الخميس، 28 فبراير 2019

بقلم الدكتور محمد السعيدي

الأنثولوجية المغربية للفنون التشكيلية
"مائة عام من الإبداع التشكيلي المغربي".



يعتبر الكاتب والناقد الأستاذ محمد أديب السلاوي من كبار الكتاب الموسوعيين معروف بتفكيره المضيء، وبعقليته المتفتحة، وأسلوبه المتميز، ساهم/ يساهم مند عقود بدراسات وافرة تجمع بين ألوان من الإبداعات الأدبية والسياسية والفنية، في تماسك علمي، وترابط أدبي وتواصل ثقافي، عز نظيره، تؤلف في مختلف أفانينها فصولا ممتعة عميقة وإضاءات مشرقة ! .

وليس من شك في أن مؤلَّفَهُ المتميز ذا الإشعاع الفني عن التشكيل بالمغرب خلال حقبة مائة عام، يعتبر مرجعا فريدا يثري بما يحتوي عليه من مواد، وما يشتمل عليه من قراءات، وما يؤسس من نظريات، وما يبرز من تيارات تشكيلية إثراءا يعزز مكانته لدى الباحثين الجامعيين و النقاد المتخصصين، والرسامين المبدعين، وآية ذلك أنه يعرض ضمن صفحاته مضامين فنية مُعَمّقَةِ الدلالات التعبيرية، مبرزة أبعادها الإنسانية في أسلوب شيق ولغة شعرية يمتزج فيها الشعر بالتشكيل، في ثنائية تنبثق من ثناياها لوحات أخريات تسمق بالمؤلّفِ إلى إبداع فريد، ونموذج ينبض حياة حافلة بالرموز، قوية فياضة بالمعاني، طافحة بالأفكار على تعددها وتكاملها الإبداعي! .

• السياق الفني للكتاب 

يندرج كتاب “مائة عام من الإبداع التشكيلي بالمغرب” في سياقات ثلاثة:  

أولها: إفتقارالمكتبات الوطنية لهذا الجنس الفني الرائق، ذي الأبعاد الجمالية والمرامي الإنسانية بالقياس لباقي الأجناس الأدبية والعلمية الأخرى.  

ثانيها: نجمه يبزغ في مرحلة بدأ خلالها الوعي الوطني يتسع استيعابه وتذوقه للفنون التشكيلية، اتساعا أملته ظروف ثقافية مزدهرة يعرفها المغرب بمختلف مكوناته، مما حدا بالوزارات المعنية إلى إنشاء مدارس ومعاهد للفنون التشكيلية جَديدة تسهر في نشر ثقافة الإبداع التشكيلي، وترسيخها عند ناشئتنا المتعطشة لهذا الجنس الفني الدقيق، بالإضافة إلى اهتمام بعض مدارسنا الثانوية بمادة الفنون التشكيلية، ودمجها ضمن برامجها التعليمية الرسمية، مع باقي الفنون أقول البعض لأن تعميمها أمر ضروري وملح على غرار ماهو عليه الشأن في باقي الدول المتقدمة أو في طور النمو. 

ثالثها: يأتي هذا المؤلف عند المبدع محمد أديب السلاوي ضمن سلسلة إصداراته عن الفنون التشكيلية الصادرة في المغرب وسوريا والعراق. 

تنصهر هذه السياقات لتفرز حقيقة تتجلى في كون هذا المؤلف نِتاج لأعمال حثيثة تتوسل إرساء أسس ثقافية فنية أصيلة لدى جمهور المتلقين، ترقية لأذواقهم الفنية الجمالية! 

• مباحث الكتاب: 

يتوزع المؤلف بين ستة محاور تترى الواحدة بعد الأخرى في تناسق فني مكين، يتدرج بالقارئ اللبيب من تقديم للأستاذ الباحث عبد الرحمان طنكول، يتطرق خلاله إلى العلاقة المعقدة بين الفن والتداخل الثقافي، مؤكدا مشيدا بمؤلف الكتاب، ذ محمد أديب السلاوي الذي أَهَلّ في الوقت المناسب، باصما حضورا إبداعيا متميزا في ساحة الفن التشكيلي بالمغرب، وفق تسلسل فني رفيع. ينطلق من فحص وتقييم الرسوم التي خلفها الأقدمون على مداخل الكهوف والأحجار والجدران، معرجا على الأنواع المعبرة عن هذه الإبداعات مما طرز على الأثواب أو نقش على السقوف والأبواب.
يأتي بعد هذا التقديم التقييم/ الباب الأول/ اللوحة التشكيلية المغربية/ ملامح النشوء والارتقاء/ والثاني ملامح الوجه الإبداعي للحركة التشكيلية الإبداعية والباب الثالث/الفنون التشكيلية المغربية/ الثقافة والإعلام أية علاقة؟. 

إنها إضاءة فنية ذات أبعاد تاريخية تقرأ بداية ملامح هذا الفن الراقي وتدرجه من رسوم الصياد على شواطئ البحار للوحات الحديثة الزاهية التي يرتوي من روعتها وروائها المتذوقون لجمالها ولابد من الاشارة في هذا السياق إلى أن المؤلف تخصص وواكب مند الاستقلال بحضوره وكتاباته في الصحف الوطنية أغلب المعارض التشكيلية، وله في ذلك عشرات بل المئات من المقالات التوصيفية والتقييمية صالحة لأن تلحق بهذه الأنتولوجية النفيسة / الفريدة لأنها 
تعبر عن تلك المراحل أصدق تعبير، وتعكس تطور الفن التشكيلي في المغرب في مرآة الأعلام الوطني.

• قراءة إحصائية:

 الأنتولوجية تؤرخ ما بين 1910 إلى 2010. 
 بلغت الإحالات خلالها 84.
 المراجع 43 ما بين المجلات والجرائد والكتب. 

 اللوحات 79 لوحة. 

 المؤلف يتكون من 232 صفحة من الحجم الكبير. 
 لوحة الغلاف للفنان التشكيلي بن علال  
 اللوحات من ص 185 إلى ص 232 أي 47 صفحة. 
80 فنانا تشكيليا من مختلف الاتجاهات والمدارس الفنية: 7 إناث و 73 ذكورا. 

 أنتولوجيا وردت فيها أسماء الفنانين التشكيليين حسب الحروف الأبجدية. 

الأنتولوجيا التشكيلية 

لابد من الإشادة بالشكل الفني الرائق، والتبويب المتسق، ونماذج اللوحات المنتقاة المعبرة بألوانها الزاهية، الناطقة بكل ما تحمل من إشراقات لتأتي الأنتولوجية مرآة صادقة شائقة. 

• المنهج النقدي: 

وليس من شك في أن المنهج الذي انتهجه الكاتب في دراساته وصفي تحليلي من حيث مضامينيه ومقارباته لسبر أغوار الأبنية التشكيلية المعبرة عن مدى وعي فنانينا التشكيليين بروح عصرهم وما يحمله من احداث وتقلبات، وما يحبل به من إرهاصات وتطلعات، لأنهم كالشعراء أبناء بيئتهم السياسية والاجتماعية والثقافية.

• التأسيس لقراءة نقدية: 

يمكن القول إجمالا أن محمد أديب السلاوي يكون بكتابه هذا قد أسس لما يمكن اعتباره قراءة نقدية متمكنة من أسرار الفن التشكيلي العربي بتياراته وأجياله وأحاسيسه المختلفة: 

 انطلاقا من فن الأرابسك (الخشب، الزليج،الجبص). 

مرورا بالتشكلات الفنية المرتبطة بالصناعات اليدوية (المطروزات والمخطوطات والديكورات). 

وصولا إلى ملامح تشكيلية حديثة، ذات أبعاد إنسانية في علاقة التطور الطبيعي الذي عرفه الفن التشكيلي العربي مشرقا ومغربا بصنوه الغربي الذي أثرى الساحة التشكيلية العربية بمختلف مدارسه وتياراته التعبيرية.

بقلم محمد السعيدي 

بقلم الآديب محمد أديب السلاوي

الصناعة الثقافية 

الصناعة الثقافية، تفرض علينا عقلا جديدا...
وتلك هي الإشكالية.

محمد أديب السلاوي

-1-

ظهرت مفاهيم وقيم "الصناعة الثقافية" في الإعلام والبرامج السياسية والسياسات الحكومية خلال منتصف القرن الماضي، على أيدي جماعة من المفكرين بألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، الذين تبنوا بقوة، قيم العولمة والاقتصاد الليبرالي.
بعد ذلك بقليل، حددت منظمة اليونسكو مصطلح "الصناعة الثقافية" في الصناعة التي تجمع بين ابتكار المضامين وإنتاجها والمتاجرة بها، وهي ذات طبيعة ثقافية غير ملموسة / مضامينها محمية بقانون حقوق المؤلف، ويمكن أن تأخذ شكل البضاعة أو الخدمات.
وعموما يشمل مفهوم "الصناعة الثقافية"، انتاجات الطباعة والنشر والوسائط المتعددة والوسائل السمعية والبصرية والمنتجات الفوتوغرافية والسينمائية والحرف التقليدية والفنون البصرية.
يعني ذلك، أن "الصناعة الثقافية" هي تلك الأنشطة التي تركز على المعرفة في صورتها المتكاملة التي تحتاج إلى كثافة عمل عالية وقادرة على توليد الثروة وفرص العمل.
يعني ذلك أن اللوحة والشريط السينمائي والمسرحية والأغنية الشعبية والقطع الموسيقية وفنون الحلقة والبرامج الإذاعية والتلفزية والمؤلفات الأدبية والثقافية والنقدية، والقطع الشعرية هي الصناعة الثقافية التي تنتج قيم التنمية في زمن العولمة.
في نظر منظمة اليونسكو،أن الأعمدة التي تقوم عليها الصناعات الثقافية ، تشمل كل عناصر الثقافة : الأدباء / المفكرون في كل التخصصات / الفنانون في كل التخصصات / الفنانون الشعبيون / الصناع التقليديون.

-2-

ومن شروط قيام صناعة ثقافية، في أي مجتمع نامي أو في طريق النمو، وجود قاعدة علمية وثقافية في المجتمع، يكون بإمكانها إنتاج المعلومات وتوزيعها واستهلاكها، وهو ما يعني 
توسيع آفاق التعليم والإعلام بين أفراد المجتمع، ذلك لأن العلاقة بين الصناعة الثقافية وارتفاع المستوى العلمي والثقافي والإعلامي، علاقة جذرية تقود إلى زيادة حجم الاستهلاك الثقافي...وهو ما يتطلب إنشاء المؤسسات التواصلية، جرائد ومجلات وإذاعات وقنوات تلفزيونية ومطابع ودور نشر واستوديوهات سينمائية ومسارح وقاعات للعرض التشكيلي ومتاحف وغيرها من وسائل الاتصال الثقافي، إضافة إلى المناخ الملائم لحرية الرأي والتعبير.
يعني ذلك، أن الصناعة الثقافية تحتاج من الدول السائرة في طريق النمو، والتي تنشد الاستثمار في الشأن الثقافي، دعمها ورعايتها وحمايتها لكافة المنتجين / أدباء وشعراء ومفكرين وفنانين وإعلاميين، حتى تتمكن هذه الدول من الدخول إلى أسواق المنافسة وتعزز تواجدها.

-3-

يرى العديد من الباحثين والدارسين لوسائل الاتصال الجماهيري أن الثقافة والفنون في عالم اليوم من أجل الازدهار والنماء والتطور، أصبحت في حاجة ماسة إلى شروط أساسية وموضوعية، منها خلق مؤسسات تحتضن الثقافة وأهلها، يكون في إمكانها إنتاج المعرفة الثقافية الرصينة من خلال إبداعات الفن والثقافة والمعرفة. ذلك لأن العلاقة بين ارتفاع المستوى  المعرفي بالفنون والآداب والثقافة عموما، تتناسب مع تقدم وسائل الاتصال التي تخلقها هذه المؤسسات، مما يقود إلى بلورة قيم الصناعات الثقافية عموما، وهو ما جعل الدول المتقدمة، ترصد ميزانيات ضخمة من أجل أن يكون لهذه المؤسسات جماهير واسعة تستفيد من خدماتها، وبرامج قوية تدعم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحكومات الوطنية التي تعمل من أجل التنمية المستدامة، المؤمنة بالديمقراطية وحقوق المواطنة.
إن تعبير الصناعات الثقافية في عالم اليوم، أصبح مصطلحا وطنيا ذا معنى خاص لا يرتبط فقط بصناعة الإنتاج الثقافي / من اللوحة إلى الكتاب، ومن الشريط السينمائي إلى الأغنية والمعزوفة الموسيقية، ومن المنحوتة إلى البرنامج التلفزيوني / الإذاعي، ولكنه يرتبط أكثر بالتنمية الوطنية في سائر مجالاتها وميادينها.
في الألفية الثالثة، ليست المؤسسات التجارية والاقتصادية والمهنية القائمة على الإنتاج الثقافي وحدها من يبلور الصناعة الثقافية. أن المؤسسات الفنية / الثقافية، هي التي تعطي هذه الصناعة إيديولوجيتها وقيمها ومفاهيمها التي تبلورها في سوق المعرفة، كما في السوق الحضارية الوطنية والدولية، وهو ما يجعل منها شرطا أساسيا للتنمية المستدامة والتقدم والازدهار الصناعي والتجاري والثقافي.
وفي العالم الصناعي، كما في الدول السائرة في طريق النمو، أصبح الاستثمار في الصناعات الثقافية، ذات أهمية قصوى، ذلك لأن الرؤية الصائبة والواضحة للشأن الثقافي، والقدرة المالية من أهم عوامل نجاح الرأسمالية الثقافية.
-4-

وبحسب ما هو قائم حاليا فإن مفهوم الصناعة الثقافية الذي تصل منتجاته إلى 10 في المائة من إجمالي الصناعة العالمية، شبه غائب في عالمنا وهو شبه معدوم في الاقتصاديات الوطنية والقومية، كما أن الاستثمار في المجال الثقافي لا يكاد يذكر بالمقارنة مع مجالات أخرى، وهو الواقع الذي ترى العديد من المؤسسات العلمية، أنه يقود إلى ضعف احتمال تحقيق متطلبات واستحقاقات الثقافة فضلا عن عدم القدرة على مجابهة تحديات الأمن الثقافي القائمة على صناعة تنمية في هذا المجال، والتي تمثل عنصرا رئيسيا من التنمية المستدامة. 

ولاشك، إن انخفاض المستوى الثقافي في بلادنا وفي البلاد العربية الأخرى، لا يعود فقط إلى عدم توفر الصناعات الثقافية، التي تدعم المؤلفين والمفكرين والفنانين والصناع التقليديين وكل العاملين في الحفل الثقافي، ودفعهم إلى الإنتاج والتنمية، ولكتها تعود أيضا إلى ابتعاد السياسة الثقافية عن هذا المجال.
 إن المحتوى الثقافي لدينا في المغرب وفي العالم العربي، واسع وشامل، إلا أنه لا زال بعيدا عن التصنيع وتحويل قيمه المعنوية والروحية إلى قيم مادية، أي تحويله إلى سلع في الأسواق الاقتصادية من أجل التعريف بها ونشرها وإفادة التنمية الوطنية بقيمها ومردوديتها المادية.

من هذا المنطلق تشكل الصناعة الثقافية أهمية خاصة ليس فقط للجانب الاقتصادي، ولكن أيضا للمستوى الحضاري، باعتبارها ذرعا واقيا للهوية الثقافية.
يعني ذلك بوضوح،إننا نحتاج في المغرب الراهن وفي العالم العربي شرقه وغربه، إلى عقل جديد وتفكير جديد ليستوعب إشكاليات الصناعة الثقافية وقيمها ودورها في الدفع بالتنمية الوطنية المستدامة إلى الأمام. ذلك لأن الطرق التقليدية في إدارة القطاع الثقافي، لم تعد صالحة للعصر الحديث ولشروط الحداثة والعولمة...وتلك هي الإشكالية التي نهرب من مواجهتها في سياستنا الحكومية.

بقلم الشاعر أحمد شاهين

إهمال 





أخدنا على كدا
نموت بالشكل دا
حوادث قطارات
أو تغرق عبارات
أو تتهد عمارات
والضحيه دا ودا
ما أخدنا على كدا
إهمال لكن جسيم
أدى لحادث أليم
لو نمشى فى السليم
هتكون أشيا رضا
ما أخدنا على كدا
الدم مش رخيص
الدم أغلى شئ
إزاى يموت فطيس
أى  مواطن برئ
إزاى يموت كدا
ما أخدنا  على كدا
هنقبل الإستقاله
ونصرف تعويضات
والشعب حالته حاله
بيبكى ع إللى مات
والناس متنكده
ما
أخدنا
على
كدا.

كلمات / أحمد شاهين
28  /  2  /  2019

بقلم الشاعرة مليكة الجباري

إنه رغيف الحب

هذه الزوابع  في عيوني 


انشطر فيها الوميض 
الألغام الموقوتة أسوقها 
مخابئها أجساد محنطة 
في الإنتظار...
شذرات الشمس 
صادرت كل الأوراق الصفراء.
يفتشون عن فصل تشرين في صدري ..
لا تورطوا أصنام الفحم 
فدرع الورود صفوفي ....
أتحدى هذا  السواد 
في جعبة السفر يوم ولدت 
وجه الظلمة يتقلص
 في حضرة رغيف الحب
ياراكبا أمواج الحياة 
تجرعنا رشفات هذا اللهيب
 قبلا....
وقسمنا النبال .
ماكان مسروقا 
أسقطتها كفوف الأولياء .
كل الخدوش 
على جسد روحي 
نياشين.
والجروح على المرايا بالعزم اندحرت 
لحظة  الإعتصام
لماذا يجيشون السراب،..؟
التربة في مزرعة المشاعر عاقر
لا نخل سيزينها... ولا بلح 
 هو قسم السماء 
يوم غارت الشياطين 
على سنابل العشق .
خلف الجدران قداس الأرواح 
يحرضون  الصبح 
قالوا ....
انتفضوا ...
انتفضوا... 
مواكب الفصول جاهزة .
جزء من الحكاية سأسجنها
وما بقي منها التهموه
 حق تأويله في عهدة  العقول


مليكة الجباري /المغرب /27\2\ 2019

بقلم عبد الرحمان الصوفي

دراسة نقدية مستقطعة ( الجزء الثاني ) للتجربة الشعرية لمليكة الجباري من خلال ديوانها ( على صهوة الجموح ) / عنوان الدراسة المستقطعة ( رباعية الجموح : الذات ، التمرد ، الصمت ، الغربة والاغتراب / ديناميكية النصوص ومقاييس نقد الشعر  ) 


======================    مقدمة =============================


بسم الله الرحمن الرحيم 


ينطلق علم الجمال في الأدب والفن من مبدأين رئيسين هما : المبدأ الحسي ، والمبدأ الوظيفي الأخلاقي . وهذا تقسيم مرتبط بالعلاقة المتبادلة بين الفن والأخلاق ، التي تفصح عن مضمون الأدب ، ووظيفته الاجتماعية ، وعلى الرغم من أهمية هذه القضية ( قضية الأدب والفن والأخلاق والواقع والذات  ) ، فقد تبلورت حولها رؤى عبر مد العصور  والكثير منها تؤكد على أهمية الأدب والفن في تربية الفرد جماليا ، وتنمية ذوقه وإدراكه ، ويتضح دورهما كذلك في مراحل كل تحولات اجتماعية كبيرة ، حيث يتكثف دورهما ( الأدب والفن ) في تأثيرهما الفعال . يكاد يكون ( هيكل ) من أبرز الفلاسفة الذين الذين حاولوا تحليل الظواهر الاجتماعية ، بما فيها الأدب والفن ، ومن خلال منهجه الجدلي ، دون أن يفصل العناصر الاجتماعية عن بعظها البعض ، ولذلك فقد حلل الفن والأدب وصلتهما بمختلف أشكال النشاط الإجتماعي ، والعلاقات الإنتاجية الاقتصادية والسياسية ، ونتيجة لذلك ، ثم الكشف عن مختلف المجالات للثقافة الجمالية ووظائفها الاجتماعية المتعددة وشروط تطورها . وبناء على هذا قرر ( هيكل ) أن الفن والأدب هما أحدا أشكال الكشف الذاتي للروح المطلقة . ومن هذه النقطة بدأ ( لوكاتش ) تطوير أفكار ( هيكل ) في علم الجمال عموما ، مستفيدا من إنجازات بعض العلوم ، مثل علم اجتماع المعرفة ، وعلم التأويل ، وركز على علاقة الأدب والفن بالبنى المختلفة للوجود الإنساني ، فنقل رؤاه وعممها في المجالات المختلفة للنقد الأدبي ، مركزا كذلك على طبيعة العلاقة الجمالية بين الأدب والفن والواقع  حتى توصل إلى الواقعية منهجا جماليا يفسر به الأعمال الأدبية من ( هوميروس ) إلى ( توماس مان )  . 


جاء في كتاب ( الذرائعية في التطبيق في تحليل النص الأدبي العربي ) في مدخل ( الخلقية الأخلاقية للنص أو التيمة ) ، ما يلي : ( تمتاز كل النصوص والأعمال الأدبية الرصينة برمتها على موضوع خاص يبنى عليه النص بشكل كامل ، كأن يكون سياسي أو اجتماعي أو إنساني ، يلاحق السلبيات ويثبت القوائم الأخلاقية في المجتمع ، وذلك هو واجب الأدب والأدب الحقيقي الرصين ، ويشترط أن يلتزم الأديب بقوائم الأخلاق والمثل الإنسانية العليا ، ولا يحق له التعرض لمنظومة الأخلاق العامة ، والأديان والأعراف والقوانين بشكل هدام ، حيث يشترط أن ينضوي الأديب الرصين تحت خيمة الالتزام الأخلاقي الأدبي ... وهذا المبدأ يفرض على الأديب الالتزام بالقواعد الأخلاقية المنظمة في المنظومة الأخلاقية العالمية ...لذلك يجب أن يكون النقد هو الحارس الأمين لكل التجاوزات الأدبية الهدامة ، التي تخترق بنية الأعراف والقوانين والأخلاق لعالمنها بكل أطيافه وأجناسه ....) .


=============== في السيرة الذاتية للشاعرة ===========================


تقول الشاعرة مليكة الجباري : ( قلت يوما إذا استطعت أن أتصيد النور في الكلمة فأنا قادرة على إشعال الشموع في كهف عتمة الوجع  مادة قصائدي على صهوة الجموح من قلب الواقع ، قصائدته تترجم بعض من سيرة الشاعرة وهي حالة فوضى السؤال في حالة تأمل ...وفي حالة ألم ، هي ليست معصومة من البوح في حالة استرجاع ذكرى ...حاولت الانتصار لوعي البوح والإمتاع الفني ، ساءلت الذاكرة وما رست سلطة الشاعرة بداخلي لاكتشاف أرخبيل الصور العالقة والتي قضت مضجع القلم فاضطر معها للترجمة في حفلة في حفلة تصالح مع الذات الغاضبة . هناك لحظات نتمرد فيها على استسلامنا عن وعي ونضج للنتصار لهذا الشغب الفكري . حاولت الهروب من عملية اجترار ما حولي من ملامح كتابية . فشعرية الخطاب تطلب مني أن أكون أنا وأصفي للغتي فبل أن يصغي إليها القارئ ، وفي قلب عملية الاصغاء حاولت تطوير قدرتي في البحث عن كيفية الوصول للقارئ وإثارة وعيه وإمتاع ذائقته الفنية ، كالنحات وإزميله كلما اقتربا من بعضهما أكثر اقسما على الولاء والإخلاص للتحفة الفنية حتى تنطق إبداعا . ) 

يمكن الاطلاع على سيرة الشاعرة الذاتية في الجزء الأول من دراسة التجربة الشعرية للشاعرة مليكة الجباري .

========= المدخل البصري لديوان الشاعرة ( مليكة الجباري ) ( على صهوة الجموح ) =============


ديوان ( على صهوة الجموح ) ، متوسط الحجم ، تحمل واجهته الأولى للغلاف لوحة تشكيلية ، تتشكل من حصانين متداخلين ، الحصان الأكبر مشكل بأحرف من الخط العربي ، والحصان الثاني رسم تشكيلي للحصان العربي . يقع الديوان في مائة وأربع صفحات  تضم تسع وثلاثين قصيدة نثرية ، نذكر منها ( غزل البنات ) ، ( كن وطنا ) ، ( وشم على صفحة الماء ) ، ( سكني خارج الذاكرة ) ، ( صهيل الصمت ) ، ( متمردة هي ) ، ( امرأة أنا ) ، ( موجة بلا وطن ) ، ( آه ياوطن ) ، ( العرائش ) ،( حروف محتلة ) ، والكثير من قصائد أخرى ، كما لا حظنا قلة استعمال علامات الترقيم بالمقارنة مع ديوانها الأول ( في قلب العاصفة ) ، تختلف القصائد من حيث الطول والقصر ، مركزة على نقط الحذف في الكثير من القصائد . قدم للديوان الناقد الأدبي ( الميلودي الوريدي ) ، حيث يقول : ( حروفك أيها الشهد تعشق الجموح والشموخ .. يسكنها توق المعاناة والمجاوزة .. لا تهادن ولا تستكين ، ولا تدين إلا بقداسة انتهاك المواضعات والمألوفات ... وعلى هذا الدين نسجت " مليكة الجباري " ديوان حروفها الجامحة ... فالشعر عندها مذهب " جون كوين " : هو ذاك النمط الذي يجده الليل في أحلامه ، وتجده القصيدة في كلماتها ...حروف ملفوظها اللغوي ليست إلا جزءا من بنية الكون ... تنتمي إلى هذا الكون انتماءها للنص ..والنموذج الذي يولد من رحم شعر اللغة يستلهم مصداقيته الخاصة لدى " مليكة الجباري " من خلال قدرته على نقلنا إلى الشعر خارج اللغة ...أو بتعبير آخر تنقلنا الشاعرة من سواد الأوراق وبياضها إلى الحياة ... وهذا لا تستطيع تحقيقه إلا " اللغة العليا ..) . 


تحمل الواجهة الخلفية للغلاف مداخلة للمفكر والأديب المغربي ( محمد محمد البقاش ) صاحب ( النظرية الممدرية / في الفكر والأدب والفلسفة ) ، جاء فيها : ( على صهوة الجموح ركاب شاعري للأبحار في عالم الصورة الشعرية لمبدعة يتخاصم فيها الواقع والخيال .

الصورة الشعرية للمبدعة ( مليكة الجباري " تمتح من مشاعر جياشة فترشف رحيق الكلمات بمرشف يتجاوز لذة المتعة إلى قارئها . ترسم المبدعة في ديوانها من بين ما ترسم أحلاما مسروقة ، وفجرا مغتالا ، وأكفا مغتصبة بالحيرة ، ولا هيا على الرصيف فيستدير بها الزمان لإعادة طفولتها وهي تقص علينا قصة زمن فزيائي أبي إلا أن يطلب يد الشعر للزواج منه .
تتشظى الشاعرة بين لهفة البقاء وجموح العطاء وكأنها كوكب البكوك ( يمكن العودة للتعرف على الكلمة في كتاب ( النظرية اللممدرية / للكاتب ) . تتأبط نصوصا وهي مهرولة نحو محراب الإبداع حتى تأمن عليها من المطارد ، المتسلل خلسة . يغوص ظلها في لجي فيظل ظليلا ولا دليلا على ظله من الشمس . ينشر ظلالا يربت على أكتافها القصيد . تلك هي الومضة الشعرية التي تنتج من تيار ليس مصدره المحاكاة لأساليب تعبيرية من غير الذات المبدعة ، لا تومض الومضة المتميزة إلا من مصدر متميز وما أكثر التميز في المبدعين الذين يرفضون التألق إلا من داخل ذواتهم  . ) .

========== الاحتمالات المتحركة أو ديناميكية نصوص ديوان ( على صهوة الجموح ) من داخل التجربة الشعرية للشاعرة ( مليكة الجباري ) ==================================


نوضح للقارئ والمهتم خطوات دراستنا النقدية الذرائعية  المستقطة ( أي استقطاع أقوى المداخل في العمل الأدبي ؛ من مداخل النظرية الذائعية العديدة والمتعددة ) ، أول هام سنغوص في التجربة الشعرية للشاعرة من خلال نصوص ديوانها ( على صهوة الجموح ) ، مدخلنا الأول ( الاحتمالات المتحركة أو ديناميكية النصوص ) ،  ، ثم سننتقل لمدخل ( مقاييس الدقة في الإبداع الشعري ) . ونوضح لكل قارئ و متتبع أننا ونحن نغوص في هذين المدخلين ، لم نغفل كل المداخل الأخرى ، والتي سجلنا حولها ملاحظاتنا النقدية ، فهي زاد وأدوات غوص تساعدنا على استخراج مخبوءات التجربة الشعرية في نصوص الديوان . كما أننا لم نغفل ملاحاظتنا لكل دواوين الشاعرة ، وسجلنا لكل ديوان مفاتيحه النقدية لقراءة التجربة الشعرية بشكل متكامل .ولم نغفل كذلك الاطلاع على التجارب الشعرية في المغرب والمعاصرة للشاعرة خاصة التجارب النسائية .


نقصد بالاحتمالات المتحركة : ( ينطلق الناقد المتبصر من مجريات النصوص الداخلية مع ملاحقة الأفكار المتصلة فيما بينها بالتحليل ، وجمع الأفكار واللهات خلف الدلالات والرموز والأفكار المتعاقبة والمكملة لبعضها ، فيسلك سلوك صياد اللؤلؤ ، كلما غاص عميقا كان صيده وفيرا ودسما ، لذلك يساير الأفكار المتدرجة ، والتي لا تفضي للتناقض ...) .


================== العنوان / على صهوة الجموح / =======================


يتشكل كل مؤلف( فتح الألف ) من معادلة هامة جدا ، معادلة تشبه كفتا ميزان في حالة التساوي الذي لاتميل فيه كفة على أخرى ،  أولها العنوان ، وآخرها النص البصري، فيحمل دلالات مكثفة لمضامين النصوص الموجودة مضمونا وشكلا ، وهو وجه نص مصغر على صفحة الغلاف ، حيث يصلح أن يكون عنوانا لكل نص من النصوص البصرية  ، لهذا يعد العنوان  في ديوان الشاعرة مليكة الجباري حاملا لنظام سيميائي ،  ودلالات أخرى رمزية تغري الدارس بتتبع دلالاتها بغية الوصول لاستجلاء المفاهيم النصية المخبوءة داخل الفضاء والحيز النصي . العنوان هو عتبة لا يمكن تخطيها ولا تجاهلها ، إن أراد الدارس التماس العلمية في التحليل واللغة في التفسير والتأويل ، يقول الناقد ( ليوهوك ) : ( العنوان مجموع العلامات اللسانية التي يمكن أن تدرج على رأس كل نص لتحدده وتدل على محتواه العام ) .


_ الغلاف : 


تتكون صورة الغلاف من وحدتين هامتين : وحدة أمامية حاملة لوظائف الغلاف ، ووحدة خلفية لها دورها الذي لا يقل أهمية عن دور الوحدة الأولى ، وكلاهما يحتاجهما المتلقي والناقد والكاتب . فالتنقيب في كل المكونات يجعل كل الأطراف تشارك تشاركا فعالا ، لأنه يدفع الكل للبحث في الدلالات السطحية والعميقة والخفية والرمزية ..وهو منطلق بداية غوصنا في نصوص ديوان ( على صهوة الجموح ) .


_ صهوة : 

ورد في معجم المعاني الجامع ، الصهوة موضع السرج من ظهر الفرس ، أو البرج يتخذ فوق رابية ، كما أن الصهوة مكان متطامن من الأرض ، وهي كذلك منبع الماء في جبل  ، وما ورد في الشعر العربي : 

إلى صهوة تتلو مجالا /// صفا دلصته طحمة السيل أخلق 


وفي بيت آخر :


كأنها خرف واف سنابكها /// فطأطأت بؤرا في صهوة جدد


وفي نفس السياق نورد بيتا آخر : 


ولا أكون كمن ألقى رحاته /// على الحمار وخلى صهوة الفرس 


_ الجموح : 


أما كلمة ( الجموح ) فنورد شرحها من ( معجم الرائد ) وهي كالآتي : 

جمح الفرس : تمرد على صاحبه وغلبه وذهب يجري ، وجمحت المرأة من زوجها : خرجت من بيته إلى أهلها غاضبة ، ومنها كذلك جمحت الصحراء به ضيعته من بعدها . نقدم أمثلة أخرى من الشعر العربي . 
يقول الشاعر : 

الجهل بعد الأربعين قبيح ///فزع الفؤاد وإن ثناه جموح 


و بيت أخر في نفس السياق : 


ولكني ضبارمة جموح /// على الأقران مجترئ خبوس 


_ الذات الشاعرة في التجربة الشعرية من خلال العنوان  : 


حضور الذات الشاعرة في التجربة الشعرية هو حضور يستخدم لغة لها تراثها الطويل عبر مد العصور ( الصهوة والجموح / وصورة الحصانين المتداخلين / غلاف الديوان ) ، والمنوط بكل تجربة حفظ هذا التراث ، ليصبح من عوامل الثبات  في الحضارة . ومن هذا المنطلق نسجل للشاعرة في تجربتها رغبتين ، الرغبة في التجديد والتحديث وتغير حياة الجماعة من خلال  ( الجموح )  ، والرغبة في التباث والمحافظة على الأخلاق والأعراف ( الصهوة )  فأصبحت الرغبتان تطور ضمن السياق العام للأدب العربي الحديث ، ويتمثل في تحول موقف الأديب بصفة عامة من طرف الثبات والمحافظة إلى طرف التغيير . فالإبداع يقوم أساسا على الخصوصية الذاتية وهي المرتكز الأهم في خلق مضامين جديدة ومبتكرة ، خاصة وأن اللغة العربية عرفت تطورا صوتيا ودلاليا وتركيبيا ، فحداثة اللغة هي أداة تكون بقدر ما تقدمه لأبنائها من مادة خام مطواعة يمكن تشكيلها بمختلف الأشكال الجمالية في كل تجربة أدبية أو شعرية  ، لغة في استعداد دوما  لتساعد كل مبدع فنان على التجديد والابتكار . فيصبح الإبداع مشروعا حضاريا كبيرا . نقدم قصيدة ترصد الذات الشاعرة في تجربتها الشعرية ، التي تركب صهوة الجموح . ويتضح حضور الذات الشاعرة في في قصيدتها المعنونة ( امرأة أنا ) بشكل جلي .


تقول الشاعرة في قصيدتها المعنونة ب ( امرأة أنا ) :


نافذة البيت لحظات تنتشي 

بعبق الذكريات
تزخر بالحزن بالآهات
تتوسد حيرتي 
عمق القصيدة والأبيات 
من أنا من أنت يا امرأة ؟؟؟
بين ريشة الرسام 
وحكي الكلمات 
قصتك تفاحة نضجت 
ألهبت إقدام الفرسان 
وألهمت كتاب المعلقات
وشمتك عصافير الأساطير 
كاهنة 
ساحرة 
عاشقة 
عصفت بتاريخ السلاطين والمملكات
في قلبي أنا 
طفلة 
أم 
أخت 
حبيبة وزغرودة الأوطان 
نبض يلهم أجمل الكائنات 
وستار صبر يلتهم الشرارات 
تمتصين الغضب عطرا 
هدية لأفنانك والزهرات 

_ تركيب العناصر المكونة للعنوان ( على صهوة الجموح ) :


لما تعرفنا على شرح الكلمتين ( صهوة الجموح )  تأكد لنا بالملموس رمزية اللوحة التشكيلية في الدفة الأولى للديوان ، ودفعتنا لطرح العديد من الأسئلة تساعدنا تغرينا بالغوص في التجربة الشعرية للشاعرة ، فهل الديوان تجربة شعرية في حالة ( جموح ) ؟ ألم يدع الفنانون أروح اللوحات للحصان في جموع ؟ فهل ستكون القصائد جموح جمالي لا يقل جموح الحصان في اللوحات التشكيلية ؟ ... لا شك أن الخيل كانت ولا زالت مصدر إلهام للفنانين والمبدعين في مختلف دول العالم ، فمنهم من أظهر جمالها في تناسق أجسادها ، وقوة عضلاتها خصوصا الخيل العربية ، ومنهم من سجل لحظات فوزها وحضورها المنافس في ميادين السباق ، أو في السلم والحرب ، وهناك من قدمها من جانب جمالي ، من خلال الرأس والعينان أو تتجمل به من إضافات ( السرج ) ... ونسجل للعديد اجادتهم  اقتناص حلالات الجموك والهدوء والعلاقة بينهما وبين فارسها . ونذكر على سبيل المثال لا الحصر ، لوحات الفنان العراقي ( علي المعمار ) واقتناص ريشته لملامح الجمال في الجموح عند الخيل . ونذكر كذلك الفنان التشكيلي المغربي ( الحسن الخيري ) .

عنوان الديوان ( على صهوة الجموح )  يحيلنا على مجموعة قيم ذات البعد الكوني ، المترتبط بالواقع ورفضه أو الجموح عنه رغبة في التغير .

===================== تجربة الجموح المتمرد في الديوان ==========================


مما لا شك فيه أن نزعة التمرد والجموح على الواقع السائد والمألوف شعريا واجتماعيا وسياسيا والرغبة بالاختلاف عن التجارب السابقة السائدة أهم علامات الحداثة في الشعر العربي الحديث  عموما ، وفي التجربة الشعرية عند ( مليكة الجباري ) خصوصا . خصوصية شعرية عند الشاعرة في نصوص ديوانها خصبة ومتنوعة إلى حد كبير بفضائها وعطائها ، حيث أصبحت التجربة الشعرية أداة كشف وتحرية لكل ما في داخلها وما حولها أو خارجها أي الدخلي النفسي والخارجي الموضوعي ، هي رغبة جادة في المجابهة والتمرد والجموح لتجربة شعرية نسوية تطمح لحياة خاصة مشوبة بالتمرد والانفعال الوجداني ، يقول ( ريمون جبران ) : ( إن ما يجعل الحياة في النهاية شيئا مستحبا ، هو الخصوصية بين الحياة في معناها العميق ، وبين الحياة من حيث هي خالية من المعنى تظل متروكة تماما بلا مصالحة ..) ، التمرد محرض خاص كي يكون كل شاعر إشكاليا من طراز خاص في تجربته الشعرية .


تقول الشاعرة في قصيتها ( متمردة هي ) : 


قالت : 

استوطني الصمت 
كبلت جسدي خيوط العنكبوت 
تمرغت الحروف على بحوري 
كتبت الغجرية اسمي 
على جدار الموج 

قالت : 

ثوري على أسواري ثوري 
سماؤك نور وشمسك أغواري 
لا ترحمي القيود في دوائري 
مزقي ستار الألوان على أقنعة الفكر 
ارسمي الشغب 
كسري غيمة الحيرة 
التائهة في موج سمائي 
ما أتعبها غير صبر مروري 
أنت من وشم عنوان طريقي 
أحاسيس ثملت على رف انتظاري 
سكبت لهفة التأمل 
مطرا ...
بل عطرا 

تمرد في تجربة شعرية تدرك من خلاله الشاعرة النظرة التقليدية للمرأة في مختلف المجتمعات العربية ، ( كبلت جسدي خيوط العنكبوت / تمزقت الحروف على بحوري ) ، نظرة تضع المرأة في دونية ، فهي أنقص عقلا ، وأقل كفاءة ، ومكانها في البيت ، ودورها الرئيس هو الانجاب وتربية الأولاد ، أو بالأحرى العناية بهم ...قد لا تكون هذه نظرة الجميع فردا فردا ، ولكنها نظرة رائجة . تمرد طموحه تغير النظرة الدونية للمرأة ( ثوري على أسواري ثوري / لا ترحمي القيود  في دوائري / مزقي ستار الألوان على الفكر / أرسمي الشغب / كسري غيمة الحيرة ) . وضع العربية عموما شغل مجموعة من الأدباء والمفكرين والحقوقين والباحثين بمختلف أيديولوجياتهم السياسية والفكرية ، منذ زمن قاسم أمين إلى يومنا هذا ، وضع أصبحت المرأة تعيه وتطمح لتغييره . 


في فم الفرحة وشذرات أفكاري 

ضجت الصرخة في أحشاء السماء 
أتعبها سؤالي 
أهديني سكونا 
يخرس الجنون في وشمك 
على أروقة وجودي 
كبلي الغباء 
في عيون التائهين بين السطور 
السؤال أصبح جوابا 
يسكنه إصراري 
كف السماء لك سقف
رسمها لك مدادي 
فاعلني العصيان ومخاض الخوف 
حقيقة إنه قراري 

في زحمة الحياة اليومية يولد المبدع متفردا بتجربته الإبداعية التي تستطيع أن تساهم أو تقدم الحلول لمشكلات عالم اليوم ،  ومنها الوضع التي تعيشه المرأة العربية ( فأعلني العصيان ومخاض الخوف / حقيقة إنه قراري ) . كما أن التجربة الشعرية  الإبداعية عند الشاعرة تفتح آفاقا جيدة لسد الثغرات التي تفتح سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ( الواقع السياسي والمجتمعي في المغرب بعد الاستقلال )  ، كما تتغور التجربة في صميم المشكلات التي تعاني منها البشرية عموما لإيجاد طرق الخلاص والنجاة ، وترقى إلى اقتراح سبل جديدة تنقذ الحضارة الإنسانية من الانحدار نحو التردي والانحطاط . وكل تجربة إبداعية رصينة  تتميز بالخصائص التالية : 


1 _ الذكاء : تمة حد أدنى معين من الذكاء وهو ضروري لغرض الانهماك في الفعاليات المبدعة ، ونشير إن أن الذكاء العالي لوحده لا يضمن الإبداع .

2 _  التفتح والانطلاق : أي أن المبدع في تجربته يقابل الحياة وهو منفتح في انتباهه وفي عقله ومشاعره للتجربة الحية وللواقع في داخل النفس وخارجها .
3 _ نبذ الأمور السطحية : أي المبدع في تجربته لديه القدرة على تحري الأمور المعقدة ، فيمتلك بذلك الثقة في النفس والمثابرة .
4 _ القابلية على النفاذ إلى أعماق المسائل المبحوثة : أي القدرة على رؤية ما يتجاوز ما هو واضح ، أي الاهتمام بالمعاني والمتضمنات وبالتمثلات الرمزية للأشياء .
5 _ عدم التطابق مع الآخرين : أي أنهم ينظرون إلى الحياة منظار أوسع فلا يلتزمون بالجزئيات والأمور التطبيقية الشائعة .
6 _ المبدع أكثر ولعا بالادراك الذهني : أي أكثر مقاومة للانغلاق ، وأكثر ميلا للبحث عن طرق جديدة في التفكير .
7 _ الطلاقة : أي أن المبدع يمتاز بالطلاقة الذهنية واللغوية وإنتاج أكبر عدد من الأفكار وفي الكلمات والتداعي اللفظي والمجازي .

===========   جموح الصمت في ديوان ( على صهوة الجموح ) =======================


تقول الشاعرة في قصيدتها ( بوح الصمت ) 


دعني أعاتب فيك 

الصمت الحزين 
يامن كنت النبض ولغة السنين 
فالبعد أصبح فيك وطنا جنينا ، 
اسمك أمسى نورا 
كنت أجادله كل حين 
وما تبقى منه غير رسم ووشم 
لن يستكين ...
أجنحة اللهفة حلقت 
فأتعبها الأنين 
أراهن على البقاء في وجودك 
وأنت في عمق 
الزمان أسير 
سأسحب عشقي 
ما له من مصير 
وتبقى سمائي 
تتلحف غربة الحنين 

لقد عجز علماء اللغة على وضع معنى جامع مانع للفظة ( الصمت ) ، لدرجة أنهم قدموا دلالات تصل حد الاختلاف التام . حول دلالة الصمت تختلف الكثير من الآراء ووجهات النظر ، ففي كتب الفلسفة المصرية القديمة والإغريقية نجد أن الصمت يتخذ بعدا مقدسا ، فيصير مصفاة النفس ونافذة للتأمل ووسيلة لحوار الأنا مع ذاتها ، وهو الاتجاه نفسه الذي ذهب إليه المتصوفون الذين اعتبروه مقاما روحيا يطهر النفس . أما فلاسفة الجمال فيرون أن الصمت هو أرقى صور الجمال لأنه يشعر النفس بالهدوء والطمأنينة ويزكي رغبتها في العيش والاقبال على الحياة . وكمثال نقدم  الفراغ في اللوحة التشكيلية والبياض في ورقة ديوان واللحظة الصامتة في العمل الموسيقي ...تضفي على العمل الإبداعي جمالية خاصة . من خلال قراءتنا للديون الأول والثاني نجد كلمة الصمت تكررت أكثر من عشرين مرة ، هو صمت حامل لقيمته في جموحه الذي لا يصل حد الهروب من الواقع  . ( الصمت الحزين / وتبقى سمائي تتلحف غربة الحنين / .في الثقافة المجتمعية المغربية الصمت متعدد الدلالات والتأويلات والسياقات ، فهناك من يراه فضيلة أخلاقية ، وهناك آراء عكس هذه الأخيرة وخاصة في الأمثلة الشعبية .


قصيدة أخرى معنونة ( صهيل الصمت ) ، تقول الشاعرة : 


لا تعاكسني 

جذور الصمت تتلوى 
على همسك 
قرص الشمس يغمده 
وهج السفر إليك 
خاطبت دورة الحياة 
في عمرك 
لا أنفي شظايا الغربة 
الباقية في أعماقك 
أسامر القمر فيك 
يهديني فتيل الهمس 
سلاما على أبوابك 
يسحبني 
لمحراب الجمال عنوانك 
أقدم قدسية الكلام 
ترتيلات تمزق خطاياك 
اعتراها الشوق ...سكنت القصيد 
حنينا رغما عن عنادك 
تماهت في حروفك 
كل السطور 
استوت برياح أمواجك 
استشرت دهرا 
صلب قصائدي فأعلنت التمرد 

جموح الصمت في التجربة الشعرية عند الشاعرة ليست هروبا أو ضعفا ، ولكنها مواجهة حقيقية ترتكز على وظائف متعددة  ( جدور الصمت تتلوى / صلب قصائدي أعلنت التمرد )  منها الوظيفة التعبيرية التي تتعلق بالأدوات التي ستساعد الشاعرة على اختراق حواجز المنع المنصوبة حولها حولها كامرأة ، متخدة في ذلك استراتجية خاصة من خلال التلميح والضمني وغيرهما .

الصمت والتمرد في التجارب الشعرية  النسائية في المغرب لا  يمكن فصله عن التجارب الشعرية الرجالية ، على اعتبار أن كلاهما مرهونان بالواقع المجتمعي ، خاصة أنهما لم يتخليا عن نبرات الصمت المتمرد والاحتجاجات  ونقدم على سبيل المثال لا الحصر الشاعرة وفاء العمراني ومليكة العاصمي وثريا ماجدولين وعائشة البصري وحبيبة الصوفي وحكيمة الشرقاوي وغيرهن .

وفي نفس السياق نقدم قصيدة أخرى من ديوان الشاعرة ( مليكة الجباري ) ( في قلب العاصفة ) / قصيدة ( بين زفرات أنثى ) 


عانق الليل عشقي 

فوشى بي لك شوقي 
بين خطو النسيم 
أسكنه لهفة السنين 
وسحبت عمري وكل أنفاسي 
لوعتي في سماك 
كانت دقات أجراس 
روحي بين روحك هلال 
ولغة حب 
تتبعها شكوى المآسي 
فلا تمرح على ضفة أطلالي 
فأنا نخلة 
وظل ليس كالظلال ...

وجاء في قصيدة ( تنهيدة عتاب ) ما يلي : 


تسحبني لأغواره 

فأراقص تموجها 
لألحن الصمت داخلي 
أيها العتاب ...
من زمن أسقط الأقنعة 
ارحل ...
عبر قطرات المطر 
زجاج النوافذ تشتكي دموعك 
تتلعثم كلماتي استحياء من همساتك 
يسرقني ضوء القمر 
من بعيد 
هاربة من دموعك 
ارتجي قلبا سعيدا 
أهيم أنا في ليله 
أسكن هدوءه 
يتعب مني السهر 
سألغي جفاف الفرح 
وأحث خطى البوح 
لن أستكين على جدان الصمت 
أمهلني مساءلتك الربيعية 
لأسقط الثواني 
حليا ألبسها جيدي .

الصمت لا يعني سكون الزفرات والتنهدات أو الانغلاق بل على العكس هو الانفتاح على أسرار حياة الشاعرة ومخبآت الحياة ، والزفرات هي أروع ما في الإنسان من طاقات روحية  ، هي الوحي الهابط إلى عمق الذات بها يتم التخيف من ضغط الزمن الرديء . يتخلل الصمت في  التجربة الشعرية عند الشاعرة ( زفرات ) ترتبط ارتباطا كبيرا بواقع المرأة المغربية التي تعاني التهميش والدونية والتخلف نتيجة أعراف وتقاليد لا علاقة لها بالقوانين ، ولا بالشريعة الإسلامية ، فالمرأة متهمة باستمرار حتى تثبت براءتها ، وهي الضعيفة باستمرار حتى تثبت قوتها ، وهي البليدة حتى تثبت ذكاءها  وهي الكائن الإنساني حتى تثبت إنسانيتها ، وهي العورة التي ينبغي سترها حتى لا يرى منها أي شيء ...هي وضعية تعيشها المرأة عموما سواء كانت متعلمة ، أو حاصلة على أعلى الشهادات أو مناضلة في جمعية أو حزب أو نقابة ، لان المرأة والدونية متلازمان في الذهنية المغربة والعربية .


وفي قصيدة أخرى عنوانها ( زفرات مسلوبة ) ، تقول الشاعرة :


رقصة الموج على ثغرك 

زفرات عشق مقيدة 
بمرارة الهجر والأسرار ، 
ابتسمي يا امرأة 
فمن قبل 
عرفت سر عبور العصافير 
وقرأت أسرار هدير الغدير 
ونسجت أشعار لحن جريح 
تلمست بأهدابها دفء الشمس 
وسكنت ألوان كل أقواس قزح 
كسرت قيود الليل العسير 
فاشف ندوب الماضي 
برحيق بسمات الياسمين 
كوني عطرا في سكون الفجر ...
واكتبي أغنيات حالمات لقبك 
الموهوب بالرحيل 
......

=========  جموح الغربة والاغتراب   في التجربة الشعرية =================


شعر الغربة المكانية صاحب معظم الشعراء في بعض مواقفهم ، وهو ما يطلق عليه ( أدب الغرباء ) ، ( على رصيف الغربة / نست كتابة العنوان / تاه الاسم ) ، هي غربة عند الشاعرة  ( غربة سياسية وثقافية ) ، والغربة حالة نفسية وخاصة إذا شعرت الشاعرة بأنها غريبة في مجتمعها ، أي العلاقة الغير ودية خاصة وأنها غير قادرة على تحقيق رسالتها الصحيحة في مجتمعها ، وهي موقف يعبر عن الاستنكار والرفض سواء صمتا أو منطوقا . يقول أبو حيان التوحيدي : ( الغريب إذا قال لم يسمعوا له وإذا رأه لم يدوروا حوله ، الغريب من إذا أقبل لم يوسع له ، وإذا أعرض لم يسأل عنه ...) . الغربة في تجربة الشاعرة الشعرية ذاتية تنحو نحو ترسيخ أفكارها كامرأة داخل مجتمع ( كوني عطرا في سكون الفجر / واكتبي أغنيات حالمات لقبك / الموهوب بالرحيل ) ، هي محنة المثقف الأزلية منذ ظهور وعي الإنسان ونشوء عصر الكتابة حتى عصرنا هذا ...الغربة تقاطع بين آراء المثقف / الشاعر وبين واقعه الذي يتسع بمفهومه ليأخذ أشكالا عديدة داخل النصوص وفي الحياة أيضا .


قصيدة ( رصيف الغربة ) 


على رصيف الغربة 

نسيت كتابة العنوان 
تاه الاسم 
بين الزمان والمكان ، 
انسل ماضيك وسقط الكلام 
لملمت اغفاءة روحك 
وطاردت الخلود 
أناجي النجوم فيك كل مساء 
تنفلت الحقيقة 
تعلن أنك بين الأرض والسماء 

مهمة الشعر هي الكشف عما استتر من لواعج النفس وخلجاتها  ( على رصيف الغربة / نسيت كتابة العنوان / تاه الاسم  )  يخرجها من حالة اللاشعور المبهم الغامض إلى وضح الحقيقة الواضحة . تمتزج فيها التجربة الذاتية الفردية بالرؤية الإنسانية ، وكلما كانت الدوافع الاستشرافية قلقة ، دفعت بالعملية الإبداعية خطوات ، وفتحت آفاقا أخرى للمعرفة والفكر ، فكلاهما يبحثان عن سبل الوصول إلى الحق . هذه استجابة إبداعية ورؤية فكرية لما يطرأ على عالمنا من تغيرات وتحولات ، والشاعر هو أكثر إحساسا واستجابة لهذه المعطيات .


تقول الشاعرة في قصيدة بعنوان ( من بين عيون الغربال ) 


لوحت لغربال الوقت 

أدركت ثقوبه الواسعة 
فتعالت أصوات الغياب 
بين دوائرها 
وبين ثنايها 
الصوت والصمت 
المعلن 
أمطرت صبابتي على الأيام 
ضجت جائعة 
تستلذ كطفل بسؤال زئبقي 
لم يؤخر ولم يقدم 
موعدا للغربة في وطني 

الغربة احساس للشعور بالانقطاع ، وهي تثير في النفس هواجس القلق والخوف ( فتعالت أصوات الغياب ) ، لكنه شعور عام في تجارب شعرية مختلفة عبر التاريخ ، فالشاعرة ترى الواقع بمنظارها الخاص ، هي رؤية الجموح والتمرد الصامت والمعبر عنه رغبة في كسر القيود والتطلع إلى التحرر من قيم الزيف وأقنعته ( لوحت لغربال الوقت / أدركت ثقوبه )  . من خلال الغربة يحقق الشاعرة أحلامها ، بوعي يسعى إلى بناء وعيه ببنية شعرية دالة برؤيتها عن الذات والعالم .


أما قصيدة ( حروف محتلة ) فورد ما يلي : 


رمى الصمت المشاكس 

على ثغر جداري بسمة 
يثقل وهم الثواني 
لبسمته ثار فتغرب إلهامي 
أماطل الصبر ومعه اللظى 
ولعبة الزمن تلهيني 
أناشد صفاء السماء 
والليل بسحره يطويني 
ألا مهلا يا فجر 
فصمتك يغريني 
قبلك بحت للسهر 
والأفق بنوره غالبني 
شغب الفصول فيك 
هدير بحر أتعبني 
وأنا كالوليد في المهد يشبهني 
أعاند النجم في غياب عيونك 
والصمت يأسرني 

الاغتراب هو بحث عن الحقيقة في ذات الشاعرة وواقعها ومحيطها المجتمعي ، فإذا كان العلم يحتكر الحقيقة ويقدمها دقيقة مضبوطة عن الموجودات الماثلة أمام الأعين ، فإنه عجز على عجز على إدراك حقيقة الوجود وهي الأهم وليس حقيقة الموجودات . فالوجود ليس مقتصرا على الحضور فقط ، بل كذلك الغياب / الاغتراب أيضا . ومن هنا انفتح الباب واسعا أمام الأدب مساهما في البحث عن الحقيقة ، ولم يبق دوره مقتصرا على التذوق والاستمتاع فقط ، وحقيقته أصبحت تنير طريق العلوم الإنسانية .


============ مقاييس نقد الشعر / التجربة الشعرية / مليكة الجباري =============


*  مقاييس نقد المعنى : 


المقصود بالمعنى الأفكار التي وردت في نصوص الشاعرة في ديوانها معبرة عن تجربتها الشعرية . والمعنى هو من أهم العناصر التي نقدها في الشعر ، لأنه لا يخلو من أفكار قيمة . وقيمة المعنى تكون قوية التأثير على النفس متى اتسمت بالقوة ، ومتى ما حققت المقاييس المطلوبة .


_ مقياس الصحة والخطأ : 


التزمت الشاعرة بذكر الحقائق في تجربتها الشعرية ، سواء كانت ذاتية أو نفسية أو تاريخية أو لغوية أو علمية ، خاصة حين يتعلق الأمر بالمرأة الشاعرة التي تعيش في مجتمع ذكوري ، وهي كذلك حقائق تاريخية منها : الهجرة السرية / قوارب الموت  ، ذكرتها الشاعرة بجرأة كبيرة لا تخرجها عن حيز الثقة عند المتلقي . وكنموذج نقدم قصيدة ( أطياب باهتة ) .


أطياف فوق الرصيف 

طفل وطفلة 
وابتسامة محذوفة 
عيون كسرها الحنان 
أسماء بدون عنوان 
مساحة الرصيف تشمل المكان 
ضحكة لها صوت الهوان 
تخبرني عن الوطن الذي كان 
وصورة تحكي ظلم الإنسان 
أطياف طفل وطفلة 
على الرصيف ليس لها 
بيت ولا سقف ولا عنوان ..
أنشودة عانقت الأحزان 
سكنت سطور وثنايا الأزمان 
رتل الليل غياب الأمان 
وشهق الموج احتجاجا على 
خيانة الشطآن 
أهدى البحر عمقه وطنا 
ستر خيبة أرواح 
مات النبض فيها 
ما نعته إلا الأكفان .

_ مقياس الجدة والابتكار : 


لا يطلب من كل شاعر رصين أن يقدم معان شعرية جديدة ، لم يسبقه لها أحد ، لكن المطلوب في كل النصوص الرصينة المعاني الشعرية التي تجد لها مكانة عند الناقد ، . والشاعرة في تجربتها الشعرية فاجأتنا بمعان راقية مصنوعة بأسوبها الخاص الذي به تتميز . ليتأمل القارئ الفطن القصيدة التالية من جانب المعاني المصنوعة في نص ( لوني لك ومنك ) : 


أحسب عمري 

وفي برجك أسكن ظلي 
لوجودك أبقى 
ويبوح سري 
صمتي بركان نار 
لن يحتل صدري 
سأسافر في عيونك 
وتبقى سفير همسي 
عميق أنت بوجودك 
ولونك الذي يشبه لوني .

_ مقياس العمق والسطحية : 


المعاني العميقة في كل تجربة شعرية هي التي تذهب بالمتلقي بعيدا من خلال دلالات سيميائية  رمزية ومعنوية عالية التأثير ، تترك في ذهن المتلقي معان وخواطر لا حصر لها . والمعاني العميقة المخبوءة مرتبطة بقوة الشاعر وموهبته ، وبها يتميز عن باقي الشعراء 


*  مقاييس نقد العاطفة : 


نقصد بالعاطفة الحالة النفسية والوجدانية التي تدفع الميل إلى الشيء أو النفور منه ، وما يتبع ذلك من كره أو حب أو سرور وحزن وغضب ، والعاطفة هي نقطة انطلاق ، فإذا لم تتحرك لا يكون هناك إبداع .


_ مقياس الصدق والكذب : 


كل الدوافع التي دفعت كتابة نصوصها دوافع حقيقية ، وقد بيناها في مدخل الاحتمالات المتحركة ، فالشاعرة امرأة تعيش نفس الأوضاع التي تعيشها المرأة المغربية والعربية عموما ، هي حقائق لا زيف فيها . مما جعل العاطفة صادقة ، وهذا ساهم في بناء التجربة الشعرية عند الشاعرة . تقول الشاعرة في قصيدة ( موجة بلا وطن ) : 


لا تعاتب الزمن 

فيك السحاب يعانق السماء 
وللوصال استجديت غيوم المساء 
ركن السؤال كان لغياب روحك كالإهداء 
ترنيمات هلالية حضرتها 
بجمال وبهاء 
لكن روحك واقصت أمثال 
النجوم بسخاء 
واختالت بين مواويل الغروب 
في الخفاء 
لهج موجك غربة غريب .

_ مقياس القوة والضعف : 


مقياس القوة في كل تجربة شعرية ، حين يسمو التأثير في نفس المتلقي ، فإن هز النص الشعري وجدانه ، كان المبيان العاطفي قويا وأخاذا وساحرا ، وإن لم يترك أثرا في النفس كان مبيان عاطفته ضعيفا  . ونشير أن هذا المقياس يمكن أن تتحكم في أمزجة القراء وطباعهم . هناك من يتأثر بالمدح أو بالغزل ، وهناك من يتأثر بالرثاء أو غيره  تقول الشاعرة : ( روحي بين روحك هلال / ولغة حب / تتعبها شكوى المآسي / فلا تمرح على ضفة أطلالي / أنا نخلة / وظل ليس كالظلال /) .


*  مقاييس نقد الخيال : 


الخيال هو الموهبة والملكة الفنية التي تصنع الصورة الشعرية والأدبية عموما ، وتختلف أهميتها باختلاف كل جنس أدبي .


_ صحة الخيال : 


صحة الخيال ترتبط بالذوق الأدبي ، فالخيال نوعان : الصورة الخيالية البسيطة ، وقد مال الشعر العربي إلى هذا النوع من صور الخيال لحب الشعراء للفكرة وحرصهم على الابتعاد عن الاغراق في الخيال أو المبالغة فيه . والصورة الخالية المركبة وهي مجموعة صور مشاهد تتضمنها كل صورة واحدة ، فنجد الحركة والحيوية في النص ونجد تعدد الألوان والمعاني . 

ديوان الشاعرة ( على صهوة الجموح ) تضمن الصنفين من الصور الخيالية ( البسيط والمركب ) وهي عملية ليست سهلة خاصة وأن الكتابة مهنة شاقة ، لا تتأتي لأي إنسان ممارستها ، فهي عملية مخاض طويلة ، تلعب فيها المعاناة ، والتفاعل الخارجي مع العالم الخارجي دورا كبيرا ، ويأتي الإحساس المرتبط بالفكر ليجسد هذه التأثيرات في الشعر .

وكنموذج نقدم قصيدة ( أدمنتك ) : 


قالت :

أدمنتك ...تاه الكلام 
أدمنتك ...استكانت الأحلام 
أدمنتك ....ثار عشقي 
على ذل الامتهان 
أدمنتك ...فمن يبحث عنك 
وعني 
في رسوم الأوطان ؟؟؟
أدمنتك فهل أنت حلم 
أو ظل عاشق 
وحطام إنسان 
أدمنتك ...فانتحر الكلام 
على منصة الغفران .

صحة صدق الخيال حتى في لحظة تجسيد التأثيرات الخارجية في كلمات ( تاه الكلام / انتحر الكلام ) ، تنهض وتظهر قوة التجسيد ، أو ما يمكن تسميته ب ( الإبداع / تميز التجربة الشعرية ) ، فالكلمات مجسدة بمجرد تفاعل بين الشاعرة ومحيطها ، نماذج لصور خيال ديناميكي لا جامد ، مبتعدة عن النقل الحرفي للواقع ، لكن من خلاله تنهض ملكة الخيال . 

الجزء الثالث سنخصصه لدراسة ( درجة الانزياح والعمق نحو الخيال والرمز ) بشكل مفصل إن شاء الله .

_____________________          خاتمة       ___________________________________


النصوص الشعرية التي تضمنتها التجربة في في ديوان ( على صهوة الجموح ) ، يمكن حصرها  في سياقين  تواصين ، أولها  : موقف ثقافي ، وآخر شعري ، عبر قناة اتصال تتمثل في الشاعرة . الموقف الأول ( الثقافي ) وهو فاعل حقيقي ، والموقف الثاني ( الشعري / الأدبي ) فاعل على وجه الاستقبال ، وفاعلية الشاعرة تتمثل في التواطؤ مع الموقفين لانجاز التحقق الفعلي لحياة النصوص ، ومن خلالها تحاول الشاعرة اكتشاف نفسها ، ليس بوصفها نسخة لمن سبقوها أو عاصروها من الشاعرات والشعراء ، أو صدى للثقافة ، بل إنها مركز كل عملية إبداعية . مما جعل النصوص تتميز بديناميكية الحركة الصانعة لتعدد المنعاني والدلالات . والسياق الثقافي ليس مجرد ألفاظ ساكنة واستاتيكية بل متحركة نحو لا نهائية المعاني ، لأنها تتصل بثقافات أخرى .

مما لا شك في أن الشاعرة اتبعت في تجربتنا الشعرية بنية القصيدة المعاصرة التي توجب الحداثة ، متوخية تعزيز تأسيس وعي تجربتها من خلال نصوص يبرز فيها الإنسان داخل كيان الشاعرة . نصوص شعرية تحوي حالتن ، واحدة ظاهرة للقارئ والمتلقي وأخرى باطنية غير واضحة ، لما تحمله من دلالات مضمرة ، وهي التي تتوخاها الشاعرة دون أن تصرح بها ، والوصول إلى ذلك في التجربة الشعرية عند الشاعرة  كان هو الأهم في صاحبنا في دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة .

    ملاحظة : الجزء الثالت من قراءتنا النقدية لتجربة مليكة الجباري الشعرية ، سيكون موضوعها ديوان ( رؤى آجلة ) بالمداخل التالية :

_ درجة الانزياح والعمق نحو الغيال والرمز .
_ المدخل اللساني 
_ التكوين الجمالي والبلاغي 
_ المدخل الاستنباطي 




================== الهوامش ===========================


1 _ الرؤية الجمالية لدى جورج لوكاتش  / الباحث رمضان بسطاوسي محمد / قسم الفلسفة بكلية الآداب ( جامعة القاهرة ) 

2 _ كتاب ( النظرية اللممدرية في الفكر والأدب والفلسفة ) المؤلف ( محمد محمد القاش ) 
3 _ كتاب ( مليكة الجباري : عنقاء اللوكوس ( الكتابة ، الوجود ، التمرد ) 
4 _ الذرائعية في التطبيق ( في تحليل النص العربي ) / تأليف ( عبدالرزاق عودة الغالي ) 
5 _ ديوان ( مليكة الجباري ) ( على صهوة الجموح ) 
6 _ معجم المعاني الجامع 
7 _ معجم الرائد 
8 _ في بنية الشعر العربي المعاصر ، محمد لطفي يونس 

10 _ آفاق أدبية العدد 10

11 _ أحمد مطلوب : معجم النقد العربي القديم 
12 _ ابن قتيبة / الشعر والشعراء 
13 _ ابن رشيق / العمدة 
14 _ محمد فكري الخرار ( سيميوطيقا الاتصال الأدبي ) 
15 _ مجد الربيعي / كتابات مسمارية على حذران مغربية 
16 _ نقد الشعر / أبو الفرج قدامة بن جعفر 
_ 17 : ياونس ، هانس روبيرت : جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي ، ترجمة رشيد بنحدو 
18 _ يوسف أحمد / بين الخطاب والنص ، مجلة تجليات الحداثة ، جامعة وهران ، عدد 1 ، 1992
19_ المرعي فؤاد : النقد الأدبي الحديث 
20  _ كليطو عبدالفتاح / الأدب والغرابة ( دراسات بنيوية في الأدب العربي )

________________   عبدالرحمان الصوفي / المغرب _______________________________________