الخميس، 13 فبراير 2020

ـــ بقلم يحيى الشيخ ـــ

المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس
تقرير عن ندوتيّ يوم الجمعة فاتح نوفمبر 2019م، وهما:
ــ التلاقح الحضاري: لقاء مفتوح مع الناقد المغربي الدكتور عيسى الداودي
(مداخلة عيسى الدودي وعادل الفريجات)
ــ المجتمع المدني ودوره في ترسيخ قيم المواطنة والسلم الاجتماعي
(مداخلات: أحمد العمراوي، محمد الزيتوني، خديجة أميتي ونجيب لحلو)
****************
العربية والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس يوم الجمعة فاتح نوفمبر 2019م، على الساعة السابعة مساء، ندوتين علميتين بمقر المركز، وفيما يلي تقرير عن أهم ما ورد فيهما:
ــ ندوة التلاقح الثقافي:
1 ــ مداخلة الدكتور عيسى الداودي، ناقد مهتم بالدراسات الأندلسية:
ركز الدكتور عيسى الدودي ــ ابن مدينة الناضور ــ في بداية مداخلته على أهمية التلاقح الثقافي بين الشعوب لأنه الضامن الأول للاستقرار السياسي والتعايش الإنساني والتسامح بين الشعوب. هذه القناعة دفعته إلى الاهتمام بالدراسات الأندلسية التي تشكل ــ في نظره ــ أرقى رموز هذا التواصل بين الشرق والغرب. وبما أن الشاعر الأندلسي ابن قُزمان (555هــ/1160م) هو أفضل من يجسد هذا التقارب الثقافي بين أوربا المسيحية والشرق المسلم، فقد انكبّ السيد الدودي على دراسة هذا الموضوع في أطروحته الجامعية التي تتبع من خلالها مكانة الشاعر الوشاح الزجال في أدبنا العربي وتأثيره على الفكر الغربي. لقد قادته هذه الدراسة إلى رصد تجليات هذا التلاقح عبر المعارف واللغات وتقارب الثقافات بين المجتمعات المتعارضة بحكم موروثاتها الدينية.
عرف الناقد عيسى الدودي في نهاية عرضه بمؤلفاته، وهي:
أ ــ كتاب فضاءات الأدب المقارن (دار النشر الجسور، وجدة، 2007م، 158 ص) : تناول فيه عدة مواضيع حول التلاقح الثقافي، كقصة حي ابن يقظان لابن طفيل بين التأثير والتأثر، وتأثير المقامة في السرد الأوربي، والملحمة بين الشرق والغرب، ورحلة الغنائية العربية إلى الأندلس وأوربا، وفلسفة الحب الأفلاطوني، وابن قُزمان المفتاح السري لأدب القرون الوسطى، والازدواج اللغوي، وغيرها.
ب ــ كتاب النص والنص الآخر: مساءلة الحضور العربي في النص الأدبي الإسباني (شركة مطابع الأنوار المغربية، وجدة، 139 ص)، تناول فيه المحاور التالية: أ ــ في الشعر: وفيه تطرق لشعر الحدود في الأدب الإسباني ولمخطوطة الأحلام للشاعر الشيلي سيرخيو ماثياس. ب ــ في الرواية: قراءة لــ«لاثاريو دي تورميس»، وهو نص سردي من القرن السادس عشر الميلادي، ينتمي إلى الجنس البيكاريسكي ويجسد بشكل جيد التواصل الحضاري والثقافي بين الأدبين العربي والإسباني. ت ــ في الاستعراب الإسباني في الألفية الثالثة، وقد تناول فيه أهم القضايا في الاستعراب الجديد، كالإسلام والإسلام السياسي، والحوار الثقافي والتواصل الحضاري، والهجرة ومسألة الاندماج، والقضية الفلسطينية، وحرب العراق، والمجتمع المغربي لقربه الجغرافي من إسبانيا، واتجاهات الإبداعين العربيين الروائي والشعري، مع سرد قائمة لأهم المستعربين الإسبان الجدد. وركز في آخر الكتاب على المستعرب فيديريكو كوريينتي الذي وُلد بمدينة غرناطة سنة 1940م، واختص في تاريخ القرون الوسطى فحظي بمكانة علمية رفيعة في مجال الدراسات العربية داخل إسبانيا وخارجها بفضل منجزاته العلمية المتميزة في مجالات التحقيق والدراسات اللغوية والمعجمية والأدبية. وقد اعتبره الكاتب الدودي قمة الاعتدال في الاستعراب الإسباني.
ت ــ كتاب أنطولوجيا القصة القصيرة جدا بالمغرب إبداعا ونقدا، بالاشتراك مع الدكتور جميل حمداوي (شركة مطابع الأنوار المغاربية، منشورات الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا، رقم 1، وجدة، 2011م، 213 ص). وهو كتاب ينقسم إلى فصلين: أ ــ مبدعو القصة القصيرة، ويضم 47 مبدعا. ب ــ نقاد القصة القصيرة، ويضم قراءتين نقديتين أنجزهما الدكتور جميل حمداوي حول تجربة القاصَّين عبد العاطي الزياني وسعاد مسكين، ودراسة لعيسى الدودي حول المقاربة النقدية للقصة القصيرة جدا بالمغرب: جميل حمداوي نموذجا.
2 ــ مداخلة الناقد السوري عادل الفريجات:
أغنى هذا اللقاء الناقد السوري المتميز عادل الفريجات الذي نشر أزيد من عشرين كتابا في النقد الأدبي، القصصي والروائي، وتحقيق النصوص. وقد أنشأ علاقات مع مثقفين مغاربة مهتمين بالتراث، وسيزور مدينة فاس خلال أسابيع للمشاركة في ندوة علمية. من بين كتبه التي أهداها لمكتبة المركز: أ ــ محيط النقد: مركز الدائرة (منشورات دار سوريانا، دمشق، 2019م، 192 ص)، تناول فيه: الهم النقدي والهاجس الثقافي، ونقد القصة، ومراجعة الكتب ونقدها. ب ــ كتاب الدعوات والفصول للواحدي، علي بن أحمد النيسابوري المتوفى سنة 468هــ/1075م (دار الهدى، الجزائر، 2011م، 239 ص)، وهو تحقيق لنسخة وحيدة تتناول مواضيع شتى في الآداب العامة.
ــ المجتمع المدني ودوره في ترسيخ قيم المواطنة والسلم الاجتماعي:
1 ــ مداخلة السيد أحمد العمراوي، الكاتب العام الوطني لنقابة اتحاد عمال المغرب:
تكلم السيد أحمد العمراوي ــ بصفته فاعلا سياسيا ونقابيا ــ عن مكونات الدولة المغربية وثوابتها المقدسة قائلا بأن ازدهار المغرب واستمراريته يكمنان في التلاحم الوطني والسلم الاجتماعي، كما اعتبر أن قوة الوطن نابعة من تعدد ثقافاته ومدى ارتباط مغاربة الداخل والخارج بهويتهم واحترام مؤسساتهم. أما ترسيخ قيم المواطنة والسلم الاجتماعي فمنوط بالأحزاب السياسية والهيئات النقابية وكافة فئات المجتمع المدني. وقد أكد على أهمية الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والجمعيات للإجابة على الأسئلة الاجتماعية.
إن المغرب ــ في نظر أحمد العمراوي ــ بلد ينعم بالاستقرار بالمقارنة مع كثير من الدول السائرة في طريق النمو لكونه خطا ــ خلال العقدين الأخيرين ــ خطوات كبيرة في المجالين النقابي والسياسي اللذين سيساهمان لا محالة في بناء المسلسل الديمقراطي للنهوض بالمغرب الحديث.
إن بلدنا يعيش مرحلة انتقالية ما زالت تنتظر الإقلاع الفعلي لجني ثمار مخططات التنمية التي قد تتعطل في حالة فشل المشروع السياسي الحزبي. ثم إن إسهامات المجتمع المدني يجب أن تثمر كما هو الشأن في الدول المتقدمة التي تلعب فيها الجمعيات دورا طلائعيا بفضل الوعي الجماهيري والقضاء على الأمية التي ما زالت متفشية في بلادنا، ناهيك عن قلة الإمكانيات المتاحة للجمعيات وحداثة التجربة. وبما أن المغرب حريص على المضي قدما في مسلسله الديمقراطي والتنموي، فعليه أن يعمل على ترسيخ الوعي السياسي والنقابي والوطني وأن يعمل بجميع مؤسساته على خلق المواطن الصادق والغيور على بلده ليتمكن من دفع عجلة التقدم إلى الأمام ورفع تحديات القرن الواحد والعشرين، ومنها التعليم والشغل والصحة وحقوق المرأة والأطفال والمسنين.
في نهاية مداخلته، ركز السيد العمراوي على أهمية التلاحم الاجتماعي والتضامن الوطني لضمان وحدة المغرب الترابية والرقي به اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ولن يتحقق هذا إلا بالتآزر الوطني واحترام رموز الدولة ومؤسساتها، ومنها العلم الوطني الذي هو شعار كل المغاربة داخل الوطن وخارجه.
2 ــ مداخلة محمد الزيتوني، فاعل جمعوي وحقوقي:
اعتبر السيد محمد الزيتوني المواطنة المغربية سلوكا تمتد جذوره عبر تاريخ المغرب الطويل، ساهمت في ترسيخه الدولة ومثقفوها والأحزاب السياسية وكافة أطراف المجتمع المدني الفاعلة التي ما زالت تساهم في توطيد التلاحم الاجتماعي للحفاظ على وحدة الوطن وتماسكه. ولكي يتم الحفاظ على هذا المكسب يجب العمل على محاربة كل أشكال الهشاشة والتصدي لمسببات الإحباط وشتى أشكال الفساد التي من شأنها إفساد مخططات التنمية.
ولأن المغرب يتمتع بموقع استراتيجي مهم ومكانة عالمية متميزة بفضل موقعه الجغرافي وتاريخه العريق، فقد ركز الزيتوني على الجانب الاقتصادي في مداخلته خاصة وأن البلد كغيره يعيش عصر العولمة، مناشدا الدولة المغربية بالتفتح أكثر فأكثر على دول المعسكر الشرقي خاصة الصين والاتحاد السوفياتي لما يزخران به من طاقات حية وكفاءات عليا في جميع الميادين. وقد ركز بالخصوص على النموذج الصيني الذي تمكن من تحدي اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية واحتل الدور الطلائعي في الاقتصاد العالمي الجديد آملا في أن يكون  أول قوة اقتصادية في العالم سنة 2049م.
إن المغرب اليوم ــ حسب محمد الزيتوني ــ مطالب بتوطيد علاقاته مع الصين للاستفادة من تجربتها التكنولوجية والصناعية خاصة وأنها اكتسحت العالم وتغلغلت داخل السوق الإفريقية التي انفتح عليها بلدنا مؤخرا بعد عودته إلى الاتحاد الإفريقي.
3 ــ مداخلة السيدة خديجة أميتي، فاعلة جمعوية نسائية، كاتبة وأستاذة جامعية:
لا يمكن للمغرب ــ في نظر السيدة خديدة أميتي ــ أن ينهض اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا إلا إذا اهتم بالمسألة النسائية ووضع المرأة ضمن اهتماماته السياسية والنقابية. وبصفتها واحدة من مؤسِّسات جريدة 8 مارس، فقد استعرضت السيدة أميتي تاريخ الحركة النسائية المغربية مذكرة بمطالبها ودورها في تفعيل العمل النقابي بالمغرب منذ نهاية السبعينات. وإذا كانت المرأة المغربية قد حصلت على بعض الحقوق خلال نضالها الطويل، فإن وضعيتها ما زالت هشة، كما أنها لم تحظَ بعد بكامل العناية في برامج الأحزاب السياسية. إن التضامن مع المرأة جزء من التضامن الاجتماعي وركيزة أساسية لبناء صرح التنمية بالبلاد.
4 ــ مداخلة السيد نجيب لحلو، مهندس مغربي وفاعل جمعوي:
تكلم السيد نجيب لحلو عن المواطنة من خلال كتابه « المغرب العزيز» الصادر مؤخرا عن دار النشر الباريسية ألفابار، معتبرا إياها قاسما مشتركا بين جميع المغاربة بالداخل والخارج. وبما أن المغربي المهاجر موزع بين ثقافتين، فقد أصبح من واجب المثقف والسياسي والفاعل الجمعوي القيام بدور المؤطر لتمكينه من المحافظة على أواصر القرابة مع الوطن الأم قصد إدماجه في حالة رجوعه للاستقرار بأرض الوطن.
خاتمة:
في نهاية هاتين الندوتين، فُتح باب المناقشة التي شاركت فيها ــ بالإضافة إلى المحاضرين ــ الكاتبة والروائية حياة اليمني، وهي مؤلفة عدة كتب باللغة الفرنسية، واحد منها حول ازدواجية الهوية اللغوية، وكذلك الشاعرة السورية ريم السيد والشاعرة المغربية ليليان آدم والفاعلة الجمعوية فاطمة بالعربي والفنان التشكليلي المغربي عبد القادر مسكار الذي حصل مؤخرا على جائزة مؤسسة تايلور (المرتبة الأولى) التي تأسست سنة 1840م.
وأخيرا، أتوجه بالشكر لكل أعضاء المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس الذين ساهموا في إنجاح هذا اللقاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باريس، بتاريخ 6 نوفمبر 2019م.
ـــ بقلم يحيى الشيخ ـــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق