‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالة نقدية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالة نقدية. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 4 يونيو 2023

د. أمال بوحرب / الإمارات العربية المتحدة.

 مختارات نادي رؤى النقد والمسابقات 

                  * مقالة نقدية *

- الإبداع في الرواية بين الألم والخيال.



——————————————————

يقول "ثيودور أدورنو" (بالنسبة للإنسان الذي لم يعد لديه وطن تصبح الكتابة مكاناً له ليعيش فيه).

الكتابة... من منا لم يسأل نفسه ذات يوم لم أكتب؟

ولم يستهويني هذا القلم؟

 لعل الكتابة تتدحرج إلىأقاصي المحن الوجودية بكشف التباسات الحياة وتقنّعات الموت الذي يُعَدّ ظِلًّا للحياة في لوحة يكتمل فيها التمثل يشبّه كينونتنا بوجود الليل والنهار، وأنها تكمن فقط في ذلك الشفق الغامض الوهمي والهارب بين ذكرى النهار وتوق الظلام نهاية الشمس واقتراب الشمس من النهاية، وأن اكتشاف متعة اللانهائي في حلقة حلزونية تستبعد فكرة التحديد أو النهاية، إذ إن السارد يحلم دومًا بالحصول على موطئ قدم شيء ثابت، و تنتابه كلّ تلك الكرب عندما يعي سجنه في الحياة بؤس الـمنفى في أسوأ معنى مـمكن له هو ما يدعو السارد إلى ألَّا يتوقّف أبدًا في أن يكون هناك حيث لا يتحقّق وجوده في مكان محدَّد، أو في أماكن أخرى نوع من الطوباوية في سعيه إلى التهرب من منفى العيش وقلق الحياة، لذلك تستتبّ فكرة الـموت عند “بلانشو” (لتكتمل الصورة الناقصة للوجود، وهذا شكل من أشكال الألم، فكيف به أن ينتج فكرة إبداعية في هذه العلاقة الجدلية بين المشاعر والواقع؟). 

يشكل "الألم" في نظرية الإبداع الأدبي القيمة الأشد توترًا تجربة ورؤيا لدى المبدع، وأداة إمتاع ومؤانسة لدى المتلقي، ويتضاعف تبئير "الألم" في الأعمال السردية والرواية خاصة من حيث إن لها طولًا معلوماً وزواياً نظر مختلفة، بيد أن تجربة هذا "الألم" وإن كانت منطلقًا لسرد الأحداث وتنامي مقومات المتون الروائية سرعان ما تزداد عمقًا، أو تخفت حسب كل تجربة إبداعية، لاسيما عندما يتناغم الكون التخيلي للروائي مع الأحداث الواقعية، وبالتالي تتعمق إشكالات التلقي وفواصله بين حدود إمتاع القارئ وممكنات عيش الألم.

إن القول أنه بالإمكان إمتاع القارئ بالحديث عن الألم نفسه تتفاوت فيه الرؤى، فالإبداع فضاء رحب يحتمل كل ما فيه من انزياح أو عدول، حتى لو تعلق الأمر بالألم ذاته، وعلى سبيل المثال لا الحصر فروايات فيكتور هوغو — وخاصة "البؤساء" — ما تزال تمتع القارئ رغم سوداويتها ومأساويتها.

كما أن الروائي الأميركي المشهور "ستيفن كينغ" ألف أروع روايات الرعب  وأوقعت المتعة لدى القارئ بالرغم من أنها مؤلمة ومخيفة، وكل من قرأ رواياته لن ينساها أبدًا، بل إنها تغري بإعادة قراءتها مرات ومرات، ذلك أن روايته "صمت الحملان" خير دليل على إمتاع ملايين القراء وبعدهم ملايين المشاهدين عقب تحويلها إلى فيلم رعب، والشيء نفسه ينطبق على روايات "دان براون" مثل "شفرة دافنشي"، و"الحصان الرقمي"، و"ملائكة وشياطين"، و"الرمز المفقود" واقعية، و"الجحيم"، وغيرها... لذا فالكاتب الحذق هو الذي يحول الواقع المؤلم إلى أعمال روائية تخيلية تجعل فعل القراءة مدخلًا ممتعًا لخلق الدهشة والغرابة لدى المتلقي.

إلا أن كل كاتب يؤمن بلحظة ولادة إنسان جديد شديدة الألم ومنتجة للحياة مع كل كتابة، وهو أيضًا جزء من مسار حياة لا ينفصل عنها، لذا فالأهم لديه ليس الألم في حد ذاته، وإنما المستويات السردية وتنوع صيغ الحكاية، فعندما تحضر مواضيع معينة في الرواية، مثل سلب الحرية أو الموت أو العنف، فإنما يتم استحضارها كقيمة جمالية وأنثولوجية خلال الكتابة.

إن ذات الروائي واعية ومدركة تتأثر وتؤثر في محيطها الاجتماعي، وهو بالتالي حامل ومعبر عن مشاعره أو مشاعر المجتمع الذي يعيش داخله، سواء أكانت مشاعر الحب أم الألم أم اللذة أم الوجع أم غيرها من المشاعر الحاملة لهموم الفضاء المعبر عنه.

 سأقول، ولأول مرة سأطرح نظرتي بكل تجرد وواقعية وتصريح، إن الرواية ليست هذيانًا كما قد يتوهم البعض، فأصالة الروائي أنه صاحب صنعة بديعة يوجه عبر آليات تواصلية معلومة رسالته إلى المتلقي قصد تطهيره والتأثير عليه بصفته كاتبًا مسؤولًا وواعيًا بما يكتب في ظرف معين هو زمن الكتابة، نحو قارئ واع ومسؤول في ظرف معين هو زمن القراءة، وتفاعل هذه الأزمنة داخل الرواية يجعل منها خطابًا ملتزمًا بمسؤولية ممكنات فعل الكتابة.


د. امال بوحرب

الإمارات العربية المتحدة.

الجمعة، 20 سبتمبر 2019

بقلم سارة السهيل

عن دار المعـتز للنشر والتوزيع / عـمّـان، صدرت رواية / فـيــمـا مـضـى / للكاتــب سليم أحمـد حسن ـ الأردن. وقد كتبت الكاتبة العراقية العربية الكبيرة /سارة السهيل رؤية نقـدية للرواية جاء فيهـا:
*****
رؤيــــــــة نـقـــديـــــة..
بقلــم / سـارة السهـيـل.
الكتابة فعل بوح إنساني، يعبر الكاتب من خلالها عما عاشه أو يتخيله من تجارب إنسانية متنوعة فرحة أو حزينة، يستدعيها في لحظــة حنين. يــفتــح فيها دولاب الذكريات فتفيض المعاني الإنسانية في تجلياتها خاصة المستقاة من مشاعر الغربة والحب والطموح والحنين الي الوطن.  هذا النص الأدبي لمؤلفه سليم أحمد حسن، المعنون ذكريات" فيما مضي " يبدأ باستفهام هل العيب فينا أم بزماننا؟ فالغــــربة والترحال وقطار الذكريات يعد عنصرا رئيسا في هذه القصة، والغربة بالذات تشكل وجدان الفلسطيني بفعل ما تعرض له الشعب الفلسطيني من تشظي وانقسام وشتات وغربة. والكاتب يرسم بالكلمات واقع حياته في صورة مذكرات، فيطل الأب الفلاح المكافح الفالح الحنون والصائب الرأي، وزوجة الأب الحانية العطوفة، والأخ غــير الشقيق الذي يفقد طموحاته بسبب رفقاء السوء، بينما الابن الأكــبر- أحمد ـ بطـــل الأحداث يكمل مشواره التعليمي ليصبح طبيبًا.. ويدخل معترك الحياة العمليـة.
وتحضر العواصم العربية كالقاهرة موطنًا للعلم، والبحرين موطنا للعملِ والرزق والحب والعلاقات الإنسانية الدافئة،وعمان وفلسطين وطنا ومرفأ وملاذا وحمى. فهذا الوطن وهمُّه السياسي يحضر بقوة في مناقشات طلاب الجامعات.. خاصة عندما يشتد خناق المستوطنين علي أهل الأرض الأصليين، وتـراق دمـاء الشهـداء في تظاهرات الصمود، بينما يقف المسجد الأقصي حزينا علي أبنائه وهم يتلقون الضربات بالهراوات الإسرائيلية ويعتقلون بقسوة زائدة علي أيدي المحتلين،ويُلقَون في غياهب السجون ظلما وجورا،بينما تقف دول العالم في حال الصم والبكم  العمي.
وهذا النص يمثل رحلة مقدسة شريفة في الحياة بحثا عن العلم، ثم بحثا عن الرزق ثم رحلة العـودة إلى أحضان الوطن الغالي، وداخل كل رحلة مكانية تتكوّن علاقــات صادقة روحية ووجدانيـة وإنسانيــة بين شخوص هذه القصة تقــود لخــبرة حياتية لبطلها الرئيسي احمد. فأحمد الطبيب ودموعه في الغربة وحنينه لوطنه خلال رحلة تعليمه بكلية الطب بالقاهرة، وتعرضه لسرقة نقوده.. في الوقت الذي نجــــد نماذج إنسانية مكافحة وشريفة مثل "أم علي" التي اضطرت للعمل بخدمة المنازل لتعــول ابنتيها وتنفق علي تعليمهم الجامعي. وبين صدمة الزواج الفاشل بالبحرين، بالرغم نجاح تجربة العمل بالمستشفي،علاقة الصداقة التي جمعت بين أحمد، ومحمود بطل كرة القدم الذي ترك وطنه بحثا عن احــترف وكسبا للمال.  أما الـــوطن فهو ممزق بين أطماع العــدو الإسرائيلي بين تيارات وطنيــة سياسية متباينة الرؤى.  تغــوص الرواية في أعماق النفس البشرية عــبر شــخوص القصة بـدءًا من بطلها الذي كان يخشي زوجة أبيه وبطشها، ورفضه في أعمــاق نفسه لفــرض زوجته في البحرين نمط حياتها المرفهة عليه دونما مراعاة لتربيته كمواطن فسلطيني.. يعتز بدور المرأة داخل المنزل وليس خارجه.
يمتزج التحليل النفسي للشخصيات بالاجتماعي.. والطـبي بالأدبي، حيث يطل الشعر إما في خيال بطل العمل، أو عبر أهـازيج شعرية شعبية متوارثة، وكأنه واحة يستظل الغريب بها في الغربة وتحيمه من هجير الأيام وقسوتها.
لغة القصة سهلة بسيطة، وأقرب إلى اللغة "المحكية الدارجة"، ولكن تمازجها بالشعر، أعطاها ألقًـا وكساها ثوبا من الفخامة. تتعدد الفضاءات داخل القص.. بين مستشفى يطلق فيه المرضى صغارًا وكبارًا صرخاتهم من شدة الآلام، ويترقبون لحظة الشفاء. وإطلالة الفضاء الثاني من "مقهى ليالي زمان" حيث يمضي احمد الطبيب وقته بعد العمل محملا بأشواقه وأحلامه وطموحاته يبثها دفتره وأشعاره.
ويصبح فضاء مقهى ليالي زمان موضعا للتلاقي والتقارب والمودة والصداقة واستدعاء الوطن، بصداقة ربطت الطبيب أحمد بلاعب الكرة محمود، الفلسطيني الآخر الذي يعيش في الأردن، ويتنفسان معا عشق نسيم وطن جريح يقاوم شعبه للبقاء. وتعالج الرواية أزمة أي إنسان في العالم.. حينما يقع تحت طائلة إغراء المال والسلطة والشهرة، وبطلي الرواية احمد ومحمود قد وقعا في هذه الفخاخ خلال رحلتهما لكسب المال في البحرين، لكن الحاجة النفسية إلى الاستقرار النفسي داخل الوطن ورضا الوالدين ورعاية الأطفال الصغار قد أنهت هذا الإغراء.
تحية لمؤلف هذا العمل / سليم أحمد حسن، الذي قدمه بلغة سهلة يسيرة على شكل مذكرات حياتية.. تمثل تجارب وحيــاة المغتربين سواء كانوا فلسطينيين أم غيرهم، وكأنها سيرة ذاتية لهم، لكنها مفعـتمة بتحليل النفس البشرية.. وما فيهــا ما أدوار وطبائع جبلت على الخير، لكنها عنيدة تحلم بالأضواء وفجأة ترفضها، تعشق حـب الجمال لكنها في لحظة تزجره، تحلم بالمال وفي لحظة تزهده، لكــن الوطن وحنين العودة إليه هو الحاجة الأساسية لدى الإنسان التي لا تفارقه ولا يزهد فيها، بل ان العودة هي الحلم الذي تحقق الأمان الذي كان مفقودا.                                كما يموج هذا النص بالتحليل النفسي والاجـتـماعي والعاطــفي لكل شخصياته وأبطاله، فان الجانب التربوي والأخلاقي يظهران أيضا بقوة باعتبارهما جزءًا أصيلا في الثقافة العربية وعاداتها وتقاليدها الموروثة من زمـن الأجداد.
تحية للمؤلف علي هذا الجهد.. وأتمنى أن يواصل رحلته الإبداعيــــة في عمل أدبي أخر يسعد جهور القراء في العالم العربي كله.
***********************



الأربعاء، 7 أغسطس 2019

مجد الدين سعودي

قصيدة (الكلمة ) للكاتب والمخرج  المسرحي والزجال محمد الوافي : لكل مقام (كلمته)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _


_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

برولوغ
_ _ _ _ _

سي محمد الوافي ...
مسرحي حتى النخاع ...
يتواجد على الركح المسرحي مبدعا كبيرا ...
يكتب من أجل مسرح مغاير ...
زجال كبير يكتب للواقع المعاش ب (شدة ووردة) ...
مخرج عرفته من الزمن الجميل أستاذا لي في المسرح عندما أدار ورشة التأليف المسرحي بمدينة بوزنيقة باقتدار في التسعينات من القرن الماضي ...
وما زال سي محمد الوافي في أوج عطاءاته المسرحية في بلد الثقافة العرجاء واللامبالاة وتهميش المبدعين الحقيقيين ...
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

من ومضاته الزجلية المعنونة ب (شدة ووردة )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

( شدة....وردة
لحوالا ف لكْوارا 
وبنادم يتْجارا )
_ _ _ _ _ _ _ _ 

(  شدة....وردة 
الحولي يبعبع
تابعو الصگع )

_ _ _ _ _ _ _ _ 

(  شدة....وردة 
القايد ماضي
ولمقدم حاضي )
_ _ _ _ _ _ _ 

( شدة....وردة 
مللي المخزن اوگف
لمقدم ابدا يتفتف )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

(  شدة....وردة 
مع سياسة عول 
اللي دار ايدو يوحل )

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

( شدة....وردة 
الوقت مادْ رجليه
والدنيا تشوف منو الْهيه )

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

قصيدة (الكلمة) : لكل مقام (كلمة)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
في حوار أنجزته ( عزيزة رحموني) ، يقول الزجال الرائع احميدة بلبالي حول (صدق الكلمة ) : (( تكون للكلمات نسمة الصيف حين أتأبط قصيدتي في صيغتها النهائية ، وأنا أتصبب عرقا من حيرة  وخوف أن لا تكون القصيدة في المستوى  ، أتقاسم مع دائرة جد خاصة من المبدعين بمدينتي فناجين قهوة مرة و أسمعهم ما حملت وأنظر وأنتظر. بريق الاطمئنان في عيون الأصدقاء هو تأشيرة  للقصيدة لتعبر للمتلقي وهذه التأشيرة هي نسمة الصيف التي تخفف الضغط وتريحني ، تعطيني طاقة المضي نحو اقتناص إشراق قصيدة مأمولة. )) .
بينما يقول الزجال محمد ضريف في ديوانه (  وشام الضو) :
(( (هدا يا حرف هدا
ت يجي لكلام ونبدا
على كرحتك
تمرغت فاحلامي
يا هد الخلق هدا
لجمت لمواج
بملح الوحمة
الشمس طلعت مغطية بيزار لهوى... الصفحة 78))
ولهذا يحس المسرحي والزجال سي محمد الوافي بقوة وأهمية (الكلمة) ، فيقول :

(( ب الكلمة تعطي نغمة
تقتل أمة
تقطع نعمة
تحيد غمة ))
فالكلمة عند سي محمد الوافي كالسيف ، قد تحيي وقد تميت ، والمفروض في الانسان اختيار كلماته بدقة متناهية ...
ويعتبر الأستاذ احميدة بلبالي (الكلمة) منسمة من القلب ، فيقول في نفس الحوار السابق : (( تكون لها نكهة القلب ولون الربيع حين تطل في إشراقة الولادة وتطاوعني أدواتي لأرعاها شتلة ، أداعب أوراقها و أسقي تفاصيلها بما علق في ذاكرتي أو ما نهلته من معين البحث  في حكايات الجدة أو أساطير الإنسانية في الفكر الكوني لألبسها حلة لتصبح قصيدة وارفة الظل وأحتمي بها في انتظار نسمة الصيف وتأشيرة نضجها للعبور للوجود. )) .
وهذا ما يعبر عنه بصدق الأستاذ سي محمد الوافي ، فيقول :
(( ب الكلمة تداري
تراري 
اتعاري 
ب الكلمة اتعلم
بها تظلم
ب الكلمة تخلق حوار
ترسم مسار ))
الكلمة عند سي محمد الوافي (كلمات) لأنها تتخذ الشكل المناسب للظروف المحيطة بها :
(( ب الكلمة تنادي 
بها تعادي
بها تشرح 
بها تفضح
الكلمة ساس
فاس
بها اتشاطي 
بها تواطي
سؤال
عند الاجال
وعندأصحاب الحال ))
يقول شيخ الزجالين المغاربة ادريس أمغار مسناوي في ديوانه (حتى يكبر حظي) :
((  نتسنى  مني   نزرع قلبي  نهارات
                  نشعل  الحرف  ضواوات
                  ندخل وسط  العرسان
                  نعصر  كبدتي ...
                  نكتب  تخمامي ...
                                  باش تاتيني لوزان ... الصفحة 73))
ويختم الأستاذ سي محمد الوافي قصيدة ( الكلمة) قائلا :

(( الكلمة ادفا
زدفة
بها تشقى
بها تشفى
ب الكلمة تفك اللغز
وبها تدبز ))
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

مجدالدين سعودي - المغرب

احالات
_ _ _ _ 

1 قصيدة (الكلمة) لمحمد الوافي
2 حوار أنجزته عزيزة رحموني مع الزجال والباحث احميدة بلبالي
3 ادريس أمغار مسناوي : ديوان (حتى يكبر حظي) الزجلي
محمد ضريف : ديوان (وشام الضو) الزجلي
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

قصيدة (الكلمة) لمحمد الوافي
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

(( ب الكلمة تعطي نغمة
تقتل أمة
تقطع نعمة
تحيد غمة 
ب الكلمة تداري
تراري 
اتعاري 
ب الكلمة اتعلم
بها تظلم
ب الكلمة تخلق حوار
ترسم مسار
ب الكلمة تنادي 
بها تعادي
بها تشرح 
بها تفضح
الكلمة ساس
فاس
بها اتشاطي 
بها تواطي
سؤال
عند الاجال
وعندأصحاب الحال
الكلمة ادفا
زدفة
بها تشقى
بها تشفى
ب الكلمة تفك اللغز
وبها تدبز ))
محمد الوافي

_ _ _ _ _

الثلاثاء، 11 يونيو 2019

بقلم د.رمضان الحضري

أدبية النص في الشعر والقص

يعيش المثقف العربي حالة كبيرة من الغربة ، وذلك بسبب أن العالم من حوله قد تغير في كل شيء ، وهو لم يستطع حتى هذه اللحظة أن يغير جدول أعماله ، فلازال الشعر يتحلق حول شعراء الستينيات ، وكذا القصة القصيرة والرواية ، بالإضافة إلى السقطة الكبيرة التي يعاني منها التعليم على جميع مستوياته الحكومية والخاصة والعليا والثانوية وما قبلها.فالأخذ بأدوات العصر وتطوير أو ترك الأدوات القديمة أمر مهم للغاية في حياة الناس في كل مجتمع من المجتمعات ، فالذين يعيدون الناس ليعيشوا في التراث الفكري حياة كاملة دون توظيف وتطوير وتحديث لهذا التراث ، هم من يمسكون بالأقلام الحمراء ، ويصوبون للمطورين الأخطاء ، ظنا منهم أن طول فترة الميراث ، وعلو أسواره يفرضان على المجتمع أن يبقى تحت سقفه ، وأن يعيش بقية عمره داخل أسواره ، وقد كان المجتمع الصيني على ذلك فترة طويلة حتى عام 1949 م ، وكانت الوظيفة الحكومية حكرا على من يحفظ الكثير من التراث القديم شعرا من كتاب الأغاني الصينية القديمة ، ونثرا من كتاب الوثائق الصينية ، ولم تطل فترة الإفاقة ، ودخلت الصين المنظومة العالمية الجديد في نهاية الثمانينيات 1989م ، وتطورت بسرعة تفوق سرعة الصواريخ ، حينما ألقت بعقلها القديم ، واستخدمت عقلها الحالي ، حتى لا يعن لها قديم إلا وأدخلته في المنظومة العقلية الجديدة ، مثل مشروعها الأخير ( طريق الحرير ) .أما في دولنا العربية فلازال الشعر مصلوبا على باب من لم يكتب الشعر ، ولا زال النقد مطية بلا صاحب ولا هوية ، يمتطيها كل من ظن في صوته جعرا ، أو في لغته نحوا ، ولا يملك فكرا جديدا ولا رأيا سديدا ، فحينما استحدثت حلقة براغ مصطلح ( أدبية الأدب ) ، تلقفته الثقافة الفرنسية وطورته ، ثم أخذت الثقافة الأمريكية المصطلح مطورا من النقد الفرنسي فطورت المطور ، فتحولت البنيوية الروسية إلى البنيوية التشكيلية الفرنسية ثم إلى البنيوية التوليدية الأمريكية .ويقصد ( بأدبية الأدب ) أن يكون للأدب مقاييس علمية موضوعية ، تخرج النقد من عباءة الذاتية المفرطة التي تلوي ذراع النص لرؤية الناقد .
كثيرة كتب النقد في وطننا العربي ، لكن معظمها ينحاز لوجهة نظر النقد الأوروأمريكي لأسباب معلومة عند بعض النقاد ، ولأسباب غير معلومة عند البعض الثاني .أحاول أن أعلن على الملأ أن الفنون ليست إبداعا للثرثرة ، ولكنها إبداع لإكساب المجتمع توجها ما يصلح أفراد هذا المجتمع بالتعبير عن معاناة أفراده ، وغرس صحيح المفاهيم الإنسانية في نفوس ذويه ، والذين يظنون أن الفنون وبخاصة الأدب هو ثرثرة صوتية أو رسوم للحروف أو منتج للمتعة فقط ، لا يدركون قيمة الكلمة في المجتمع .والكلمة ذلك المنتج اللغوي اللساني لا ترتبط بقائلها فقط ، بل ترتبط بالمجتمع الذي أنتجها ، وبفكر المبدع الذي صاغها جماليا ، وبعبارة أخرى ، الكلمة بنت البيئة والمجتمع ، فالنص شخصية اجتماعية حتى لو كان منتجه فردا ، ألا ترى أن رجل الدولة شخصية اجتماعية وسياسية واقتصادية عامة لكل أفراد المجتمع ، رغم أنه من بيت واحد ؟ ! ، وكذا النص الأدبي هو من تأليف فرد ما ، لكنه شخصية اجتماعية عامة تؤثر في فكر المجتمع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وفكريا .فالكلمة إنتاج مجتمع وليست إنتاجا فرديا ، فلو أخذنا طفلا لينا من الصين وعاش في القاهرة ، ستكون اللغة العربية عنده هي اللغة الأم ، وسوف يتحدث العامية المصرية التي لا يجيدها مصري يعيش في الولايات المتحدة منذ عقود . 
فاللغة هنا بنت المجتمع ، وحينما يتناولها الأديب بصفتها الكنائية فهو يحاول أن يرسم الواقع كما يحدث في الشعر أو السرد ، أما إذا استخدمها بصفتها الاستعارية  فهو يستبدل واقعيتها بالمجاز ، لتصبح لغة شعرية .سياج / أنور أصفري **********رسم أنور أصفري لوحتين متداخلتين ، فالبناء الخارجي للأقصوصة بناء فنيا دلاليا يعتمد على حزن مستمر ، وألم مقيم ، وذكرى من الماضي ، تتكرر في الحاضر بنفس الأسلوب ، والبناء الداخلي لوحة لشجرة الزيتون ، واللوحتان بلا سور في ذهن المؤلف ، ولكن الأسوار عالية جدا أمام عين المؤلف ، هنا الصراع بين ما يرى وما يتمنى ، صراع بين الواقع وبين ما يجب أن يكون ، ويستمر الصراع في الأقصوصة بصورة جمالية ، هي أقرب للشعرية في اللغة منها إلى السرد ، وهذا فقه المؤلف الواعي الذي يريد أن يؤثر على النفوس بجماليات الكلمة الشعرية حيث إن الحدث معروف للجميع ، فالشعب الفلسطيني شعب مظلوم من قوى استعمارية ضالة وضارة ، ولا تعرف معنى الإنسانية ، وعلو شجرة الزيتون كارتفاع هامة الفلسطيني ، وقطع الشجرة هو قتل للرجل .******النداء / هبة بنداري************نعم هي نجمة السرد العربي الحالي بحق ، لأنها تنتج من القصاصات ثوبا رائعا ، وتضع يدها على مناطق فكرية غير مألوفة ، وتقدم لنا صيغا جديدة غير معروفة ، فالأم التي توفيت تطرح فكرة ، هل يتحدث المتوفي ويسمع ويجيب ؟! ، وهذه الفكرة في عقيدتنا الإسلامية مطروحة منذ غزوة بدر ، حينما نادى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم على قتلى قريش بأسمائهم ، فقال له عمر _ رضي الله عنه _ يا رسول الله إنهم موتى ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنهم أسمع لكلامي منكم .وقد طرح أبو العلاء المعري وإخوان الصفا قديما فكرة الميت الذي يتحدث ، وقد طرحها في عصرنا الحديث الروائي عبد الحكيم قاسم في روايته ( الأخت لأب ) .ولست مبالغا حينما أقول إن طرح هبة بنداري قد جاء أكثر فنية من الأطروحات السابقة ، وأرقى في تناسبها مع الشخصية الإنسانية ، حيث تستخدم فنيات السرد المعاصر بلغة رائقة وميسرة ، وتمزج بين السرد الحدثي والوصف بشكل غير مسبوق ، فلم يستطع المتلقي أن يعرف أن السارد في القصة هي أم ميتة ، حيث أسقطت الكاتبة حياتنا الدنيا على الحياة الآخرة ، وكأنها تقول لنا ، كثيرون منا يعيشون أمواتا وهم لا يعلمون .*************الساعة تدق الواحدة / عبد العزيز جويدة 
***************حينما أقول سيد شعراء العرب ، أعني من كتب هذا الشعر ، فهو ليس تشخيصا بل ذات اجتماعية يجب على الشعراء أن يرتقوا لمستوى الحدث الشعري عنده ، وهذا النص يبدأ بحصر بين التفسير واللا تفسير ( وجعي أنا ) ، فهو يغلق الباب أمام كل تكهن ، وأمام كل مخالف ، فهو سوف يتحدث عما يخصه ، ثم يقوم بتوصيف هذا الوجع ، التوصيف الزمني للوجع محدد مثل أذان الفجر ، والفجر هو الفيصل بين الظلام والضياء ، ولحظة الأمل بعد معاناة طويلة مع الظلام ، حينما ينفرد الوجع بصاحبه ، فيغلق عليه باب الغرفة ، ويستأسد الألم ، ويضعف البدن عن التحمل ، وتتداخل الذكريات ، وتأكل المشاعر بعضها بعضا ، وجميعهم ينخر في العظام ، فالغربة مؤلمة ، وفراق الحبيبة مثل موت الأم الحنون  ، إلا أن لحظة الفجر حينما تطل ، تأتي الذكريات الجميلة ، فخديجة أحبت محمدا صلى الله عليه وسلم لله ، تكريما لمحمد وتشريفا لخديجة ، وهذا الحب الذي نزل من عند الله لعباده ، لو فهمه الناس لكان كافيا ليسجد الناس جميعا لله ، ويحرصون على طاعته ، فأصدق لحظات الطاعة ، هي لحظة الحب لله .ينفرد عبد العزيز جويدة بلغة في منتهى البساطة ، وصورة في منتهى الوضوح ، وفكرة في منتهى العمق ، تتراكب القصيدة عنده على شكل جمالي في البناء ، فهذه القصيدة الشاهقة المطولة تشبه ناطحة سحاب ، بناها مهندسها على عمودين فقط للإعجاز ، فالنص كله مبني على كلمتين فقط هما ( وجعي أنا ) ، أما الأدوار العليا ففيها تنوع كتنوع البشر تماما ، فيها الحزن الجميل ، وفيها المحب الخائف ، وفيها النائم المفزوع ، وفيها الذكريات الجميلة والحزينة ، وفيها التاريخ الإسلامي ، وفيها مأتم والدة وهجر حبيبة .
***********ليس ما قلته في هذه القالة هو ما أريد أن أقوله تحت هذا العنوان ، وليس ما قلته من نقد عن أقصوصة أنور أصفري بكاف ، ولا ما قلته عن قصة هبة بنداري ، أو شعر عبد العزيز جويدة .هذه القالة رسالة مني لأحبابي ، رسالة لمدخل نقدي ، كيف نفسر الأدب ؟فالتفسير النحوي للأدب هو درس في النحو .والتفسير البلاغي للأدب هو درس في البلاغةوالتفسير النفسي للأدب هو درس في علم النفس  .فلا يمكننا أن نفسر نصا إلا من خلال النص ذاته باعتبار أن هذا النص بناء وتركيب وشكل خاص به ، وباعتبار أن النص الأدبي شخصية عامة تعيش في المجتمع ، وعلينا أن نتعامل مع هذه الشخصية على عمومها لا على تشخيصها أو حصرها في ذات مؤلفها .بقلم د.رمضان الحضري

الثلاثاء، 5 مارس 2019

بقلم الدكتور رمضان الحضري

رؤية العالم 
في المتوالية السردية ( وسن )
للكاتبة هبة بنداري


إن الأفعال التي أقوم بها ويتألم منها غيري ويصفها بأنها غريبة ، لو كانت في صالحه هو لشعر بالسعادة وأُعجب بها وأثنى عليها ، ولكنني على يقين تام أن كل شيء في الحياة مهم للغاية ، حتى الشعور بالوجع في عضو من أعضاء الجسم ينبه إلى ضرورة العلاج ، فاللصوص ينبهون الناس للحرص ، والأغبياء ينبهون الناس لضرورة الفهم والوعي ، والجاهلون ينبهون العلماء لأهمية العلوم ، حتى الحشرات الضارة تنبه الناس إلى ضرورة الوقاية من أخطارها .
أنا مؤمن جدا بأن الكاتب الحقيقي جراح ماهر ، يعرف أين يضع مشرطه ، ونص الكاتب هو المريض الذي لابد أن يكون في غرفة العناية المركزة حتى تمام المعالجة ، ثم يخرج لأهله وقرائه ، كما أؤمن بأن الناقد هو المساعد الأول للجراح ، الذي يشرح لأهل المريض كيف تم العلاج ؟ ! وكيف نحافظ على هذا المنتج ليظل عضوا فاعلا في المجتمع ، حيث إن تصور البعض للنص الأدبي بأنه مجموعة متراصة من المفردات _ التي تنتج كلاما أو حديثا في متوالية ، تتبعها متواليات أخرى _ إنما هو تصور يجعل النص دون قيمة اجتماعية ، على الرغم أن دعوات الأنبياء والرسل لم تبق منها سوى الكتب التي تقدم للناس القيمة الاجتماعية التي تحافظ على توازن المجتمعات البشرية صحيحة .
ولذا لم يصف الله كتابه بأنه كلام أبدا ، لكنه يصفه بالهدى والكتاب والذكر والبينات والشفاء وغيرها من الصفات الدالة 
على الوظيفة والماهية ، ولذلك لم ينتبه النقاد أن الحديث عن القرآن جاء حديثا ماديا محسوسا ، ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا  ) سورة الإسراء ( الآية 88 ) .
فعلينا أن نلاحظ ( أن يأتوا _ لا يأتون ) ، فالفعل ( أتى ) بمعنى ( جلب وأحضر وأبدع وأغنى وغيرها ) وليس من معناها القراءة ولا الكتابة ولا الكلام ، فالقرآن هدى وذكر ورحمة وشفاء وبينات وحُكْمُ مابين الناس ، أما اللغة فهي وسيلة جاءت بكل هذه الوظائف والماهيات .
وحينما فرّق البنيويون بين اللغة والكلام على منهج البنيوية اللسانية الذي جاء به دوسوسير وجاكبسون ، فرقوا بين المفردة في المعجم ، وبين اكتسابها لمقومات جديدة تجعلها كلمة داخل نص ، فالمفردة في المعجم أجير لكل من يستطيع أن يدفع أجره ، ويتمكن من استعماله ، أو مادة خام لكل من يستطيع أن يكسبها تشكيلا جديدا بموهبة وصناعة حقيقية ، تؤثر في المجتمع .
وجاء تطور البنيوية من خلال ربط النص بالمجتمع وبالعالم ، حينما ظهرت البنيوية التوليدية أو التكوينية على يد الفيلسوف الفرنسي لوسيان جولدمان والذي وضّح مصطلح ( رؤية العالم ) ، على الرغم أن هذا المصطلح كان كثير الاستخدام قبل لوسيان جولدمان ولوكاتش إلا أن استخدامه السابق لم يكن واضحا أو يقدم أفكارا جلية ومجتمعية يمكنها أن تفيد الناس .

حيث قدمت البنيوية التكوينية تفسيرا ماديا ومجتمعيا للفكر والثقافة والأدب الروائي والقصصي ، وفي تفسيرها للأدب القصصي تتكامل مع البنيوية السردية التي أسسها بقوة رولان بارت وجيرار جنيت وكلود بريمون .
دوما يجرجرني التنظير بعيدا عن النص الذي أبغي التطبيق عليه ، لربما هو قصد مني لاستجلاء النص أمام القاريء ، وإبراز المشرط الذي يمكنني أن أعالج به النص .
ومن أهم المصطلحات التي استخدمها أصحاب البنيوية التكوينية مصطلح ( رؤية العالم ) ، ومصطلح ( الوعي القائم والوعي الممكن ) .
ويمكنني أن أقدم تعريفا لكل منهما كما رآهما جولدمان ، فقد رأى جولدمان أن مصطلح ( رؤية العالم ) يعني به تطلعات مجموعة أو جماعة أو مجتمع لموقعها وموقع غيرها من الجماعات أو المجتمعات التي تختلف معها سلوكا وفكرا وربما وصلت إلى حد المعارضة ، فليست ( رؤية العالم ) عنده رؤية فردية بقدر ماهي رؤية مجتمعية .
أما مصطلح ( الوعي القائم والوعي الممكن ) فيقصد به رصد مظهر السلوك الإنساني ، بمعنى أن لكل إنسان سلوكا وهذا السلوك يستتبع العمل به ، حيث يمتلك الإنسان معرفة ما ، فيصبح الفرد في المجتمع ذاتا عارفة ، ويحمل موضوعا لهذه المعرفة ، وبناء على هذين ( الذات العارفة وموضوع المعرفة ) يستطيع أن يقدم للقاريء وعيا جديدا ، فالوعي فردي وجماعي .
وتأتي المتوالية القصصية ( وسن ) للكاتبة المصرية / هبة بنداري كنموذج مهم في السردية العربية ، فالمتوالية تحتوي على ثلاثين قصة قصيرة ، كل قصة تقدم فكرة مجتمعية مختلفة ، وتبدأ المتوالية بشكل مقصود بقصة ( صرخة ميلاد ) ، وتنتهي بقصة ( اليقين ) ، هناك وعي تام تمتلكه هذه الكاتبة ، فالمتوالية تبدأ بجملة ( عندما فتح الباب وبدأ يناقشني بصوت عال ، جاوبته بلا مبالاة ) ، وتنتهي المتوالية بآيات من كتاب الله العظيم حيث يقول جل في علاه ( إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) ، سورة القصص ( آية 56 ) .
فقصة ( صرخة ميلاد ) وهي الأولى في هذه المتوالية يصور فيها السرد كيف تنفك العقدة الاجتماعية بين رجل مسيطر وسيدة تحلم بالحرية ، هذا على المستوى الفردي والأسري ، وهي ذات العلاقة بين فرد وجماعة ، ومواطن ودولة ، وفكرة جديدة وقانون قديم ، فالولادة في السرد ولادة معنوية ، والمولود هو الحرية .
فالنص السردي يطرح ( رؤية العالم ) من خلال تحطيم القيود على الفكر وعلى الجسد وعلى الشعور ، وأجمل صرخات اللذة والألم هي صرخة من رجل أو امرأة تنجب الحرية ، فالحرية خير ، والشر هو القوة التي تساعد على الاستعباد ، ويساند العقم ضد الإنجاب ، و( الوعي القائم ) هو ذلك السلوك الفردي أو الجماعي الذي يرتضي بالاستعباد ، بينما يمكن للفرد أو الجماعة أن تتحول من الواقع إلى مساحات ( الوعي الممكن ) أو ما أحب أن أسميه أنا ( الوعي الواجب ) فهو أقرب لفهمنا العربي وأكثر ثورية وتحضرا ، فقدرة الفرد أو الجماعة على الوصول لسلوك أفضل يجعلها ملتزمة بالوصول إليه . 
ولا توجد في الرواية قصة بعنوان ( وسن ) ، فالكاتبة ترمي بكل فكرة قديمة يظنها البعض واجبا ، ولكنها تطرح فكرتها دون قيود ، تطرح العلاقات الاجتماعية بين الزوجة وزوجها سواء كان شابا أم كهلا ، ذكيا أم غبيا ، محبا أم مستعبدا ، كما تقدم علاقة المرأة بمفردات المجتمع في البيت وخارجه ، فهناك علاقة المرأة بالسينما والتلفزيون والسيارة والمال والفساتين ، علاقتها بحب جديد أو قديم ، وتظل المتوالية تعلو في طرح الرؤية حتى تصل في النهاية إلى علاقة المرأة المتمردة بربها ، فتطرح أسئلة وجودية ، وأفكارا ماركسية ، في محاولة لفهم الدين من خارجه ، ثم تعود مؤمنة رائعة ، حيث إن الإيمان ماوقر في القلب ، واليقين موضعه القلب ولا غير القلب ، فتصل للإيمان في منبعه ، وذلك في مسرودتها الباذخة ( اليقين ) ، فالشابة التي درست جراحات أورام المخ باستخدام الإنسان الآلي ، وهي أحدث أنواع دراسات جراحة المخ في العالم ، ترى أن السيطرة للعلم والعقل والفكر والمنطق ، لكنها حينما ترى غرابا يعلم ابنه ، وقطة تحفر حفرة ثم تهيل التراب لتواري ما أحدثته ، هذا خارج العلم والمنطق ، فمن علم الحيوانات ؟!
  ( ربما نحن كبشر نمتلك العقول التي تفكر ، ولكن هذه الطيور وتلك الحيوانات إنها نظم مبرمجة بدقة عالية .
صوت لا أدري ماهو ؟ هائل ومدمر ، لا أستطيع أن أتحرك أو أن أقوم من مكاني ، لا أستطيع حتى أن أتكلم ، ولا أرى ، ولا أسمع ) ، وسن ، صـ 168 .
أدركت الكاتبة أن العلم مجموعة من القوانين النافعة ، لكن الضرر في الوقوع في ربقة القوانين هذه ، حيث لا يمكننا أن نفهم مالا نرى ، ومهما بلغنا من العلوم ، فإن الإيمان لن تنبت أشجاره إلا في مساحات القلب الواسعة ، فالذي خلق الحواس لايمكننا أن ندركه بالحواس ، وأن الهداية تأتي من الله جل في علاه ، وأن تجربة الحيوانت التي لاتملك عقلا ولا معرفة ولا علوما يمكنها أن تقدم لنا فكرا جديدا وإيمانا يقينيا ، ولذا تختتم هذه المسرودة بختام غاية في الروعة بآيات الله جل في علاه ( إنك لاتهدي من أحببت ) .
متوالية سردية تقدم لنا مثقفة بعمق المحيط ، ومفكرة برفعة النجوم ، ولو حاولت أن أمر على كل مسرودة بمفردها ما وسعتني مقالات عديدة ، فلم تمنعني قدرتي على إشعال شمعة أن أشعلها ، فلربما استطاع غيري أن يضيء شموعا عديدة .

بقلم الدكتور رمضان الحضري