السبت، 29 فبراير 2020

عبد حوراني

"....../ فلسطينية/........"
الفدائية : ليلى خالد.




روايةُ ليلى هُنا باختِصارْ
قَنابِلُ عِزٍّ تهزُّ المَطارْ
سَتَقطُفُ نَصرًا تُباهي الزَّمانَ
بجَبهةِ ليلى يَهيمُ السَّمارْ
سَتَسْمُوَ فَوقَ عَنانِ السَّماءِ
ويعزفُ لَحْنَ النِّضالِ الصِّغارْ
تَعودُ البلادَ لِحَمْلِ السِّلاحِ
بعزمٍ تُقارعُ غازي الديارْ
وتَجْعَلُ غَمْرَ الحُقولِ قنابِلَ تُفهِمُ إبنَ السُّعودِ الحِمارْ
فَبِئْسَتْ بَعارينُكُمْ يا عَرَبْ
فَلَيلَى اللَقَاحُ وليلى البَذارْ
فليلى وأنتِ كَنَجْمِ السماءِ
زَرَعْتِ الكرامةَ في كُلِّ دَارْ
فَصَحْبُكِ كانوا حُماةَ الدِّيارِ
سَفينٌ يَشقُّ عِبابَ البحارْ
نُرَبّيَ أجْيالَ تَأبَى الخُنوعَ
لتَسْلُكَ نَهجًا يُغيظُ التَّتار
تُقاومُ تَهدمُ كلَّ العنابرِ ترفعُ  إسمَكِ فوقَ الجدار
ونَصْرُخُ ليلى شَبيهُ المَلاكِ إِسْمٌ وأشْعَلَ في الصَّدرِ  نارْ
فزيتونُ نقطفُ مِنهُ لِنأكُلَ مِنكِ قَطفْنا ثِمارَ الوَقارْ
قَطَفتِ الطيورَ التي في السماءِ
كَتَبتِ رَسَمتِ عَرَفتِ المَسارْ
فَانتِ البريقُ الذي في الحُروفِ
وَانتِ اللمارُ الذي في النَّهارْ..

عبد حوراني

محمد أديب السلاوي

الفساد المالي، الظاهرة المتجددة بالمغرب الراهن.



الفساد المالي في قواميس اللغة، و في القواميس الاقتصادية السياسية والمالية، يعني، الاعتداء على المال العام نهبا أو اختلاسا، باستغلال النفوذ أو الزبونية، أو باستعمال وسائل وطرق خارج القانون.
والمال العام في نظر فقهاء الشريعة و فقهاء القانون، هو كل ما تعود ملكيته للأمة، سواء كان نقدا أو عقارا أو وسائل نقل أو أدوات، ليس من حق الأشخاص الذاتيين أو المعنويين التصرف فيه، فهو أمانة في عنق أولي الأمر من المسؤولين الذين يتولون تدبيره نيابة عن الأمة باسمها و لفائدتها.

و لأن المال، مارد جبار، تخضع له الرقاب و تنجذب له النفوس، يحث على الخيانة  و الكذب والتزلف والنفاق و الضعف و التقهقر ليصبح فساده… منظومة واسعة تستقطب الخونة والمنافقين والضعفاء، و كل الذين باعوا ضمائرهم للشيطان … وما أكثرهم في الزمن الراهن. 


والفساد المالي ليس معضلة مغربية، فثمة اليوم جرثومة خبيثة تنخر جسد "النظام الدولي الجديد" تدعى الفساد المالي… وقد أصبح هذا الفساد ظاهرة رائجة متجددة في المجتمع العالمي ومتجذرة في حوالي مائة و ستين (160) دولة، حسب تقارير المؤسسات المختصة في عالم الجريمة.

وقد نظمت الهيئات و البنوك و الصناديق الدولية خلال العقدين الماضيين، العديد من المؤتمرات و الندوات، لمناقشة هذه الظاهرة على المستوى الأخلاقي و الثقافي و الحضاري، بهدف التوصل إلى علاجات قابلة للتنفيذ، والى قوانين لازمة و قادرة على استئصالها من جذورها و تخليص النظام الاقتصادي من شرورها.

هكذا أظهرت الدراسات العلمية التي اعتنت بهذه الظاهرة، أن الفساد المالي لا يعم فقط الدول المتخلفة، و لكنه يشمل الكثير من الدول الصناعية و النامية...كما أظهرت أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية التي يمر بها العالم اليوم، و هو في قلب الألفية الثالثة، قد زادت أمر هذا الفساد تعقيدا، بسبب الفراغ المؤسساتي الذي نجم عن انهيار الاتحاد السوفياتي، وكل المعسكر الاشتراكي، وهو ما وفر بعض الفرص الجديدة لشبكات الفساد الإداري والجريمة المنظمة في العديد من دول الغرب وإفريقيا و آسيا، للانخراط في هذه الظاهرة.

وليس بعيدا عن الدراسات و المؤتمرات العلمية / العالمية التي اعتنت / تعتني بالفساد المالي، هناك الواقع اليومي الذي يعطي الدليل القاطع، على التوسع المستمر لدائرة الفساد في عالم اليوم.حيت تجدب قوة المال رؤساء دول و حكومات ووزراء ومسؤولين على مستويات مختلفة إلى السقوط في فخ الإغراء، حيث يضبط القانون كل لحظة مئات الملايين من الدولارات ،تدخل الحسابات السرية الخاصة، لقاء خيانة الأمانة و خيانة القانون.

إذن ...الفساد المالي، ليس ظاهرة أو قضية مغربية أو افريقية، فهو ظاهرة شائعة في العديد من دول الشمال و الجنوب، تحتل مكانة متقدمة في العالم الثالث/المتخلف، إذ تستغل طبقة المفسدين مواقعها بالسلطة، داخل الإدارة العمومية وخارجها، للقيام بانحرافات وسرقات للحصول على الامتيازات والأراضي و العقارات والصفقات و القروض الكبيرة، وهي سلوكيات تتخذ مظهرا سياسيا في العديد من هذه البلدان.

وحسب ملاحظات الخبراء الدوليين حول هذه الظاهرة، فان وضع الفساد المالي الممزوج بالسياسة، أبرز في العالم المتخلف / السائر في طريق النمو ظواهر جديدة، تتصل بتبييض أموال الرشوة و تهريب المخدرات و الاتجار في " اللحم البشري"، و الصفقات و الأموال المسروقة و المهربة، و هو ما طبع العلاقات بين المؤسسات المالية بالعديد من دول العالم المتخلف / السائر في طريق النمو. والبنوك و المؤسسات المالية الدولية بعدم الثقة و الارتياب.

الفساد المالي، كما أنه يشكل احد أهم العوامل المؤسسة للتخلف، يعتبر إساءة مطلقة لاستعمال الوظيفة العمومية للكسب الخاص أو لمراكمة المكاسب على حساب مصالح الدولة، أو لتضخيم الثروة الشخصية أو الاستفادة إلى أقصى حد من تأثير النفوذ المالي للبقاء في السلطة.

والفساد المالي ظاهرة خطيرة و مؤثرة، ابتلى بها المغرب في عهد احتكار السلطة، طبع الفاعلية الاقتصادية والاجتماعية على مدى فترة طويلة من الزمن المغربي. صنع تحالفات متعددة متداخلة ومتشابكة بين شركاء السلطة و شركاء السياسة، و شركاء المال و الأعمال، بين الوسطاء والبيروقراطية الفاسدة، و هو ما صنع في النهاية "اللوبي" الذي اتخذ بتراكم السنين حجم الغول الذي أصاب الديمقراطية و حقوق الإنسان و المواطنة بخسائر فادحة لا تقدر بثمن.

و الفساد المالي،لم يوجد على الأرض المغربية بالصدفة، انه جاء نتيجة طبيعية و عادية لفساد متعدد الأسماء و الصفات والانتماءات و الأشكال، وجد مناخه المناسب في إدارة مريضة بالرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ، في مناخ سياسي / حزبي مريض و مترهل، فتغلغل وتعمق في فضاءاتها، إلى أن صنع منها منظومته المشؤومة.

و على أن ظهور "الفساد المالي" بالمغرب، لا يعود لحقبة معينة من التاريخ، فإنه ارتبط دائما بسلسلة من الظواهر السلبية، منها الفقر و الأمية و الجريمة المنظمة و العبث بحقوق الإنسان،  و بمفاهيم دولة القانون. ففي فترات غابرة من تاريخ المغرب سيما قبل الفترة الاستعمارية (1912_1956) عانت البلاد من فساد مالي تنوعت أساليبه و أشكاله و مآسيه و تنوعت مظالمه و فواجعه، حيت كان " إعلان الحماية" نتيجة طبيعية و حتمية لآثاره.

و الفساد المالي في التاريخ و في الجغرافيا لم يكتف بالاعتداء على مال الدولة و مال الشعب نهبا و اختلاسا و ابتزازا، و لكنه عمق دائما ثقافة احتكار السلطة و مصادرة الحريات و فساد القيم الانتخابية وتغييب الرقابة وإلغاء دور المجتمع المدني داخل مؤسسات القرار السياسي، لتبقى منظومته حية ومستمرة وبعيدة عن المساءلة.

و الفساد المالي هنا وفي مختلف أنحاء الدنيا،كان و لا يزال هو العدو الأول و الأساسي للتنمية الديمقراطية، انه آلية خفية يخترق القانون والقرارات السياسية و المؤسسات الإنمائية، ويحول الحكومات والبرلمانات والمحاكم، إلى مؤسسات شكلية، كما يحول المجتمع إلى فضاءات للعبث و المتاجرة.

إن نهب المال العام، يشكل خرقا قاسيا للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية المنصوص عليها في المواثيق و العهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، خصوصا العهد الدولي الخاص بالحقوق  الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي تؤكد جميعها على حقوق المواطنين في ثروات بلدانهم و خيراتها بالمساواة. وعلى حقهم في الإعلام و الخبر والوصول إلى مصادره والمشاركة في الشأن العام و مراقبته و تدبيره. وعلى حقهم في مساءلة كل من يخل بالمسؤولية.  

واعتبارا للترابط الوثيق غير القابل للتجزؤ ما بين الحقوق السياسية والمدنية من جهة  و الحقوق الاقتصادية من جهة أخرى  والذي يعتبر على أساسه، السطو على المال العام  و تهريبه أو نهبه، سطو وانتهاك خطير لحقوق الإنسان، لما ينتج عنه من أخطار الفقر والبؤس الاجتماعي، ومن إمكانيات التلاعب بأصوات المواطنين واختياراتهم  و دورهم في المشاركة في الحياة العامة الوطنية. 

وتأسيسا على ذلك يعتبر الفساد المالي من صلب الجرائم الاقتصادية التي تخل بتوازنات المجتمع و حيويته، التي أدت، بالإضافة إلى حرمان المغرب من استغلال ثرواته، إلى الفقر المدقع لشرائح واسعة من أبنائه و إلى ارتفاع نسبة الأمية و انخفاض مستوى الدخل، وإلى ارتفاع نسبة البطالة و خاصة بالنسبة إلى حاملي الشهادات. 

يعني ذلك، أن الفساد المالي، في عالمنا اليوم، لا يقتصر على تحويل إمكانات الدولة وأموالها ونفوذها للمصالح الخاصة، بل هو أكثر من ذلك، إجرام يعمل على تحويل الدولة إلى أداة لنهب الثروات و تراكمها في جيوب وأرصدة الخونة / الفاسدين. والى احتكار المناصب والزعامات والانفراد بها. وبالتالي إلى تخريب الديمقراطية و قيمها وتحويلها إلى ديكتاتورية و من ثمة أصبح هذا الفساد اللعين، يشكل تحديا حقيقيا للتنمية والاستقرار السياسي، نجمت عنه عواقب كارثية، أثرت سلبا على المجتمع والسياسة والاقتصاد، وعلى قدرات الدولة على إيجاد الحلول لمشاكلها المتراكمة و المتداخلة، و تحقيق طموحات المواطنين في الانتقال الديمقراطي و التنمية و الحداثة.

محمد أديب السلاوي

الخميس، 27 فبراير 2020

محمد أديب السلاوي

الفساد الانتخابي الذي هزم الديمقراطية بالمغرب الراهن.



الانتخابات دورة أساسية في حياة الأمم ذات الأنظمة والتقاليد الديمقراطية. فهي آلية لتناوب الكتل السياسية والقوى الاجتماعية والاقتصادية، تمد الدولة والأحزاب بالدماء الجديدة والأطر الجديدة.
 وفي الدول التي تعمل بالديمقراطية، تشكل الانتخابات فرصة للتلاقي والتواصل والتحاور والمشاركة والاختيار.

وقد أدرك المغاربة مبكرا هذه الخاصية، وأدركوا معها أن الانتخابات هي دورة أساسية في حياتهم، وإنها القناة السياسية التي تصنع للدولة ولمؤسساتها، النخبة والأجيال، ولكنهم صدموا باستمرار من طرف السلطة التي جعلت من العمليات الانتخابية قاطرة لتحقيق خططها وأهدافها المتعارضة مع قيم الديمقراطية، ومع التطلعات الوطنية.

ويجب الاعتراف أن الفساد الذي عرفته الانتخابات على يد السلطة خلال الأربعين سنة الماضية لعب دورا أساسيا في هزيمة الديمقراطية بالبلاد، وفي تحجيم دور المؤسسات وإفشال مفعوليتها، فهزيمة الديمقراطية لا تتمثل فقط في تمييع وتزوير العمليات الانتخابية، ولكنها بالأساس تتمثل في تمييع الفضاء السياسي برمته، حيث فقد مصداقيته، ودوره في التربية والتأطير والمشاركة.

إنه من سوء الأمراض التي أصابت الديمقراطية المغربية، تلك "السلبية" التي طبعت الاستحقاقات الانتخابية في العديد من مراحل تاريخ المغرب السياسي، والتي أدت إلى "تشكيل" مجالس بلدية وقروية وغرف مهنية، وبرلمانات تفتقر إلى القوة الاقتراحية، وعاجزة عن الإنتاجية والابتكار والحماس، لا تتحلى بالكفاءة، عاجزة عن التأثير، وعن التعبير عن إرادة الجماهير، وعن تحريك عجلة التنمية والتقدم، رغم إقرار العديد من القوانين التنظيمية التي تحدد إطار عملها وتفعيلها، رغم توسيع إختصاصاتها وتطوير آلياتها. وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، سنة بعد أخرى، وانتخابات بعد أخرى.

ولا شك أن " السلبية" التي تسلطت على المسلسلات الانتخابية في المغرب منذ مطلع الستينات إلى اليوم، لا تتجلى فقط في وصول طبقة من الانتهازيين إلى مراكز المسؤولية والى المؤسسات المنتخبة بسبب شراء ذمم الفقراء بالمال الحرام وبدعم من " السلطات"، ولكنها تتجلى أكثر في ابتعاد الجماهير عن المشاركة وفي عدم تأطيرها بشكل صحيح من طرف الأحزاب والحركات السياسية، وهو ما أدى دائما إلى نتائج عكسية مدمرة للديمقراطية، وللانتخابات وللمجتمع بكافة شرائحه وفصائله.

وعلى امتداد أربعة عقود "انتخابية"، اتخذت هذه "السلبية" شكلا مرضيا واحدا، يتجلى في الغش والتزوير والارتشاء وتدخل السلطة، وهو ما أصبح يعرف لدى الإعلام، ولدى العامة من المواطنين"بالفساد الانتخابي" والفساد، فعل ضد البشرية قديم قدم التاريخ وقدم الإنسان، أباد حضارات ومذاهب وأفكار وعقائد وسلوكات وتقاليد وعادات، وبسببه اندلعت حروب وأزهقت أرواح بشرية، وبسببه أيضا انهارت أنظمة وقامت أخرى.
والفساد يعني في المفاهيم الشعبية المتداولة، افتقاد الطهارة، وفي المفاهيم السياسية، يعني الاستخفاف بالمسؤولية، ومصادرة الرأي وخيانة الأمانة، وطعن الجماهير / الأمة في ظهرها، والتلاعب بمصالحها وقيمها.
والفساد في واقع الحياة، يصعب حصره وضبطه بدقة، فهو ينسحب على مجالات الحياة كلها، فهو عالق بالسياسة والاقتصاد والمجتمع والأخلاق، لأجل ذلك أصبح الفساد هو القضية الأكثر تهديدا للأنظمة والشعوب على السواء.
ومفهوم الفساد في القواميس اللغوية والمتون الفلسفية والسياسية، يختلف من ثقافة لأخرى، ومن فئة لأخرى، ومن زمن لآخر،لكنه مع " الاختلاف المفاهيمي"، يبقى الفساد هو فعل ضد الإصلاح وضد الأخلاق وضد الشرائع الدينية / السماوية وضد القيم الإنسانية.

وعن أسباب الفساد وأصوله، تتفق العديد من البحوث الأكاديمية، على أن " السلطة السياسية" في عالمنا اليوم، هي أصل وهوية الفساد، تعلل ذلك بالقرارات والتصرفات السياسية، للعديد من "قادة" الأرض، التي أدت الى تخريب المجتمعات وقيمها، والى إشاعة التسفل بين الشرائح والفئات...

فالسياسة لا تنحصر آثارها في المجال السياسي، بل تمتد إلى الأفراد والمجتمعات والقطاعات، خاصة وان فاعليتها في كل الأمم والشعوب، تعتمد على "النخبة" التي تعمل على توزيع المصالح والمسؤوليات، المتحكمة في المجتمع والقيم والأخلاق، وفي الأموال والرقاب، وهو ما يجعل " الفساد" ابنا شرعيا للسياسة ولنخبتها.
وبتجربة الشعوب التي نخرها سوس الفساد (ولنا في الوطن العربي بعض أصنافها)، فإن النخبة السياسية "المخدومة" والتي تصل السلطة خارج المشروعية، بواسطة انتخابات مزورة، أو في ظل ديمقراطية مغشوشة، تعطي الفساد قدرة على التوالد والتنامي والتجديد... وتعمل على تزويده" بالآليات" التي تمكنه من فرض نفسه على البلاد والعباد ليلقي بظلاله على مصالح الناس، أينما وجدوا وكيفما كانت حالتهم الاجتماعية والمالية والثقافية.

وبحكم العلاقات التي تفرضها على نخبتها تصبح"المصالح" بين أفراد هذه النخبة خارج الشرعية والقانون، فعلى يد هذه النخبة أهدرت قيم القانون في العديد من بلدان العالم الثالث، وصودرت الحريات العامة، وغيبت الرقابة الشعبية، وألغيت مؤسسات المجتمع المدني في العديد من أقطار الوطن العربي...لتصبح "السياسة" مصدرا أساسا للفساد، في أصنافه ومستوياته المختلفة.
إن اتساع الأدوار السياسية والاقتصادية والمالية للفاعلين السياسيين، أدى في أقطار عديدة من العالم، إلى اتساع موازي" لمنظومة الفساد..." وبالتالي أدى إلى انهيارات اقتصادية وأخلاقية، ما زالت حديث الساعة وحديث الناس في الأرض.
ولقد كشفت العديد من الدراسات الأكاديمية، أن الفساد الانتخابي / السياسي / الإداري / المالي، هو فساد مترابط ومتداخل مع ظواهر الإجرام الأخرى، المتصلة بالمجتمع ومؤسساته المختلفة. وكشفت هذه الدراسات، أنه بسبب التراكم، أصبح للفساد في العالمين المتقدم والمتخلف على السواء، تقاليده ومؤسساته وسلطاته، لتصبح مكافحته صعبة ومستحيلة في العديد من الدول، غذ بلغ اليأس حدا جعل العديد من الناس يسلمون بأن المكافحة، لن تكون سوى ضرب من العبث، أو ربما كانت كالاعتراض على قوانين الطبيعة، بعدما أصبح الاعتياد على الفساد سنة أو نهجا في العيش وفي المعاملات والخدمات، وفي السياسات له القدرة أكثر مما للقوانين التي تكافحه أو تنهي عنه.

والفساد الانتخابي "كفصيلة من منظومة الفساد" ليس مرضا ظرفيا، فهو جزء لا يتجزأ من "الفساد العام" الذي استسرى واستفحل في دواليب المؤسسات المنتخبة، والإدارة العمومية والقطاعات الاقتصادية...وكل المجالات الحيوية الاخرى بالبلاد، لفترة طويلة من التاريخ.
لقد توفرت للفساد الانتخابي (بالمغرب) بمكوناته : الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ والزبونية خلال العقود الماضية، كل إمكانات الاتساع والاقتدار والنمو، وكل فرص البقاء والاستمرار والتطور والامتداد، حتى إذا وصلت هذه الفترة من تاريخ المغرب السياسي، وجدناه حاضرا بقوة وكثافة على جدارية الديمقراطية. على البطائق الانتخابية. وعلى صناديق الاقتراع. وعلى الفائزين في الاقتراعات المختلفة، يفعل فيها ما يريد، يوجهها حسب هواه وإرادته.
عندما استقبل المغرب القرن الواحد والعشرين، كان المغاربة قد "انتخبوا" خمسة برلمانات (1963-1997) وصوتوا على خمسة دساتير، وخاضوا عددا من الاستفتاءات التي كان محورها تعديل الدستور، ولكن مع ذلك لم تكن النتيجة-كما نرى- في فصول هذه الإضاءة – باعثة على الفخر والارتياح إلا أنها كانت هامة لثقافة الشعب المغربي السياسية، وهامة لتسييس فئات واسعة من المواطنين ولتأطيرهم ولبلورة طموحاتهم الديمقراطية والحقوقية، رغم التشوهات التي لحقت بالعمليات الانتخابية ورغم تراجع دور الأحزاب والمؤسسات السياسية، مما يجعل الشفافية والموضوعية والمصداقية تحديات كبيرة وقوية يواجهها المغرب الجديد في عهده الجديد.
وبعيدا عن حالات الفساد التي عمت الانتخابات المغربية، خلال القرن الذي مضى، يجب التأكيد على أن التجارب الانتخابية في المغرب، ظلت على عادتها،(تمييع الخريطة السياسية / عزوف الناخبين / تدخل الرشوة والمال والتجاوزات الإدارية)، واحدة من أبرز الخصوصيات التي انطبع بها المغرب دون العديد من الدول العربية والإسلامية، ودول أخرى عديدة من العالم الثالث، وهي إقرار التعددية في دساتيره المختلفة، وأن هذه التجارب ظلت من سنة 1963 إلى اليوم، تعبر – بشكل أو بآخر- عن علاقة القوة بالفاعلين السياسيين، وعن النهج السياسي المتنامي لدى شرائح واسعة من المواطنين، خاصة الشباب الذين أصبحوا يحتلون مرتبة متقدمة في نمو المغرب الديمغرافي (52% في أواخر التسعينات) وعن نضج ثقافة حقوق الإنسان لدى هذه الشرائح.

من هذه الزاوية يمكننا أن ندرك بيسر وسهولة، الأسباب التي تجعل المجتمع المدني المغربي، يولي قضية الانتخابات في العهد المغربي الجديد كل هذه الأهمية، فهذه الانتخابات تأتي في زمن مغاير، إذ هي الأولى في عهد جلالة الملك محمد السادس، الذي حمل معه مبادرات كبيرة رسمت معالم النهج الديمقراطي المستقبلي، وهو ما يتطلب في نظر العديد من الفعاليات الحقوقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ضرورة التخلص من ترسبات الماضي، وتصحيح المفاهيم السياسية والدستورية المرتبطة بالعمل والآليات الانتخابية، وتطهير المسارات المؤدية إلى دولة الحق والقانون.

ولاشك أن الوصول إلى هذا الهدف، لا يتطلب فقط إعادة النظر في "الإشكالية الانتخابية بالبلاد" وما يرتبط بها من إشكالات تتعلق بتأسيس الأحزاب وتنظيمها ودمقرطتها، وبالمدونة الانتخابية وقوانينها التنظيمية الزجرية والرقابية، وإنما يتطلب إضافة إلى ذلك تعزيز الضمانات الإدارية المرتبطة برفع وسائل الضغط على الناخبين وشراء ضمائرهم، تعزيز لجان الرقابة، وتشديد العقوبات على المنتهكين للقوانين الانتخابية وهو ما يتطلب وضع خطة وطنية محكمة، بمشاركة كل الأطراف السياسية المسؤولة دستوريا عن المساهمة في تأطير المواطنين، وفي مقدمتها الأحزاب السياسية التي تمثل أداة سياسية لكل نظام ديمقراطي.

وإذا كان الشعب المغربي، ممثلا في قيادته وأحزابه ومؤسساته يسعى إلى أن تكون انتخابات "العهد الجديد" نقطة تحول في التاريخ المغربي، فإن نخبه التقدمية والديمقراطية، ترى قبل الوصول إلى هذا الهدف، مباشرة العمل على تخليق الحياة السياسية وتجاوز الأساليب اللاأخلاقية التي تمت بها الاستحقاقات الماضية. وقد لا يكون الأمر يسيرا بفعل التراكمات والوقائع السلبية التي انطبعت بها الحياة السياسية طيلة العقود الأربعة الماضية، حيث ساهمت الإدارة وبعض المنظمات الحزبية في تمييع العمل الانتخابي والمس بمصداقيته.

هل يعني ذلك أن الوقت قد حان لتصحيح المسار الانتخابي، ومن خلاله المسار المؤسساتي في البلاد...؟
هل يعني ذلك أن الوقت قد حان لتغيير السلطة / الدولة. والأحزاب السياسية واللوبيات، نظرتها إلى المسألة الانتخابية، والمسألة الديمقراطية عموما...؟


محمد أديب السلاوي 

الثلاثاء، 25 فبراير 2020

سلوى اسماعيل

إعلان
ـــــــــــ
مكتب بريد مهجور للبيع 
مليء برسائل لم تصل لأصحابها 
ووشوشات مكتومة في الهواتف المعطّلة
وعكّاز لرجل عجوز.. 
نسيه حين أخبروه، أن صندوق بريدهِ فارغ منذ سنة 
أخيراً..
منديل وردي مبلل بالدمع،
لصبية كانت تنتظر كل يوم، خبراً من حبيبها الأسير.

/ مهند الشهرباني/

....................
لن ابيع 
ارمم قلوباً مهجورة
حمامة أجوب مدن الحلم
بحثاً عن عناوين صادرها القدر
انثر رسائلاً معتّقة بنبيذ الإنتظار
 تثمل نوافذاً معتمة
نور يداعب ستارة قلب فقد صلاحيته
في دروب العدم
وشوشات الهواتف حدائق 
رياحين تعيد للذاكرة صوراً غيبتها
 ظهر عجوز سنديانة 
ريح الوحدة أحنت كاهله
 رسالة بعبق الماضي تعيد توازنه
 منديلاً وردياً،بلون خد صبيه
مشبعاً بدموع العشق
على وجه أسير أنثره
عمر ينتش حبقاً
 تحيي قلباً 
املاً بلقاء يحرره



/ سلوى اسماعيل/

ابراهيم سبتي في بورتري لجمعة اللامي

قاص عراقي معاصر 
 جمعة اللامي: فضاء السرد الحر

قرأت مجاميعه القصصية الاولى التي اصدرها في السبعينيات وهي ( من قتل حكمت الشامي.. اليشن.. الثلاثيات) ولكني احتفظ في ذاكرتي بشيء من مجموعته الاولى من قتل حكمت الشامي " التي صارت ايقونة  للسرد  ولجمعة اللامي لانها الاشهر لدى  قراء القصة والنقاد والادباء عامة. كانت اجواء المجموعة او اغلبها اهي لصراع بين الافكار في قعر السجون وبين الحرية وقد عولجت بفنية عالية كشفت  عن موهبة اللامي وبراعته المبكرة وصارت قصصه ورواياته محط اهتمام النقاد والباحثين والدارسين لانه استطاع بقدرته ان يشرك القارىئ في اعماله والدخول في فضاء التأويلات... يتميز بأنه صنع مساحة سردية خاصة باسلوب يصل للجميع بلغته المثيرة. اسم كبير في القصة العراقية والعربية. 

سيرة

( جمعة عجيل درويش الراشد اللامي )
ــ قاص ــ روائي ؛ وصحافي عراقي ؛ مقيم في دولة الامارات العربية المتحدة منذ سنة 1980 .
ــ نشر اعماله الادبية في الصحف والمجلات العربية منذ سنة 1965 ؛ وترجم بعض اعماله القصصية الى عدد من اللغات الاجنبية ؛ من بينها : الانجليزية ؛ الفرنسية ؛ الالمانية ؛ والروسية .
ــ عمل بالصحافة العراقية والعربية منذ سنة 1965 .

جوائز ادبية

• الجائزة الاولى في ميدان القصة القصيرة ، في احتفالية المؤتمر الاول للادباء والشعراء والمسرحيين الشباب العرب ، بغداد ـ سنة 1977 .
• جائزة السلطان قابوس للابداع الثقافي ــ مجال القصة القصيرة ، سنة 2006
• جائزة العنقاء الذهبية في مجال الرواية العراقية سنة 2007

الأعمال الأدبية
.
1 – من قتل حكمة الشامي  مجموعة قصص قصيرة
2 – اليشن..
.مجموعة قصص قصيرة
3 – الثلاثيات  مجموعة قصص قصيرة
4 – التراجيديا العراقية.. الأعمال القصصية الأولى
5 – المقامة اللامية.. رواية

6 – مجنون زينب .. رواية
7 – الثلاثية الاولى . رواية
8 – على الدرب .. قصص قصيرة (( إعداد ))
9 – عبد الله بن فرات .... نصوص
10 – اشواق السيدة البابلية ....... نصوص
11 – الحرية والثقافة ــ ذاكرة المستقبل .......... مقالات ومواقف في حرية الضمير
12 – الأعمال القصصية الكاملة
13 – الاعمال الروائية الكاملة

14 – دفتر الشارقة – 1 : ابن ميسان في عزلته ... نصوص شعرية
15 – دفتر الشارقة – 2 : مدينة الحكمة ؛ بوابة الكلمة ... يوميات ثقافية في شخصية المكان

دراسات وبحوث

16 – زايد : حلم مأرب ........ دراسة ثقافية – تاريخية في الشخصية العربية
17 – الأبل في الأمارات العربية المتحدة .... دراسة ثقافية – تاريخية – ادبية انثروبولوجية
18 – المسألة الفلاحية في العراق .... بحث في الأقتصاد الساسي للريف العراقي
19 – قضية ثورة : الصراع والوحدة في منظمة التحرير الفلسطينية
20 ــ رئيس مجلس ادارة : مركز الشارقة ـ ميسان العالمي للحوار والتنمية الثقافية / هولندا
21 ــ المدير العام لدار بابل للصحافة والطباعة / نيقوسيا ـ قبرص
22 ــ الخبير الثقافي لدائرة الثقافة والاعلام في امارة عجمان ( 2007 ـ 2010 ) .
24 ــ نائب مدير تحرير جريدة " الخليج " الاماراتية
25 ــ رئيس تحرير مجلة " ميسان " / نيقوسيا ـ قبرص
26 ــ مسؤول الدسك المركزي ( الفترة النهارية ) بجريدة الاتحاد الاماراتية
27 مديثر تحرير مجلة ( الف باء ) العراقية ـ بغداد
28 ــ مساعد رئيس تحرير مجلة ( وعي العمال ) البعراقية ـ بغداد
29 ــ محرر اشؤون العربية بمجلة ( الهدف ) ـ بيروت


ابراهيم سبتي في بورتري عبد الحليم مهودر

قاص عراقي معاصر (63)
عبد الحليم مهودر : السرد الساخر ببراعة

بالصدفة، وقع كتاب "حكايات مهودر الساخرة" بين يدي وعرفت بأن عبد الحليم مهودر صاغ حكاياته بقدرة وحنكة. اذن هي حكايات السخرية والالم والكوميديا السوداء التي التقطها من الشارع و مارلنا نعيش بين اقبيتها. ما ان تنتهى واحدة حتى استلم الاخرى كأنها نكتة او طرفة خفيفة الظل. كتبت ببراعة ودون مباشرة مكشوفة، بل كان السرد يحلق بها عاليا. ان هذا الفن السردي من اصعب الفنون لان على الكاتب استخدام السهل الممتنع لغة واسلوبا.. هي نقطة شروع بارعة في سردنا العراقي المعاصر. 

سيرة

البصرة _  المعقل ١٩٥١
بكلوريوس  لغة عربية /كلية الآداب / جامعة البصرة
عملت في الصحافة
الراصد /الإذاعة والتلفزيون/الزمان (طبعة البصرة) معاون مدير مكتب
مدير تحرير _مجلة فنارات
مستشار البيت الثقافي _ قصر الثقافة_ البصرة
عضو اتحاد الأدباء في البصرة
عضو اتحاد أدباء العراقيين
عضو اتحاد الأدباء العرب
احد مؤسسي مشغل البصرة السردي
مؤسس جماعة صمت للسينما
الأعمال الأدبية
ظل استثنائي /مجموعة قصصية _ عدة طبعات داخل العراق وخارجة
الصمت انه الصمت /مسرحيات (مايم  بانتومايم)
حكايات مهودر الساخرة /عدة طبعات داخل العراق وخارجة
آخر المتنبئين / نصوص
الذلول /رواية _عدة طبعات داخل العراق وخارجة
عابر استثنائي /مسرحيات _ مشترك
الكتب
المشهد الثقافي في البصرة
اهوارنا نص مفتوح _ مشترك
افلام  وثائقية
مجزرة النخيل
سونغرافية الشط
جمانة البحر
ذاكرة المدينة عشر حلقات عن البصرة  لحساب تلفزيون الحضارة
عرضت مسرحيات منها (دموع أسد طابوقي/ ابتلاء/الورقة والقلم /النقد)
كتابات في المسرح و كتابات في السرد
مسؤول عن طباعة الكتب في اتحاد أدباء البصرة

جميلة محمد ...لوحة مارسلين اليا

صباح المحبة البيضاء .
الحنين ...

على  هذه الأرض  
تمنيت لو أصبحنا
يا حبيبي ...كلنا عشاق ..

و نشتاق ...نعم ..نشتاق
لمواويل  السيدة .. 
لشذو فيروز
 نشتاق  للقهوة برغبة  اللوعة
و  قصائد  الهوى المبعثرة في الارجاء
تسافر راقصة  بين نظرات العشاق
نشتاق ..اجل نشتاق 
للموج الازرق ..لقناديل البحر
.. وحرقة الاشواق....
 وخطو نا ..المتتاقل ..
على رمال الذهب
ومداعبة قدمينا لفرشة الماء .. ..
نشتاق ....
   لطيور السلام  ترسم قلوبا ...
تحوم  حول" الوداية"
 تلف" حسان "
تغني :
.يا "رباط" الروح
يا طوق  الدوح ..
يا ^براق"  الأحلام ..


اريد ان أصحو ولا انام ..
اني اخشى عليك  حبيبتي
 من عيون الغرباء..

..قد هبت نسائم الامل

وألتقينا بعد طول عذاب
على ضفاف   رقراق
نعاتب اسوار الغياب 

كان الوقت غروبا
والسماء  ترواض الشفق
قد  غاض قلبينا الارتياب ..

فمشينا يدا في يد  
نسابق حمرة  الشمس
تتقادفنا   امواج  الأشواق

قد أتيتك وانا  أكابر  حنيني
بينما تعانق  روحك ..روحي
كنت  اكتم بين ضلوعي أنيني   ..

واتيتني  انت  بخيلاء
 بأحضان متكبر ..مشتاق ..
تبدي اللامبالاة  ...
.تفضحك الأحداق ..

اعترف

أاحرقتك اللوعة...
قد هزمني الفراق ..

جميلة محمد

الأربعاء، 19 فبراير 2020

د.رمضان الخضري

تطور الخطاب الشعري في الجزيرة
رؤية في شعر أحمد آل مجثل الغامدي

************
سيطر الهجامة على معظم المنابر الشعرية في وطننا العربي ،
وحجبوا قناديله ودره عن عيون العامة ، وماكان الوطن العربي
في حاجة للشعر عبر تاريخه الطويل كما هو حاله الآن ، فالمواطن
العربي يحتاج الشعر في الوقت الحالي أكثر من حاجته للطعام
والشراب ، حيث إن الشعر هو الميزان الحقيقي لاتزان الشعور
والوجدان ، فحينما يصلح حال الشعر لن نجد أغنية ضارة بالذوق
، ولن نسمع كلمة خادشة للحياء ، ولن يثير جدال بين متجادلين
ترى كيف كان يعيش العربي حينما يسمع حسان مادحا للرسول ،
ويسمع ابن أبي ربيعة يتغزل مازحا وضاحكا ، ويسمع جميل بن
معمر يتغزل ملتاعا ومشتاقا ، ويسمع المتنبي مفاخرا بعلو همة .
إن الشعر البليغ ، حالة من حالات التسامي حيث تتحول المفردات
الصلبة إلى حالة من حالات النشوة الغازية دون المرور بالحالة
السائلة للمفردة .
والخطاب في أبسط تعريف عالمي له هو طريقة التقديم ، فالخطاب
السياسي طريقة تقديم معلومات سياسية ، والخطاب الديني طريقة
عرض الدين بصورة مفهومة ، والخطاب الإشهاري طريقة عرض
السلعة ووصفها للمشتري ، والخطاب الشعري طريقة تقديم الشعر
للمتلقي .
وقد أخذت كلمة الخطاب في لغتنا العربية معناها من استخدامها
 اللغوي المتعارف عليه ، فيرى ابن منظور في تعريف الخطاب
( مراجعة الكلام ، وقد خاطبه بالكلام فهما يتخاطبان ) ،
وقريبا منه ماجاء به الكفوي في معجم الكليات حينما عرّف الخطاب
بقوله ( الكلام الذي يقصد به الإفهام ) ، فمن شرط الخطاب أن
يكون مفهوما .
فالخطاب الشعري يكون متواليات شعرية صادرة من مرسل
 ( الشاعر ) إلى مستقبل ( السامع / القارئ ) .
فالخطاب الشعري = شاعر + شعر + قارئ/ سامع .
والشعر = نثر + موسيقا ، فإذا أردنا استطراد المعادلة
الخطاب الشعري = شاعر+ نثر + موسيقا + قارئ/ سامع
وللشعرية تعريفات قديمة من ابن طباطبا العلوي وقدامة بن جعفر
ومن بعدهما الجرجاني والقرطاجني وغيرهم ، ومعظمهم يقول عن
الشعر أنه الكلام الموزون المقفى المفهوم ، ما عدا الجرجاني الذي
أضاف لهم أن يكون الشعر مؤثرا في نفس سامعه .
وجاءت التعريفات الجديدة للشعرية على يد أدونيس ونازك الملائكة
والحق أن تعريف أدونيس للشعر لايمت للشعر بصلة رغم شهرة
هذا التعريف واندفاع بعض أساتذة الجامعات خلف التعريف تفسيرا
وتنظيرا ، مما جعل النقد الأدبي لازال غرّا لا يمكل مقومات الحكم
على القالات ، بل يأخذ الكلمات المرتبطة بأشخاص معروفين أو
أصابتهم دولهم ومكنتهم بشهرة لا ترتبط بواقع الإبداع ، يقول
أدونيس في تعريف الشعرية ( الشعر رؤيا والرؤيا بطبيعتها
قفزة خارج المفاهيم القائمة ) ، وهذا القول ينطبق على السباكة
والسياسة والتجارة وكل العلوم والفنون .
فأزعم أن النقد العربي الحديث لم يقدم شيئا سوى ما قدمه عميد
الأدب والثقافة العربية الدكتور طه حسين ، وغنيمي هلال وياسين
المقدسي الفلسطيني ومحمد مندور وأخيرا عبدالمنعم تليمة .
ويظل النقد العربي من المحيط للخليج مرهونا بمجموعة من
المعلبات النقدية الغربية التي لاتصلح أن تقدم شيئا لأدبنا
العربي إلا كما تقدم إسرائيل للشعب الفلسطيني .
فالخطاب الشعري العربي القديم لم ينتبه لعميد الفكر العربي القديم
أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني
البصري ، الذي عرف الشعر بأنه القول البليغ المؤثر ، والذي
يستخدم فيه كاتبه البيان والدلالة ، فيقول الجاحظ : _
( على قدر وضوح الدّلالة وصواب الإشارة، وحُسن الاختصار،
 ودقّة المدخل، يكون إظهار المعنى، وكُلّما كانت الدّلالة أوضح
وأفصح، وكانت الإشارة أبين وأنور، كان أنفع وأنجع ) .
وقد اعتمد الخطاب الشعري العربي القديم على الغنائية في
الموسيقا والدلالة والتشكيل ، وعلى رصد الحياة بتمزقها وتعدد
موضوعاتها في النص الشعري ، فكانت المتواليات اللغوية في
القصيدة تتحدث عن موضوعات متعددة وربما متناقضة ، فلا رابط
بينها سوى الموسيقا المتواترة أو موسيقا الروي والقافية أو
 موسيقا الحروف والتقابلات .
وقد وقعت عيني على شعر من لم أره ولم أعرفه إلا من خطابه
الشعري ، وهو شاعر الجزيرة / أحمد آل مجثل الغامدي السعودي
تعرفت على شعره منذ سنوات قصيرة لا تتجاوز أصابع اليد ،
وحاولت مرارا أن أفتش في سطوره لتميزها عما يدور في ساحة
ما نطلق عليه مشهد الشعر العربي الحاضر ، فالنصوص به تمكن
من استخدام الأدوات ، ولا تستطيع الأدوات ان تقيم فناً شعر سوى
على أرض شعرية هي الموهبة ، فالموهبة أرض الشعر التي يمكننا
أن نؤسس عليها نصا ، والذين يؤسسون نصوصا على غير موهبة
فهم يقيمون قصرا من الوهم ، فمن سمع كأنه لم يسمع ، ومن رأى
كأنه لم ير ، كمن يستقبل الريح وهو مختبئ في استوديو عازل
للصوت ، وهذا مايحدث حينما نسمع كلاما موزونا يظنه كاتبه
أنه شعر ، فإذا ماقال فرح من هم على شاكلتي حينما يصمت ،
وصفقوا لصمته لا لكلامه .
يقول الشاعر / أحمد آل مجثل في قصيدة له بعنوان :
مَصارع العُشّــاق ) )
**********
طربَ الفــؤاد بلهـفـة المشتــاق
وتذكرت بَعضُ الحروف رفاقي
وتسارعت نحو القَريض أناملي
كي تـكـتسي أبـيـــاتـهـا أوراقي
وتجـمّلت ورداً وبعـض جِـنانها
ظمأى تبيــتُ فهـــاكــمُ أحـداقي
يا حــضرةَ الأحباب إني عاشق
مثل السنابل نبضها أشـــــواقي
يا أعذب النّغــمات في قاموسها
ردّوا إليّ مصــارع العُـــــشاق
ردّوا إلى قــــلب المُتيّم روحه
وتأملوا عــــــند البُعــاد فراقي
ما كنت أحسب أنّ مَن أحببتهم
يوماً تضـــيق بحـالهم آفـــاقي
فلطالما أسرجت ليل همومهم
ورتـقـت من بعـد الوصـال فتاقي
ولطالما أبكت حُروفُ قصائدي
بعـض العـيون فزادها إشفاقي
لو كان قـلبي جُـنّةً لوهــــبتها
دمعي وإن ضنّوا عليّ رفاقي
********
ولقد ذكرتني القصيدة بقصيدة حافظ إبراهيم التي قال فيها :
كم ذا يكابد عــاشـــــق ويلاقي
في حب مصر كثيرة العـــــشاقِ
إني لأحملُ في هواك صـــــبابة
يامصر قد خرجت عن الأطواقِ
حافظ إبراهيم من أوائل الذين حاولوا أن يعيدوا الشعر العربي
لمكانته القديمة في العصر العباسي أزهى عصور الشعر العربي
القديم ، ولذا فهو يعود بالشعرية العربية إلى واقعها القديم ،
بينما أحمد آل مجثل يخترع واقعا جديدا للشعرية العربية من خلال
محاولاته أن يجعل الشعرية العربية بخصوصية عربية وصفات
وصور إنسانية ، فإذا ترجمنا قصيدة حافظ إبراهيم للغة غير
العربية فلن يهتم أو يطرب لها أحد ، بينما إذا ترجمنا قصيدة
أحمد آل مجثل للغة أخرى حتى لو كانت اللغة الصينية فسوف
يجد فيها القارئ فهما للحياة ، ليست لحياة العربي فقط ، بل
لحياة الإنسان عامة على الكرة الأرضية ، وهذا الوعي في
نص آل مجثل يرتبط بحياتنا التي اختلفت عن حياة حافظ إبراهيم
فلم تعد هناك فكرة خاصة بوطن ، ولا ثقافة خالصة لمجتمع ، بل
ربما انتهي من صلاتي وقيامي لأقرأ ما درا في العالم كل من حولي
حيث أصبح العالم كله محدد بمساحة 6 بوصة تقريبا ، وهو حجم
الهاتف الذي يحمله الإنسان في يده ، فكل منا يحمل في يده العالم
 كله ، فحينما اشتاق حافظ إبراهيم لمصر وهو شوق يدل على
 الانتماء والحب لوطنه ، تشتاق حروف أحمد آل مجثل ، وشتان
 بين شوق الحروف الذي نتج عن شوق قائلها ، وبين شوق القائل
الذي ربط الحياة بذاته ، منكفئا على داخله .
والصورة الجمالية عند حافظ إبراهيم مرتبطة تماما بالشعور العربي
والواقع المعيش ، فهو يفرح من الصفات الكريمة ، كما يفرح
الغريب بعودته إلى دياره ، نعم صورة جميلة واقعية ، لكن شاعر
الجزيرة يفصل هذا الواقع ، فلم تعد العموميات مشكلة الشعر ، بل
التفاصيل الصغيرة التي يلتقطها الشاعر من حوله أو من ذاته ،
فأنامله تجري تجاه الشعر ، وكأن الأنامل قد وعت وشعرت بما
يشعر به صاحبها ، فأصبحت شاهدة وسامعة ، وعليها أن تتحرك
بوجدانها عسى أن يتطابق الوجدنان ، وكذا الروح ليست في الجسد
 كله لكنها في القلب ، وتحديد الروح للقلب شيء مثير للغاية إذا ما
 وعينا أن القلب موقع الشعور وأن الروح موطن الحياة ، فالشعر
عند آل مجثل هو حياة القلب أو شعور الحياة أو حياة الشعور .
حتى مفردات القافية والروي أكثر صوتية عند حافظ إبراهيم ،
ولكنها أكثر ألما وتوجعا عن أحمد آل مجثل شاعر الجزيرة .
*********
يقول الشاعر السعودي / أحمد آل مجثل في نص بعنوان
 ( علّ وربما ) نشره أمس على صفحته الخاصة بموقع
 التواصل الاجتماعي
*******
ويَموتُ
بينَ شِفاهِنا من عشقنا
وَلَـهٌ يحاكي الوَجنتَين مِن الظّما
وتنامُ
في أوجاعِنا بجراحنا
لُغةُ  :  لعلّ  المُتعَبينَ  وربّـمـــا
وأكونُ
يومَ رواحِنا في شوقنا
قمــحاً  توضــأ ديمـةً  وتَيمّــما
وتَعودُ
بَينَ حصادِنا ضحكاتنا
عــطـراً  تَنفّسَ مـرّةً  أو همهَما
وأصوغ
حين غنائنا ببواحنا
لحــناً  تخــضّب رقّــةً  وتبــسّما
وتتيه
في آفاقنا تنهيدة
فتسابق الغيث العَميم إذا همى
تمضي
بنا الأرواح تولد شهقةٌ
تلقى الذي تحت الرماد تفحّمـا
**********
لازالت الدرب في أولها عسى الله أن يقدرني لاستكمل وجهة
نظري في شعر هذا الشاعر العربي المؤثر في المشهد الشعري
تأثيرا حقيقيا ، وسوف أتم الدرس في اللقاء القادم فقد أطلت
 على أحبابي القراء وهم أغلى عندي مني .
***********

د / رمضان الحضري
القاهرة في 19 من فبراير 2020 م
********

الثلاثاء، 18 فبراير 2020

الناقد عبد الله اتهومي . و تجريد المغربى / محمد سعود


 نحن هنا الأن امام رؤي نقدية للوحات الفنان المغربى " محمد سعود " ، لقد إبتعد المؤلف في قراءاته النقدية عن المعتاد ( قراءة نقدية مطولة تحتاج لوقت ودراية بمذاهب ومدارس الفن ، وإسقاطات من الناقد علي العمل .... الخ ) ، هو يغادر هذا الموضع أو الوضع النقدي المعتاد ، ويتوجه مباشرة إلي المتلقي مُساعداً له ،في جمل وكلمات بلا مصطلحات من خلال هذه الإضاءات الشعرية السريعة كى يمضي بنفسه إلي العمل مستكشفا الظاهر منهُ إلي ما هو مُستتر فيه . اعجبتني الفكرة فخصصت لها هذه الملاحظة تعبيرا عن تقديري لجهده ، وله قراءات أخري مماثلة تنشر تباعا إن شاء الله ) .

سـ جـ

1

:Mohammed Saoudتقديم الفنان محمد سعود،

لوحة من وحي اللحظة " اكريليك على قماش "


استقرائي للوحة الفنية:

ما بين يخضور وزرقة في صفاء

نشر رونق حمرة

ما بين ألوان وزنبقة في ارتقاء

سر عمق رسالة

ما بين سلم ومحبة في بقاء

خير رفق رمزية

2

من عمق يخضور في تفاعل

طلوع حمرة في توهج

من رفق حضور في تناسل

نصوع خضرة في تفوج

من شق نشور في تساهل

نبوع اضاءة في تزوج

3

:Mohammed Saoudتقديم الفنان محمد سعود،

"العائلة هي إحدى روائع الطبيعة " الفيلسوف الاسباني
خورجي سانتيانا .

اللوحة " صورة عائلية" اكريليك ورمل على قماش 2013

استقرائي للوحة الفنية:

في السير ثنائية ذهبية في ثبات

بينها أمل قادم

من الخير هيبة ثمينة في اثبات

منها أصل خادم

في الفخر أبهة رمزية أبهات

بها فضل عازم

4

:Mohammed Saoudتقديم الفنان محمد سعود،

ازهار الشوق - اكريليك على قماش 2018


من خصوبة بهاء خضرة

بزوغ تلألأ حمرة

في جاذبية نقاء زرقة

نبوغ تهيأ قدرة

من الاتقائية لقاء مجتمعة

بلوغ نشأ قمة

5

:Mohammed Saoud تقديم الفنان محمد سعود،

"رسائل العبور الاخير" اكواريل على ورق 2019


من تماسك حروف في سبح في عمق

عطف حنية في تشارك

في تمالك ظروف في منح في أفق

لطف قوة في تمالك

من تهالك قطوف في سنح في رمق

لف فرصة تماسك

°°°


عبدالله اتهومي الدار البيضاء المغرب في 17 فبراير 2020

لوحة مارسلان ايليا تعليق جميلة محمد

اقرئي كفي حبيبتي
 ولا تخفك  هيجاء  العواصف التي مزقت ثنيات راحي ..لا تضعي عيناك على مكامن جراحي ..لا تلمس روحك  جيوب روحي... لا تتألمي .....يداي التي كتبت الكتاب ..يداي التي بنت وهدمت ..دنت كثيرا وهاهي اعلت أسوار الغياب . يداي التي رفعت البندقية ...يداي التي قطعت اوصال  الوطن ...ويداي التي حملت نعش الوليد تلوى الوليد  ..ويداي التي ..غرست شتائل الياسمين ..واسقطت الزيتون ... يداي ..التي صافحت الأعداء ..ويداي التي سامحت الاندال..يداي التي ...دفعت ثمن الحرية .. قالت وداعا للأحلام ...وداعا للسلام ....في صمت .....

لوحة مارسيلان اليا..

الخميس، 13 فبراير 2020

د رمضان الحضري

المشهد الشعري المصري
******
أعلن اعتذاري قبل أن أكتب مقالتي هذه ، حيث بالتأكيد سوف أنسى
أسماء متعددة سهوا ، وأترك بعضها قصدا وتجنبا للحرج الذي قد
يصيبها ، فلا يمكنني أن أتحدث عن كل الحقائق أو عن جميع
الأسماء ، ولكن الأسماء التي سوف أتحدث عنها مبدعة بحق
وسوف يظل أثر هذه الشخصيات مستمرا لفترة تطول أو تقصر
متناسبة مع الموهبة والقدرة على الإبداع .
والذي لاشك فيه أن استفاقة الشعر العربي _ بعد قرون الانحطاط
التي طالت دهرا وطالت كل جوانب الحياة _ كانت على يد أفذاذ
في الموهبة والقدرة على إعادة العقل العربي لمكانته الصحيحة
فبدأ البارودي الصحوة بنصوص تكاد أن تكون قد قتلت فترة
القطيعة بين العربي وشعره ، وبلغ الشعر ذروته على يد أمير
الشعراء أحمد شوقي ، الذي استحق اللقب وأنا أعتبره رتبة
وليس لقبا عام 1927م ، وفي أغسطس من عام 1927م ، كان
أمير الشعراء قد سافر إلى سويسرا حيث كان يمتلك ( فيلا ) على
جبل هناك ، وفوجئ بكبار شعراء أوربا وأكبر نقادها بقيادة
جان فوكو جاءوا لزيارته ، فظنهم شوقي مهنئين ، فقال فوكو
بل لنعلن أنك أمير شعراء العالم ، نعم بلغ الشعر المصري والعربي
بلاد أوربا وأثر فيهم حتى قبل شوقي بأكثر من قرنين ، ولكن
الأوربيين لم يكونوا قد تأثروا بفترة الانحطاط العثمانية أو
سابقتها المملوكية ، لكنهم تأثروا بشعرنا العربي منذ عصر
 ما قبل الإسلام وحتى العصر العباسي الثاني والشعر
الأندلسي على وجه التحديد .
لست قاصدا للتأريخ هنا بقدر قصدي بيان فترات تأثير الشعر
العربي على الحياة في بلادنا العربية وخارجها وبيان الأسباب
حيث ستفيدنا في هذه المقالة على نسق ما .
ظن البعض أن تفوق شوقي في شعره يرجع لسفره لأوربا
ويناقضون أنفسهم مرة ثانية ويرجعونه لتمكنه من لغته
العربية ، والحق أن شوقي شأنه شأن طه حسين موهوب
ويمتلك القدرات التي تجعله يستغل كل مناخ يعيش فيه بل ويطور
في المجتمع الذي يحيا به .
وكان حافظ إبراهيم على ذات النسق وخليل مطران الذي
أدخل الرومانسية للوطن العربي تضاهي وتتطور عن الرومانسية
الغربية ، وبعدها بدأ الشعراء الذين يريدون التطور يدخلون في
الفخ الغربي ، وينوعون في الشعر العربي ذات تنويعات الشعر
الغربي ، بل ويأخذون الصور الغربية ليضعوها في شعرنا فتجد
من يتحدث عن بلاد الضباب وينسى أنه يشير إلى لندن ، ومن
عن النوارس ولايدري أن بلادنا العربية ليست بها نوارس ،
ناهيك عن أنواع الورود والزهور الأوربية ولقاءات الأحبة
 الأوربيين وعباراتهم التي كادت أن تصلنا في شعرنا مترجمة
، وقد زاد الطين بلة أن النقاد العرب بدأوا في جلب النظريات
النقدية الأوربية المعلبة والمستوردة ويطبقونها على أدبنا
ولا يزالون يفعلون حتى كتابة هذه الكلمات ، وهم يدركون أن
ما ينطبق على لغة لا ينطبق على غيرها ، فما ينطبق على اللاتينية
لايمكن أن ينطبق على العربية ، والعربية بالتحدي لا تطابقها لغة
أخرى حتى لو كانت من ذات الفصيلة كالعبرية أو الفارسية
 أوغيرهما .
والأدب لغة مرتبطة بواقع ، واللغة عربية والواقع عربي إسلامي
والاختلاف بين اللغات يستوجب اختلاف بين العقول ، والاختلاف
بين الواقعين يستوجب اختلاف في المكتوب ، نعم هناك مبادئ
عامة إنسانية بين كل الشعوب ، ولكن الفنون لكي تكون أكثر
تأثيرا في مجتمعاتها لابد أن تحصل على الخصوصية والذاتية
المجتمعية ، وهذا ما جعل اسم طه حسين والعقاد والحكيم وإدريس
ونجيب محفوظ وغيرهم مستمرا بيننا ، بينما تختفي أسماء كثيرة
ربما كانت أكثر انتاجا في الكتابة ولكنها ارتبطت بحوادث تنتهي
 معها الكتابة وتمحي من الذاكرة ، حتى العبقري نفسه إذا كتب
في حادثة مرتبطة بزمن أو موقع أو شخص ، لا تطول كتابته كثيرا
فمثلا ما جدوى قصيدة شوقي في رثاء مصطفى كامل لنا الآن ؟
هي نص لغوي ليس إلا ، بينما حين يتحدث عن حبه لوطنه يبقى
النص خالدا ، حينما يتحدث حافظ عن لغتنا العربية يبقى النص
شاهدا ، هذا من ناحية الموضوع .
أما من ناحية التشكيل الفني فإن الموهبة والقدرات هي الت تحدد
خلود النصوص من عدم خلودها ، وتتجلى الموهبة في طرافة
التصوير والتعبير واستحداث موسيقا داخلية ترتبط بوجدان المتلقي
وتخاطب في الشعور والنزوع والإدراك ، وتجدد له الفهم والوعي
وتقدم له وجهات نظر جديدة ، وتحدد له ميولا أخرى لتغير له
اتجاهاته نحو الأسمى والأجمل .
وهذا ما يجعلني أذكر من مصر عبدالعزيز جويدة وأحمد سويلم
وعماد قطري وعلي عمران ومحمود حسن وعاطف الجندي
ومصطفى رجب وثروت سليم وحاتم عبدالهادي وعلاء شكر
ومحمد مملوك  ومحمد ناجي وعصام بدر وياسر فريد وأمير
صلاح سالم ومحمد جاويش وسليمان الهواري وحسين أبو الطيب
وعبد القادر عيد عياد وحسونة فتحي والدكتور سمير محسن .
 إلى جانب الشاعرات فوزية شاهين وإلهام عفيفي وسكينة جوهر
 وهبة الفقي وشيرين العدوي وإيمان حسين وحنان محمود ودينا
 عاصم ونورا جويدة .
وكما قال الجاحظ : إن الذاكرة ملكة مستبدة ، فإن ذاكرة الشعوب
لا تحفظ إلا من استطاع أن يستمر فيها بموهبة وقدرات خاصة
فيظل اسم امرؤ القيس والمتنبي وشوقي ومن استطاع أن يوظف
موهبته ويستخدم قدراته ، واختفت أسماء الآلاف من الذين كانوا
يحسبون أنفسهم شعراء مؤثرين ، بل إن بعض من يظنون أنهم
أصحاب مدارس شعرية اختفت أشعارهم وهم أحياء فلا تجد من
يذكرهم أو يذكر لهم بيتا أو سطرا ، حتى أننا لا نجد من يذكر بيتا
لأعظم منظري الشعر عند العرب وهو الخليل بن أحمد الفراهيدي
الأزدي العماني البصري ، رغم أنه كان شاعرا ، ولم نحفظ
لسيدتنا صفية عمة رسول الله شعرها ، وحفظنا شعر الصعاليك
والتهاجي بين جرير والفرزدق والأخطل .
فالشعر موهبة وقدرة لا يرتبط بحب وكره ولا دين وكفر وإن
 كان يرتبط عند العرب بقيم ومبادئ وحسن خلق من حلم
 وشجاعة وكرم .
فالمشهد الشعري المصري الحالي يبشر بوعي معظم الشعراء
الذين ذكرتهم لماهية الشعر ووظيفته ، وخصوصية اللغة والمجتمع
العربي والإسلامي ، مما يجعل شعرهم هو الأقدر على الاستمرارية
بينما يوجد بعض الشعراء الأحياء الذين لايمكننا أن نذكر لهم نصا
يستر سنيهم حتى تمر ، أو يرضي ذائقتنا حتى تقر .
فالشاعر المصري الحقيقي هو من استطاع أن يطور أدواته مع
القفزات العصرية الشاسعة ، ليعترف أنه لم تعد هناك حدود
صادقة بين الشعوب في العالم كما كانت حتى نهاية القرن
الماضي ، ولكن معظم الحدود هي أغطية وهمية لعدم قدرة
بعض الدول المتخلفة على إدارة حياة أفرادها ، واستمرارية
اتباع النظم بعيدا عن اتباع العلوم والتطور ، فيتبعون ثقافة
النظام ويتركون نظام الثقافة ، ويتبعون تعليم النظام ويتركون
نظام التعليم ، فيظل البناء التحتي تابعا لا مشاركا ، ويظل البناء
 الفوقي مفرقا لا جامعا .
وهذا ما يجعل الشاعر الحق قائدا ثقافيا يشير لصحيح
الدرب ، ويعلي من الهمم فيوقظ العقل والقلب ، لا تابعا
يثير العامة بشقشقة بيان أو سجع كهان ، فيصبح شعره
سلعته لا وجهته ، وتصبح كلماته لجيبه لا لبلده ومبادئه .
وقد فقه شعراء مصر الحاليون وضع مجتمعهم ودولتهم
وما يحيط بها من مخاطر ومؤامرات ، وكلهم يعلم أن
بلدهم تخلصت بأعجوبة من الحوت الكبير الذي كان
يريد أن يبتلعها ، وهم يعلمون أن رأس الحوت في واشنطن
وذيله في تل أبيب ، وأن أشعارهم سوف تصل ، فلم يكن
الغرب ليمدنا بالشبكة العنكبوتية إلا إذا كانت ستدر عليه
دخلين لا دخلا واحدا ، فهم يستفيدون بما نقدمه من معلومات
وخاصة عامة الناس ، ويبيعون لنا بضاعتهم بأغلى الأثمان ،
وهذا ما جعل شعراء مصر يكتبون ويدركون أن بعد ضغط
زر النشر بثانية سيقرأ كلامهم الأمريكي والصيني من الغرب
ومن الشرق ، ولست أشك لحظة أن شعراء مصر يدافعون
عنها كما يدافع شباب جيشها على الحدود ، وكل شاعر حقيقي
يموت لأجل صدق حروفه مرات ومرات في قصيدته ، ولا يجد
من يكرمه أو يشكر له بعض صنيعه .
وسوف أقدم بعضا من قصائد الشعراء الذين ذكرتهم لبيان تأثير
شعره في المشهد الشعري المصري ، وهذا في اللقاء القادم غدا بإذن الله تعالى .

د.رمضان الحضري 

يحيى الشيخ

هبة الله :
ضمير المغرب الميت!


تفاعل المغاربة مع هبة، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، من طنجة إلى لكويرات. فيا له من شعور وطني نادر من أجل قضية إنسانية مؤلمة! هذا ما ينبغي القيام به في مثل هذه الكوارث الفظيعة! ولكن طريقة التعامل مع الكارثة كانت فظيعة هي الأخرى : تخاذل  المجتمع وغياب تام للسلطة وتجاهل كلي للمواطنين الذين لم يحركوا ساكنا لإنقاذ الضحية .
إن قوانين الدول الديموقراطية التي تحترم مواطنيها وتدافع عنهم تعاقب كل مواطن لا يتدخل لنجدة مواطن آخر، بل وتعاقب السلطات التي لا تقوم بواجبها لإنقاذ ضحايا الإجرام وغيره. ولكن للأسف الشديد، أبانت قواتنا المدنية وممثلونا السياسيون عن عدم رغبتهم في حمايتنا ورفع الضرر عنا. إننا نعرف أن هذا ليس بجديد في بلدنا المسلم، بل هو عادة ترسخت منذ فجر الاستقلال، ذلك أن القوى السياسية والنخبة المثقفة في بلدنا لم تفكر أبدا أو أنها لم تتمكن من بلورة فلسفة مستقيمة لتربية روح المواطنة لدى المواطن أو ربط أواصر المحبة بين السلطة والمحكومين من أبناء المجتمع.
  هبة هي واحدة من ضحايا الأمس واليوم والغد. نعم، ستحبل الأيام المقبلة بمزيد من الهبات الضحايا لانعدام سياسة حكيمة لحماية الشعب والدفاع عن كرامته. ولا يتأتى هذا إلا بإعادة النظر في هيكلة المؤسسات، بل وإعادة بناء المواطن. إنه لمن العار أن نجد مسؤولين وبورجوازيين مغاربة يستنزفون الوطن ويعيشون خارج آلامه وأحلامه، بل إن البعض منهم ليشتري جنسيات أجنبية بأموال باهظة تفوق المائة ألف أورو لأنهم باتوا مقتنعين بأن الحياة داخل الوطن لم تعد مؤمنة ولا آمنة. فتراهم يسرقون ليل نهار لضمان مصاريف تدريس أولادهم في مؤسسات أجنبية بالداخل أو الخارج. لقد باتوا متيقنين بأن البلد الذي يأويهم ينهار يوما بعد يوم وأنهم يعيشون لحظاته الأخيرة وهو يلفظ أنفاسه.
إن شعارنا هو "الله، الوطن، الملك" ، ولكن لم تتدخل السلطة الدينية لإنقاذ حياة هبة وغيرها من الهبات في وطن تستشري فيه الزبونية والفساد ، ولم تتدخل السلطة السياسية لإنقاذ هبة وغيرها من الهبات في وطن لا يرحم مواطنيه، ولم تتدخل الحكومة الناطقة باسم الملك ودستور الأمة لضمان العيش الكريم لهبة وغيرها من الهبات؟
شعار فرنسا مثلا : الحرية، الأخوة والمساواة! إنه شعار تترجمه المؤسسات على أرض الواقع ويموت من أجله الشعب، بل إن المواطن هنا ليضحي بحياته من أجل إنقاذ المواطنين كما هو محسوب لدى رجال المطافئ الفرنسيين الذين فقدوا أزيد من ألف وخمسمائة شخص خلال مهامهم في إطفاء الحرائق.
أضف إلى ذلك السلوك العفوي لمعظم المواطنين الأوربيين الذين يزجون بأنفسهم في المهالك لرفع الضرر عن الناس، كما وقع في باريس خلال الصيف الماضي، حيث أنقذ شاب من مالي طفلا فرنسيا كاد أن يسقط من الطابق الرابع.
فرنسا "الكافرة" ونحن المسلمون! أوربا "الإمبريالية" ونحن المسلمون؟
المسيحيون كفار، ونحن المسلمون!
 ألقاب واختيارات دجالين يكذبها الواقع، ويظل الموت المبرمج في بلداننا يحصد نفوس الأبرياء يوما بعد يوم : مات أخي الأول ومات أخي الثاني في مغربنا بسبب خطأ طبي، ومات أطفال كثيرون في شوارع المغرب، ومات مناضلون شرفاء في سجون المغرب، وما زال الجبناء والوصوليون يعيشون شرفاء في هذا البلد الأمين.
يا أيها المهاجر الشريف، اندم على كل شيء اقترفته في حياتك، ولكن لا تندم أبدا لأنك فارقت هذا الوطن الذي قتل فيك أبسط مشاعر الإنسانية إلى الأبد. سيقول لك أصدقاؤك المناضلون على سبيل المزاح : " نراك قد هربت!" أجبهم بما نصح به أبو حامد الغزالي : "إذا فسد القوم والزمن فعليك بخويصة نفسك!".

لقد قيل قديما :

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا

والبيت لا يبتنى إلا على عمد
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

فإن تجمع أوتاد وأعمدة
فقد بلغوا الأمر الذي كادوا

إننا لنعيش حياة فوضى حقيقية، نعيش السلب والنهب وغياب تام للأمن، سراتنا جهال (من الجهالة والجهل معا) وأعمدة بيوتنا مهترئة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
شكرا لهبة التي أشعلت فينا فتيلة الحياة وهي تحترق كالشمعة لتضيء فينا ما تبقى من كرامة ماتت فينا منذ ستين سنة أو يزيد!

يحيى الشيخ 

ادريس الزايدي



. مع كتاب علال الحجام

" تحولات تموز في شعر محمود درويش"








يطالعنا الشاعر علال الحجام بكتاب ضخم من 587 صفحة ، تحت عنوان " تحولات تموز في شعر محمود درويش" ، منشورات بيت الشعر في المغرب عن مطبعة دار المناهل لسنة 2019. وفيه تناول الشاعر شعر محمود درويش من خلال محتوى يضم تقديما وثلاثة أبواب وخاتمة .

والمقدمة تأطير للدراسة ، تناول فيها الشاعر علال الحجام إشكالية البحث وفرضيات قرائية ثلاث، مضمنا إياها سبب اختياره الاشتغال على شعر محمود درويش.ثم عقب على منهج الاشتغال الذي اختاره للامكانات التي يتيحها في الجمع بين النص وخارجياته، جاعلا من البنيوية التكوينية نبراسا قادرا على صهر الخاص في العام في اتجاهين : انتقائي يسهل تحديد رؤية العالم عند محمود درويش والثاني يهدف رصد الكيفية التي يشتغل بها الشعري في النصوص المفردة. بعدها يعرج الباحث على إشكالية التلقي ضمن علاقة الثقافي بالسياسي، تلك العلاقة التي أفرزت - حسب تعبيره - "أسئلة ثقافية جارحة يمكن اختزالها في الإحراجات التالية" والتي حددها في تحول القيادة من الثورة إلى السلطة وارتباط الأدب الفلسطيني بفكرة التحرر ثم إشكالية المتلقي في علاقته بكيفية تجاوز مرحلة النضال إلى مرحلة ما بعد التسوية الخادعة ...

في ظل هذه التحولات تظل قصيدة محمود درويش طاقة جمالية قوية وقادرة على تشكيل رؤية شعرية للعالم، وهو ما يستوجب مثل البحث الذي خصه الباحث بباب في كلام حول بنية الشعر من خلال تجليات الصورة الشعرية وبنية الإيقاع ، ثم باب الرؤية التموزية ورهان الحداثة من خلال فصل في الرؤية التموزية وفصل في رهان الحداثة ، ثم باب ثالث حول المرجعيات وتلاحم بنيات النص في فصلين : الأول مرجعيات الرؤية التموزية والثاني تلاحم بنيات النص في قصيدة " الأرض" ، ويلي الأبواب الثلاثة خاتمة تضم خلاصات للدراسة ...









ادريس الزايدي