الاثنين، 20 يوليو 2020

بقلم : توفيق الشيخ حسين

محمد الماغوط شاعر الفطرة والصدق

            
محمد الماغوط ظاهرة , والظاهرة هي خروج عن المألوف , لم يفكر أن يكون شاعرا أو كاتبا ً , لكن رأيه بإن كل إنسان له قدر لا يستطيع الهروب منه , الصوت الأقوى للماغوط هو الشعر , رغم انه كتب للمسرح وكتب الزاوية الصحفية لكن الناس تبتهج عندما تعلم أن الماغوط قد كتب قصيدة جديدة . 

محمد الماغوط بركان قلق متوتر لكنه صامت , بداياته الأدبية الحقيقية كانت في السجن وكما يقول :
" معظم الأشياء التي أحبها أو أشتهيها ، وأحلم بها ، رأيتها من وراء القضبان " المرأة , الحرية , الأفق " وفي الزنزانة عرفت الخوف لأول مرة , وأنطبعت روحي بوشم التوجس من العالم ، وهرب مني الأمان وربما إلى الأبد " .

أول حرف متوهج كتبه الماغوط كان في ظلام السجن البارد في منتصف الخمسينيات , يقول عنه " خليل صويلح " :
" كان محمد الماغوط " كولومبس " الشعر الجديد بلا أدنى شك " .

إن شعرية محمد الماغوط ترسم لقصيدة النثر شكلا ً عربيا ً خالصا ً وصوتا ً عربيا ً نقيا ً .. 
إن الإحساس الذي يحركه فينا شعر الماغوط حسب رأي الدكتور علي جعفر العلاق أحساس قاس ٍ متوتر .. أحساس بالوجه القاتم للحياة ، وارتباط بالمستوى الجحيمي منها ، أي انه لا يكتفي بالسطح اللامع للأشياء وتفاصيل حركتها اليومية بل يغوص وراء شحنتها المقلقة التي تأخذنا مشاغلنا بعيدا ً عنها ، فلا نجد فرصة للتفكير فيها أو تأمل دلالتها " .

أن محورية الشعور القهري في نفس الماغوط عند " لؤي آدم " نشأت وتمركزت في طفولته أثر التسلط الأبوي وما تلاها من تسلطات طبقية مرادفة رسخـّت إحساسه بالفقر والفاقة إزاء أهل الثراء والسلطة وهكذا أصبح الشعور التظلمي مرافقه في معظم مراحل حياته وعبر إبداعاته الأدبية .  
إن كتابات محمد الماغوط أحدثت هزّة زادته قوة فوق قوة ومما ضاعف إثبات الذات في وجدانه لينعكس على أنتاجه وسلوكه .

روح السخرية جزء لا يتجزأ من حياته , سخرية بعمق معاناة الإنسان العربي من أجل لقمته وكرامته حيث يقول :
" أمي أعطتني الحس الساخر ، الصدق ، السذاجة ، رؤية العالم كحلم قابل للتحقق " .
أن هذا الأسلوب الساخر أختاره كرسالة حملها على عاتقه منذ بداياته لمعرفته بان الطرفة والنكتة على ما تحمله من مآس ٍ أحيانا ً فأنها أسرع بالوصول إلى القلب .. كان يتمنى أن يكون عاهة حقيقية على لؤلؤة مزيفة مهما كانت رائعة .. فهو حزين ويضحك من نفسه ومن أمته ويضحك على الشعوب التي ما تزال جامدة في مكانها ...

يقول " أدونيس " :
" كنت أراه ذئب في شكل خروف , محمد الماغوط الشاعر كنت أراه خروف في شكل ذئب , لكن سواء آلتهم الآخر أو آلتهم الكلمات في الحالتين كان في وحدة بين الخروف والذئب في داخله من جهة وفي علاقاته مع الآخرين من جهة ثانية " .
وردا ً على سؤال : هل ندمت على شيء كتبته  فأنه يجيب :
" لم أندم طيلة حياتي على كلمة كتبتها , ما يعنيني أن أكتب بصدق في عصر الكذب السابق واللاحق , وأكتب بشجاعة في عصر الذعر السابق واللاحق , ومعركتي ليست وراء مكتب أو في حلقة نقاد أو وراء ميكرفون , معركتي الحقيقية في الحياة لكني كنت صادقا ً فيها " .

كما قال عنه " نزار قباني " :
" محمد الماغوط أصدقنا , يكتب بصدق , وليست لديه أية حواجز " .
إن أكبر خطأ أرتكبه محمد الماغوط حينما يقول :
" هو أنني تقدمت في العمر ولم أمت مبكرا ً كما فعل السياب " ..
لقد حفل موت الماغوط كما حفلت حياته بالمفارقات , فقد مات هذا الصادق المعذب وجعل من خلال موته دموع الحزن تتلألأ في سماء عينيه كالنجوم.
هذا هو محمد الماغوط واحد من فرسان الكلمة التي أيقظت الكثيرين ولم تزل ، وإنها لابد واصلة طالما إن الحياة مستمرة والضمائر حية والعقول تنبض .



            بقلم : توفيق الشيخ حسين



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق