الخميس، 28 فبراير 2019

بقلم الناقد مجد الدين سعودي

قراءة في الديوان الزجلي ( ضفاير لالة ) للكاتبة المغربية فاطمة المعيزي : عشق الوطن و حرقة السؤال
-------------------------------------------------------------


الفصل الأول
----------------------
برولوغ :
------------
فاطمة المعيزي ، اسم قادم من مملكة الشعر و العمل الجمعوي الى رحاب الزجل ، بدارجة عبدية ، صاقلة فطرتها و موهبتها بهواء البادية النقي و موروثها الثقافي المتنوع و الغني ...
كتبت فأبدعت ، تشتغل بجدية و في صمت ، في محراب كتاباتها الابداعية ، تناضل داخل الاطارات الجمعوية و الثقافية ، حاضرة بقوة في المنتديات و الملتقيات الأدبية ...
---------------------------------------------------------------------
في السيرة الذاتية :
------------------
من مواليد مدينة آسفي المغرب
عضو منشط بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية
رئيسة جمعية لبابة للابداع و التنمية و التواصل
رئيسة رابطة المبدعين العرب فرع مراكش
الكاتبة العامة لرابطة كاتبات المغرب فرع مراكش
عضوة نشيطة بعدة جمعيات ( جمعية أصدقاء الثقافة و الفنون ، الجمعية المغربية للتدريب و الاستشارات .... )
-------------------------------------------------------------------------
في الاصدار :
--------------
صدر للشاعرة المغربية فاطمة المعيزي ديوان زجلي تحت عنوان ( ضفاير لالة ) سنة 2017 ، و هو باكورة اصداراتها الأدبية في 110 صفحة ، في طبعة أنيقة ، جذابة ، تثير شوق القارئ و تحفزه لقراءة الديوان و الذي يضم 26 قصيدة متنوعة التيمات .
------------------------------------------------------------------
في الغلاف :
-------------
يتميز بجماليته و تناسق ألوانه و تعددها : فجاء العنوان بارزا باللون الأزرق ، و في الأسفل جاء ( زجل ) باللون البني ، و أسفله اسم الكاتبة ( فاطمة المعيزي ) باللون الأسود ، و تحتل الغلاف صورة فتاة بضفائر جميلة و جمال متكامل و ابتسامة تشع أملا و عشقا و نظرات حكيمة و تأملية ، و تبقى الصورة طبيعية بإطلالة الفتاة البهية و تواجدها القوي .
و عن الغلاف يقول الأستاذ المهدي نقوس في تقديمه للديوان : ( و اللوحة التي تمثل صورة فتاة مسبلة ضفائرها ، تختلس في خفر و حياء نظرات من شق بوابة شبه مواربة ...    الصفحة 11 ) .
------------------------------------------------------------------
في الاهداء :
-------------
جاء الاهداء على الشكل التالي :
( أهدي ثمرة هذا المجهود لوالدي تغمدهما الله بالرحمة و المغفرة ، و لابنتي ( ملاك و أميمة ) ، و الى كل من شاطرني نزيف هذا الحرف  ).
هو اذن اهداء بوجهين مختلفين لكنهما متكاملين : فالإهداء الأول موجه للعائلة ( الوالدان ، الابنتان ) ، هو اعتراف قوي بالوشائج العائلية و قدسيتها و كذلك البر بالوالدين ، و الاهداء الثاني عميق المغزى و الدلالات لأنه موجه لقارئ يتقاسم مع الزجالة نزيف حرفها .
و يقول الأستاذ المهدي نقوس عن الاهداء : ( الاهداء السخي المعبر عن طقوس و أدبيات الضيافة و الاستقبال المغربي ... ) .
--------------------------------------------------------
في التقديم :
و فيه تعلن الزجالة انحيازها للزجل و اعتباره فنا قائم الذات ، فتقدم لنا استشهادين رائعين و هادفين ، الأول عبارة عن مقتطف من كتاب ( بلوغ الأمل في فن الزجل ) لأبي بكر حجة الحموي يقول فيه : ( و انما سمي هذا الفن زجلا لأنه لا يتلذذ به و تفهم مقاطع أوزانه حتى يغنى به و يصوت .. ) ، و الثاني مقتطف من المقدمة للعلامة ابن خلدون : ( و لما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس و أخذ به الجمهور لسلامته و تصريع أجزائه ، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ، و نظموا على طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه اعرابا و استحدثوا فنا سموه بالزجل .. ) .
---------------------------------------------------------------------
في العنوان :
-------------
( ضفاير لالة ) ، يتكون من كلمتين دالتين : ( ضفاير ) و ( لالة ) ، و الكلمتان معا تنتميان لحقل الدلالات للزمن المغربي الجميل و القديم ، زمن الآباء و الأجداد ، زمن القناعة و التضامن و احترام الجار ، زمن الجمال الحقيقي و الطبيعي بدون رتوش أو ماكياج ، حيث كان جمال المرأة في ضفائرها والتي تزيد المرأة جمالا و تألقا و احتراما و تقديرا .
و كلمة ( لالة ) تدل على احترام المرأة و علو مكانتها و صفاء أصلها و أهمية مكانتها الاجتماعية و الاحترام الكامل للأم و الأخت و الزوجة و الجدة و المربية وووو .
ف ( لالة ) هي سيدة المجتمع الحضري و البدوي بدون منازع ، انه تعبير راقي ...
و عن العنوان تقول فاطمة المعيزي : (اختير لهذا الديوان عنوان ضفاير لاله  لأن الضفيرة من جماليات المرأة عامة فما  بالك إن جملت كل أحاسيسها المفرحة منها والمحزنة على شكل حروف ضفرتها بكل حب وكل تلقائية لتجعلها تاجا على رؤوس كلمات شاعرية تعانق الواقع بكل تجلي وتحاكي الماضي مكنة له كل قداسة وكل احترام. ) .
--------------------------------------------------------------------
الفصل الثاني
-------------
ضفائر العشق :
---------------
في جمال المرأة :
----------------
تقول الزجالة فاطمة المعيزي : (ضفاير لالة حروف صيغت ضفيرة بإحساس أنثوي صادق لا يأبى إلا المحافظة على موروث يعتبره هو الأصل وما دون ذلك  يحترم ويقدر ويستعمل أيضا في أدبيات الإبداع  والتواصل لكن دون أن ينفي كينونتنا وحمولتنا التراثية المغربية بكل أطيافها . )
تنظر الزجالة فاطمة المعيزي للمرأة باحترام و قدسية محطمة بذلك دونية الرجل الجاهل لها ، و تجد النموذج الحقيقي في جمالها و طبيعتها و أخلاقها و كينونتها ... و في قصيدة ( ضفاير لالة ) ، تقول :
( سالف لالة
تقول
عاود بركي يبري    الصفحة 19 )
و كذلك :
( خلي ضفايرك
شعاع خليهم جمره
خليهم جمره
خليهم كمره
نابتين حراكص
في خدود كل مرا     الصفحة 20 )
لكن في تقابل و مواجهة مع الآخر الجاهل :
( كالوا غطي راسك
غطيناه
كالوا الهوى حرام
صدقناه
كبرت أنا
و اللي ف كلبي
كبرناه )
-----------------------------------------------
في العشق :
------------
هو بوح جميل ، هو عشق انساني .
بأسى تقول الذات العاشقة و ذلك في قصيدة ( شحال كتواعدني ) :
( شحال ك تكولها و تخلف
تكول جناني عليك تلف
و عودك من خيري علف
و لقف من حوشت ايدي
شحال ك تكولها و تخلف      الصفحة 79 )
و تعترف هذه الذات الشاعرة في قصيدة ( و حق من لاقاني بيك ) قائلة :
( و حق من لاقاني بيك
حتى شفت سعدي ف عينيك
كلت نسرح غطاي عليك
نتوسدك و نبدا الحديث      الصفحة 103 )
و عبر لغة المناجاة :
( يا عرصة الدوالي لمدلية
يا ساكية الروح بك معنية
جودك به انا مغطية
وانا ب كلي نهديني ليك
-----------------------------------------------------
في اللوم و العتاب :
------------------
بدارجة عبدية جميلة ، يكون اللوم عند الذات الشاعرة قويا و مفعما بالمرارة خصوصا في قصيدة ( اللوم ) :
( باراك من اللوم
تشكي و تلالي
و تكول مظلوم
أش اداك لجنان الهوى
من تمرو بقيتي محروم
علاش تخبي و تحوم
وانت ف دواية العشق تعوم      الصفحة 31 )
و بذكاء و أحاسيس الزجالة فاطمة المعيزي ، تربط بين الهجرة و الحمام و ذلك في قصيدة ( لحمام لغريب ) :
( يا لحمام الغريب المزاوك ف العالي
اهجرتي ما حنيتي
و سكنك ف بالي
سامحت ف ليام
و لبست عليك البالي
ابكات عيني
و ضحكت من حالي
أنا على طلالك انطل
طلة و طلة و طلالي      الصفحة 83 )
و بنفس الوتيرة تلتجئ الى القنديل لتبثه لواعج الذات الشاعرة :
( يا القنديل
مال فتيلك ذبيل
ماسح دموع لقهر
ف كل ليل
يا القنديل
مال زيتك هبيل
مال طريقك اعكابي
قاطعاه محاني
قاطع قلبي لعليل
مال زيتك هبيل       الصفحة 91 )
و نفس الشيء نجده في عدة قصائد ( العرصة ... ) .
----------------------------------------------------
ضفائر الوطن :
------------------
يحضر الوطن بقوة عبر المناجاة و الحكم ، فهذا الوطن هو :
( يا بلادي يا ظل المظلة
الكبير
وخان تقلق
ما ندوزك
ما ننسى حوزتك لي
يا مغرب الخير      الصفحة 39 من قصيدة : جويهرات )
و بفرحة عامة تهتف :
( فرح يا المغرب
ما بقيتي في الشهد غريب
تكلع ضيمك من الكليب
و بان غرسك في افريقيا قريب       الصفحة 66 )
الوطن ذاكرة جميلة و فضاء الحنين ، لهذا تسترجع فاطمة المعيزي ذكريات الزمن الجميل عبر قصيدة ( دار الضمانة ) ، اذ تقول :
( ال دار الضمانة صديت
كلت نوصل و نغزل حديث
من قلة شوفتهم مليت
جمعت حاجتي و صليت
شديت الطريق و لغيت      الصفحة 85 )
عبر عملية فلاش باك السينمائية ، تستحضر الزجالة فاطمة المعيزي الماضي ، و ذلك في قصيدة ( تخمامي ) :
( جات لحمية
من ذاك الجبل اتلالي
و البلاد بلاد السيبة
و الحاكم دكالي
ف زين لالة
شهدو الشهود
و نطقو بالعلالي      الصفحة 89 )
الوطن تراث جميل عبر لعيوط ( خربوشة ، ميلودة ،   )
و تخاطب شيخات الزمن الجميل عبر قصيدتها ( رومني ) فتذكر أسماء كبيرة و وازنة في مجال العيطة ( خربوشة ، ميلودة ، زروالة ... ) .
-----------------------------------------------
ضفائر السؤال :
---------------------
حرقة السؤال :
-----------------
ان كل كتابة بدون تساؤلات تبقى ناقصة ، لهذا يحضر السؤال الفلسفي العميق عند فاطمة المعيزي بصيغ مختلفة ، تفرض نفسها على القارئ ، في قصيدة ( لا تسولني )، تقول :
( لا تسولني يا لحبيب
على لعمر آش بقى فيه
بلي باقي هديتو ليك
انكتبو كتاب بمعانيه
و يكون هدية بين يديك       الصفحة 27 )
و تحاول الذات العاشقة الاجابة على التساؤلات السابقة ، لكن :
( كيف يصبر جفاي
على جفاك
كيف تصبر العين
تصوم
ما تشوف فيك      الصفحة 27 كذلك ) .
-------------------------------------
الزمن :
-------
تتغير الأحوال المعاشة ، فيحن المرء الى الزمن الجميل  عكس زمننا هذا .. و هذا ما نجده في قصيدة ( زيمة ) :
( تفرقوا الخوت
تباعت خيمتنا
و البهيمة السمينة
كبرت المدينة
ماتت لميمة
حسرة و تخميمة
ذبال زرعنا
كثرت السقيمة
تشتت المرسم
و الكلمة الحكيمة     الصفحة 36 )
و هو اذن نوستالجيا بطعم الوجع :
( ترحم عل لميمة
ترجى ذاك الزمان
لي دار لجام
من حر الكلام
و لا يضام
ما بغى خصام      الصفحة 37 )
----------------------------------------------
الليل :
-----------------
عند الذات الشاعرة ، هو شفاف لأنه يظهر ما خفي فيه و ما ظهر ، لهذا تقول في قصيدة ( في ضيافة الليل ) :
عربد الليل
ب هموم الناس
اشطح فوك جفنة
كالوا : فضة
كلت : انحاس
عربد الليل
ف زين سماه
خال و نجمة
كلت : جاب بسمة       الصفحة 53 )
لهذا تقارن همومها بهموم الآخرين على الشكل التالي :
( عربد الليل
بهموم الناس
وأنا همي مصدي
يساسي
بين ضلوعي
زامت انفاسي       الصفحة 54 )
 و كذلك :
( عربد الليل بهمومي
و لهموم الناس
ناسي .. قتل حواسي
زاد هواسي .. ما دار قياسي
وانا حالفة يا كلبي
و الحاتل في جنبي
حتى تبقى وردة
اعسل كاطر من شهدة
ك حليب ميمتي بين ضراسي      الصفحة 55 )
------------------------------------------------------------
ضفائر الحكمة و العبرة :
------------------------
تجليات الحكمة و العبر كثيرة في ديوان ( ضفاير لالة ) ، و سنقتطف منه بعض المقاطع الدالة على ذلك :
في قصيدة ( كل يلغي بلغاه ) ، تقول :
( كل يلغي بلغاه
واحد ركب البحر وداه
واحد بعشقو كواه
وواحد ما شاف اللي بغاه
وأنا على عاودي مسرجاه      الصفحة 43 )
و كذلك في قصيدة ( واه  واه ) :
( واه  واه
واه  واه
شحال من شوكة
غارزة فينا
ساكتين
ما نكولوا علاه    الصفحة 45 )
و كذلك في قصيدة ( دوايتي ) :
( ما عرفت
و علاش عيا لقلم ما يزمم
بلا ما يخمم بلا ما يعلم     الصفحة 75 )
-----------------------------------------------------
الفصل الثالث
-------------
مميزات الكتابة عند الزجالة فاطمة المعيزي :
--------------------------------------------
من خلال ديوان ( ضفاير لالة ) ، يلاحظ أن الزجالة فاطمة المعيزي تستمد قوة زجلها من توظيفها للأمثال و الحكم الشعبية و التراث الشعبي بطريقة غير مباشرة و ذكية ، كما تعتمد على لغة دارجة مفهومة عبر استعمال أسلوب ( السهل – الممتنع ) ، لهذا أتت كتاباتها تلغرافية بجمل جد قصيرة و غير منمقة و عبارات مختصرة و مركزة فأكيد أن ( خير الكلام ما قل و دل ) ، كما أن عناوين أشعارها الزجلية دالة و معبرة عن أحاسيسها و تصوراتها ( القبة ، لا تسولني ، اللوم ، لحكام ، كل يلغي بلغاه ، في ضيافة الليل ، لحمام الغريب ، كالوا غطي راسك .... ) . و لهذا تلخص لنا الزجالة فاطمة المعيزي اعتمادها على الموروث الثقافي الشعبي قائلة : (صرخة زجلية تغرف من الموروث الثقافي المغربي في كل أزمنته ،ولربما  تقاسمتها كل النساء مهما . صرخة زجلية تغرف من الموروث الثقافي المغربي في كل أزمنته وتنهل من الثقافة الشعبية الأكثر قربا منا والأكثر فهما والأكثر تعبيرا لخلجاتنا وأشواقنا ورغباتنا ، ولربما  تقاسمتها كل النساء مهما اختلف موقعهم الجغرافي والاجتماعي ومبادئهم . ) .
--------------------------------------------------------------------
خاتمة :
-------
نجحت الزجالة فاطمة المعيزي في ايصال الرسائل المشفرة و الهادفة من خلال ديوانها الزجلي ( ضفاير لالة ) و الذي يعتبر قفزة نوعية في مجال الزجل المغربي الذي بدأ يفرض نفسه كجنس أدبي يلامس القضايا الاجتماعية و الفكرية و السياسية و غيرها للمجتمع المغربي .
و أجمل ما نختتم به هو ما استهلت به الزجالة فاطمة المعيزي ديوانها ( ضفاير لالة ) :
( كلت نصبح و نمسي عليكم
بمخفية عسل
و ما كرهت نخليكم
تربوا حتى النحل
و تحسوا بمحبتي ليكم
لي كد الجبل     الصفحة 17 ) .
--------------------------------------------------------------

مجدالدين سعودي
كاتب و اعلامي و ناقد مغربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق