الثلاثاء، 5 فبراير 2019

قراءة نقدية بقلم محمد لبيب

** رؤية النفي والإثبات في شعر "فاطمة العبدي".
قصيدة : 《نشاز 》 نموذجا.



     قبل أن أشرع في هذه الورقة النقديةأحب أن أشير إلى أنني اكتشفت فاطمة العبدي خارج خيمة الشعر بادئ الأمر،عرفتها واحدة من سكان الفيسبوك الطيبين الذين يتبادلون الورود والتحايا الجميلة كل صباح، تجمعت لدي مع الأيام أجزاء صورة عن الإنسانة" فاطمة العبدي"إكتمل عبرها بورتريه الإنسانة المثقفة الملتزمة الحالمة
وهي تخفي خلف ذلك حزنا عميقا يبرره موقفها الذي لا ينفك منتقدا 
للأمور كما تجري.
    بعد ذلك تعرفت إلى  "فاطمة العبدي" الشاعرة، صاحبة ديوان 《 خبايا حروف الهجاء 》في أحد الملتقياتالآدبية حيث أهدتني مشكورة نسخة من ديوانها فاطلعت على بعض قصائده
وعقدت العزم على أن أجعل إحداها موضوعا لقراءة نقدية عندما يتهيأ الظرف ،ظل الأمر يؤجل لأسباب بعضها يشرح وبعضها غير قابل للتفسير،إلى أن عثرت صدفة  على نص  " نشاز " منشورا على الجدار الأزرق فعاودتني فكرة القراءة.
ووجدت أنه نص شعري جذير بالقراءة لأمرين إثنين : 
■ أولهما أنه كتب بعد صدور الديوان وهو بذلك يمكن أن يقدم صورة حديثة عن تطور الحساسية الشعرية لدى الشاعرة العبدي.
 ■ وثانيهما أنه نص بعيد الغور من حيث نسقه الفكري ورؤيته الفنية.
   وهكذا وجدتني عالقا في شرنقة  النص الجميل ،العميق.
  ومنذ اللقاء الأول بهذا النص أومض لي بإشارات خاطفة ،رأيت أنها تلخص الرؤية الفنية والنسق الفكري لمجموع التجربة الشعرية للشاعرة.
ابتدأت الشاعرة هذا النص بالإشارة إلى معنى الركوض وسواء أكان نعت الركوض عائدا على الذات أم على الحروف فإن حضورهذا المعنى دال على البحث عن فكرة معينة والعدو خلفها في رحلة بحث كأنها "سرمدية"ما يدل على أنها فكرة منفلتة، هاربة وسيترسخ معنى هذا الإنفلات في مناسبات كثيرة من النص الشعري حيث ستضطر الشاعرة إلى الحفاظ على مسافة توجس فاصلة بينها وبين الكلمات ،أليس يعضد معنى الإنفصال معنى الهروب.؟..
  وفي السياق ذاته تتوالى معاني الإلتفات إلى الوراء في حال ارتعاب ودهشةوهذيان الظل من فرط التعب واللهاث حيث يصير الوقت عند الشاعرة جغرافية للتعب والهزيمة.
  حاولت الشاعرة أن تنتقل في التعبير عن هاته المعاني السلبية من
طابع التقريرية المباشرة إلى طابع الإيحاء والترميز،فصاغت صورة الصدأ الذي ينخر وجه المدينة عندما  بلغ النص الشعري ذروته
وفي بيان حالات النفي السالبة تدرجت  الشاعرة نحو  النهاية عبر رؤية الإثبات  من خلال معان  إيجابية بانية ،واعدة بالأفق المضيئ تخلع عنها عباءة "النعي" وتلبس رداء "التبشير" والوعد بالأمل القادم..تقول الشاعرة :"أنا هنا لأنتسب لي كزهر ".تفك بذلك إرتباطها بدائرة الأحزان وتنسج الوشائج مع دائرة الكلمات الرقراقة والقلب الدافئ والشموس الساطعة.
تقول الشاعرة: " ياظلي المتوحد بقلبي ،قاوم ملامح الحزن ".
هي بذلك تتحول من وضع الهروب الذي إبتدأت به نصها إلى وضع المقاومة في نهاية النص الذي تختمه  بهذا البيان الشامخ  "سنرتفع كالشجر وقوفا في وجه الريح ".
   مع ملاحظة أساسية أحب أن أنهي بها هذه الورقة ،هي إنتقال الشاعرة من إستعمال ضمير المتكلم المفرد في كل النص  تقول :"أمسكت..أخذت ..أمشي ".إلى إستعمال ضمير المتكلم الجمع 
وتقول :" لن ننتهي..سنرتفع ". 
كأن الشاعرة وجدت خلاصها في إندماجها في ذات جمعية قادرة على الفعل والبناء والإنجاز الحضاري.

            بقلم محمد لبيب : مقالات نقدية
             إلى أن ينام القمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق