وتحرير التبادل التجاري، بجعله خيارا استراتيجيا لا تنازل عنه، مهما كلف ذلك من ثمن ومن تضحيات، لما له من علاقة بالأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. 

 وإذا كانت حكومات العالم الثالث، في النصف الثاني من القرن الماضي، قد رفعت شعار الأمن الغذائي، وأمضت أيامها بسلام، وانسحبت، لتترك مكانها لحكومات أخرى، تبدأ من جديد في رفعه واتخاذه خريطة طريق. فإن حكومات الألفية الثالثة، التي صادفت وضعية دولية مخالفة، لربما لسوء حظها، جاءت في وقت، لا تستطيع لا الشعارات، ولا عصا الأمن الغليظة، ولا إحسان الدول الشقيقة والصديقة، ولا استرحام قلوب الدول الغنية، ولا إخفاء رؤوس وزرائها المسؤولين في الرمال ، إخراجها من الورطة، أو تمرير هذه المرحلة، ذلك لأن وضع العالم اليوم، يختلف عن وضعه بالأمس. 

 فبسبب الأخطاء التي ارتكبتها سياسات العالم الثالث في الماضي، خاصة قبل ظهور القطبية الأحادية، تجاه الأمن الغذائي. والأمن الصناعي، و الأمن الاجتماعي، تراكمت على ساحة هذه الدول أخطاء أخرى، منها الفساد المالي/ استعمال الموارد الطبيعية والثروات الدفينة في الأرض/ جرائم نهب الموارد الطبيعية/ والفساد الإداري، إلى أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه، من بطالة ومرض وأمية وتهميش، وغلاء وفقر، وتخلف عن ركب البشرية، يقاس بعدة قرون. وإذا ما أضفنا إلى هذه السلبيات، سلبيات أخرى تتصل بنشر التعليم والرعاية الصحية وتوفير السكن، وتطوير البحث العلمي، وجميعها مترابطة حول هذه التنمية المفترى عليها. سنجد العالم الثالث –ومن ضمنه المغرب- يدخل مرحلة صعبة من تاريخه، مطبوعة بالفوضى والإحباط والتصادم. 

 إننا في المغرب، البلد الزراعي/ الفلاحي/ بلد المناجم/ بلد البحرين/  وبلد الشباب/ وبلد الخدمات السياحية، ونتيجة للأخطاء المتراكمة على مدى سنوات طوال في إدارة هذه الطاقات الطبيعية والبشرية، نشهد اليوم مثلنا، مثل العديد من بلدان العالم الثالث، جفافا شديدا، دون أن نجد له حل. ونشهد تراجعا كبيرا ومخجلا في إنتاج الحبوب واللحوم والألبان والخضروات والسكريات دون أن نجد له  حل. ونشهد ارتفاعا فاحشا في الأسعار دون أن نجد لها حل. ونشهد تراجعا في القدرة الشرائية، وفي التشغيل، وفي الصحة، وفي التعليم، وفي السكن، دون أن نجد لها الحل... ونشهد أمامنا حكومة " منسجمة " تردد مثل حكومات العالم الثالث، شعارات التنمية، التي لم تحدد لنا مفهومها حتى الآن، ولم تجد لها هي الأخرى أي حل حتى الآن.

 طبعا، مثل هذه الحالة، دفعت بالشارع المغربي وشوارع عربية/ إفريقية/ عالمثالثية إلى الاحتقان، وأحيانا إلى التصادم والثورة.
o المعطلون الكبار والصغار، الحاصلون على الشهادات العليا، والذين لم يتمكنوا من التعليم، ينزلون إلى الشوارع كل يوم، يرتمون عند أقدام القوات المساعدة أمام البرلمان وأمام الحكومة وأمام القطاعات العمومية وأمام العمالات والولايات، في المدن الصغيرة والكبيرة وفي القرى النائية، ويسلمون أجسادهم ورؤوسهم كل يوم، إلى عصى الأمن وعصى القوات المساعدة، لتفعل بها ما تريد. 

o الشباب اليائس من وطنه، ومن سياسات وطنه، ووعود رجالات السياسة في وطنه، يركب كل يوم مراكب الموت، في محاولة للهروب إلى الشاطئ الآخر، الذي يرفضه شكلا ومضمونا، ويغتاله في البر والبحر، ويعامله بعنصرية قاسية، ولكنه يبقى مع ذلك هو أمله الوحيد للاستمرار والعيش. 

o المأجورون في المصانع والمعامل والمتاجر، والموظفون الصغار في الإدارات العمومية وشبه العمومية، وفي المجالس المنتخبة والغرف المهنية الذين لم تعد أجورهم الضحلة تكفيهم، لا للعيش ولا للموت. أعياهم الاحتجاج، وأصبحوا يتوجهون جماعات وفرادى إلى الشوارع من أجل الصياح، والارتماء إن اقتضى الحال عند أحضان الموت من أجل الخلاص. 

o أطفال القرى، وأطفال أحزمة الفقر بالمدن، والأطفال المتخلى عنهم والأطفال المهمشون، أصبحوا هم أيضا، يشكلون ظاهرة ملفتة، في الشوارع الكبرى، وفي الشوارع الخلفية، يتعاطون الرذيلة والتسول والسرقة والجريمة، على مرأى ومسمع من الأحزاب والمنظمات والحكومات... ومن كافة القطاعات الاجتماعية، فقط من أجل سد الرمق والاستمرار في الحياة.

         السؤال المخيف : أمام حالة الاحتقان، حالة الجوع، والبطالة، وارتفاع الأسعار، وندرة وغلاء أسعار المواد الغذائية، واشتداد الأزمة الغذائية، وغضب النقابات وغضب الشارع العام، ماذا يمكن أن يحدث، للعالم الثالث، لو نزلت شعوبه جميعها إلى الشارع العام.ماذا لو نزل الجميع إلى الساحة... من سيأكل من ؟ ومن سينتصر على من...؟ 

السؤال الأهم الذي على المجتمع الدولي اليوم... كما على الحكومات المحلية في العالم الثالث الإجابة عنه، بسرعة وموضوعية : ماذا على " العالم المتحضر " أن يفعل من أجل أن لا يحدث ذلك...؟

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

بقلم الأديب محمد اديب السلاوي

"السلطة" ماذا تعني لهم، وماذا تعني لنا...؟



 في المغرب يختلف مفهوم "السلطة"، عن مفاهيمها في البلاد العربية الإسلامية أو في البلاد الغربية، ذلك لأنها اختارت مفهومها المغاير الخاص، إذ يطلق المغاربة عليها اسم "المخزن".

و المخزن كمفهوم لغوي يعني المكان الذي يتم فيه الخزن (المستودع) وخزن الشيء، يعني الاحتكار له أو التفرد به.

 و يرى بعض الباحثين في اللغة، أن "المخزن" مصطلح مشتق من فعل خزن، بمعنى جمع، وقد كان يشار به إلى ما كان يجمع في بيت المال من ضرائب وجبايات.

إلا أن هذا التحديد اللغوي في نظر بعض الباحثين في العلوم السياسية، لا يفي بالغرض ولا يقدم تحديدا كافيا عن "المخزن" المصطلح الذي يقدم في الواقع السياسي مرادفا لمفاهيم الدولة والسلطة والنظام مجتمعة.

منذ القدم احتل هذا المصطلح مساحة واسعة في الخطاب الاجتماعي بالمملكة المغربية، وارتبط بمضامين التسلط / الحكم خارج القانون / العنف، ومع ذلك ظلت مفاهيمه تكتنز دلالات تاريخية وسياسية عديدة، لما يمثله من سلطة وطقوس وضوابط تقليدية ومحافظة، كانت إلى زمن قريب،هي المصدر الطبيعي لإنتاج الخوف والهبة والامتثال الدائم للترهيب.

 لأجل ذلك، شكل "المخزن" مصطلحا وسلوكا وقضية، محورا للعديد من الكتابات والدراسات، التي تناولته من مختلف جوانبه التاريخية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وارتهن العديد منها على مستوى النتائج والاستخلاصات بزوايا المقاربة والانتماء المعرفي والثقافي والسياسي لأصحابها، وهو ما سنحاول الاقتراب منه في عجالة.

*****

1/- في نظر موسوعة الإسلام : المخزن مفهوم اشتق من فعل خزن (أخفى وحفظ) وكان يشير في الممالك العربية القديمة، إلى الصندوق الذي احتفظ بداخله الأمراء بالضرائب التي توجه إلى خليفة بغداد، ثم تحولت الكلمة فيما بعد وأصبحت مرادفا للخزينة.

أما البيت "دار المخزن" فهو الذي تجمع فيه الأموال، فكان "البيت" يعني السلطة المركزية، وأضحى أداة للإشارة إلى البيوقراطية.

2/- وفي نظر المؤرخ المغربي، الأستاذ عبد الله العروي: (في كتابه الآليات الاجتماعية والثقافية الوطنية) فإن المخزن هو تلك النخبة التي تشارك في بيعة الملك واختياره وتنفيذ قرارته، وهو كل الأفراد الذين يحصلون على أجورهم من خزينة السلطان.

3/ أما في نظر الباحث في العلوم الاجتماعية، الأستاذ عبد الكبير الخطيبي: (في كتابه التناوب والأحزاب السياسية) فإن المخزن هو نظام للسلطة والتحكم، متجدر في البيئة الاجتماعية وهرمها، وهو ثقافة وسلوك وقواعد للعلاقات والتحالفات السياسية والاجتماعية وأشياء كثيرة أخرى.

4/- وفي نظر الصحفي المغربي مصطفى حيران ( في مقال له بجريدة الصحيفة الجديدة) أن المخزن هو ذلك المكان الكبير في قصر الملك، الذي توضع فيه الثروة وتمول فيه مقاليد الأمور بكل مناحيها بما يكفل لسلطة المخزن، أن تصنع الزمن الطيب والرديء، وهو بذلك لا يختلف عن وجهة نظر الباحث الفرنسي "مشوبيلير" (في كتابه الشهير أمير المؤمنين) التي تقول بأن المخزن هو المكان الذي تتركز فيه السلطة وتتجمع بداخله الموارد والوسائل التي تمكن من ممارستها. أما سياسيا فإنها تشير الى الحكومة، أي الى السلطة المركزية التي تتكون من السلطان، الوزراء، والجيش.

5/ وفي نظر الحقوقي المغربي الأستاذ فؤاد عبد المومني: (في حوار معه) أن المخزن يرمز أيضا إلى احتكار واسع للسلط المادية والرمزية، وإلى هيكلة فضائها العام في محيط السلطة المركزية، وإلى ترتيب الفضاءات الاقتصادية على مدى قربها منه ومن مركزه ومحيطه.

6/ وفي نظر رجل السلطة العريق والمتجدر في "المخزنية" الصدر الأعظم على عهد السلطان المولى عبد العزيز، أحمد بن موسى المدعو (باحماد) أن المخزن خيمة كبيرة، عمودها المحوري وصاريتها التي ترفعها، هو السلطان وأوتادها التي تحيط بها وتشد جوانبها حتى لا تقلعها الرياح هم القياد/ رجال السلطة. 

7/- وفي نظر الباحث المغربي محمد الضريف، فينبغي التمييز في تحديد مفهوم المخزن بين ثلاث دلالات :

 الأولى : تتمثل في المخزن كسلطة سياسية، ونقصد به كل الدوائر التي تحتكر صنع القرار أو تساهم في صنعه.

والثانية : تتجسد في المخزن كركيزة سوسيو- اقتصادية داعمة لمؤسسة السلطان.

والثالثة : تتجلى في المخزن كنظام سياسي بما يحتم معرفة طبيعة العلاقات بين المؤسسات الفاعلة في فضاء الدولة"التقليدية" ونقصد بتلك المؤسسات مؤسسة السلطان الشريف، مؤسسة القبيلة، ومؤسسة الزوايا، فهذه المؤسسات الثلاث تشكل أركان النظام السياسي"المخزني"، والمبدأ الضابط لهذا النظام يكمن في "التحكيم" الذي يمارسه السلطان الشريف على المستوى العام، ويمارسه شيوخ الزوايا على المستوى الخاص، غير أن اعتبار السلطان"حكما" لا يفيد أنه حكم"سلبي" بل هو حكم"ايجابي" يتمتع بكامل السلطة لفرض قراراته. وفي هذا السياق لم يكن هناك أي تعارض بين وظيفة التحكيم والطابع الاستبدادي للسلطة.

*****

هكذا نجد"المخزن" يطابق عند الباحثين في الدلالة الأولى ما يصطلح على تسميته بدار المخزن، وفي الثانية العائلات المخزنية وفي الثالثة النظام المخزني.

ويرى بعض الباحثين من زاوية أخرى، أن النظرية السياسية المخزنية التي تتجسد كإحدى مكونات المرجعية التقليدية في النظام السياسي المغربي الحالي، هي نتاج الإسلام" التاريخي" بما يفيد حدوث شرخ بين الإسلام كتصور، والإسلام كممارسة، وكانت الحاجة ماسة لفقه"تبريري" يروم تجاوز هذا الشرخ بارتباط مع ممارسة"مخزنية" كرست أزمة هذا الفقه" التبريري" مما كان يستدعي بين الفينة والأخرى ممارسة واجب "النصيحة" بهدف تسجيل موقف،ونذكر منها بعض الحالات : كأبي زكريا الحاحي في علاقته مع المولى زيدان واليوسي في علاقته مع المولى إسماعيل، والكتاني مع المولى حفيظ وعبد السلام ياسين في علاقته مع الحسن الثاني من خلال "رسالة الإسلام أو الطوفان" أو في علاقته مع محمد السادس من خلال "مذكرة إلى من يهمه الأمر".

هكذا تكون النظرية "المخزنية" قد سجلت حضورها سياسيا بإضفاء المشروعية على الحكم الوراثي ومعياريا من خلال تبرير تجاوز بعض أحكام الشريعة الإسلامية باسم "فقه الضرورة" الذي تمت المبالغة في استحضاره.

*****

• من الناحية التاريخية

وحسب مراجع التاريخ المغربي، الحديثة والمعاصرة فإن نظام المخزن(الملكية المخزنية) يعود إلى عمق التاريخ الإسلامي في المغرب، تاريخ الدولة الإدريسية، حيث كان الولاة/ رجال السلطة، يجسدون إدارة المخزن وما يخضع لسلطاتهم من موظفين، يعملون تحت سلطة النواب العاملين لأمير المومنين ويخضعون لتعليماتهم وتوجيهاتهم وهو المفهوم نفسه الذي ما زال قائما بالمملكة المغربية حتى الآن...

 فالمخزن هو الإدارة التي باشر بها ومن خلالها سلاطين المغرب أمور الحكم، وهي المؤسسة التي تلاقت عندها مختلف مستويات الحكم، من عسكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية، فكان المخزن بهذا المعنى هو الآلية التي تجسد عبرها الحكم الشمولي لسلطان المغرب، ولم تتغير طبيعة المخزن في الواقع طيلة تاريخ نشأته وتطوره. اذ تمكن من ترسيخ وجوده بفضل مجموعة من الآليات المؤسساتية، التي تتحول إلى شبكات للمراقبة ولربط علاقاته بالمحيط، ونعني بها شبكات الولاة والعمال والباشوات والقياد والشيوخ والمقدمين، وجميعهم يجسدون شرعية المخزن وسلطاته ووظائفه.

وفي نظر العديد من الأخصائيين، أن بنية"المخزن" في الوضع المغربي أسبق وأقدم من بنية الدولة المعاصرة. ولذا يتبادر إلى الذهن، أن ثمة علاقة ما بين المفهومية للدولة كما للمخزن في التركيبة البنيوية للتشكيلات السياسية المغربية أكثر من عشرة قرون، فلم يكن ثمة وجود دولة كمفهوم معاصر للدولة قبيل بنية المخزن، لأن الدولة كمفهوم دستوري ليست إلا بلورة لشكل أنيق لمؤسسة أو بنية المخزن.

بهذا المعنى، يصبح"المخزن" في نظر العديد من الباحثين،، مظهرا للدولة، عنده تتمركز كل السلط كأداة إرغام لسلطة القانون وكأداة لتنظيم المؤسسات المرعية في الإطار الجغرافي للدولة.
وبرجوعنا إلى التاريخ الإداري للمغرب القديم، نجد السلطة المخزنية تستمد نفوذها وقوتها وجبروتها من "السلطان".

 المخزن كما سبقت الإشارة، هو فئة من الموظفين، يشرفون على الشؤون العامة بالحواضر والبوادي (الولاة والعمال والباشوات والقواد والشيوخ والمقدمين والشرطة) وجميعهم يستمدون سلطاتهم من سلطات السلطان، فنظام الملكية المغربية في وضعيته التاريخية، يسمو على مؤسسة أو بنية "المخزن"، كما يسمو ويعلو على جميع المظاهر والرموز التي تشكل مقومات المجتمع المغربي، وذلك من حيث تركيبته السياسية والسيوسيو- ثقافية، أومن حيث تركيبته الروحية، فهو يعكس جميع مكونات الدولة، كما تنعكس تلك المكونات في أنظمته، الأمر الذي أعطى دولة المخزن طابعا فريدا ومتميزا على مستوى الممارسة، كما على مستوى مظاهر وتجليات المجتمع المغربي ككل.

محمد اديب السلاوي 

الأحد، 29 سبتمبر 2019

محمد اديب السلاوي

الى متى تظل المرأة على الشاشة العربية
جسدا للمتعة والاغراء.... ؟


انطلقت السينما العربية من مصر قبل قرن ونيف من الزمن، ومنها انطلقت صناعتها الى لبنان وسوريا وبلدان المغرب العربي ،لتندمج في الحياة الثقافية على يد نخبة من الكتاب والفنانين والمقاولين والفاعلين في الفن السابع. ومند انطلاقتها الاولى اصبحت السينما العربية تيارا يعكس حالة التغيير الحضاري بالمنطقة العربية، حيت تم تشييد استوديوهات وقاعات سينمائية وتاسيس شركات انتاج وتوزيع، لاعطاء هذه الصناعة موقعها الثقافي والاقتصادي على ارض الواقع.

وخلال هذه الفترة من التاريخ، ظلت السينما المصرية هي الاقدم في المنطقة العربية /هي الاكتر انتشارا وتاتيرا  باعتبارها ذات الصناعة القوية المكتملة  من حيت وسائل الانتاج والتوزيع والعرض والجمهور الضخم، اضافة الى عدد نجمومها في الساحة السينمائية، الدين يغطون كل احتياجات  واختصاصات فن التمتيل السينمائي.

وخلال هذه الفترة من التاريخ ايضا ،كانت المرأة وما زالت هي الموضوع الاساسي للفرجة السينمائية العربية في المشرق والمغرب، اذ شغلت صورتها بكل الصفات ،عاشقة ، زوجة ،مضطهدة،خائنة، متسلطة، عاهرة، راقصة، ام ومطلقة، العديد من كتاب السناريو  والمخرجين والمنتجين في مئات الافلام العربية، مند زمن الابيض والاسود الي زمن الالوان الطبيعية، كانعكاس واضح لنظرة المجتمع العربي اليها ، وهو ما حولها الى بضاعة لترويج الانتاج السينمائي، بمشاهد الاغراء، الجنس، الرقص، الاغتصاب، الاستهتار بالجسد الانتوي وبالتحرش الذي يداعب غرائز المشاهدين المراهقين والمكبوتين واتارتهم، وهي مشاهد تكاد تكون متشابهة في العشرات من الافلام العربية.

نعم اعتمدت السينما العربية طيلة القرن الماضي في اغلبية اعمالها على حكايات وقصص ذكورية، قدمت المرأة بادوار الحب والجنس والمتعةالجسدية،واحيانا خارج الموضوع الاساسي للشريط السينمائي، وهو ما يعني ثقافيا وفكريا واخلاقيا ،غياب المرأة وقضاياها الاجتماعية والحضارية والسياسية،وغياب طموحاتها وتطلعاتها،وكان الطموحات والتطلعات وجدت عربيا فقط للرجل.

هكذا بدت السينما العربية خلال القرن الماضي وحتى الان، في نظر العديد من النقاد والمفكرين، ظالمة للمرأة، قائمة على الذكورية،مع ان المرأة العربية في الزمن الراهن تتطلع الى قضايا كتيرة، لها عقل وطموحات، حققت تغيرات واضحة في حياة الاسرة العربية، ولها اليوم مواقع قيادية في الاحزاب والحكومات والبرلمانات والمنظمات الدولية، والجيوش وادارات الامن والسلطة ،انها اكتر من دلك منافسة  بقوة للرجل في كل المجالات والقطاعات، الا ان الفن السابع مازال مصرا على توظيفها اداة لجذب المشاهد  بجسدها الانتوي  كوسيلة للاغراء

في نهاية القرن الماضي شغلت قضايا المراة بالسينما العربية بعض المثقفين العرب، فانجزوا سيناريوهات وقصص تركز على تحرير المراة من المشاهد التقليدية، وتغيير صورتها السطحية، فتم انتاج بعض الافلام من اخراج فنانات عربيات، يرفضن صور البغي ،ولكنهن يركزن على الصورة التي تعطي المراة حقها الوجودي على الشاشة  /المراة الفاتنة،الانيقة الجميلة،ا،المتيرة، وهو ما جعل اعمالهن في نهاية المطاف شقيقة افلام الرجل، لم تخرج  عن قضايا الحب والرومانسية الانيقة والمتعة الجسدية،  في قضايا اجتماعية جديدة ،مع استخدام احاسيس المرأة وجمالها الانتوي ومشاعرها وانفعالاتها واناقتها،وهو ما اعاد الشاشة العربية الى مربعها الاول،بنسخة منقحة من سينما الرجل

بعد تاريخها الحافل بالتجارب والانجازات المتعددة الاصناف والاهداف، يبدو ان السينما العربية اصبحت في حاجة اكيدة الى تغيير جدري في عقليتها، في تعاملها مع صورة المرأة وقضاياها، والا ستظل هذه السينما متخلفة عن متيلاتها في الغرب، بل في العالم،لا ترقى الى الفن السابع الذي اصبح موجها اساسيا للصناعة الثقافية في زمن الالفية الثالثة ،

ان المراة في عالم اليوم تجاوزت النظرة السطحية /الجنسية اليها، لانها اضحت هي الفاعل المحرك لعقل التغيير في عالمنا الجديد.

افلا تنظرون... ؟


بقلم الآديب الكبير محمد اديب السلاوي 

الآدبب محمد اديب السلاوي

الى متى تظل المرأة على الشاشة العربية
جسدا للمتعة والاغراء.... ؟

محمد اديب السلاوي

انطلقت السينما العربية من مصر قبل قرن ونيف من الزمن، ومنها انطلقت صناعتها الى لبنان وسوريا وبلدان المغرب العربي ،لتندمج في الحياة الثقافية على يد نخبة من الكتاب والفنانين والمقاولين والفاعلين في الفن السابع. ومند انطلاقتها الاولى اصبحت السينما العربية تيارا يعكس حالة التغيير الحضاري بالمنطقة العربية، حيت تم تشييد استوديوهات وقاعات سينمائية وتاسيس شركات انتاج وتوزيع، لاعطاء هذه الصناعة موقعها الثقافي والاقتصادي على ارض الواقع.

وخلال هذه الفترة من التاريخ، ظلت السينما المصرية هي الاقدم في المنطقة العربية /هي الاكتر انتشارا وتاتيرا  باعتبارها ذات الصناعة القوية المكتملة  من حيت وسائل الانتاج والتوزيع والعرض والجمهور الضخم، اضافة الى عدد نجمومها في الساحة السينمائية، الدين يغطون كل احتياجات  واختصاصات فن التمتيل السينمائي.

وخلال هذه الفترة من التاريخ ايضا ،كانت المرأة وما زالت هي الموضوع الاساسي للفرجة السينمائية العربية في المشرق والمغرب، اذ شغلت صورتها بكل الصفات ،عاشقة ، زوجة ،مضطهدة،خائنة، متسلطة، عاهرة، راقصة، ام ومطلقة، العديد من كتاب السناريو  والمخرجين والمنتجين في مئات الافلام العربية، مند زمن الابيض والاسود الي زمن الالوان الطبيعية، كانعكاس واضح لنظرة المجتمع العربي اليها ، وهو ما حولها الى بضاعة لترويج الانتاج السينمائي، بمشاهد الاغراء، الجنس، الرقص، الاغتصاب، الاستهتار بالجسد الانتوي وبالتحرش الذي يداعب غرائز المشاهدين المراهقين والمكبوتين واتارتهم، وهي مشاهد تكاد تكون متشابهة في العشرات من الافلام العربية.

نعم اعتمدت السينما العربية طيلة القرن الماضي في اغلبية اعمالها على حكايات وقصص ذكورية، قدمت المرأة بادوار الحب والجنس والمتعةالجسدية،واحيانا خارج الموضوع الاساسي للشريط السينمائي، وهو ما يعني ثقافيا وفكريا واخلاقيا ،غياب المرأة وقضاياها الاجتماعية والحضارية والسياسية،وغياب طموحاتها وتطلعاتها،وكان الطموحات والتطلعات وجدت عربيا فقط للرجل.

هكذا بدت السينما العربية خلال القرن الماضي وحتى الان، في نظر العديد من النقاد والمفكرين، ظالمة للمرأة، قائمة على الذكورية،مع ان المرأة العربية في الزمن الراهن تتطلع الى قضايا كتيرة، لها عقل وطموحات، حققت تغيرات واضحة في حياة الاسرة العربية، ولها اليوم مواقع قيادية في الاحزاب والحكومات والبرلمانات والمنظمات الدولية، والجيوش وادارات الامن والسلطة ،انها اكتر من دلك منافسة  بقوة للرجل في كل المجالات والقطاعات، الا ان الفن السابع مازال مصرا على توظيفها اداة لجذب المشاهد  بجسدها الانتوي  كوسيلة للاغراء

في نهاية القرن الماضي شغلت قضايا المراة بالسينما العربية بعض المثقفين العرب، فانجزوا سيناريوهات وقصص تركز على تحرير المراة من المشاهد التقليدية، وتغيير صورتها السطحية، فتم انتاج بعض الافلام من اخراج فنانات عربيات، يرفضن صور البغي ،ولكنهن يركزن على الصورة التي تعطي المراة حقها الوجودي على الشاشة  /المراة الفاتنة،الانيقة الجميلة،ا،المتيرة، وهو ما جعل اعمالهن في نهاية المطاف شقيقة افلام الرجل، لم تخرج  عن قضايا الحب والرومانسية الانيقة والمتعة الجسدية،  في قضايا اجتماعية جديدة ،مع استخدام احاسيس المرأة وجمالها الانتوي ومشاعرها وانفعالاتها واناقتها،وهو ما اعاد الشاشة العربية الى مربعها الاول،بنسخة منقحة من سينما الرجل

بعد تاريخها الحافل بالتجارب والانجازات المتعددة الاصناف والاهداف، يبدو ان السينما العربية اصبحت في حاجة اكيدة الى تغيير جدري في عقليتها، في تعاملها مع صورة المرأة وقضاياها، والا ستظل هذه السينما متخلفة عن متيلاتها في الغرب، بل في العالم،لا ترقى الى الفن السابع الذي اصبح موجها اساسيا للصناعة الثقافية في زمن الالفية الثالثة ،

ان المراة في عالم اليوم تجاوزت النظرة السطحية /الجنسية اليها، لانها اضحت هي الفاعل المحرك لعقل التغيير في عالمنا الجديد.


افلا تنظرون... ؟

الآدبب محمد اديب السلاوي

الى متى تظل المرأة على الشاشة العربية
جسدا للمتعة والاغراء.... ؟

محمد اديب السلاوي

انطلقت السينما العربية من مصر قبل قرن ونيف من الزمن، ومنها انطلقت صناعتها الى لبنان وسوريا وبلدان المغرب العربي ،لتندمج في الحياة الثقافية على يد نخبة من الكتاب والفنانين والمقاولين والفاعلين في الفن السابع. ومند انطلاقتها الاولى اصبحت السينما العربية تيارا يعكس حالة التغيير الحضاري بالمنطقة العربية، حيت تم تشييد استوديوهات وقاعات سينمائية وتاسيس شركات انتاج وتوزيع، لاعطاء هذه الصناعة موقعها الثقافي والاقتصادي على ارض الواقع.

وخلال هذه الفترة من التاريخ، ظلت السينما المصرية هي الاقدم في المنطقة العربية /هي الاكتر انتشارا وتاتيرا  باعتبارها ذات الصناعة القوية المكتملة  من حيت وسائل الانتاج والتوزيع والعرض والجمهور الضخم، اضافة الى عدد نجمومها في الساحة السينمائية، الدين يغطون كل احتياجات  واختصاصات فن التمتيل السينمائي.

وخلال هذه الفترة من التاريخ ايضا ،كانت المرأة وما زالت هي الموضوع الاساسي للفرجة السينمائية العربية في المشرق والمغرب، اذ شغلت صورتها بكل الصفات ،عاشقة ، زوجة ،مضطهدة،خائنة، متسلطة، عاهرة، راقصة، ام ومطلقة، العديد من كتاب السناريو  والمخرجين والمنتجين في مئات الافلام العربية، مند زمن الابيض والاسود الي زمن الالوان الطبيعية، كانعكاس واضح لنظرة المجتمع العربي اليها ، وهو ما حولها الى بضاعة لترويج الانتاج السينمائي، بمشاهد الاغراء، الجنس، الرقص، الاغتصاب، الاستهتار بالجسد الانتوي وبالتحرش الذي يداعب غرائز المشاهدين المراهقين والمكبوتين واتارتهم، وهي مشاهد تكاد تكون متشابهة في العشرات من الافلام العربية.

نعم اعتمدت السينما العربية طيلة القرن الماضي في اغلبية اعمالها على حكايات وقصص ذكورية، قدمت المرأة بادوار الحب والجنس والمتعةالجسدية،واحيانا خارج الموضوع الاساسي للشريط السينمائي، وهو ما يعني ثقافيا وفكريا واخلاقيا ،غياب المرأة وقضاياها الاجتماعية والحضارية والسياسية،وغياب طموحاتها وتطلعاتها،وكان الطموحات والتطلعات وجدت عربيا فقط للرجل.

هكذا بدت السينما العربية خلال القرن الماضي وحتى الان، في نظر العديد من النقاد والمفكرين، ظالمة للمرأة، قائمة على الذكورية،مع ان المرأة العربية في الزمن الراهن تتطلع الى قضايا كتيرة، لها عقل وطموحات، حققت تغيرات واضحة في حياة الاسرة العربية، ولها اليوم مواقع قيادية في الاحزاب والحكومات والبرلمانات والمنظمات الدولية، والجيوش وادارات الامن والسلطة ،انها اكتر من دلك منافسة  بقوة للرجل في كل المجالات والقطاعات، الا ان الفن السابع مازال مصرا على توظيفها اداة لجذب المشاهد  بجسدها الانتوي  كوسيلة للاغراء

في نهاية القرن الماضي شغلت قضايا المراة بالسينما العربية بعض المثقفين العرب، فانجزوا سيناريوهات وقصص تركز على تحرير المراة من المشاهد التقليدية، وتغيير صورتها السطحية، فتم انتاج بعض الافلام من اخراج فنانات عربيات، يرفضن صور البغي ،ولكنهن يركزن على الصورة التي تعطي المراة حقها الوجودي على الشاشة  /المراة الفاتنة،الانيقة الجميلة،ا،المتيرة، وهو ما جعل اعمالهن في نهاية المطاف شقيقة افلام الرجل، لم تخرج  عن قضايا الحب والرومانسية الانيقة والمتعة الجسدية،  في قضايا اجتماعية جديدة ،مع استخدام احاسيس المرأة وجمالها الانتوي ومشاعرها وانفعالاتها واناقتها،وهو ما اعاد الشاشة العربية الى مربعها الاول،بنسخة منقحة من سينما الرجل

بعد تاريخها الحافل بالتجارب والانجازات المتعددة الاصناف والاهداف، يبدو ان السينما العربية اصبحت في حاجة اكيدة الى تغيير جدري في عقليتها، في تعاملها مع صورة المرأة وقضاياها، والا ستظل هذه السينما متخلفة عن متيلاتها في الغرب، بل في العالم،لا ترقى الى الفن السابع الذي اصبح موجها اساسيا للصناعة الثقافية في زمن الالفية الثالثة ،

ان المراة في عالم اليوم تجاوزت النظرة السطحية /الجنسية اليها، لانها اضحت هي الفاعل المحرك لعقل التغيير في عالمنا الجديد.


افلا تنظرون... ؟