‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال ادبي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال ادبي. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2020

بقلم د.رمضان الحضري

الفنون ماهيات ووظائف
***********
الجزء الأول
*********
بدأت تقسيمات الفنون في العالم الحديث غربية منذ القرن السابع عشر 
وحتى بداية القرن العشرين متأثرين بميراثهم عن الإغريق واليونان فصنفوا
  الفنون سبعة هي : _
1 _ العمارة
2 _ الرسم 
3 _ الموسيقا
4 _ الأدب
5 _ الرقص
6 _ النحت
7 _ السينما 
  أحاول أن أهرب من جميع التنظيرات القديمة والجديدة رغبة مني في 
تقديم فكر عربي ،مستقل عن جميع التنظيرات الغربية التي جعلت حياتنا
تسير كما يريدون لنا ، بالإضافة إلى الملاحظات المهمة على تنظيرهم 
الذي لايسد رمقنا كعرب نفهم لغتنا وشخصيتنا وتاريخنا .
أنا مؤمن _ تماما  _ لاتوجد ثقافة صافية على وجه الأرض رغم كل 
مزاعم الغرب أن هذه ثقافة عربية وتلك أوربية وغيرهما أمريكية ، فبعد
هذا الاندماج الكوني عبر شبكات التواصل الألكترونية ماعادت هناك فكرة 
مختفية ولا معلومة محجوبة ، وربما هذا قد وضع الغرب في مأزق تسرب
المعلومات والبناء عليها من دول لم يريدوا لها ذلك ، ولذا فهم يستخدمون 
القرارات من الهيئات الدولية لفرض عقوبات على هذه الدول كما فعلوا مع
دولة العراق الشقيقة وسوريا الشقيقة وليبيا الشقيقة ، بالإضافة إلى تدمير 
التراث العربي الفلسطيني ، إلى جانب إثارة الحروب في المنطقة المستقرة 
فحرب في اليمن وأخرى في ليبيا والعراق وسوريا ولبنان ، وكل دولة 
سوف تحصل على نوع من التقدم والاستقرار ، وتنفق الدول الغربية 
أموالا طائلة على التجسس والاستخبارات ودعم الأسلحة لتدمير هذه 
المجتمعات ، فالرجل الذي يريد أن يزرع أرضه ليطعم أبناءه ، يترك
الأرض بورا ويحمل السلاح ، فلا يشعر الأبناء بالأمان على أنفسهم
من قلة الغذاء ، ولايشعرون بالأمان العاطفي من فرقة الأب الحاني ،
وإذا سيطر الخوف على الشعوب فلا إبداع ولا انتاج ، وبعبارة أخرى
الشعوب الخائفة هي شعوب ميتة رغم هزات القلوب ورعشة الأطراف .
والشعوب الخائفة لاتستطيع أن تمتلك حتى تراثها أو آثارها القديمة 
أو ما تركه الأجداد لها من مخطوطات وعلوم .
هذه التقدمة للربط بين الفن وتغير ماهيته حسب التغيرات الاجتماعية ، 
والسياسية ، وحسب المؤثرات على ماهية الفنون ، لأن الفنون عند العرب 
مرتبطة بالزينة والحلي والإتقان ، وجاءت تعريفات الفنون في المعجم 
الجامع للمعاني بقوله : _ (  كُلُّ الإِبْدَاعَاتِ الْفَنِّيَّةِ الَّتِي تَرْتَقِي إِلَى الْكَمَالِ 
وَالْجَمَالِ، وَتَسْمُو بِالْخَيَالِ إِلَى الْخَلْقِ وَالإِبْدَاعِ كَالشِّعْرِ وَالْمُوسِيقَى وَالرَّسْمِ 
وَالنَّحْتِ وَالزُّخْرُفِ وَالْبِنَاءِ وَالرَّقْصِ ) ، وحتى هذا المعنى المعجمي عليه
ملاحظات جمة ، فهل فعلا الإبداعات الفنية ترتقي إلى الكمال ، لم يذكر
لنا تاريخ الفنون إبداعا فنيا واحدا ارتقى للكمال والجمال ، ثم لجأ المعجم 
إلى التقسيمات الأوربية القديمة ، مما يجعلنا تابعين حتى في معاجمنا لغيرنا
وهذا ما لم يحدث في المعاجم العربية القديمة ، وحينما يعلم القارئ أن أول
من وضع معجما في التاريخ العالمي كله قديمه وحديثه هو العلامة / الخليل
بن أحمد الفراهيدي الأزدي العماني البصري الذي كان يعيش في كوخ على
أطراف البصرة المباركة ، بينما طلابه يعيشون في قصور اشتروها 
من علوم الخليل ، الذي لم يكن يجد دينارا أو دينارين ليكفي أهله
مؤنة طعامهم وشرابهم لزهده في الدنيا وتكالبه على الورق والعلوم ، فابتدع 
علوما لم تكن لسواه ، كالعروض والأوزان والتباديل والتوافيق والمعاجم 
وأول من تكلم في معاني الحروف على مستوى العالم ، حيث مهد الطريق 
لابن جني في" الخصائص" ، كما مهد الطريق "لسيبويه" في "النحو" ، و"للأخفش
الأوسط" في بحوث جديدة في" العروض" لم تكن ذات قيمة كبيرة كأبحاث 
"الخليل "ذاته ، هذه علوم ماسبقه إليها من أحد من العالمين حتى  "سقراط "
و"أرسطو" و"أفلاطون" ، وحينما  نعلم أن "الخليل "عاش في القرن الثاني 
الهجري من عام ( 100 إلى 170 هـ ) والتي توافق القرن الثامن الميلادي
من عام (  718 م وحتى عام 791 م ) على أصح الروايات ، بيننا وبينك
يا"خليل" ألف عام ومائتان ، ولازلت ذا سبق لم يضف إليه أحد شيئا .
وقد جاءت تعريفات الفنون في" معجم أكسفورد "باعتباره أشهر "المعاجم 
العالمية" بقوله : _ ( تعبير أو تطبيق للمهارة والخيال الإبداعي للإنسان ، 
عادةً في شكل مرئي مثل الرسم أو النحت ، وإنتاج أعمال يتم تقديرها في 
المقام الأول لجمالها أو قوتها العاطفية ) .
لاشك ان تعريف" المعجم الأمريكي "أقرب "للعقل" حيث جعل "الفنون تعبيرا 
ومهارة " 
تشتمل على جماليات وهذفها التأثير العاطفي ، ربما هناك ملاحظة
على الهذف في تعريف" أكسفورد "، حيث إن "التأثير العاطفي في حد ذاته
ليس هذفا "، بل ربما يكون "مرحلة لتغيير الاتجاه" عند المتلقي للفنون ، فالفن
《إذا لم يكسب المتلقي توجهات جديدة وظل متوقفا على أثره العاطفي》
 فلاشك 
أنه سيكون قد فقد ركنا مهما للغاية من وظيفته ، وهذا الموضوع سيكون 
درس الحلقة القادمة في موضوع : "وظائف الفنون" .
وهناك تقسيمات خاصة للفنون عند فلاسفة أوربا مثل "كانط" و"لاسباكس "
و"هيجل" وغيرهم ، حيث قسم" كانط "الفنون إلى :
*فنون تشكيلية 
*فنون تصويرية 
*وفنون اللعب بالأحاسيس ،
 بينما رأي "لاسباكس" أن الفنون 
تصنف إلى :
*حركية
* وساكنة
* وشعرية ، 
وجاء" هيجل" ليصنف الفنون حسب
المدارس الفنية إلى:
* فنون رمزية
* وكلاسيكية 
*ورومانسية .
وهناك تصنيفات كثيرة جدا من وجهة نظر الفلاسفة الغربيين ، لكن اللافت 
للنظر ان تقسيمات  "سيمات الفنون العربية" و"الإسلامية" جاءت "تقسيمات غربية" كذلك
مما يصيبنا بالحسرة مرات ومرات ، فهناك تصنيف :
* "ساردار للفنون العربية والإسلامية "
*وهناك تصنيفات "جامعة هارفارد"
 *وهناك "تصنيف ايكونكلاس "الهولندي وجميعها تصنف "الفنون العربية والإسلامية" إلى:
* "فنون الزخرفة "
*والخط العربي 
*وفنون العمارة الإسلامية
* والفنون التطبيقية 
*والنحت 
*والتصوير 
*والموسيقى 
*والغناء 
*والرقص
* وفنون الآداء والتمثيل .
هنا أحاول محاولة جادة لإيجاد" ماهية للفنون مجتمعة" ثم" ماهية مفصلة" لكل فن من هذه الفنون .
في ظني _ ولست ملزما لغيري بما أقول أن الفنون التي تكونت عبر آلاف 
السنوات كانت تجسيدا لعواطف وأفكار الإنسان ( ماضيه وحاضره 
ومستقبله ) ، وتشتمل على قدرات وخبرات وثقافة المجتمع والمبدع في
 آن واحد ، هذا من ناحية الإطار العام الذي يشتمل جميع الفنون تقريبا ،
بينما الإطار الخاص لكل فن من هذه الفنون سيحتاج إلى تفصيلات ولو
ميسرة ومختصرة ، يمكننا تناولها في اللقاء القادم بأمر الله تعالى .
***********




د / رمضان الحضري 
القاهرة في 1 من سبتمبر 2020م

الاثنين، 20 يوليو 2020

بقلم : توفيق الشيخ حسين

محمد الماغوط شاعر الفطرة والصدق

            
محمد الماغوط ظاهرة , والظاهرة هي خروج عن المألوف , لم يفكر أن يكون شاعرا أو كاتبا ً , لكن رأيه بإن كل إنسان له قدر لا يستطيع الهروب منه , الصوت الأقوى للماغوط هو الشعر , رغم انه كتب للمسرح وكتب الزاوية الصحفية لكن الناس تبتهج عندما تعلم أن الماغوط قد كتب قصيدة جديدة . 

محمد الماغوط بركان قلق متوتر لكنه صامت , بداياته الأدبية الحقيقية كانت في السجن وكما يقول :
" معظم الأشياء التي أحبها أو أشتهيها ، وأحلم بها ، رأيتها من وراء القضبان " المرأة , الحرية , الأفق " وفي الزنزانة عرفت الخوف لأول مرة , وأنطبعت روحي بوشم التوجس من العالم ، وهرب مني الأمان وربما إلى الأبد " .

أول حرف متوهج كتبه الماغوط كان في ظلام السجن البارد في منتصف الخمسينيات , يقول عنه " خليل صويلح " :
" كان محمد الماغوط " كولومبس " الشعر الجديد بلا أدنى شك " .

إن شعرية محمد الماغوط ترسم لقصيدة النثر شكلا ً عربيا ً خالصا ً وصوتا ً عربيا ً نقيا ً .. 
إن الإحساس الذي يحركه فينا شعر الماغوط حسب رأي الدكتور علي جعفر العلاق أحساس قاس ٍ متوتر .. أحساس بالوجه القاتم للحياة ، وارتباط بالمستوى الجحيمي منها ، أي انه لا يكتفي بالسطح اللامع للأشياء وتفاصيل حركتها اليومية بل يغوص وراء شحنتها المقلقة التي تأخذنا مشاغلنا بعيدا ً عنها ، فلا نجد فرصة للتفكير فيها أو تأمل دلالتها " .

أن محورية الشعور القهري في نفس الماغوط عند " لؤي آدم " نشأت وتمركزت في طفولته أثر التسلط الأبوي وما تلاها من تسلطات طبقية مرادفة رسخـّت إحساسه بالفقر والفاقة إزاء أهل الثراء والسلطة وهكذا أصبح الشعور التظلمي مرافقه في معظم مراحل حياته وعبر إبداعاته الأدبية .  
إن كتابات محمد الماغوط أحدثت هزّة زادته قوة فوق قوة ومما ضاعف إثبات الذات في وجدانه لينعكس على أنتاجه وسلوكه .

روح السخرية جزء لا يتجزأ من حياته , سخرية بعمق معاناة الإنسان العربي من أجل لقمته وكرامته حيث يقول :
" أمي أعطتني الحس الساخر ، الصدق ، السذاجة ، رؤية العالم كحلم قابل للتحقق " .
أن هذا الأسلوب الساخر أختاره كرسالة حملها على عاتقه منذ بداياته لمعرفته بان الطرفة والنكتة على ما تحمله من مآس ٍ أحيانا ً فأنها أسرع بالوصول إلى القلب .. كان يتمنى أن يكون عاهة حقيقية على لؤلؤة مزيفة مهما كانت رائعة .. فهو حزين ويضحك من نفسه ومن أمته ويضحك على الشعوب التي ما تزال جامدة في مكانها ...

يقول " أدونيس " :
" كنت أراه ذئب في شكل خروف , محمد الماغوط الشاعر كنت أراه خروف في شكل ذئب , لكن سواء آلتهم الآخر أو آلتهم الكلمات في الحالتين كان في وحدة بين الخروف والذئب في داخله من جهة وفي علاقاته مع الآخرين من جهة ثانية " .
وردا ً على سؤال : هل ندمت على شيء كتبته  فأنه يجيب :
" لم أندم طيلة حياتي على كلمة كتبتها , ما يعنيني أن أكتب بصدق في عصر الكذب السابق واللاحق , وأكتب بشجاعة في عصر الذعر السابق واللاحق , ومعركتي ليست وراء مكتب أو في حلقة نقاد أو وراء ميكرفون , معركتي الحقيقية في الحياة لكني كنت صادقا ً فيها " .

كما قال عنه " نزار قباني " :
" محمد الماغوط أصدقنا , يكتب بصدق , وليست لديه أية حواجز " .
إن أكبر خطأ أرتكبه محمد الماغوط حينما يقول :
" هو أنني تقدمت في العمر ولم أمت مبكرا ً كما فعل السياب " ..
لقد حفل موت الماغوط كما حفلت حياته بالمفارقات , فقد مات هذا الصادق المعذب وجعل من خلال موته دموع الحزن تتلألأ في سماء عينيه كالنجوم.
هذا هو محمد الماغوط واحد من فرسان الكلمة التي أيقظت الكثيرين ولم تزل ، وإنها لابد واصلة طالما إن الحياة مستمرة والضمائر حية والعقول تنبض .



            بقلم : توفيق الشيخ حسين



السبت، 14 مارس 2020

بقلم االناقد مجد الدين سعودي

الديوان الشعري (حقائب الأوجاع) للشاعرة جميلة محمد: ( رصد لأوجاع الوطن العربي)
-----------------------------------------------------------------------------------------

مجدالدين سعودي – المغرب
--------------------------------

القسم الأول
----------------

في الإصدار
----------------

صدر للشاعرة جميلة محمد ديولن شعري بعنوان (حقائب الأوجاع) ، وهو ديوان طويل يضم 90 قصيدة ... (2)
---------------------------------------------------------------------------------------------

في العنوان
--------------

في مداخلة لها أكدت الشاعرة جميلة محمد ان حقائب الاوجاع هو بمثابة حقائب حياة تغتزل اوجاع أمة بأسرها ..في تماه للشاعرة مع محيطيها وتأثرها بقضايا مجتمعها و كل مجريات الأحداث حولها .ومدى فعل صور البشاعة التي سيطرت لسنين على واقعنا واعلامنا فأدمت قلوب الشعوب من الماء الى الماء .قضايا الطفولة المعذبة والأمهات .المهجرة و المدن المقصوفة و الاوطان المتفككة ..منددة بهذا الانحطاط .والسقوط الحر .وتسترسل الشاعرة مؤكدة على أن من تلك الحقائب” حقائب نون النسوة “بكل أحلامها وأمالها وآحباطاتهاإلى حقائب الإيمان والإرهاب والتعصب والتطرف والمذهبية التي لا تمت لإسلامنا السمح بصلة إلى منجاة الله و التوبة والمغفرة والرجوع الى المولى ..في قصيدة همس الليل ..حيث تقول في نهايتها .ما أجمل الرجوع إليه …فتقدم حقائب الأوجاع على أنها حقائب حياة بكل احبتطاتها ..واحلامها وكبواتها ..
أما محمد الملواني فيقول: (( وبالعودة إلى ديوان حقائب الأوجاع من حيث بناؤه وتركيبه ، نلاحظ أن الشاعرة وظفت في العنوان تركيبا إضافيا فالحقائب أضيفت إلى الأوجاع ، وفائدة الإضافة عموما عند النحاة : التعريف والتخصيص والتخفيف ، أما من حيث الدلالة فالحقائب أضيفت إلى الأوجاع ، تركيب صدره جاء جمعا ، وعجزه أتى جمعا ، وكأن الحقيبة الواحدة لا تكفي ، فاستعارت الحقائب في صيغة جمع التكسير ، وهو كل جمع تكسرت صورة بناء مفرده ، فما الذي تكسر في الديوان ؟ أو في تلك الطاقة الفاعلة فعلها في الكتابة ؟،
إنها الأوجاع التي لا تكفيها حقيبة واحدة ، ومن هنا نستقرئ أن الشاعرة جميلة محمد تحمل أوزار من تكتب من أجلهم ، إنها سيزيف زمانها تحمل صخرة الأوجاع، فتصبح هذه الصخرة باعثا على قول الشعر ، قصائد توثق من خلالها تجربة شعرية مليئة بالإحساس بالمسؤولية تجاه الآخر بل تجاه الآخرين ، تتوجع لوجعهم وتئن لأنينهم ، وتتضرع خاشعة عسى أن يخفف الله حملهم ...1))
--------------------------------------------------------------------------------

في الغلاف
------------

يقول محمد ملواني : (أما صدر اللوحة فهو وثيقة تاريخية للدمار والخراب بفعل الحروب ، وفوق هذه الوثيقة اسم الشاعرة وبيان الجنس الأدبي : " ديوان شعر "
وعلى ظهر الغلاف صورة للشاعرة ومقتطف من قصيدة برلمان الطفل ....1 ))
--------------------------------------------------------------------------------------------

القسم الثاني
---------------

1 عشق
---------

تمتاز كتابات الشاعرة جميلة محمد ببساطة التعبير والالتجاء الى لغة شفافة للتغبير عن المظاهر والمشاعر الانسانية بحس شفاف ومعبر .
في قصيدة ( يا حب العمر) ، تلتجئ الذات الشاعرة الى البوح المباشر والعميق ، فتقول:
(يا حبا أماتني وأحياني
يا عشقا أذاب روحي وأدماني
يا لحنا صاخبا في جوارحي... الصفحة 69 )
ووبلغة العتاب تواصل :
(الشوق اليك قهرني وأعياني
كلما دنوت ابتعد طيفك وودعني ... الصفحة 69 )
هو عشق الروح للروح المحضة ، لهذا تقول الذات العاشقة في قصيدة (حديث الصمت ) :
(بكل وجدانه
بنظرة حارقة من عينيه
بنبرة ملتهبة في صوته
من رجف شفتيه
عانقتني جوارحه
أحاطتني روحه
غمرني عطره ... الصفحة 112 )
قصيدة (جمر النار) 123 :
وفي عز الوله والعشق ، تكون مناجاة الذات العاشقة في قصيدة (لا تطفيء شمس هوانا)  على الشكل التالي:
(لا تطفئ شمس هوانا
دع أنوارها في الحنايا تسري
ارحم القلب اليائس الحزين
في بعدك مكتو بنار الغدر ... الصفحة 136 )
وكذلك :
(على نبض الوحدة والأرق
بالليالي الطويلة يحيى بالأمل
أن يعانق همس فؤادك
دفئ أحضانك
فتطويه تحت جناحيك
تنسيه لوعة الهجر . الصفحة 136 )
بينما يكون هذيان العاشق في قصيدة (هذيان) هذيانا بطعم الجنون :
(ربما أهذي
ماذا فعل بي هواك
متيمة أقتفي أثر عطرك
يسري بعروقي
يغزوني
تغريني ، أعشق أكثر ... الصفحة 143 )
-----------------------------------------------------------------------------------------

2 طفولة وأمومة
--------------------

في الطفولة
--------------

يحضر طفل الحجارة ، أيقونة فلسطين واستمرار الحلم بتحرير فلسطين وذلك في قصيدة (طفل فلسطين) :
(أنا
تراب فلسطين
وفلسطين وطني ... الصفحة 39 )
وكذلك :
(عظامي ، دمي
ملح هذه الأرض ... الصفحة 39 )
 في اليتم حزن وقصة تراجيدية  وذلك في قصيدة (رسالة عتاب) :
(سألتني يوما المعلمة
ماذا يعمل والدك
ما دراسته ، ما اهتماماته
أحرجتني ، فلت لا أعرفه ... الصفحة 97 )
وكذلك :
(تواترت الأعياد بالآهات والأنين
وحزن دفين ودمع لم يجف
حفر أحداقي بملحه الحارق ولم تأت أنت ... الصفحة 98 )
بينما في قصيدة (على الرصيف) تلخص معاناة الطفل قائلة :
( صبي أنا رأسي انحنى
أمشي فوق النفايات
أبحث عن غد
أبحث عن حياة
صبي أنا ظهري انثنى
أقلب البقايا بحثا عن أمل ... الصفحة 95 )
وكذلك :
( أقلب البقايا بحثا عن أمل
لعبي علبي وزجاجات تجرحني ... الصفحة 95 )
وكذلك :
(ترمقني العيون ، تزدريني
برد الليل يلسعني
أتجمد كميت
حتى تلفحني
بأشعتها شمس الصباح فتوقظني
ليوم جديد من قهر الجوع
والعطش يرعبني
غريب أنا في وطني
لا أحد يعرفني
لا أحد يتذكرني ... الصفحة 96 )

-------------------------------------------------------------------

في الأمومة
-----------

في قصيدة (أمي حبيبتي) ، تحضر الأم في شكل الوطن كما يحضر الوطن في حضن الأم:
( بكل عنايتك غمرتني حتى من قبل مولدي
بمشيمة حبك عشق الحياة أرضعتني
لي ليال العمر سهرت
بجميل الصبر أنت صمدت
أمام صواعق السنين لتحميني
أمي ، يا وطني يا وطن السلام
أحضانك الدافئة ، جنتي . الصفحة 160 )
--------------------------------------------------------------------

3 عروبة وأوطان
--------------------

قصائد الشاعرة جميلة محمد قصائد عروبية حتى النخاع ، لأن كل قضايا الوطن العربي تهمها ، لهذا تقول في قصيدة (القدس لنا) :
( أكسر جدار الخوف
بلاءاتك ينهار جلادك
ارفع بالآذن الصوت
الله أكبر الله أكبر
تسقط ظلال الصمت ... الصفحة 35 )
وتواصل :
(نرتفع الى السماء
كرامة – كبرياء وعزة
نرتفع الى السماء
أرواحا – شهداء ... الصفحة 35 )
 بينما في قصيدة  (حلب) ، تلتقط كاميرا الشاعرة أوضاع الحزن والدمار :
( من حارات حلب
أقطف لكم ورود الزمن البديع
باقات الرصاص وروائح الموت
حولي الحطام والدمار ... الصفحة 29 )
وكذلك :
(أبحث عن بائع الأحلام الوردية الجميلة
لعله يشتري مني رصاصتي الفارغة
كل ما أحتاجه
ماء ورغيفه
وأن لا تباغثني وأنا أحلم
قذيفة . الصفحة 30 )
وفي قصيدة (برصاصتي)، يهيمن الرصاص والأنات:
( برصاصتي أعزف على قيثارتي
أعد على أناملي رفات الشهداء
أعد ما فات من حياتي
ألملم الشتات في مفكرتي
أحذف الآهات والأنين
أحذف كل ليال
الخوف والنحيب من ذاكرتي
أسقط كل الحصارات
عن دمشق والموصل
عن غزة والضفة
عن بنغازي وصنعاء ... الصفحة 31 )
---------------------------

الأوطان :
------------

في قصيدة  (وطني)، يظهر جليا الحنين للزمن الماضي:
(يهزني الحنين والشوق الدفين
وأنا أمشي بين دروبك
أنتشي بذكريات الصبا
صوت الآذان ،أفراح الجيران
والهدايا بالناي والطبل ... الصفحة 43 )
كما تتشبت بحب الوطن وذلك في قصيدة (أحبك وطني) :
( أحبك وطني كل يوم أكثر
أحبك كما أنت ولا أكثر
يا عشقي الحلال يا وطني الكبير
يا وطن السلام والجمال والجلال
أحبك وطني كل يوم أكثر
كما أنت ولا أكثر ... الصفحة 46 )
وكذلك :
( أحبك وطني كل يوم أكثر
أحب كل حجر فيك وكل أثر
أقبل كل نخلة فيك وكل شجر... الصفحة 48 )
------------------------------------------------------------------------

4 ذات متشظية
---------------------

في قصيدة ( أرق) ، تعيش الذات الحزينة أرقا كبيرا :
(أعلن يأسي أمام أمواج الظلم وانبطاحي
لعباب الغدر والخيانات
لقوافل النفاق والمراوغات
لأحبال الأقنعة الكاذبات
تسقطها أنوار الشمس
تلملم راحة أذيال أشعتها
الباهتة على استحياء ... الصفحة 108 )
ويتواصل الأرق :
(ترتاع العتمة لحظة الغروب
في غيم الشتاء وتسطو
تعلو أطياف الظلام
تستحوذ على المكان
البشر ، الزمان والأقلام
تعمى البصائر
تتيه بنا بعيدا عن مرافئ الأمان . الصفحة 109 )
تتساءل في قصيدة (هروب الى الايجابية):
(كيف أكون إيجابية؟
كل ما يجري حولي وحشية وهمجية ... الصفحة 113 )
وتلخص هذه الحالة البئيسة في مجموعة من الأوصاف نختار منها العبارات التالية :
( تجويع البشر ، ذبح ، تنكيل وتقتيل الأطفال ، ترحيل الأمم ...)
في قصيدة ( أحمال زمن المر) ، يكون الحمل ثقيلا :
(حملت أحمالك يا دنيا على ظهري
كلما زدت صبرا على صبري
زدتني قهرا على قهري
كسرت أنفتي وعزة نفسي... الصفحة 130 )
وفي قصيدة (بقايا صور ) تقول :
(وحدي أعود كل مرة
أحيى على الذكرى
وحدي أمشي بلا هدى
أتحسس في كل الأماكن
بقايا صورنا المأثورة
تغيب أنت أتبعثر أنا... الصفحة 142 )
-----------------------------------------------------------------------------------

5 تجليات
-------------

تفاؤل
--------

رغم الأهوال والأحزان ، فالذات الشاعرة تبقى قوية ومتشبتة بالأمل ، كما نجد في قصيدة ( معزوفة التحدي) :
(أعزف على الجراح
أنثر على الأنقاض هوى التحدي
ابعث من تحت الرماد حياة الزهر
أرقص على الأوجاع رقصة النصر
رقصة التحدي ... الصفحة 33 )
وبلغة معبرة وقوية ، تقول في قصيدة (شعاع النور ) :
( كسر قيدك كفاك بكاءا
كفاك ترددا
كفاك انكفاءا
كفاك تحسرا على من عانقوا القبور ... الصفحة 122 )
وكذلك :
(قم من تحت هذا الرماد
تمسك بشعاع النور
هيا قم
أخرج من غياهب عجزك ... الصفحة 122 )
وكذلك :
(هيا قم الى الأمام
تطلع الى العلا
دع حلكة هذا الظلام
انطلق الى واسع النور . الصفحة 122 )
-------------------------------------------------------------

حروف
--------

الشاعرة جميلة محمد مهووسة بعشق الكتابة ، لهذا تقول في قصيدة ( أنا وحروفي) :
(بين حروف ضادي وبيني
أسرار عشقي القوافي تكبر ... الصفحة 84 )
وكذلك :
(ألحان كلماتها تسلبني ارادتي
تحملني الى عالم الدهشة والخيال
أدفن رأسي بين سطورها
من روحي أنفخ فيها تنطق بهوسي
أغرق عميقا فيك بوجداني بعقلي وقلبي ... الصفحة 84 )
ولهذا تتشبت بالحروف ، كما نجد في قصيدة ( حروف ضادي) :
(مرضت ، فعادتني في رقادي الطويل وحدي ، حروف ضادي
برسائل في طياتها البلسم الشافي
من ألف الى ياء خططت أبيات التعافي ... الصفحة 93 )
-------------------------------------------------------------------

6 مميزات
-----------

أسلوب جميلة محمد واضح ومباشر تحاول الغوص في كل القضايا التي تعيشها كشاعرة تحيط بها الأحداث والحروب من كل الجهات ، فتتحول كتاباتها الى حقائب أوجاع الوطن العربي ...

-------------------------------------------------------------------------------------
مجدالدين سعودي – المغرب
----------------------------------

احالات
---------------------------------------------------------

1 محمد الملواني : (الحداثة من هدم البناء الى كشف الحقيقة في أفق البحث عن حياة فضلى )
2 ديوان ( حقائب الأوجاع)، الطبعة الأولى 2018، مجلس الكتاب والمثقفين العرب

3 عبد الحكيم قرمان :قراءة موجزة في "حقائب الأوجاع" للشاعرة جميلة محمد
4 عبد المنعم كامل: مقدمة ديوان (حقائب الأوجاع)
-------------------

الأربعاء، 11 مارس 2020

د.رمضان الحضري

الكلمة في الشعر والسرد
والسيناريو
*******
الجزء الأول 
*********
أشد الأعداء ضراوة ، وأكثرهم انتصارا عليك ذلك العدو الذي يكون من داخلك ، فالنفس _ غالبا _ أقوى على الإنسان من أعدائه الخارجيين
والأبناء والبنات أقوى على والديهم من أعدائهما ، ولاتهدم لغة إلا من العاملين بهذه اللغة ، ولا يموت حسن خلق إلا من تخلي أصحاب الخلق الحسن عنه ، فلا يقتل الشعر سوى الشعراء ، ولا يمحو الرواية سوى الروائيين ، ولا يهدم وطن سوى أبنائه .
لست في حاجة لإثبات ماقلته 
 فليس يصح في الأذهان شيء
 إذا احتاج النهار إلى دليل
ولذا فإن الشاعر حينما يكتب نصه الشعري ، فالعدو الأول له هو هذا النص ، وهذا ماجعل بعض الكتاب يقولون إن نصوصي هم أبنائي ( يا أيها الذين آمنوا إن من أبنائكم وأزواجكم عدو لكم فاحذروهم ) .
ماكنت في موقف صعب وأنا أكتب نقدا مثل حالتي الليلة ، فأنا قد حاصرت ذاتي ، وأكاد أقتلها بحثا وفحصا وتنقيبا وتعذيبا ، حيث إن همي يكمن في توصيل فكرتي التي أغرتني وكأنها شيطاني ونفسي اجتمعا على عقلي ليضلاه ، أو ينصحاه بصدق أو بكذب ، لكنني في النهاية عازم على قول ما أفهم عن الشعر في هذه المرحلة دون مواربة أو محاباة ، وقد اخترت نصوصا لشعراء بارزين جدا ومهمين للغاية في المشهد الشعري العربي .
نعم هم شعراء من مصر ، فليس يغني عنهم شعر المغرب ولا شعر الجزيرة ، ولكنهم في الحقيقة يغنون مثلي عن شعر المغرب والجزيرة .
إن الذين يرون أن اللغة كلمات وجمل وحروف وألفاظ وأصوات ، ذلك قدر اللغة عندهم ، فهم يختصرونها في التفاهم والتواصل .
بينما اللغة فيما أرى تشمل حياة من يتكلم بها من عادات وتقاليد وقوانين وميول واتجاهات وأفكار ، وربما اللغة عندي هي أكبر حقيقة مجردة ، لأنها تكشف عن قائلها كشفا تاما ، وبخاصة في الكتابة الفنية من شعر وسرد وسيناريو ومسرح ونقد وغيرها .
فاللغة ليست مجموعة المفردات اللغوية الثابتة في المعجم اللغوي أو المعاجم الشخصية في عقل متكلم ، حيث إنها مجموعة من الترسبات التي حفظت في العقل ليست حسب الاختيار والاصطفاء والانتقاء ، ولكنها حسب الخبرات العادية وغير العادية ، السيئة والطيبة ، المثيرة وغير المثيرة ، وهي التي تبرز تكوين شخصية ما ، ويحكم على العاقل من لغته وعلى غير العاقل من لغته ، فاللغة ضحك وغضب وفرح وحزن وحب وكراهية .
وقد تأخرت قالتي هذه كثيرا ، حيث تدخل أستاذي محمد فياض بعد قراءة قالتي الماضية ، وشرح لي ماوقعت فيه من سلبيات ، وملخصها عدم وضع النقاط على الحروف ، بعدم توضيحي لنقاط جل مهمة ، مع بيان ثبات الأسماء واستمرارية دلالتها القديمة حتى مع اكتسابها دلالات جديدة ، فهي لاتفقد دلالتها القديمة أبدا ، وهذا يعني أن الأسماء مرنة وقابلة للتجدد في ذاتها مع احتفاظها بسلطتها الكلامية التي نزلت بها من عند المولى جل في علاه منذ أن علَّم الله آدم الأسماء كلها ، وربما هذا سر من أسرار العطاء القرآني لكل زمان ولكل مكان ، ولكل حادثة وفعل .
فالكلمة مستمرة عبر التاريخ ، ربما تأخذ دلالات جديدة حسب العصر والمستخدمين ، وربما تبقى في شكلها القديم أو شكلها الأسطوري كما أحب أن أسميه أنا ، لعدم قدرة المستخدم على تطوير الدلالات فيها أو تحميلها بدلالات جديدة .
وحينما يكتب الشاعر نصه الشعري ، فهو يكتبه في مواجهة المجتمع الذي يعيش فيه ، مع العلم أنه سوف يأخذ من هذا المجتمع نصه ، وقد أخذ قبل النص من المجتمع معارفه وأخلاقياته ، وبالتالي فهو سوف يقدم للمجتمع ماهو معروف لدى العامة ، وما هو مبتكر من ذاته ، معروف لدى العامة لأنه سوف يستخدم مادة يعرفها العامة وهي اللغة ، ومبتكر لأنه سوف يعيد تشكيل المادة لتصبح فنا جديدا ، فاللغة في ذاتها ليست فنية ، ولكنها سوف تكتسب فنيتها من مستخدمها ، فمثلا ، حينما يقوم مثّال بعمل تمثال من الخشب ويكون هذا التمثال رائعا ، فإن روعته لم تأت من الخشب المستخدم ، لكن يد الفنان المثال البارع وفكره وعقله وأخلاقياته ومعرفته بالجمال ومعرفته بالذوق العام للمجتمع وثقافته المجتمعية هي التي تدخلت لانتاج هذا التمثال ، فشكل الخشب الجديد في التمثال لم يعد شكل الخشب القديم ، فلو كان التمثال لامرأة فنحن نسمي القطعة باسم جسد المرأة وليس باسم الخشب ، فنقول : أنظر كيف كان رائعا في نحت الصدر ، وكيف كان منسقا في نحت الرأس ، فأطلقنا على قطع في الخشب اسم عضو بدني في المرأة .
فحينما يكتب شاعر نصه فالكلمة تنتقل من معجمه ومعجم اللغة إلى جزء من بناء النص ، نشير إليها على أنها أصبحت عضوا في النص ، وليست مفردة في المعجم الشخصي أو المعجم اللغوي .
والكلمة في المعجم مفردة ، لأنها تحمل دلالة معينة في ذهن صاحبها ، فإذا استخدمها في نص أصبحت ثنائية لأنها تحولت إلى كلمة موجهة إلى شخص آخر أو أشخاص آخرين ، وثنائية الكلمة ليست في فن الشعر فحسب ، بل هي في كل فن وفي غير الفن ، فكل متكلم لابد أن يكون هناك طرف آخر يستمع له مواجهة أو قراءة أو عبر التواصلات المختلفة الجديدة والقديمة ، تهدف الكلمة من المتكلم لإبلاغ المتلقي بما ، متغييا هدفا يبغي الوصول إليه ، في الفن تكمن المعرفة مع الجماليات ، في محاولة للوصول إلى ذلك الـــ ( ما ) .
وسوف أحاول مناقشة النصوص المطروحة من خلال ما أسلفت من رؤى ورؤية جاءت مقتضبة جدا ، شفقة بالقاريء أولا وبنفسي ثانيا ، وأطرح ذلك في غد إن شاء الله وقدر .



‏بربك ..
‏يا وردتي كيف أفعلْ؟!
‏وأنت الجميلة
‏لكن إذا ما افترقنا قليلا ..
‏تعودين أجملْ..!
‏كأن بعينيك معنى فنائي..
‏ومعنى انتشائي ..
‏ومعنى نبيّ بهذي الكواكب ليلا تأملْ..
‏أنا نصف دائرة يا حياتي
‏وعند حضورك أبقى ..
‏وتبقين أكملْ
كأن الحنان الذي في يديكِ
بطعم الأمومةِ
بالقلب أدفا وأشمل
كأن العصافير في الشعر تأوي إليك ..
فتسكن عشا حنونا
وتلمس في هدب عينيك مخمل
‏علاء جانب


  




*************
أدعوكِ امرأةً..
فامتثلي
لخيالي الكاذبِ..
وَاحْتَمِلِي
عِبءَ أصابعيَ
الخرساءِ
أدعوكِ امرأةً
عاريةً..
إلا من معطفِها
الأزرقِ..
مُبْتَلاًّ
بجلالِ الماء
أدعوكِ امرأةً
كاملةً
تتوحَّدُ
فيها الأهواء
سامح محجوب

**********
. " المرأة "
المرأةُ القمر الذي
يضعُ الجمالَ
ويرْتقي
وهْيَ المحارةُ
روحُها أنقى من
الضوءِ النقي
في شعْرِها المضفورِ
بالأحلامِ
يسبحُ زورقي
في صدرها
المعجونِ
بالنّوار
يبدأُ مشرقي
في ثغرها،
في أيكةِ الكروانِ
يحْسُنُ منطقي
في الليل
يمتزجُ الضياءُ
بخمرها
كي يستقي..
كأسًا
ويغْرَقُ بعدَهَا
يا بؤسَ مَنْ لم يغْرَقِ
فهْيَ ابتسامةُ عاشقينِ
على زجاجِ
الدَّورقِ
رُسِمتْ بريشةِ هُدْهُدٍ
يطأُ الوجودَ
وينتقى..
ألوَانَه من جنةٍ
معبودُها لم يُخْلَقِ
علي عمران
***********
يَا أيُّهاَ
الأسَدُ الذي
حَمَلَ الأمانَة مُخْلِصًا
يا سَيِّدَ الشُّجْعانِ
في أعْتَى المَخَاطِرْ
أنتَ
الأمينُ عَلَى الثرَى
منْ كلِّ خَوَّانٍ وَ فَاجِرْ
أطلقْ رصاصَكَ
هَادِرًا
في قَلْبِ مُغْتَصِبٍ وَ غَادِرْ
وَ اكتُبْ بعَزْمِكَ باسِمًا
سَنَرُدُّ كَيْدَ المُعْتَدي
وَ نَصُونُ عَزَّةَ أرْضِنَا
وَ الله نَاصِرْ
سَنَعيشُ
أحْرَارًا يُهَابُ زَئيرُنا
وَ يُرَفْرفُ
العَلَمُ المُعَزَّزُ في السَّمَاءْ
إنَّا خُلِقْنَا
شَامِخينَ نُعَلِّمُ الدُنْيَا الفدَاءْ
عصام بدر
************

على وعدٍ
بألا نلتقي أبدًا
فقد ضاعَ الذي نهواهْ
هو الماضي
وليسَ سواهْ
وآهٍ .. آهْ
على الحُلمِ الذي قد كانَ في يومٍ
وضيَّعناهْ
تَحدّيناهْ
وصدّقنا الذي قلناهْ
وجرَّبناهْ
فلا عُدتِ
ولا عُدتُ
كلانا تاهْ
وصارَ عقابُنا هذا الذي نلقاهْ
أضاعتْ "قيسَها" "ليلى"
وضاعتْ بعدهُ ليلاهْ
سقطنا دونَ أن ندري
فيا ويلاهْ
ويا عشقاهْ
ويا خوفاهْ
خسِرتُكِ دونَ أنْ أدري
ولا أملٌ بأيِّ حياةْ
لذا أدعو على قلبي
بكلِّ صلاةْ
لأني حينَ ضيَّعتُكْ
أنا ضعتُ
بأرضِ اللهْ
أنا "موسى" وتيهي دائمًا أبدًا
وفي قلبي حفِظْتُكِ مثلما التوراةْ
بدأناها بأروعِ قصةٍ خُلقتْ
وها نحنُ
ختمناها
على مأساةْ
#عبدالعزيز_جويدة

الثلاثاء، 10 مارس 2020

بقلم الدكتور رمضان الحضري

شاعرات من مصر
( 4 ) 
عاطف الجندي وسكينة جوهر
********
الشر قوة تساند العقم ضد الإنجاب ، وتساند القبح ضد الجمال ،
 فإذا ساد القبح في مجتمع من المجتمعات زاد الشر فيه ، 
فالشر نقيض الإبداع بقدر ماهو نقيض الخير .
حيث يحرص الإبداع على نشر قيم الجمال ومبادئ الخير
 وأخلاق الفضيلة ، ويكشف سوءات الشر وينكس رايات
 القبح ويخرس أصوات مساوئ الأخلاق .
والإبداع موهبة وأدوات لا تعرف التذكير والتأنيث ولا القديم 
والحديث ولا الكبير والصغير ولا الخشن والحرير، ولا يغني شاعر
 عن شاعرة شيئا ، ولا تغني شاعرة عن شاعر شيئا ، فلا نفرق
 بين قصيدة لامرأة وقصيدة لرجل إلا بالموهبة والخطاب الشعري .
وسوف أقدم نموذجين شعريين مختلفين لشاعرين مصريين مهمين
 هما الشاعر المصري الكبير / عاطف الجندي والشاعرة الرائدة
/ سكينة جوهر ، وسوف أقدم نموذجين لهما .
النموذج الأول للشاعر / عاطف الجندي بعنوان ( مساواة )

يقول فيه : _
لماذا بكيتَ ؟
لأن الغناءَ اختبارُ السعيدِ
عن الظبي والقُبَّرة
وأن البكاءَ اختصارُ الحياة
على محمل الجد
لا تسأل الدمعَ من أمطره ؟
ففي كل وجدٍ زرفنا الدموعَ
وفي كل حزنٍ
سقتنا من الطينِ ما أقذره
فأصبحت في كل همٍّ مقيمًا
وأترك للخل حقا 
بحق الصداقة لن أخسره 
وأصبحتُ ألعنُ صبحَ السياسةِ
والنفطَ والمجزرَةْ
وأوقنُ أن الحياةَ
اختبارٌ أليمٌ
يحيلُ الوجودَ لحربٍ ضَروسٍ
ولا حق للخير
أن يسألَ الشَّرَ من أحضره ؟
وأيقنتُ أن الرمادَ هباءً يجيءُ
ولا فرقَ بين النعاج ولا قسورة
سوى لذةٍ
أو بقايا خلودٍ
سيمنح بعضًا من الزهو والمنظرةْ
خِفافًا نجيء ونمضي سِراعًا
ترابًا نعودُ
بدمع نسير إلى المقبرة
تفعيلة المتقارب ( فعولن ) إيقاع رقيق وجميل حينما
يتكرر هذا الإيقاع ، وخاصة أن هذه التفعيلة كثيرة الصفاء 
والتحور في ذات الوقت فتأتي فعولن وفعول وفعو بحذف
السبب الخفيف ، وتأتي في المتقارب والوافر محورة عن
مفاعلتن بحذف السبب الخفيف لتصبح فعولن ، وتأتي في
بحر الطويل متناغمة مع مفاعيلن التي تزيد عنها سببا .
وقد استخدم الشاعر هذا الإيقاع بجميع تنوعاته ليخرج 
للقارئ تشكيلا إيقاعيا منتظما صافيا ومحورا .
لست ممن يعتنون بالنحو ولا العروض ولا الموسيقا 
فكثيرة هي القصور الخربة ، وكثيرة هي الأكواخ المبهجة
فجمال البناء فيمن يسكنه ، حيث لايسكن الجميلَ إلا جميلٌ
فالمحتوى ذلك الساكن في هذا التشكيل الإيقاعي هو محتوى
الرصد لحركة المجتمع من حولنا في صورة جمالية مثيرة،
وحينما يبدع شاعر قصيدة حقيقية فهي كبيرة الشبه به 
لأنه فض بكارة الأوراق فضا شرعيا ، فالشاعر يمتلك مهر
 الورق وهو الموهبة ، ويمتلك الباءة التي تقيم أسرة وهي
أدوات وثقافة الشاعر ، فحينما تبدع هذه الأسرة ستكون 
تلك القصيدة فالنص يبدأ بطرح السؤال ، والسؤال هنا 
حاضر ويسأل عن ماض ( لماذا بكيت ؟ ) فالطبيعي أن
هناك حوارا بين سائل وباكٍ ، وهذا يعني أن عاطف الجندي
ينزع للشعر الدرامي فهو يسأل عن رؤية ، والإجابة تأتيه
شرحا للتفرقة بين الغناء وبين البكاء ، ويرى الشاعر أن البكاء
في حياتنا أغلب ، لأن الغناء مرحلة اختبار وتنتهي ، بينما
البكاء مستمر ، والبكاء لجميل العيون وجميل الجسم وجميل 
الصوت ، حيث كان الاحرى بهم أن يغنوا ، فالظبي جميل 
لكنه يخاف ، والقبَّرة صوتها جميل لكنه مقهور ، النزعة
 الدرامية في النص داخل سلطة الحكمة يحيطهم سور من 
ورود الإيقاع متساويا ومتناغما متزنا ، كل هذا يجعل نص
عاطف الجندي نموذجا لماهية الشعر ووظيفته في المجتمع .
بيد أن قصيدته لن تغنينا عن قصيدة شاعرتنا السامقة /
سكينة جوهر بنت محافظة الدقهلية العظيمة ،
 حيث تقول
في قصيدة لها بعنوان ( من وحي اليوم العالمي للمرأة ) 
****************
عُذراً ليومٍ أتى بالبؤسِ مُرتِفقا
ما فيهِ أيُّ جداً للـمرأةِ استَبــقَا
اللهُ ربِّي ..ومنذُ الــبدْءِ كرّمها
تكريــمَ حقٍّ ..لهَا بالحقِّ كمْ نطقَا
في سُـورةٍ لمْ تزلْ بِالذِّكْرِ تُتحِفُنا
تُعْلي لَها بالدُّنا.. وَتزيدُهـا أَلَقَا
ماكَانَ ( ثامنُ آذارٍ ) سوى حدثٍ
بهِ احتجاجُ نِساءٍ تشتكي رهَـقا
شبَّتْ لَهنّ بـ(أمْريكا) مُظاهرةٌ
كَيْ يُصلِحوا حَالَهُنَّ وينْظروا شَفقَا
وَليسَ فيهِ مِن التَّكريمِ وجهُ ندىً
على النِّساءِ ..إذَ الإسْلامُ قدْ سَبقَا
وقالَ ( أحمدُ ) خيرُ الخلقِ قوْلتهُ
وسامَ فخرٍ لها بالخيـــرِ مؤتَلِـقا
( شَقائقٌ للرجالِ ) وَمنْ سَيُكْرمُها
هوَ الكريمُ..وَمنْ يوماً يُهِنْ.فسَقَا
فـ( سَدِّدوا..قارِبوا) ياقومَنا احترِموا
عَهدَ السَّماءِ.ويافَوزَالذي صَدقَا
فَالمرْأةُ اليومَ كمْ ضاعتْ مكانتُها
المرأةُ اليومَ في شوقٍ لِمنْ رَفَقَا
في كُلِّ شوقٍ لِمنْ بالــودِّ يَفهمُها 
 وَمَنْ بِعـهدِ هَـــواها بالوَفـا وَثَقَـا
وَمنْ بِكُلِّ احتـرامِ يسْتظِـلُّ بِها 
 يروي رُباهَا الهنا..لا الهمَّ والقلقا
فإنها الأمُّ كمْ عانتْ وكمْ ولدَتْ
وَإنها الزوجُ والقلبُ الذي عَشِقا
وإنَّها الأختُ والحضنُ الذي انصهرتْ
فيهِ المنى لك أعْظمْ بالذي خلقَا !!
لولاها يا (آدمٌ ) في ذي الدُّنا لَبدَتْ
تِلكَ الحياةُ جَحيـماً مُنتِـناً خَلِقـا
لولاها يا( آدمٌ ) ماكنتَ أنتَ ..ولا
يوماً فؤادُكَ بابَ السَّعدِ قدْ طرقَا
فكُنْ لها مُفدِياً بالرّوحِ ..واسقِ لَها
كَأسَ الهناءِ بخمْرِ الصَّفوِ مُغتبِقَا
بحرُ الهمومِ بهِ ( حوَّاءُ ) كَم سبحتْ
فَكُنْ لها مُنْجياً..يامنْ بِها غَرقا
نسق من الأنساق الشعرية الحقيقية تعلن فيه الشاعرة عن
قدرة كبيرة لتمكنها من أدواتها وصنعتها ، وتبدي الأبيات
موهبة قلما تتصف بها امرأة ، فلكأن خناس تقف خطيبة
وجليلة بنت مرة ناصحة وخولة بنت الأزور تمتطي جوادها
وسهير القلماوي في حرم جامعتها ومفيدة عبدالرحمن على
 منصة الأمم المتحدة ، وسكينة جوهر على منبر شعرها ، 
وجميعهن يعلن انتصار المرأة قديما وحديثا ، فما تقل سكينة
جوهر شاعرية عن شعراء المشهد إلم تتفوق على الكثير من
الرجال والنساء ، فها هي تمسك لجام البسيط مستفعلن فعلن
مستفعلن فعلن ، كما فعل القدماء والمحدثون من الشعراء ،
فلا يفلت منها قيد أنملة ، ولا يغيب عن عينها طرفة ، وتصرخ
بحرف ( القاف ) وهو من حروف القلقة في نهاية كل بيت والقاف
مفتوحة إلى أعلى تلزمها ألف ، وكأنها تنهيدة مقروح وعبرة مجروح
وزفرة مصدور ونفثة مهموم ، يشتم ذوي الحس من النص رائحة
 كبد يحترق ، على ما كان ثم على ما صار .
وتقدم البرهان على ما كان والدليل على ما صار ، والنتيجة الطبيعية
لحال المرأة في يوم المرأة العالمي ، وتمزج بين الخيال والحقيقة 
وبين الفكرة العقلية الجديدة والواقع المعيش ، لله درك من شاعرة
ينام الشعر بجوارها طفلا مطمئنا ، وترقص الصور في عينها
 عروسا ليلة الجلوة ، وينجذب لها البيان فراشات تحتضن الضياء .
فالشعر ليس مذكرا ولا مؤنثا ، وليس مثقفا ولا أميا 
وليس لذوي مال أو مساكين ، الشعر موهبة حادة
كالسكين ، إن قال قطع ، وإن هجا أوجع ، وإن رثا أفجع
وإن نصح أقنع ، وإن تغزل تودد ، وإن افتخر تفرد ، هذا
في الوظيفة ، والاثر المجتمعي والنفسي .
شكرا للشاعرين العظيمين عاطف الجندي وسكينة جوهر اللذين
عرفت منهما شعرا ، وتأثيرا في مشهدنا الأدبي ، مع العلم أن النصين 
يحتاجان شرحا مطولا ، لكني جعلت مقالتي تميل للإشارة التي
تغني عن العبارة .

بقلم د.رمضان الحضري

الأربعاء، 4 مارس 2020

المخرج السوري الدكتور مصطفى العقاد

يقول المخرج  المرحوم الدكتور مصطفى العقاد.....

▪️ كنت أظن أن الأم لا تكذب ولكني ادركت ان ظني خاطئ بعدما كذبت عليّ امي ثماني كذبات !!!!!!!!!!!!!!

'' وإليكم أكاذيب أمي لتعرفوا كيف تكذب الأم ''

▪️ تبدأ القصة عند ولادتي ، فكنت الابن الوحيد في أسرة شديدة الفقر فلم يكن لدينا من الطعام ما يكفينا .وعندما كنا نأتي بأرز قليل لنسد به جوعنا .. كانت أمي تعطيني نصيبها .. وبينما كانت تحوِّل الأرز من طبقها إلى طبقي كانت تقول : ياولدي تناول هذا الأرز فأنا لست جائعة 
'' وكانت هذه كذبتها الأولى ''

▪️وعندما كبرت أنا شيئا فشيئا كانت أمي تذهب للصيد في نهر صغير بجوار منزلنا ، لتأتي لي ولو بسمكة واحدة أسد بها جوعي وفي مرة من المرات استطاعت بفضل الله أن تصطاد سمكتين ، أسرعت إلى البيت وأعدت الغذاء ووضعت السمكتين أمامي فبدأت أنا أتناول السمكة الأولى شيئا فشيئا ، وكانت أمي تتناول ما يتبقى من اللحم حول العظام والشوك ، فاهتز قلبي لذلك ووضعت السمكة الأخرى أمامها لتأكلها ، فأعادتها أمامي فورا وقالت :يا ولدي ألا تعرف أني لا أحب السمك 
'' وكانت هذه كذبتها الثانية ''

▪️ وعندما كبرت أنا كان لابد أن ألتحق بالمدرسة ، ولم يكن معنا من المال ما يكفي مصروفات الدراسة ، ذهبت أمي إلى السوق واتفقت مع موظف بأحد محال الملابس أن تقوم هي بتسويق البضاعة بأن تدور على المنازل وتعرض الملابس على السيدات ، وفي ليلة شتاء ممطرة ، تأخرت أمي في العمل وكنت أنتظرها بالمنزل ، فخرجت أبحث عنها في الشوارع المجاورة ،ووجدتها تحمل البضائع وتطرق أبواب البيوت ، فناديتها : أمي ، هيا نعود إلى المنزل فالوقت متأخر والبرد شديد وبإمكانك أن تواصلي العمل في الصباح فابتسمت أمي وقالت لي : يا ولدي أنا لست مرهقة 
'' وكانت هذه كذبتها الثالثة ''

▪️ وفي يوم كان اختبار آخر العام بالمدرسة ، أصرت أمي على الذهاب معي ودخلت أنا ووقفت هي تنتظر خروجي في حرارة الشمس المحرقة ، وعندما دق الجرس وانتهى الامتحان خرجت لها فاحتضنتني بقوة وبشرتني بالتوفيق من الله تعالى ، ووجدت معها كوبا فيه مشروب كانت قد اشترته لي كي أتناوله عند خروجي ، فشربته من شدة العطش حتى ارتويت وفجأة نظرت إلى وجهها فوجدت العرق يتصبب منه ، فأعطيتها الكوب على الفور وقلت لها :اشربي يا أمي ، فردت : يا ولدي اشرب أنا لست عطشانة
'' وكانت هذه كذبتها الرابعة ''

▪️ وبعد وفاة أبي كان على أمي أن تعيش حياة الأم الأرملة الوحيدة ، واصبحت مسؤولية البيت تقع عليها وحدها فأصبحت الحياة أكثر تعقيدا وصرنا نعاني الجوع ، كان عمي رجلا طيبا وكان يسكن بجانبنا ويرسل لنا ما نسد به جوعنا ، وعندما رأى الجيران حالتنا تتدهور من سيء إلى أسوأ ، نصحوا أمي بأن تتزوج رجلا ينفق علينا فهي لازالت صغيرة ، ولكن أمي رفضت الزواج قائلة : أنا لست بحاجة إلى الحب 
'' وكانت هذه كذبتها الخامسة ''

▪️ وبعدما انتهيت من دراستي وتخرجت من الجامعة ، حصلت على وظيفة إلى حد ما جيدة ، واعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لكي تستريح أمي وتترك لي مسؤولية الإنفاق على المنزل ، وكانت في ذلك الوقت لم يعد لديها من الصحة ما يعينها على أن تطوف بالمنازل ، فكانت تفرش فرشا في السوق وتبيع الخضروات كل صباح فلما رفضت أن تترك العمل خصصت لها جزءا من راتبي ، فرفضت أن تأخذه قائلة : يا ولدي احتفظ بمالك ، إن معي من المال ما يكفيني ..

'' كانت هذه كذبتها السادسة ''

▪️ وبجانب عملي واصلت دراستي كي أحصل على درجة الماجيستير ، وبالفعل نجحت وارتفع راتبي ، ومنحتني الشركة الألمانية التي أعمل بها الفرصة للعمل بالفرع الرئيسي لها بألمانيا ، فشعرت بسعادة بالغة ،
وبدأت أحلم ببداية جديدة وحياة سعيدة ، وبعدما سافرت وهيأت الظروف اتصلت بأمي أدعوها لكي تأتي للإقامة معي ، ولكنها لم تحب أن تضايقي وقالت : يا ولدي أنا لست معتادة على المعيشة المترفة 
'' وكانت هذه كذبتها السابعة ''

▪️ كبرت أمي وأصبحت في سن الشيخوخة ، وأصابها مرض السرطان ، وكان يجب أن أكون بجانبها في مرضها ، ولكن ماذا أفعل فبيني وبين أمي الحبيبة بلاد ، تركت كل شيء وذهبت لزيارتها في منزلنا ، فوجدتها طريحة الفراش بعد إجراء العملية ، عندما رأتني حاولت أمي أن تبتسم لي ولكن قلبي كان يحترق لأنها كانت هزيلة جدا وضعيفة ، ليست أمي التي أعرفها ، انهمرت الدموع من عيني ولكن أمي حاولت أن تواسيني
فقالت : لا تبكي يا ولدي فأنا لا أشعر بالألم ...
'' كانت هذه كذبتها الثامنة ''

وبعدما قالت لي ذلك ، أغلقت عينيها ، فلم تفتحهما بعدها أبداً ...

الثلاثاء، 3 مارس 2020

د. رمضان الحضري

مضى عقد من الزمن على هذه المقالة
ليس فيها جديد سوى الصور الشخصية . 
****************************
لاتعشقيني في المنتصف تماما
************
هذا نص جديد في الشعرية العربية ولأول مرة أقرأ لصاحبه شعرا ، ولا أشك لحظة في أنه أزهري قرأ الثقافة الأوربية ، أما لماذا هذا التوصيف فهو أمر يعنيني أنا شخصيا في التحليل ، وربما لا يعني القاريء .
فالشاعر رقيق في تقطيع الورود ، ومراقصة الكلمات الفصيحة ، فهو يكتب كلماته بدم متفجر ، ويراقصها بعصى أبنوس .
أذهلني أن أجد شاعرا بقامة نزار قباني وفكر محمود حسن إسماعيل وبراءة إبراهيم ناجي ، كل هؤلاء يقفون أمام عيني وهي تقرأ هذا النص
حتى ظننت بأن الشاعر على مقربة من جميع هؤلاء الشاعر ، مما جعلني أعود للأعمال الكاملة لشعر نزار قباني ، وأعود لدواوين ناجي ومحمود حسن إسماعيل ، فلربما هدتني القراءة إلى حل لغز هذا الاشتباه .
وليست كل المشكلات تجد حلولا في القراءة ، يبدو أن خبراته مختلفة ، ولكن الاشتباه لازال قائما في عقلي .
وصف مرة الدكتور النفسي العظيم عبدالعظيم فراج لمريض عنده أن يضع قروشا معدنية في قصعة حديدية ويظل يعبث بها حتى ينام ، فلما سألته ، هل هذا العلاج من واقع الكتب العلمية ؟ فأدهشني حينما قال : وهل العلم سوى مفتاح يفتح لك الباب حتى تدخل لتبحث عما يناسبك وتترك ملا يناسب ، إن فهمنا للعلم فهم مغلوط ، فالعلم وسيلة مهمة جدا ، لكن الأهم منه هو كيفية الاستنباط منه .
هذا النص على تفعيلة المتقارب ، وتأتي فعولن وفعول ، وليس التلوين الموسيقي عجزا من الكاتب ، بل إنه يلون عامدا متعمدا مع سبق الإصرار
بل يسكن بعض الكلمات عامدا متعمدا لتأتي فعولن على فعول فقط ، ولذا فموسيقاه نقية في روحه وإن ظن بعض اللغويين ضعفا في لغته ، وهو متحدث لبق للغاية دون معرفة سابقة له ، وعنيد لين ، ولينه لاينكسر .
ويبدو لي أن هذا الشاعر ظاهرة شعرية مختلفة تقف في المنتصف تماما بين ماقيل من شعر وما سيقال ، وهذا تفسيري للعنوان ، فالقصيدة التي استظل بها الآن بها مشاعر عربية وغربية ، أو فلنقل بها مشاعر إنسانية ، هذه المشاعر لاتتضح في الموسيقى ولا التصوير بقدر ما تتضح في نزيف الكلمات المتوالي ، فهو يقف بين الحب وبين الذكريات القديمة ، وتبدو لي نقطة الوقوف في المنتصف تماما ، وبين الإقدام والتراجع في المنتصف تماما ، وبين اللذة والألم في المنتصف تماما ، ونقطة المنتصف تعني الوعي الكامل ، والمشاهدة التامة لما يدور بداخله من إدراكات سابقة ، ووجدان بني على هذه المدركات ، ونزوع إلى نقطة المنتصف ، وهي منطقة الصراع ، ويتضح ذلك من بداية العنوان ( لا تعشقيني ) ، وهو عنوان مثير للدهشة ، وتأتي المبررات جلية منطقية جمالية مقنعة ، وهذا ما يجعل ذلك الشاعر فاصلة كبرى في نظري ، ولنبدأ بشكل مدرسي في قراءة هذا النص الغريب ، حيث يقول الشاعر عبدالعزيز جويدة : 
قُلوبٌ تَميلْ
وقُربي إليها مِنَ المُستَحيلْ
لأنِّي جَريحْ
وأشتاقُ يومًا لأنْ أستريحْ
فلا تَخدَعيني بِحُبٍّ جَديدْ
لأنِّي أخافُ دَعيني بَعيدْ
وإنْ تَعشَقيني
فلا شَيءَ عِندي لِكي تَأخُذيهْ
وما أنا شَيءٌ
ولا قلبَ عندي لكي تَعشَقيهْ
فقد تَندمينَ
وتَمضينَ عنِّي
وفي القلبِ سِرٌّ ولن تَعرِفيهْ
فإنيَ وَهمٌ
وقلبي خَيالٌ
وحُبي سَيبقَى بَعيدَ المَنالْ
فلا تَعشَقيني لأني المُحالْ
وإنْ تَعشقيني
فهل تَعرِفينَ أنا مَنْ أكونْ ؟
أنا الليلُ حِينَ طَواهُ السكونْ
فلا أنا طِفلٌ
ولا أنا شَيخٌ
ولا أنا أضحَكُ مثلَ الشبابْ
تَقاطيعُ وَجهي خَرائطُ حُزنٍ ،
بِحارُ دُموعٍ ، تِلالُ اكتِئابْ
فلا تَعشَقيني لأني العَذابْ
إذا قُلْتُ يَومًا بأنِّي أُحبُّكْ
فلا تَسمَعيني
فَحُبِّي كَلامْ
وحُبي إليكِ بَقايا انتِقامْ
لأنِّي جَريحْ ..
سأشتاقُ يَومًا لكي أستَريحْ
وأرغَبُ يَومًا أرُدُّ اعتِباري
وأُطفئُ ناري
فَأقتُلُ فيكِ العُيونَ البريئةْ
فَلا تَعشَقيني لأنِّي الخَطيئةْ
دَعينيَ أمْضِ ودَاري دُموعَكْ
لأنِّي أخافُ سأرحَلُ عَنكِ
وقلبي السَّفينَةْ
أجوبُ بِقلبي الليالي الحَزينَةْ
فعُذرًا لأنِّي سأمضي وَحيدًا
سَأمضي بعيدًا
وإنْ عُدْتُ يَومًا
فقولي بأنَّكِ لا تَعرِفيني
فَقلبي ظَلامْ
وحُبي كَلامْ
ومازِلتُ أرغَبُ في الانتِقامْ
ومفاتيح القصيدة في كلمات معدودة هي ( دعيني بعيد _ فلن تعرفيه _ لأني المحال _ لأني العذاب _ بقايا انتقام _ لأني الخطيئة _ ومازلت أرغب في الانتقام ) .
وهذه الكلمات منطقية متراتبة على بعضها البعض ، فيطلب الشاعر ممن تهواه أن تتركه ليبقى بعيدا ، لأنها لاتعرف كيف يكون وجده ، ومحال أن يكون بينهما حب صادق يحمل السعادة لأن ما بداخله عذاب ، وربما ينتقم من جنس من عذبوه ، حتى ظن نفسه خطيئة في هذا الوجود ، فالبعد أفضل لأنه يشعر أن داخله مايزال يحتوي على جذور الانتقام المشتعلة .
أما لحظة الانفجار في النص حينما يصرخ ويعترض ويثور ، وهو يشعر القاريء بكمية البراكين المتفجرة داخله حينما يقول : _
وإنْ تَعشقيني
فهل تَعرِفينَ أنا مَنْ أكونْ ؟
أنا الليلُ حِينَ طَواهُ السكونْ
فلا أنا طِفلٌ
ولا أنا شَيخٌ
ولا أنا أضحَكُ مثلَ الشبابْ
تَقاطيعُ وَجهي خَرائطُ حُزنٍ ،
بِحارُ دُموعٍ ، تِلالُ اكتِئابْ
فلا تَعشَقيني لأني العَذابْ
إذا قُلْتُ يَومًا بأنِّي أُحبُّكْ
فلا تَسمَعيني
فَحُبِّي كَلامْ
وحُبي إليكِ بَقايا انتِقامْ
ثورة عارمة قوية للغاية ، فهو يصور نفسه ليلا مغلقا بمفاتيح السكون ، فهو ليل ظلامه لن ينجلي ، ولذا فهو لن يستطيع أن يتعرف على ملامحه ، هل هو طفل أم شيخ ؟ ولا وسط بينهما ، وعادات الطفولة قد تشبه إلى حد كبير عادات الكهولة ، كيف يكون الطريق في الليل المغلق بالسكون ، فلا تستطيع أن تفتحه الكلمات ولا تسطيع أن تدخله النجوم ، وتتجلى الثورة في كثرة اللاءات ( فلا أنا ولا أنا ولا أنا ) ، فالوجه خرائط للحزن ، والقلب تل للاكتئاب ، والعين بحار للدموع ، فمن يحتمل هذا العذاب ؟
يمكنني أن أدرك بفطرتي هذه الحالة التي لم يسبق لي أن جربتها ، ولكن الشاعر يجعلني أتكامل معه في هذه التجربة ، نعم جعلني أشعر بمرارات المهزوم الذي جاءته فرصة الانتقام لكنه يستجيب لنداء الإنسان بداخله ، فيبرر لمن يستطيع أن يكسره ، لماذا لا أريد أن أحطمك ، وجنسك هو من حطمني ، نعم هو رقي الخلق المبني على مصارحة الذات قبل مصارحة الآخرين .
هذا شاعر بالفطرة ، يرمي حجرا فيصيرا مدفعا ، ويلقي بسمة فتزرع بستانا ، ويكتب كلمة فتظهر النجوم في الظهيرة ، يفطن الشاعر أن المنتقم هو من يعتمد على الكلام لا على الأفعال ، فحبي كلام ، وحبي بقايا انتقام ، فهنا تشابه الأدوات وتشابه 
( الكلام والانتقام ) ، وتراتبها ، وبعبارة أخرى قد يكون الكلام انتقاما وقد ينتج الانتقام من كلام نظنه حبا .
منذ سنوات قليلة سعدت بلقاء نزار قباني في معرض القاهرة الدولي للكتاب ، ربما سعادتي ستكون أكثر إذا كتب الله لي أن ألتقي هذا الشاعر المفطور ، نعم هو مكتوب على وجهه شاعر 
كبير ، وأظن أن شعره قد يغير مسارات كثيرة في الشعرية العربية ، فيمكننا أن ننقلها من الكلمات الجمالية ، ومن الأزمات الموسيقية إلى ثمرات مفيدة للمجتمع ، نعم يمكن لهذا الشاعر أن يجعل قصائده ثمارا غضة مفيدة .
**********