المشهد الشعري المصري
******
أعلن اعتذاري قبل أن أكتب مقالتي هذه ، حيث بالتأكيد سوف أنسى
أسماء متعددة سهوا ، وأترك بعضها قصدا وتجنبا للحرج الذي قد
يصيبها ، فلا يمكنني أن أتحدث عن كل الحقائق أو عن جميع
الأسماء ، ولكن الأسماء التي سوف أتحدث عنها مبدعة بحق
وسوف يظل أثر هذه الشخصيات مستمرا لفترة تطول أو تقصر
متناسبة مع الموهبة والقدرة على الإبداع .
والذي لاشك فيه أن استفاقة الشعر العربي _ بعد قرون الانحطاط
التي طالت دهرا وطالت كل جوانب الحياة _ كانت على يد أفذاذ
في الموهبة والقدرة على إعادة العقل العربي لمكانته الصحيحة
فبدأ البارودي الصحوة بنصوص تكاد أن تكون قد قتلت فترة
القطيعة بين العربي وشعره ، وبلغ الشعر ذروته على يد أمير
الشعراء أحمد شوقي ، الذي استحق اللقب وأنا أعتبره رتبة
وليس لقبا عام 1927م ، وفي أغسطس من عام 1927م ، كان
أمير الشعراء قد سافر إلى سويسرا حيث كان يمتلك ( فيلا ) على
جبل هناك ، وفوجئ بكبار شعراء أوربا وأكبر نقادها بقيادة
جان فوكو جاءوا لزيارته ، فظنهم شوقي مهنئين ، فقال فوكو
بل لنعلن أنك أمير شعراء العالم ، نعم بلغ الشعر المصري والعربي
بلاد أوربا وأثر فيهم حتى قبل شوقي بأكثر من قرنين ، ولكن
الأوربيين لم يكونوا قد تأثروا بفترة الانحطاط العثمانية أو
سابقتها المملوكية ، لكنهم تأثروا بشعرنا العربي منذ عصر
ما قبل الإسلام وحتى العصر العباسي الثاني والشعر
الأندلسي على وجه التحديد .
لست قاصدا للتأريخ هنا بقدر قصدي بيان فترات تأثير الشعر
العربي على الحياة في بلادنا العربية وخارجها وبيان الأسباب
حيث ستفيدنا في هذه المقالة على نسق ما .
ظن البعض أن تفوق شوقي في شعره يرجع لسفره لأوربا
ويناقضون أنفسهم مرة ثانية ويرجعونه لتمكنه من لغته
العربية ، والحق أن شوقي شأنه شأن طه حسين موهوب
ويمتلك القدرات التي تجعله يستغل كل مناخ يعيش فيه بل ويطور
في المجتمع الذي يحيا به .
وكان حافظ إبراهيم على ذات النسق وخليل مطران الذي
أدخل الرومانسية للوطن العربي تضاهي وتتطور عن الرومانسية
الغربية ، وبعدها بدأ الشعراء الذين يريدون التطور يدخلون في
الفخ الغربي ، وينوعون في الشعر العربي ذات تنويعات الشعر
الغربي ، بل ويأخذون الصور الغربية ليضعوها في شعرنا فتجد
من يتحدث عن بلاد الضباب وينسى أنه يشير إلى لندن ، ومن
عن النوارس ولايدري أن بلادنا العربية ليست بها نوارس ،
ناهيك عن أنواع الورود والزهور الأوربية ولقاءات الأحبة
الأوربيين وعباراتهم التي كادت أن تصلنا في شعرنا مترجمة
، وقد زاد الطين بلة أن النقاد العرب بدأوا في جلب النظريات
النقدية الأوربية المعلبة والمستوردة ويطبقونها على أدبنا
ولا يزالون يفعلون حتى كتابة هذه الكلمات ، وهم يدركون أن
ما ينطبق على لغة لا ينطبق على غيرها ، فما ينطبق على اللاتينية
لايمكن أن ينطبق على العربية ، والعربية بالتحدي لا تطابقها لغة
أخرى حتى لو كانت من ذات الفصيلة كالعبرية أو الفارسية
أوغيرهما .
والأدب لغة مرتبطة بواقع ، واللغة عربية والواقع عربي إسلامي
والاختلاف بين اللغات يستوجب اختلاف بين العقول ، والاختلاف
بين الواقعين يستوجب اختلاف في المكتوب ، نعم هناك مبادئ
عامة إنسانية بين كل الشعوب ، ولكن الفنون لكي تكون أكثر
تأثيرا في مجتمعاتها لابد أن تحصل على الخصوصية والذاتية
المجتمعية ، وهذا ما جعل اسم طه حسين والعقاد والحكيم وإدريس
ونجيب محفوظ وغيرهم مستمرا بيننا ، بينما تختفي أسماء كثيرة
ربما كانت أكثر انتاجا في الكتابة ولكنها ارتبطت بحوادث تنتهي
معها الكتابة وتمحي من الذاكرة ، حتى العبقري نفسه إذا كتب
في حادثة مرتبطة بزمن أو موقع أو شخص ، لا تطول كتابته كثيرا
فمثلا ما جدوى قصيدة شوقي في رثاء مصطفى كامل لنا الآن ؟
هي نص لغوي ليس إلا ، بينما حين يتحدث عن حبه لوطنه يبقى
النص خالدا ، حينما يتحدث حافظ عن لغتنا العربية يبقى النص
شاهدا ، هذا من ناحية الموضوع .
أما من ناحية التشكيل الفني فإن الموهبة والقدرات هي الت تحدد
خلود النصوص من عدم خلودها ، وتتجلى الموهبة في طرافة
التصوير والتعبير واستحداث موسيقا داخلية ترتبط بوجدان المتلقي
وتخاطب في الشعور والنزوع والإدراك ، وتجدد له الفهم والوعي
وتقدم له وجهات نظر جديدة ، وتحدد له ميولا أخرى لتغير له
اتجاهاته نحو الأسمى والأجمل .
وهذا ما يجعلني أذكر من مصر عبدالعزيز جويدة وأحمد سويلم
وعماد قطري وعلي عمران ومحمود حسن وعاطف الجندي
ومصطفى رجب وثروت سليم وحاتم عبدالهادي وعلاء شكر
ومحمد مملوك ومحمد ناجي وعصام بدر وياسر فريد وأمير
صلاح سالم ومحمد جاويش وسليمان الهواري وحسين أبو الطيب
وعبد القادر عيد عياد وحسونة فتحي والدكتور سمير محسن .
إلى جانب الشاعرات فوزية شاهين وإلهام عفيفي وسكينة جوهر
وهبة الفقي وشيرين العدوي وإيمان حسين وحنان محمود ودينا
عاصم ونورا جويدة .
وكما قال الجاحظ : إن الذاكرة ملكة مستبدة ، فإن ذاكرة الشعوب
لا تحفظ إلا من استطاع أن يستمر فيها بموهبة وقدرات خاصة
فيظل اسم امرؤ القيس والمتنبي وشوقي ومن استطاع أن يوظف
موهبته ويستخدم قدراته ، واختفت أسماء الآلاف من الذين كانوا
يحسبون أنفسهم شعراء مؤثرين ، بل إن بعض من يظنون أنهم
أصحاب مدارس شعرية اختفت أشعارهم وهم أحياء فلا تجد من
يذكرهم أو يذكر لهم بيتا أو سطرا ، حتى أننا لا نجد من يذكر بيتا
لأعظم منظري الشعر عند العرب وهو الخليل بن أحمد الفراهيدي
الأزدي العماني البصري ، رغم أنه كان شاعرا ، ولم نحفظ
لسيدتنا صفية عمة رسول الله شعرها ، وحفظنا شعر الصعاليك
والتهاجي بين جرير والفرزدق والأخطل .
فالشعر موهبة وقدرة لا يرتبط بحب وكره ولا دين وكفر وإن
كان يرتبط عند العرب بقيم ومبادئ وحسن خلق من حلم
وشجاعة وكرم .
فالمشهد الشعري المصري الحالي يبشر بوعي معظم الشعراء
الذين ذكرتهم لماهية الشعر ووظيفته ، وخصوصية اللغة والمجتمع
العربي والإسلامي ، مما يجعل شعرهم هو الأقدر على الاستمرارية
بينما يوجد بعض الشعراء الأحياء الذين لايمكننا أن نذكر لهم نصا
يستر سنيهم حتى تمر ، أو يرضي ذائقتنا حتى تقر .
فالشاعر المصري الحقيقي هو من استطاع أن يطور أدواته مع
القفزات العصرية الشاسعة ، ليعترف أنه لم تعد هناك حدود
صادقة بين الشعوب في العالم كما كانت حتى نهاية القرن
الماضي ، ولكن معظم الحدود هي أغطية وهمية لعدم قدرة
بعض الدول المتخلفة على إدارة حياة أفرادها ، واستمرارية
اتباع النظم بعيدا عن اتباع العلوم والتطور ، فيتبعون ثقافة
النظام ويتركون نظام الثقافة ، ويتبعون تعليم النظام ويتركون
نظام التعليم ، فيظل البناء التحتي تابعا لا مشاركا ، ويظل البناء
الفوقي مفرقا لا جامعا .
وهذا ما يجعل الشاعر الحق قائدا ثقافيا يشير لصحيح
الدرب ، ويعلي من الهمم فيوقظ العقل والقلب ، لا تابعا
يثير العامة بشقشقة بيان أو سجع كهان ، فيصبح شعره
سلعته لا وجهته ، وتصبح كلماته لجيبه لا لبلده ومبادئه .
وقد فقه شعراء مصر الحاليون وضع مجتمعهم ودولتهم
وما يحيط بها من مخاطر ومؤامرات ، وكلهم يعلم أن
بلدهم تخلصت بأعجوبة من الحوت الكبير الذي كان
يريد أن يبتلعها ، وهم يعلمون أن رأس الحوت في واشنطن
وذيله في تل أبيب ، وأن أشعارهم سوف تصل ، فلم يكن
الغرب ليمدنا بالشبكة العنكبوتية إلا إذا كانت ستدر عليه
دخلين لا دخلا واحدا ، فهم يستفيدون بما نقدمه من معلومات
وخاصة عامة الناس ، ويبيعون لنا بضاعتهم بأغلى الأثمان ،
وهذا ما جعل شعراء مصر يكتبون ويدركون أن بعد ضغط
زر النشر بثانية سيقرأ كلامهم الأمريكي والصيني من الغرب
ومن الشرق ، ولست أشك لحظة أن شعراء مصر يدافعون
عنها كما يدافع شباب جيشها على الحدود ، وكل شاعر حقيقي
يموت لأجل صدق حروفه مرات ومرات في قصيدته ، ولا يجد
من يكرمه أو يشكر له بعض صنيعه .
وسوف أقدم بعضا من قصائد الشعراء الذين ذكرتهم لبيان تأثير
شعره في المشهد الشعري المصري ، وهذا في اللقاء القادم غدا بإذن الله تعالى .
د.رمضان الحضري
******
أعلن اعتذاري قبل أن أكتب مقالتي هذه ، حيث بالتأكيد سوف أنسى
أسماء متعددة سهوا ، وأترك بعضها قصدا وتجنبا للحرج الذي قد
يصيبها ، فلا يمكنني أن أتحدث عن كل الحقائق أو عن جميع
الأسماء ، ولكن الأسماء التي سوف أتحدث عنها مبدعة بحق
وسوف يظل أثر هذه الشخصيات مستمرا لفترة تطول أو تقصر
متناسبة مع الموهبة والقدرة على الإبداع .
والذي لاشك فيه أن استفاقة الشعر العربي _ بعد قرون الانحطاط
التي طالت دهرا وطالت كل جوانب الحياة _ كانت على يد أفذاذ
في الموهبة والقدرة على إعادة العقل العربي لمكانته الصحيحة
فبدأ البارودي الصحوة بنصوص تكاد أن تكون قد قتلت فترة
القطيعة بين العربي وشعره ، وبلغ الشعر ذروته على يد أمير
الشعراء أحمد شوقي ، الذي استحق اللقب وأنا أعتبره رتبة
وليس لقبا عام 1927م ، وفي أغسطس من عام 1927م ، كان
أمير الشعراء قد سافر إلى سويسرا حيث كان يمتلك ( فيلا ) على
جبل هناك ، وفوجئ بكبار شعراء أوربا وأكبر نقادها بقيادة
جان فوكو جاءوا لزيارته ، فظنهم شوقي مهنئين ، فقال فوكو
بل لنعلن أنك أمير شعراء العالم ، نعم بلغ الشعر المصري والعربي
بلاد أوربا وأثر فيهم حتى قبل شوقي بأكثر من قرنين ، ولكن
الأوربيين لم يكونوا قد تأثروا بفترة الانحطاط العثمانية أو
سابقتها المملوكية ، لكنهم تأثروا بشعرنا العربي منذ عصر
ما قبل الإسلام وحتى العصر العباسي الثاني والشعر
الأندلسي على وجه التحديد .
لست قاصدا للتأريخ هنا بقدر قصدي بيان فترات تأثير الشعر
العربي على الحياة في بلادنا العربية وخارجها وبيان الأسباب
حيث ستفيدنا في هذه المقالة على نسق ما .
ظن البعض أن تفوق شوقي في شعره يرجع لسفره لأوربا
ويناقضون أنفسهم مرة ثانية ويرجعونه لتمكنه من لغته
العربية ، والحق أن شوقي شأنه شأن طه حسين موهوب
ويمتلك القدرات التي تجعله يستغل كل مناخ يعيش فيه بل ويطور
في المجتمع الذي يحيا به .
وكان حافظ إبراهيم على ذات النسق وخليل مطران الذي
أدخل الرومانسية للوطن العربي تضاهي وتتطور عن الرومانسية
الغربية ، وبعدها بدأ الشعراء الذين يريدون التطور يدخلون في
الفخ الغربي ، وينوعون في الشعر العربي ذات تنويعات الشعر
الغربي ، بل ويأخذون الصور الغربية ليضعوها في شعرنا فتجد
من يتحدث عن بلاد الضباب وينسى أنه يشير إلى لندن ، ومن
عن النوارس ولايدري أن بلادنا العربية ليست بها نوارس ،
ناهيك عن أنواع الورود والزهور الأوربية ولقاءات الأحبة
الأوربيين وعباراتهم التي كادت أن تصلنا في شعرنا مترجمة
، وقد زاد الطين بلة أن النقاد العرب بدأوا في جلب النظريات
النقدية الأوربية المعلبة والمستوردة ويطبقونها على أدبنا
ولا يزالون يفعلون حتى كتابة هذه الكلمات ، وهم يدركون أن
ما ينطبق على لغة لا ينطبق على غيرها ، فما ينطبق على اللاتينية
لايمكن أن ينطبق على العربية ، والعربية بالتحدي لا تطابقها لغة
أخرى حتى لو كانت من ذات الفصيلة كالعبرية أو الفارسية
أوغيرهما .
والأدب لغة مرتبطة بواقع ، واللغة عربية والواقع عربي إسلامي
والاختلاف بين اللغات يستوجب اختلاف بين العقول ، والاختلاف
بين الواقعين يستوجب اختلاف في المكتوب ، نعم هناك مبادئ
عامة إنسانية بين كل الشعوب ، ولكن الفنون لكي تكون أكثر
تأثيرا في مجتمعاتها لابد أن تحصل على الخصوصية والذاتية
المجتمعية ، وهذا ما جعل اسم طه حسين والعقاد والحكيم وإدريس
ونجيب محفوظ وغيرهم مستمرا بيننا ، بينما تختفي أسماء كثيرة
ربما كانت أكثر انتاجا في الكتابة ولكنها ارتبطت بحوادث تنتهي
معها الكتابة وتمحي من الذاكرة ، حتى العبقري نفسه إذا كتب
في حادثة مرتبطة بزمن أو موقع أو شخص ، لا تطول كتابته كثيرا
فمثلا ما جدوى قصيدة شوقي في رثاء مصطفى كامل لنا الآن ؟
هي نص لغوي ليس إلا ، بينما حين يتحدث عن حبه لوطنه يبقى
النص خالدا ، حينما يتحدث حافظ عن لغتنا العربية يبقى النص
شاهدا ، هذا من ناحية الموضوع .
أما من ناحية التشكيل الفني فإن الموهبة والقدرات هي الت تحدد
خلود النصوص من عدم خلودها ، وتتجلى الموهبة في طرافة
التصوير والتعبير واستحداث موسيقا داخلية ترتبط بوجدان المتلقي
وتخاطب في الشعور والنزوع والإدراك ، وتجدد له الفهم والوعي
وتقدم له وجهات نظر جديدة ، وتحدد له ميولا أخرى لتغير له
اتجاهاته نحو الأسمى والأجمل .
وهذا ما يجعلني أذكر من مصر عبدالعزيز جويدة وأحمد سويلم
وعماد قطري وعلي عمران ومحمود حسن وعاطف الجندي
ومصطفى رجب وثروت سليم وحاتم عبدالهادي وعلاء شكر
ومحمد مملوك ومحمد ناجي وعصام بدر وياسر فريد وأمير
صلاح سالم ومحمد جاويش وسليمان الهواري وحسين أبو الطيب
وعبد القادر عيد عياد وحسونة فتحي والدكتور سمير محسن .
إلى جانب الشاعرات فوزية شاهين وإلهام عفيفي وسكينة جوهر
وهبة الفقي وشيرين العدوي وإيمان حسين وحنان محمود ودينا
عاصم ونورا جويدة .
وكما قال الجاحظ : إن الذاكرة ملكة مستبدة ، فإن ذاكرة الشعوب
لا تحفظ إلا من استطاع أن يستمر فيها بموهبة وقدرات خاصة
فيظل اسم امرؤ القيس والمتنبي وشوقي ومن استطاع أن يوظف
موهبته ويستخدم قدراته ، واختفت أسماء الآلاف من الذين كانوا
يحسبون أنفسهم شعراء مؤثرين ، بل إن بعض من يظنون أنهم
أصحاب مدارس شعرية اختفت أشعارهم وهم أحياء فلا تجد من
يذكرهم أو يذكر لهم بيتا أو سطرا ، حتى أننا لا نجد من يذكر بيتا
لأعظم منظري الشعر عند العرب وهو الخليل بن أحمد الفراهيدي
الأزدي العماني البصري ، رغم أنه كان شاعرا ، ولم نحفظ
لسيدتنا صفية عمة رسول الله شعرها ، وحفظنا شعر الصعاليك
والتهاجي بين جرير والفرزدق والأخطل .
فالشعر موهبة وقدرة لا يرتبط بحب وكره ولا دين وكفر وإن
كان يرتبط عند العرب بقيم ومبادئ وحسن خلق من حلم
وشجاعة وكرم .
فالمشهد الشعري المصري الحالي يبشر بوعي معظم الشعراء
الذين ذكرتهم لماهية الشعر ووظيفته ، وخصوصية اللغة والمجتمع
العربي والإسلامي ، مما يجعل شعرهم هو الأقدر على الاستمرارية
بينما يوجد بعض الشعراء الأحياء الذين لايمكننا أن نذكر لهم نصا
يستر سنيهم حتى تمر ، أو يرضي ذائقتنا حتى تقر .
فالشاعر المصري الحقيقي هو من استطاع أن يطور أدواته مع
القفزات العصرية الشاسعة ، ليعترف أنه لم تعد هناك حدود
صادقة بين الشعوب في العالم كما كانت حتى نهاية القرن
الماضي ، ولكن معظم الحدود هي أغطية وهمية لعدم قدرة
بعض الدول المتخلفة على إدارة حياة أفرادها ، واستمرارية
اتباع النظم بعيدا عن اتباع العلوم والتطور ، فيتبعون ثقافة
النظام ويتركون نظام الثقافة ، ويتبعون تعليم النظام ويتركون
نظام التعليم ، فيظل البناء التحتي تابعا لا مشاركا ، ويظل البناء
الفوقي مفرقا لا جامعا .
وهذا ما يجعل الشاعر الحق قائدا ثقافيا يشير لصحيح
الدرب ، ويعلي من الهمم فيوقظ العقل والقلب ، لا تابعا
يثير العامة بشقشقة بيان أو سجع كهان ، فيصبح شعره
سلعته لا وجهته ، وتصبح كلماته لجيبه لا لبلده ومبادئه .
وقد فقه شعراء مصر الحاليون وضع مجتمعهم ودولتهم
وما يحيط بها من مخاطر ومؤامرات ، وكلهم يعلم أن
بلدهم تخلصت بأعجوبة من الحوت الكبير الذي كان
يريد أن يبتلعها ، وهم يعلمون أن رأس الحوت في واشنطن
وذيله في تل أبيب ، وأن أشعارهم سوف تصل ، فلم يكن
الغرب ليمدنا بالشبكة العنكبوتية إلا إذا كانت ستدر عليه
دخلين لا دخلا واحدا ، فهم يستفيدون بما نقدمه من معلومات
وخاصة عامة الناس ، ويبيعون لنا بضاعتهم بأغلى الأثمان ،
وهذا ما جعل شعراء مصر يكتبون ويدركون أن بعد ضغط
زر النشر بثانية سيقرأ كلامهم الأمريكي والصيني من الغرب
ومن الشرق ، ولست أشك لحظة أن شعراء مصر يدافعون
عنها كما يدافع شباب جيشها على الحدود ، وكل شاعر حقيقي
يموت لأجل صدق حروفه مرات ومرات في قصيدته ، ولا يجد
من يكرمه أو يشكر له بعض صنيعه .
وسوف أقدم بعضا من قصائد الشعراء الذين ذكرتهم لبيان تأثير
شعره في المشهد الشعري المصري ، وهذا في اللقاء القادم غدا بإذن الله تعالى .
د.رمضان الحضري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق