الأحد، 8 ديسمبر 2019

د.رمضان الحضري

الرمادي ونتائج الاستبطان
***********


من شهور عديدة وأنا أنتظر أن تتنزل كلمات مناسبة ولائقة لأكتبها عن ديوان شعر محمد نجيب الرمادي 
( الحب الذي يكتبنا / الجزء الخامس ) ، قرأت الديوان مرات عديدة ، حيث إنني بين يدي مفكر يغوص في أعماق ذاته ، يخرج لحظات من ذاته ثم يعود مسرعا ليجول فيها ، يقسم بالغربة إذا ابتعد عن ذاته لحظة ، وذاته تتمثل في فكرة وشعور ، يقدمهما للمتلقي على أطباق الحروف المصطفاة بعناية ، ولذا فإن تصنيف الديوان يكون صعبا على كل ناقد ، لكن دوما منظوري الخاص في القراءة يأتي تحت ( من حق كل إنسان أن يقول مايشاء كما يشاء وأشترطُ عليه أن يقنعنا أو يقنع جماعته التي يعيش بينها ويأخذ منها ليعطيها النص مرة أخرى في شكل حيوي جديد ) ، ماهو الشكل لموضوعه ، هذا أمر يخضع لقدراته ومتطلباته ورؤاه ووجهة نظره وثقافته .
ولذا فإنني سوف أتناول ديوانه في نقطتين لاثالثة لهما هما : _
1 _ الكشوف الاستبطانية 
2 _ موائد الأسلوب
***********
أولا : الكشوف الاستبطانية : _
من اليسير على كل إنسان يملك حاسة البصر وحاسة السمع ، أن ينقل للناس صورة العالم الخارجي من حوله ، فكلنا يستطيع أن يصور الأشجار والأنهار والطيور والبحار ، ويصف الأشخاص والحوادث والمواقف التي رآها ، من خلال حاسة البصر وحاسة السمع ، ومن خلال استخدام الخيال يمكنه أن يطور مايسمع ومايرى ، بإعادة الترتيب والتركيب واستخدام تقنيات جديدة لتجعل الموضوع أكثر فاعلية ومتعة ونفعية .
لكن حينما يدخل الكاتب في ذاته ليستبطنها ، فلست أدري ، ولا أظن أن علماء النفس يعرفون كيف يدخل الإنسان إلى ذاته ، فطريقة الدخول للذات معقدة للغاية ، فالدروب غير معروفة ، وكيفية الوصول غير مألوفة ، ناهيك عن متطلبات الداخل الواصل لذاته ، ثم أين تكمن الذات في المرء ؟ بالتأكيد لا إجابات شافية فلو كانت الذات هي الروح ( يسألونك عن الروح ) ولو كانت العقل أو الفؤاد أو القلب أو الشعور أو كل هذه مجتمعة فترانا كيف نلج إليهم ؟!
ومحمد نجيب الرمادي 
اختار هذه الدروب غير المألوفة ، وأقنعنا بأنه قد وصل إلى أعماق النفس البشرية وحاول أن يحفر فيها باحثا عن جذور تلك النفس ، يقول محمد نجيب الرمادي في نص بعنوان ( لا أحد ينتظر أحدا ) : _
تتغير مفاهيم الانتظار
تبعا لمستويات اللهفة
وتتغير مستويات اللهفة 
تبعا لمستويات الحب
الكامن في الأعماق
بقلب العاشق المشتاق
تتوالى الأعذار وتبقى النتيجة واحدة 
وتمضي الحياة
والحياة قطار يتحرك 
في اتجاه واحد عنه لايحيد ولا يميل
كأن الرحيل يسابق الرحيل
تتغير سرعته فقط
بتغير الظروف لا الفصول
فلا ربيع يؤثر فيه ولا خريف
وذلك هو الأمر المخيف
*************
( ويقول في ذات النص ) : _
ونحن ننتظر
وفي قلب الانتظار
نسافر دونما انتظار
تتغير ملامحنا وألواننا
ويملنا الانتظار
مع أننا لا ننتظر
********
وفي النهاية يقول : _
فلماذا الحزن والبكاء من جديد
وفّر دمعك
فلم يعد هناك من جديد
************
وأن الجديد الوحيد
في هذه الحياة
هو انتظار الموت 
من جديد
*******
هذا الاجتزاء من النص يفسده ، لكنني اخترت على سبيل تقديم العناوين لا متن النص ، وسوف أحيل القاريء للديوان صـ 26 ، 27 .
فالكاتب في هذا النص يغوص داخل ذاته للغاية ، حتى الذين يتذكرهم سواء كانت نور أو محمود درويش يتذكرهم وهو في أعماق نفسه ، لم يخرج لهما للترحيب بهما أو لإحسان استقبالهما ، لكنه استدعاهما
في الأعماق ، كما استدعى غيرهما من خلال تناص واضح لنصوص عربية سابقة ، هو ذلك العابد الذي يأخذ حاجاته ويدخل معبده ، ويغلق على ذاته بابها ، وينظر في الذات ليتمكن من دمج حاجاته الخارجية مع حاجات نفسه الداخلية .
ولحظة الاستبطان الذاتي هي دوما أصدق اللحظات لأنها تعبير عن الذات وحوار معها أشبه بحوار المرء مع نفسه أو مايسمى اصطلاحا في الفنون المسرحية 
( المونولوج الداخلي ) ، حيث يبتعد الإنسان بذاته عن المؤثرات الخارجية ، وينفرد بذاته دون رقيب خارجي يؤثر في حواره أو يغير من صيغة قراره .
فالكاتب ينقل لنا معرفة ذاتية وهي أننا حينما ننتظر فنحن لا ننتظر بل نسافر في لحظات الانتظار ، فليس الجسد هو مايعني كاتبنا بالمرة ، بل سفر الذات إلى عوالم بعيدة وأماكن عديدة وأزمنة حزينة أو سعيدة
، بل هو يرى أن الانتظار الوحيد دوما والجديد هو انتظار الموت ، والموت هنا ليس نهاية الانتظار ، لكنه انتظار من نوع جديد .
************
ثانياً : موائد الأسلوب : _
من العسير على مثلي أن يفصل في هذه النصوص تفصيلا سريعا ، حيث إن هذه النصوص تمثل نسقا شعريا جديدا متفردا ، لايمكن الحكم عليه بكل هذا اليسر ، ولذا فسوف أتحدث في هذه النقطة في اللقاء القادم بإذن الله جل في علاه .
د.رمضان الحضري 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق