الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

محمد أديب السلاوي

أسئلة مخيفة عن أوضاعنا المخيفة...



 ماذا يمكن أن يحدث ببلد متخلف، يعاني من الفساد المالي، ومن فساد الإدارة  ومن البطالة والفقر والأمية ومن الجفاف وشح المواد الغذائية وغلاء الأسعار وتدني الأجور... في ظل سياسات حكومية فاشلة ومتراجعة...؟ 
 ماذا يمكن أن يحدث ببلد يعاني من الفساد الحزبي/ الفساد الانتخابي/ الفساد المالي/ الفساد الاجتماعي، يعاني من شراسة الهاجس الأمني، ومن شراسة القرارات الفوقية. ومن تحديات المعطلين، ومن تردي الحريات العامة وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة...؟

 ماذا يمكن أن يحدث ببلد، يلتقي على أرضيته غضب الجياع، وغضب العاطلين، وغضب المأجورين، وغضب النقابات، وغضب الأطفال العاملين، وغضب أطفال الشوارع، وغضب التلاميذ المطرودين من المدارس، وفساد السياسات الحكومية، على صعيد واحد...؟
 ماذا يمكن أن يحدث إذا التقى كل ذلك بظروف دولية، اقتصادية، سياسية بالغة الصعوبة، يقترن فيها الجوع والتخلف وفساد السياسات في هذا القطر، بانتفاضات وثورات ذلك الآخر..؟

 لا أريد الإجابة عن هذه الأسئلة، ولا أسعى إليها، فذلك شأن المختصين. ولكن إشكالية الفساد المالي، وإشكالية الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار وتدني الأجور وتوسع دائرة الفقر والبطالة والتهميش، أصبحت تفرض نفسها على البلاد والعباد. وأصبحت تفرض على الصحفيين والكتاب والمفكرين والسياسيين والنقابين، الذين ينخرطون في المعارضة، والذين يملكون القرار، سؤالا واسعا، كيف التصدى لها، ولو من باب التذكير والاستئناس. 

 ومعروف أن مشكلة الغذاء وحدها، وبعيدا عن السلبيات المؤثرة الأخرى، كانت وما تزال تحظى بأهمية قصوى لدى جميع دول العالم، وزاد الاهتمام بها في العقود الأخيرة، بعد تأزم الموقف الغذائي العالمي، وتزايد الطلب على الغذاء والمنتجات الزراعية، في مناطق عديدة من الأرض. 

 فلم تعد هذه المشكلة، اقتصادية فقط، وإنما أصبحت إلى جانب قضايا الفساد، تشكل أبعادا أخرى، سياسية وأمنية في غاية الخطورة على الدول الفقيرة التي أصبحت بفعل السياسات الفاشلة المتعاقبة تستورد الغذاء من الدول التي أخذت تستعمل هذا الأخير سلاحا لا تصدره إلا بشروط مؤثرة، وهو ما يعني بوضوح أن الاعتماد على استيراد الغذاء يجعل الأمن القومي عرضة للخطر في أية لحظة ... وفي أي بلد.

 الغريب في الأمر، أن حكومات العديد من البلاد المتخلفة/ الفقيرة، جعلت في العقود الأخيرة، من الأمن الغذائي/ الاكتفاء الذاتي في التغذية، شعارا لسياساتها وبرامجها ومبادراتها. لأن الهدف من التنمية كان وما يزال في كل الأقطار والامصار، يتمحور  حول قضية الأمن الغذائي، لما لهذا القطاع من خطورة بالغة على ظاهرة الاستقرار السياسي داخليا وخارجيا، فهذا الأمن الذي يعني بوضوح، اكتساب القدرة الإنتاجية الذاتية القابلة للنمو والتطور تسمح للمواطن بمستوى معيشي لائق كريم، وتؤمن حاجاته من المواد الغذائية الضرورية، لا يقل أهمية عن الأمن العسكري، فكلاهما يحمي الوطن من الانهيار، ومن الاندثار، ومن السقوط .

 إن الأمن الغذائي، أصبح يكتسي أهمية قصوى في الظرفية المحلية/ الدولية الراهنة، ومن أجل تحقيقه وفق شروطه الموضوعية، كان لابد لبلد كالمغرب، ينتمي إلى منظومة العالم الثالث، من بناء إستراتيجية زراعية متطورة ومدروسة، تقوم على فهم عميق لأبعاد الأمن الغذائي وإشكالاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهذا الأمن يعني في المفاهيم ( السياسية/ الاجتماعية/ الاقتصادية ) تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، تأسيسا على قدرة المجتمع على تحقيق ذلك، بموارده وإمكاناته الذاتية، أي بقدرته على إنتاج كل احتياجاته الغذائية محليا. 
 و يشترط الأمن الغذائي في زمن العولمة، وتحرير التبادل التجاري، بجعله خيارا استراتيجيا لا تنازل عنه، مهما كلف ذلك من ثمن ومن تضحيات، لما له من علاقة بالأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. 

 وإذا كانت حكومات العالم الثالث، في النصف الثاني من القرن الماضي، قد رفعت شعار الأمن الغذائي، وأمضت أيامها بسلام، وانسحبت، لتترك مكانها لحكومات أخرى، تبدأ من جديد في رفعه واتخاذه خريطة طريق. فإن حكومات الألفية الثالثة، التي صادفت وضعية دولية مخالفة، لربما لسوء حظها، جاءت في وقت، لا تستطيع لا الشعارات، ولا عصا الأمن الغليظة، ولا إحسان الدول الشقيقة والصديقة، ولا استرحام قلوب الدول الغنية، ولا إخفاء رؤوس وزرائها المسؤولين في الرمال ، إخراجها من الورطة، أو تمرير هذه المرحلة، ذلك لأن وضع العالم اليوم، يختلف عن وضعه بالأمس. 

 فبسبب الأخطاء التي ارتكبتها سياسات العالم الثالث في الماضي، خاصة قبل ظهور القطبية الأحادية، تجاه الأمن الغذائي. والأمن الصناعي، و الأمن الاجتماعي، تراكمت على ساحة هذه الدول أخطاء أخرى، منها الفساد المالي/ استعمال الموارد الطبيعية والثروات الدفينة في الأرض/ جرائم نهب الموارد الطبيعية/ والفساد الإداري، إلى أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه، من بطالة ومرض وأمية وتهميش، وغلاء وفقر، وتخلف عن ركب البشرية، يقاس بعدة قرون. وإذا ما أضفنا إلى هذه السلبيات، سلبيات أخرى تتصل بنشر التعليم والرعاية الصحية وتوفير السكن، وتطوير البحث العلمي، وجميعها مترابطة حول هذه التنمية المفترى عليها. سنجد العالم الثالث –ومن ضمنه المغرب- يدخل مرحلة صعبة من تاريخه، مطبوعة بالفوضى والإحباط والتصادم. 

 إننا في المغرب، البلد الزراعي/ الفلاحي/ بلد المناجم/ بلد البحرين/  وبلد الشباب/ وبلد الخدمات السياحية، ونتيجة للأخطاء المتراكمة على مدى سنوات طوال في إدارة هذه الطاقات الطبيعية والبشرية، نشهد اليوم مثلنا، مثل العديد من بلدان العالم الثالث، جفافا شديدا، دون أن نجد له حل. ونشهد تراجعا كبيرا ومخجلا في إنتاج الحبوب واللحوم والألبان والخضروات والسكريات دون أن نجد له  حل. ونشهد ارتفاعا فاحشا في الأسعار دون أن نجد لها حل. ونشهد تراجعا في القدرة الشرائية، وفي التشغيل، وفي الصحة، وفي التعليم، وفي السكن، دون أن نجد لها الحل... ونشهد أمامنا حكومة " منسجمة " تردد مثل حكومات العالم الثالث، شعارات التنمية، التي لم تحدد لنا مفهومها حتى الآن، ولم تجد لها هي الأخرى أي حل حتى الآن.

 طبعا، مثل هذه الحالة، دفعت بالشارع المغربي وشوارع عربية/ إفريقية/ عالمثالثية إلى الاحتقان، وأحيانا إلى التصادم والثورة.
o المعطلون الكبار والصغار، الحاصلون على الشهادات العليا، والذين لم يتمكنوا من التعليم، ينزلون إلى الشوارع كل يوم، يرتمون عند أقدام القوات المساعدة أمام البرلمان وأمام الحكومة وأمام القطاعات العمومية وأمام العمالات والولايات، في المدن الصغيرة والكبيرة وفي القرى النائية، ويسلمون أجسادهم ورؤوسهم كل يوم، إلى عصى الأمن وعصى القوات المساعدة، لتفعل بها ما تريد. 

o الشباب اليائس من وطنه، ومن سياسات وطنه، ووعود رجالات السياسة في وطنه، يركب كل يوم مراكب الموت، في محاولة للهروب إلى الشاطئ الآخر، الذي يرفضه شكلا ومضمونا، ويغتاله في البر والبحر، ويعامله بعنصرية قاسية، ولكنه يبقى مع ذلك هو أمله الوحيد للاستمرار والعيش. 

o المأجورون في المصانع والمعامل والمتاجر، والموظفون الصغار في الإدارات العمومية وشبه العمومية، وفي المجالس المنتخبة والغرف المهنية الذين لم تعد أجورهم الضحلة تكفيهم، لا للعيش ولا للموت. أعياهم الاحتجاج، وأصبحوا يتوجهون جماعات وفرادى إلى الشوارع من أجل الصياح، والارتماء إن اقتضى الحال عند أحضان الموت من أجل الخلاص. 

o أطفال القرى، وأطفال أحزمة الفقر بالمدن، والأطفال المتخلى عنهم والأطفال المهمشون، أصبحوا هم أيضا، يشكلون ظاهرة ملفتة، في الشوارع الكبرى، وفي الشوارع الخلفية، يتعاطون الرذيلة والتسول والسرقة والجريمة، على مرأى ومسمع من الأحزاب والمنظمات والحكومات... ومن كافة القطاعات الاجتماعية، فقط من أجل سد الرمق والاستمرار في الحياة.

         السؤال المخيف : أمام حالة الاحتقان، حالة الجوع، والبطالة، وارتفاع الأسعار، وندرة وغلاء أسعار المواد الغذائية، واشتداد الأزمة الغذائية، وغضب النقابات وغضب الشارع العام، ماذا يمكن أن يحدث، للعالم الثالث، لو نزلت شعوبه جميعها إلى الشارع العام.ماذا لو نزل الجميع إلى الساحة... من سيأكل من ؟ ومن سينتصر على من...؟ 

السؤال الأهم الذي على المجتمع الدولي اليوم... كما على الحكومات المحلية في العالم الثالث الإجابة عنه، بسرعة وموضوعية : ماذا على " العالم المتحضر " أن يفعل من أجل أن لا يحدث ذلك...؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق