محمد أديب السلاوي
-1-مائة عام علي ظهور اللوحة التشكيلية المغربية
على جداريات الإبداع البصري بالمغرب .
قبل مائة سنة، تعرف الغرب الأوروبي الأول مرة على الأعمال التشكيلية للفنان الرائد محمد بن علي الرباطي رحمه الله،(1861/1939) حيت نظم معرضه الأول بنجاح في لندن سنة 1916ومعرضه الثاني بباريس 1919 ليعلن للعالم أن الثقافة المغربية انخرطت في الحداثة التشكيلية، ودخلت عالم اللوحة الصباغية، لتضيف إلى التراث الإنساني بالمغرب مرحلة جديدة،قائمة على المعرفة والبحث الجمالي، والرغبة الملحة على المشاركة والعطاء
ظهرت اللوحة المغربية الأولى خلال هذا التاريخ، في سياق متميز، كانت فيه الفنون التشكيلية الأوروبية تعيش مرحلة انعطافية، إذ كانت الأساليب الأكاديمية مسيطرة بالكامل على الفضاءات الفنية، وكانت الأدبيات الجمالية يهيمن عليها مفهوم الانكماش الفني، وهو ما جعل مخيلة العديد من الفنانين تجنح نحو التحرر للبحت عن أسلوب مغاير، يتمتع بفائض كبير من الحلم، وهو ما جعل أعمال الرائد محمد بن على الرباطي محل مشاهدة بصرية واهتمام الذاكرة التشكيلية في كل من لندن وباريس، بقوة إبداعية وبصرية واسعة.
-2-
نعم، كانت الفنون التشكيلية هي أروع إضافات المغرب إلى التراث الإنساني في عصوره المختلفة. لقد أعطى بسخاء في هذه الفنون على امتداد آلاف السنين، بإسهامات أمازيغية وافريقية وعربية وأندلسية، في النحت والصباغة والحياكة والتطريز والنقش والرسم والعمارة، وهو ما أعطى للمغرب موقعه المرموق على الخريطة الإبداعية، حيت امتد العطاء من العصر الروماني إلى العصر الراهن بدون توقف.
طبع المغرب بشخصيته المبدعة، كل الفترات التاريخية، بروائع الفنون التقليدية، زرابي، ومنحوتات الخشب والحديد والنحاس والفضة، والعمارات المذهلة التي تحتضن كل أشكال النحت والنقش، وكل أدوات الزينة من زليج ورخام وجبص وخشب، ما أعطى لهذه الفنون حضورها المتميز على الخريطة الإنسانية، لفترات بعيدة من التاريخ.
هكذا عندما استقبل المغرب في مطلع القرن الماضي، مع الحملات الأوروبية، فنا جديدا، يقوم على الرسم والصباغة، لم يكن صعبا الانخراط في صياغاته،وهو ما ابهر العقل الأوروبي، فكان ذلك إيذانا بدخول الفنون التشكيلية المغربية مرحلة جديدة من التاريخ ،لم تتخلى هذه الفنون عن تراثها الماضي،ولكنها انخرطت في الحداثة، لتبدع فيها بألوان المغرب المشرقة، بفعالية وايجابية.
في هذه الحقبة من التاريخ، اخذ المغرب بأسباب النهوض، فتح المعاهد والمدارس للفنون التشكيلية الحديثة، وفتح قاعات العرض والمتاحف، وأدركته يقظة الوعي على يد نخبة من الكتاب والنقاد والمفكرين الذين أدركوا أهمية هذه الإضافة التي شكلتها الفنون الجميلة، فكتبوا عنها الدراسات والاطاريح التي قامت بقراءتها ثقافيا وعلميا وإعلاميا.
في هذا المناخ، اخذ تعليم الفنون التشكيلية مكانه في التعليم إلى جانب الفنون الأخرى ،الموسيقى والمسرح والرقص والتصوير، وغيرها من الفنون التي أصبحت مكانتها راسية في بيداغوجية التعليم الأكاديمي بالمغرب الراهن.
-3-
وبالرجوع إلى القراءات التاريخية والنقدية التي أنجزت عن هذه الحقبة الهامة من تاريخ حركة الفنون التشكيلية الحديثة بالمغرب ،سنجد أن هذه الحركة قد أنتجت روادا في كل الاتجاهات والمدارس التشكيلية، وهو ما أبهر العديد من النقاد والباحثين الغربيين الذين أصدروا دراسات موضوعية هامة عن المناخ الثقافي الذي اطر الأجيال التشكيلية المغربية الأولى بالمغرب الراهن، والظروف التي أحاطت بتكوينهم التي جعلت منهم روادا مبدعين، يقفون جنبا إلي جنب مع فناني أوروبا اليوم، بعدما شغلهم البحت عن لغة فنية تميز هويتهم.
المائة سنة الأولي تمر بهدوء والفن التشكيلي الحديث يدخل المائة الثانية بصمت... ومع ذلك، الإبداع متواصل، يعمل، يجتهد، يبدع ولا ينظر إلى الخلف.
أفلا تنظرون.... ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق