الخميس، 13 فبراير 2020

ــــــــــ بقلم يحيى الشيخ ــــــــــ

«الكتابة، وضعية المرأة، واقع الهجرة، وهموم أخرى!»
لقاء مفتوح مع الروائية المغربية حنان الدرقاوي

يوم الأحد 06 أكتوبر 2019م على الساعة الثالثة بعد الظهر
بمقر المركز العالمي للدراسات العربية
والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس (*)



يتشرف المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس باستضافة الروائية المغربية حنان الدرقاوي يوم الأحد 06 أكتوبر 2019م على الساعة الثالثة بعد الظهر بمقر المركز(*) لتمكين زوار هذا الفضاء من التعرف على عالم الكاتبة الروائي المتميز، وكذا اهتماماتها الأخرى بشؤون المرأة وواقع الهجرة وهموم الإنسان.
نشير في البداية إلى أنه بالموازاة مع حياتها المهنية الغنية بالتجارب، كمدرسة فلسفة وصحفية ومحللة نفسانية، فقد تمكنت الروائية الدرقاوي من نشر العديد من الأعمال القصصية والروائية الحافلة بحمولتها الإنسانية التي تصور التناقضات الاجتماعية ووضعية المرأة وواقع الهجرة تصويرا بليغا. وقد ساعدها في كل هذا تكوينها الأكاديمي في حقل العلوم الإنسانية في مادّتي الفلسفة وعلم النفس بالمغرب وفرنسا، واطلاعها على مناهج التعليم والبحث العلمي، ودرايتها باللغتين العربية والفرنسية اللتين مكنتاها من مزاولة ترجمة النصوص الأدبية والنقدية والفلسفية، مساهمة منها في مدّ جسور التواصل الحضاري بين الشعوب والثقافات.
سيكون هذا اللقاء غنيا بحضور مجموعة من المثقفين، كالباحثة والأكاديمية المغربية خديجة أميتي والشاعرة السورية ريم السيد، وطاقم المركز العالمي للدراسات العربية ــ منظم اللقاء ــ في شخص السيد سمير الشيخ ونادية حايدة وآخرين.
تتميز أعمال السيدة حنان الدرقاوي بالتنوع في المضامين والأجناس الأدبية، مع الاهتمام بالترجمة والنقد الفلسفي.
من إبداعاتها القصصية والروائية:
ــ طيور بيضاء (مجموعة قصصية)، دار البوكيلي، المغرب، 1997م.
ــ تيار هواء (مجموعة قصصية)، دار الصدى، دبي، 2003م.
ــ ترجمة طيور بيضاء إلى الفرنسية، دار بالتازار (الشيلي) 2012م.
ــ الخصر والوطن (رواية)، دار إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2014م.
ــ جسر الجميلات (رواية)، دار النايا، لبنان، 2014م.
ــ جميلات منتصف الليل (رواية)، دار النايا، لبنان، 2014م.

  ــ بنت الرباط (مجموعة قصصية)، دار النايا، لبنان، 2014م.
ــ حياة سيئة (مجموعة قصصية)، دار المعرفة، الرباط، 2015م.
ــ وردة لعائشة (مجموعة قصصية)، دار الفاصلة، المغرب.
من الأعمال التي ترجمتها من الفرنسية إلى العربية:
ــ كتاب الفلاسفة وموضوع الحب، دار إفريقيا الشرق (قيد الطبع).
ــ جوليا كريستيفا: الحاجة المذهلة إلى الاعتقاد، دار مؤمنون بلاحدود، 2019م.
كما تَرجمت ــ إلى جانب كل هذه الأعمال ــ مقالات في الفلسفة والأدب، ونشرت نصوصا عديدة في المجلات والمواقع الإلكترونية العربية والفرنسية، وقد نُقلت أعمالها إلى الأمازيغية والفرنسية والأنجليزية والألمانية، بل واعتُمدت بعض نصوصها في الجامعات المغربية، أضف إلى ذلك أنه خُصصت لها مقالات ودراسات نقدية وأُنجزت حولها أبحاث أكاديمية جادة.
كان إذن من الطبيعي الالتفات إلى هذا العطاء الفكري والإبداعي الذي تُوّج بجوائز تقديرية كثيرة، منها:
ــ جائزة الطلبة الباحثين في الآداب، كلية الآداب بالرباط ، عام 1993م.
ــ جائزة مجلة عائشة، الرباط،عام 2001م.
ــ جائزة الإبداع العربي لدار الصدى بدبي،  المركز الأول، عام 2003م. 
ــ منحة دعم الصندوق العربي للثقافة لرواية «الخصر والوطن».
ــ منحة وزارة الثقافة بالمغرب عن «وردة لعائشة»، 2018م.
ــ منحة وزارة الثقافة بالمغرب لمجموعة «حياة سيئة»، عام 2014م.
وقد رشحت روايتها «الخصر والوطن» لجائزة الشيخ زايد عام 2015م.
تمكّنت حنان الدرقاوي بفضل مسيرتها، ككاتبة وكفاعلة جمعوية في بلاد المهجر، من اكتناه الذات الإنسانية، في أسمى تناقضاتها وتشكلاتها، كما عبرت عن ذلك في مقالتها الذاتية التي نُشرت في كتاب جماعي تحت اسم «الثقافة جسر بين العوالم» بإشراف مدام زيراوي مُؤسسة «جمعية ملتقى الفن ببروكسيل»، وهو شهادات لمفكرين ومبدعين عرب مهاجرين تحدث كل واحد منهم عن تجربته كحامل للثقافة الشرقية في بلاد الغرب (دول أوربا وكندا وأمريكا). وقد صدر هذا المُؤَلّف الغنيّ بمواده ولغاته سنة 2016م عن دار نيوزيس ــ منشورات فرنسا التي يشرف عليها السيد يحيى الشيخ. وفيما يلي نص مقال الروائية حنان الدرقاوي مقتطفا من الكتاب المذكور: 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«أكاذيب فولتير»
للروائية حنان الدرقاوي
**********
باريس ــ ميسور المغرب الشرقي 1985م:
كنا نعيش في مدينة ميسور بالمغرب الشرقي، مدينة لا يحدث فيها شيء إلا منازعات الجيران وحوادث قتل غريبة من نوعها. كانت المدينة مرتعاً للمجانين الذين يشرعون جنونهم في الشارع العام. لا شيء كان يحدث في ميسور ينبئ أنها تنتمي إلى المغرب الجدير بالذكر، لا مؤسسات ثقافية ولا أندية ولا سينما. حدث فقط أن نفي إليها زعيم المعارضة عبد الرحيم بوعبيد، ففهمت حينها أننا منفيون جميعاً هناك. كان رفاقي منشغلين بأمر القيادي وكنت أنا مشغولة بفولتير وخطاب الأنوار.
في مكتبة أبي كان هناك رفّ عظيم خُطَّ أسفله: « فلسفة الأنوار ». قرأت « فولتير » والخطاب عن التسامح و« مونتيسكيو » و« روح القوانين ». ثم انشغلت بشيء آخر: تخيُّل فرنسا وخاصة باريس. لم نكن من الناس الذين يذهبون إلى العطلة، لكن لا يهم، فقد قررت أن أذهب إلى باريس كل عطلة بوسيلتي الخاصة ألا وهي الخيال. طلب منا أستاذ اللغة الفرنسية أن نكتب إنشاءً عن المدينة التي قضينا فيها العطلة، وطبعاً كنت قد قضيت عطلتي في باريس، مدينة الأنوار وفلاسفة الأنوار. كان إنشائي ممتازاً، وقرأته على رفاقي المشدوهين والذين غاروا من عطلتي الفريدة من نوعها. انتهت الحصة وغرقت أكثر فأكثر في الثقافة الفرنسية، ساعدتني في ذلك مكتبة أبي الحافلة بالمراجع. تخيلت فرنسا بلداً للمساواة والعدالة الاجتماعية والحقوق، شكلت لدي الثورة الفرنسية نموذج الثورة الديمقراطية التي تقود الطاغية إلى المقصلة. كانت هناك سنوات الرعب وحكم «روبسبيير»، لكن لا يهم، لكل ثورة أخطاؤها. كنت بين رفاقي المدافعة عن النموذج الفرنسي في الفكر والسياسة والأدب وطريقة العيش. غصت يوماً بعد يوم رغم قساوة الواقع في تخيل وداعة الديمقراطية والمساواة وانتشار الثقافة والفنون حتى أني تخلّيت عن الأدب العربي ولم أقرأ منه كثيراً أيام مراهقتي.
ضاحية باريس الجنوبية 2003م:
عليّ أن أحمل حقيبة ثقيلة وأتدبر أمر عربة الأطفال التي أجر فيها ابنتي الرضيعة. استولى زوجي على شقة الزوجية ودفع بي إلى الشارع مع بناتي. محتمية بقناعتي في المساواة وحقوق النساء، ذهبت إلى المصالح الاجتماعية واشتكيت فقالوا لي إنه من حقه أن يسكن في الشقة ثلاثة أشهر إلى أن يحكم القاضي، يعني أن أعيش مع وحش يضربني ويضرب أطفالي ثلاثة أشهر، قد يقتلنا في لحظة جنون. أجابت الأخصائية الاجتماعية : «إنه القانون!».
ــ يا سيدتي! وحقوق النساء والأطفال؟ حق الأم في الاحتفاظ ببيت الزوجية؟
قوانين على الورق لم يتم تفعيلها.
هل هاته هي أرض الأنوار التي حلمت بها؟ هل هاته هي أرض الحقوق التي انغرست فيها لعمر كامل واعتبرتها نموذجاً؟ هل كذب علي « فولتير »؟ هل افترى « مونتسيكيو » في «روح القوانين»؟ هل بالغت « سيمون ديبوفوار » حين أصرت على حقوق النساء وحريتهن؟
كان عليّ أن أواجه مأزق التشرد والبطالة والفقر وأن أحتفظ رغم ذلك على شيء من الحلم الفرنسي الذي كاد أن يتحول سراباً. كان عليّ أن أنفصم عن ذاتي لأستمر في حب فرنسا بلد الأنوار. كيف لي أن أحب بلد الأنوار وقد اكتويت بنار التشرد على أرضه؟ هل بهذا الشكل تكافئ فرنسا طفلة تعلقت بأهدابها ونهلت من آدابها وفنونها؟ ماذا أقول ل«فلوتير» عن بلده؟ ماذا أقول لـ« بالزاك »؟ هل أقول لهما إنها الكوميديا الإنسانية، يا سيدي، كوميديا تشبه التراجيديا وشخوصها من لحم ودم؟ هل أقول لــ« زولا» إنني جيرفيز لونتيي جديدة، نوع من البروليتاريا الرثة التي تعيش من مساعدات الدولة وطعام الجمعيات الخيرية؟ أين الخطأ يا «فيكتور هوغو»؟ يا صاحب القضية؟ انظر ما أنتجته الثورة الفرنسية وانتفاضات العمال؟ متشردين، متشردات!أتصل بجمعيات تضامنية من أجل المبيت ولو ليلة واحدة، ليلة واحدة أحس فيها بدفء السرير ونعمة التسخين الداخلي.
ــ لا مكان يا سيدتي، هناك طوابير انتظار، لن نستطيع توفير السكن للجميع!
ــ وأين أحلامي يا سيدتي، أين روح القوانين، أين فضائل المساواة؟ ماذا سأقول لمونتيسكيو؟
ــ لا أعرف السيد مونتيسكيو، هو لا يشتغل هنا. إذا اتصلت به دبري أمر المبيت عنده. هذا أفضل من الانتظار!
هكذا هم الفرنسيون، لا يعرفون حتى تاريخهم ومفكريهم. تخيلت الشعب الفرنسي شعباً غاضباً يهبّ للدفاع عن حقوقه، واكتشفت شعباً مكبلاً بأغلال الماديات والقروض المنزلية التي لا تنتهي. تظاهرات متفرقة وصفوف عمال متصدعة ويسار مشتّت وفلاسفة من الكارتون لا موقف لديهم ولا مشروع غير رفع حجم مبيعاتهم والظهور في التلفزيون. أينك يا فولتير لتهذّب أبواق الشاشات التي يسمونها الفلاسفة؟
كان عليّ في فترة التشرد أن لا أضيع البوصلة وأن أصدق الحلم الفرنسي. أتيت إلى هنا لعيش أفضل، أين هو العيش الأفضل؟ لا يعترفون بدبلوماتي وتجربتي المهنية، دبلومات العالم المتخلف لا تساوي هنا شيئاً، هذا هو الوجه الحقيقي لعلاقة الشرق والغرب. ما يتبجّحون به في ندوات ومؤتمرات حوار الحضارات هراء. يجب أولاً أن يعترفوا بمؤهلاتنا وبقدرتنا على أن نكون في خدمة مجتمعاتهم كما خدمنا مجتمعاتنا. هذا هو الوجه الحقيقي لعلاقة فرنسا بمستعمراتها القديمة. رفيقة لي في ملجأ النساء المعنفات الذي وجدت فيه مكاناً كانت محامية في تونس والآن تعمل منظفة بيوت. يحتاجوننا لننظف مؤخراتهم ويعقدون المؤتمرات ليتحدثوا عن العلاقة بين الشرق والغرب.
كفرت بكل شيء، كان إيماني بفرنسا من أقوى الاعتقادات لدي فانهارت وصار الحلم الفرنسي سراباً. لم تعد لي رغبة في الذهاب إلى الندوات ولا حتى الاتصال بالكتاب والمفكرين. تعطلت قدرتي عن الحركة والتفاعل مع الآخرين. الفقر يولّد حالة من العجز والذهول. كانت صدمة لقائي بفرنسا بهذا الشكل الموجع والقاسي أفظع صدمة تلقيتها في حياتي.
بعد حالة التشرد، حاولت إعادة ترتيب بيتي الداخلي والانخراط في العيش في مجتمع يرفض هويتي العربية ويتخوف من ديني، هذه هي الحقيقة! فرنسا تخاف من العرب، قد تدفع بمفكر أو أديب عربي إلى الواجهة لترفع عن نفسها تهمة الإسلاموفوبيا. الحقيقة أن الإسلاموفوبيا بنية ذهنية متوغلة في المجتمع الفرنسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. يقذفون بالعرب إلى أحياء أشبه بالغيتو العنصري ويأتون بعدها ليتحدثوا عن الإدماج وحوار الحضارات. أي إدماج وإخواننا في هامش باريس والكثير منهم لم ينعموا برؤية باريس إلا في التلفزيون؟ أين التعايش وأغلب المهاجرين يعيشون تحت عتبة الفقر وليس لديهم إمكانيات للاستفادة من العروض الثقافية والفنية؟ أغلب العرب معزولون ولا فرنسي يفتح لهم باب بيته. يعيشون معهم على نفس الأرض لكن لا يلتقون أبداً. كيف اللقاء في مجتمع يتحدث فيه الوزير الأول عن سياسة الأبارتايد وهو يتحدث عن أحياء العرب المعزولة عن العالم؟ هل يمكن تصديق الحلم الفرنسي، أقصد السراب الذي باسمه تقاد الحروب في ليبيا ومالي وغيرهما؟
جسر الفنون باريس 2014م:
أجمل جسور باريس وأكثرها حيوية، هنا تجد الأسر وهي تتناول قطعة جبن فرنسية لذيذة وتحتسي كؤوس نبيذ فاخر. تجد العشاق وهم يقبّلون بعضهم البعض دون خوف من القانون الجنائي. تجد الموسيقيين جالسين على الأرض يعزفون للعابرين أنغام الحب والإخاء. على جنبات الجسر أقفال يضعها العشاق من كل أرجاء العالم دليلاً على حب لا تنفرط أواصره بمباركة باريس وأنوارها. لا شيء أجمل من الحب على جسور باريس وجنبات نهر السين. لا شي أجمل من أن تقود من تحب إلى جولة في متاحف باريس،هنا اللوفر، هنا جسر برونلي وفنون المستعمرات تحت أضواء النيون، هنا متحف الانطباعية، هنا جسر أورسي ولوحات فان غوغ. أتوه في الأصفر الملكي وأنسى هذه العلاقة المتوترة بيني وبين فرنسا التي أعشق حد الجنون وأكره حد المقت والغثيان. عدت إلى قراءة فولتير وهوغو...
على جسر الفنون أحتسي نبيذ بوردو وجبنة لابروتاين وزيتون العربي، وأغني أن السلام ممكن وأن علاقة ما تشبه التسامح يمكن أن تنشأ بين الشرق والغرب. لا أومن مع شكيب أرسلان بأن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا. أومن بأن المستقبل للحوار على أساس أن نتغير وأن نغير نظرتنا للآخر. أومن يوماً بعد يوم ــ وقد هدأ توتري ــ بأن فولتير أنار طريق التسامح، وأن مونتيسكيو فتح المجال لحلم قديم قدم الفروق الاجتماعية: حلم المساواة بين البشر.
وأنا أسير في باريس ــ وفي جيبي مفتاح شقة أنيقة ــ أفكر أن الإخاء عنوانه باريس، وأن السلام ونبذ الكراهية أرضها هي باريس؛ هي مدينة عنوان للّقاء بالآخر، للإخاء بين البشر، لأن ما يجمع البشر أكثر بكثير مما يفرقهم. وتظل باريس تجربة فريدة في الجمع بين الناس عن طريق الفكر والأدب والفن، فاهدئي يا نفس واستسلمي لسحر باريس!


(مقتطف من كتاب «الثقافة جسر بين العوالم»،
باريس، نيوزيس ــ منشورات فرنسا، 2016م، ص: 106 ــ 113).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باريس، بتاريخ 04 أكتوبر 2019م.


(*) مقر المركز، مكان اللقاء:
35 avenue de Gravelle, 94220 Charenton.
Métro : Liberté, Ligne 8, direction Créteil (Tête de train).
Dimanche 06 octobre 2019, à 15h.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق