‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال راي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال راي. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 20 فبراير 2022

نجيب الجباري


كلمة في ديوان" الرسم بالكلمات"

للشاعرة سعاد خزرون



 منذ ان أهدتني الشاعرة الرقيقة والأنيقة  - مشكورة- ديوانيها" الرسم بالكلمات والألوان"و "ذاكرة قلب" وذلك على هامش مشاركتنا في رحلة الإمتاع والمؤانسة...والرغبة تستبد بي بل تكاد تلح علي لكتابة أو قول شيء عن هذه الشاعرة المرهفة..ولكن منعتني موانع كثيرة ومتنوعة..منها الانبهار والدهشة والإعجاب اللامحدود بقصائدها والذي جعلني افكر ألف مرة قبل أن أكتب تعليقي الأول حول قصائدها والتي هي عبارة عن ومضات فاتنة ومتألقة ومضيئة..لها مذاقها وخصوصيتها وأفقها المتوهج بالأنغام والإيقاعات الخفيفة..الأمر الذي أضفى على شعرها غنائية شجية ويقين راسخ بحتمية الانتصار وتجاوز الإخفاقات والأوجاع والأجواءالمكهربة:

           سؤال يحير الوجع

            يباغتني حد الألم

           هل كنت طيفا نديا

           أم عمرا ألزمني سنين الولع

           يا غصنا حضنت أشواك فقدانه

           بعد فيوض الحنان

تطلع علينا سعاد خزرون كشاعرة ذات خصوصية وتميز وارتياد لٱفاق شعرية تمتح أصالتها الذاتية من اشتغال على لغة تتدفق في عفوية وتلقائية وانسياب...كلمات متوهجة بالتحدي والعزم والتصميم معلنة عن موقف ومؤكدة لهوية نضال ومتشبتة بأرض ووطن...

                       تركت ٱهاتي خلفي

                      وأقبلت على بسمة القمر

                      لا تسألوا كيف نسجت حبي 

                      ولكن بكف القدر

                      سواك أيها الليل

                      لا أشكو لوعة السمر

                      وأنا مازلت عاشقة 

                    لأغنيات الحب عند الغجر

على هذا النسق تسير قصائد ديوانيها بنفس وجداني وببهاءسيولتها الغنائية منطلقة من استجداءبلاغي ورمزي لصوت الذات الشاعرة المنصهر مع صوت الطبيعة ...

لا يخامرني شك في أن شعر سعاد خزرون سيأخذ موقعه في مسار الحركة الشعرية الحديثة وسيصير جزءا لا يتجزأ من المشهد الشعري المغربي.



نجيب الجباري

الثلاثاء، 25 يناير 2022

د. عبدالله بوصوف أمين عام مجلس جاليات المغربية بالخارج

 اشرف حكيمي ،مسجل الهدف الثاني في مبارة المغرب/ملاوي


 ولاعب باريس سان جيرمان ،أكد الدور الرياضي الذي يلعبه أفراد الجالية المغربية في الحصول على نتائج إيجابية لصالح المغرب في كل التخصصات الرياضية وعلى رأسها كرة القدم.

مغاربة العالم لهم حضور قوي في الكامرون سواء عبر اللاعبين الذين يشكلون العمود الفقري للفريق الوطني لكن ايضا عن طريق الجمهور المشجع .أفراد الجالية سافروا من دول عدة لحضور المباريات وتشجيع الفريق الوطني وبذلك قاموا بتعويض الجمهور الذي منعه إغلاق الحدود من السفر.



الجالية المغربية صمام امان لوطنها الحبيب عبر التحويلات المالية المهمة 100مليار درهم وعبر الرياضة،خاصة كرة القدم وكان لها دور مهم في توفير اللقحات المختلفة.

الجالية المغربية تعتبر الرئة الثانية التي يتنفس بها المغرب ،فلنحافظ على جاليتنا ،بالانصات إليها والاهتمام بهمومها والاستجابة لانتظاراتها وحاجياتها.   الجالية تقوم بواجبها اتجاه الوطن فلنكن نحن في مستوى واجباتنا اتجاه الجالية. 

فخورون بجاليتنا أينما كانت.


 د. عبد الله  بوصوف

أمين عام مجلس الجاليات المغربية بالخارج
'amin


الثلاثاء، 15 سبتمبر 2020

بقلم د. عمر لشكر

ترويض المثقف !

الترويض في دلالته الأصلية يعني إخضاع الحيوانات الصعبة ، وتطويعها لأجل التحكم فيها ، واستغلالها ، واستخدامها ...
وقد انتقل هذا المفهوم من السياق الحيواني إلى السياق الآدمي بنفس المعنى والدلالة ، وأصبحنا نسمع عن سياسات الترويض والتحكم والتعديل ، سواء كان الهدف من الترويض أفرادا أو جماعات أو شعوبا  أو دولا كاملة ...
وأقصد بترويض المثقف تلك العملية الممنهجة التي ترمي إلى نقله من المشاغبة ، والمشاكسة ، والمعارضة ، والنقد إلى الملاطفة ، والمجانسة ، والمساندة ، والمداهنة ، والتبرير .
إن ترويض المثقف هو هدف استراتيجي لكل سياسة غاشمة ، وحكومة طاغية ، وأنظمة فاسدة .
لكن ، هل كل مثقف يقبل الترويض ؟
الواقع أن المثقفين أصناف :
- منهم مثقفون كالحصان الجامح لا ينفع في ترويضه علف ولا عنف ولا ملاطفة ولا موادعة ولا ملامسة ، بل كل محاولة ترويضه لا تزيده إلا إصرارا على المشاكسة والمقاومة والمعارضة .
- ومنهم مثقفون يروضون بصعوبة في الأراضي المحروثة بالطرق المناسبة .
- ومنهم مثقفون كالحمل الوديع الأليف ، أو كالجرو المذلل ، بعظم واحد ينحني ويبصبص ويحرك ذيله ويلحس ويشم ويبلع ريقه ...
إن ترويض المثقف يعني ترويض الشعب ، لأن الشعوب الواعية تنفعل بأفكار المثقفين الملتزمين ، الشرفاء الغيورين ، وتحقق طموحاتهم الثورية والإصلاحية والتغييرية ، وتساندهم في مواقفهم النضالية ، وتثق فيهم ، وترى فيهم شموع الإنارة في ظلمات السياسات الغاشمة .
معرفة المثقف أيضا قوة تهاب ، وسلطة تحارب ، وسلطته كما نص على ذلك فرنسيس بيكون ، لا تنتشر ولا تسود بالقوة والقمع والعنف ، وإنما بالكلمة الهادفة ، الصادقة ، النافذة ، الصادرة من عقل نقدي ، محلل ، مفكر ، زاهد في المظاهر والصور والمباهج ، لا يريد زروعا ولا بروجا ولا فدادين ولا مناصب ولا قلاع ولا قصبات ولا فيلات ولا عمارات ....
الثقافة أمانة ، وليست أمام المثقف خيارات كثيرة ، فإما أن يكون مع الحق والعدالة والحرية والتنوير ، وإما أن يكون مع الاستغلال والظلامية .
إن المثقف المروض فاسد خان دوره الحيوي في المجتمع : خان أمته ، وخان وطنه ، وخان تاريخه ، وخان وجوده ، وخان نفسه ...
وبخيانته العامة أصبح خطرا يهدد الوعي المجتمعي ، وسلامته ، وأمنه الفكري والعقلي والروحي ...
في كل تاريخ الثقافة والمثقفين عبر الحقب والعصور ، واجه المثقفون الملتزمون ، المخلصون ، الصادقون ، النيرون ، ثلاثة أنواع من محاولات الترويض :
- إما محاولة الترويض بالإغراء والإنعام والشهرة والمساندة الإعلامية التي لا يصبر لبريقها إلا قلة من قلة .
- وإما بالتهديد والوعيد والخنق والقهر والتهميش والإقصاء ...
- وإما بالإيديلوجيا بجره إلى الانخراط بلا وعي ولا نقد ولا تحليل ولا تفكير في الخط الإيديلوجي للحزب الحاكم ...
لقد تركت لنا سير العظماء من كبار المثقفين نماذج لشخصيات صلبة في مواقفها وقناعاتها ، ولم تلن ، ولم تنحن ، ولم تنكسر ، ولم تنخدع ، ولم تضعف أمام الإغراءات والتهديدات والإيديلوجيات ... أسماء وأسماء خالدة لا زال التاريخ يذكرها  ، وهل من أحد لم يسمع بسقراط وقصة إعدامه ؟؟؟؟
إن المثقف المروض أضر على الأمة من جاهل فتان ، لأن المثقف المروض يعرف أنه في سفط بلا حرية كثعبان بلا أسنان ولا سم ، ويدعو الناس إلى الدخول في السفط مثله ، خداعا منه وكلبنة وقردنة ، أما الجاهل فلا يضر غالبا إلا نفسه ...


كتبه الدكتور عمر لشكر .

الخميس، 10 سبتمبر 2020

محمد أديب السلاوي

في مغرب اليوم، من يقود من …سؤال الثقافة أم ثقافة السؤال؟ 



-1-

 الثقافة، كلمة واسعة وشاسعة، لا يحدها زمان ولا مكان، ولا تحدها معرفة ولا علم، فهي كل أدوات الحضارة الإنسانية، وهي التراث الإنساني في كلياته، وهي الفكر في شمولياته، وأبعد من ذلك هي كل العقائد والديانات، الشرائع والقوانين... وكل ما ينتج عنها.
 والثقافة في إتساعها، تحولت إلى ثقافات سياسية واقتصادية ومعلوماتية وأدبية وفنية... واللائحة بعدد العلوم والاختصاصات، التي تنتمي إلى الثقافة، طويلة وعريضة.
فإلى أي حد يمكننا قياس هذه "الثقافة"، على أجهزتها في بلادنا؟
طبعا، مثل هذا السؤال يستدعي على الأقل، استحضار الوضع الثقافي العام، خلال القرن الذي ودعناه دون أسف، في سياقاته ومراحله وأزمانه، وهو ما يحتاج إلى كتب ومؤلفات... وإلى جيش عرمرم من المؤرخين المختصين. فالوضع الثقافي المغربي، خلال المائة سنة الماضية، بالقياس إلى الأوضاع الثقافية في البلدان المتوسطية التي تتقاسم معنا المتوسط، كان وضعنا في قيمه وانتاجيته وسلوكياته، بين الرجاء والترنح، بين الوعي والتحديث والمثاقفة والتجاوز والانجداب نحو التراث الماضي/ بين الهوية والاختراق، في محاولة للبحث عن النموذج البهي الذي ورثناه عن سنوات الانحطاط... وعن سنوات العزلة الحضارية.

-2-

خلال القرن الماضي، وفي خضم الغزو الثقافي/ العسكري/ السياسي، المتعدد الأهداف والصفات، انتقل المغرب من نظم ثقافية ميتولوجية/ شفاهية/ ومقدسة، إلى النظام المعرفي الحديث، القائم على المعرفة التجريبية، والكلمة المطبوعة، ليبدأ نقلة ثقافية جديدة، إلى عالم ما بعد الأبجدية/ عالم المعلوماتية ووسائل الاتصال الإلكترونية...
هكذا عندما انتقل المغرب إلى الألفية الثالثة، وجد نفسه محاطا بأنماط ثقافية/ عربية/ فرنسية/ أمازيغية، متداخلة ومتشابكة ومتناقضة، متعددة متصادمة ومتراكمة، يسعى بعضها إلى إلغاء البعض الآخر، إلا أنها في المحصلة النهائية أصبحت تشكل نظاما معرفيا يشتمل على انتاج المعاني/ منتجات العقل، وهو نظام رغم ما يعانيه من صراعات، يتوخى تحديد موقع المغرب في الزمان والمكان، وخدمة القضايا الأساسية المتصلة بالتغيير الديمقراطي، وفي ذات الوقت يربط الرهان الثقافي بالرهان السياسي، الذي بلور الوعي بضرورة الفعل الديمقراطي في المغرب الراهن... والمغرب الذي تتطلع إليه الأجيال الصاعدة.
ولأن مجتمعنا المغربي، خلال القرن الماضي، والقرون التي قبله، كان عبارة عن كيانات سياسية، فإنه أصبح مدعوا في إطار هذا الزخم الهائل من المتغيرات التي حملتها رياح الألفية الثالثة، أن يعيد النظر في المسلمات والبديهيات التي تحكمت في القيم والآليات التي مازالت متداولة على جغرافيته، منذ عدة قرون.

فالثقافة في عالم اليوم، لم تعد فقط فضاء للابتكار والإبداع، ولكنها تحولت إلى وعي نقدي، تسنده قيم الحرية والمساءلة في المجتمع السياسي والمجتمع المدني... تحولت إلى فعل يومي لتحصيل المعرفة وتربية الذوق وتنمية الملكة النقدية... وهي بذلك وضعت نفسها في مواجهة القيم السلبية والرجعية التي تسعى إلى تحويل الثقافة والمثقف إلى "أعوان" للسلطة وخدامها.
لذلك تظل الثقافة في عرف الأنتربولوجيين وعلماء علم الاجتماع الثقافي، بنية متحولة باستمرار، وخاضعة لتأويلات التجارب الجديدة التي تصادف التاريخ في صيرورته، ولذلك أيضا يرى العديد من العلماء والباحثين، أن الثقافة ستظل شرطا أساسيا لإعادة بناء الرؤى حول القضايا الحيوية المرتبطة بالإنسان وبجوهر كينونته.

-3-

خلال العقود الخمسة الماضية، حيث تغير العالم بشكل كبير، وفق مستجدات التكنولوجيا الجديدة وجد المغرب نفسه أمام مشهد ثقافي في يهمن عليه تصور محكوم بآلية الاعتماد على الغير/ الآخر، إذ كنا منذ بداية القرن المنصرم نستكين إلى وعي ناقص، لا يستقيم بدون الآخر... وفي مثل هذه الحالة جعلتنا السياسات الرسمية طيلة العقود الأخيرة مجرد مستهلكين للثقافة، لا نستطيع التعامل مع الواقع دون وساطة أو إسقاط، وهو ما جعل "المثقف" المغربي مرغما في محطات عديدة من هذا التاريخ، بعيدا عن الفاعلية،بعيدا عن مجرى الزمن وإيقاع التاريخ المتحول، وبعيدا بالتالي عن إشكالاته ورهاناته.
 والسؤال المتردد عن المشهد الثقافي العام بمغرب الألفية الثالثة، ينصب على المجتمع الحداثي الذي نتخذه شعارا لمرحلة الانتقال الديمقراطي، والذي لا يمكن تصوره بمعزل عن وضعية الثقافة التي أصبحت تشتغل بعفوية وتلقائية في غياب تام لأي برامج أو مشاريع أو سياسات، ذلك لأن الانتقال  المنشود، هو قبل كل شيء تصور ثقافي قبل أن يكون نضالا سياسيا، وهو ما يجعل غياب إستراتيجية وطنية واضحة ومحددة لتحديث الثقافة، وجعلها في مستوى "العصر الديمقراطي" إستراتيجية بديلة قائمة الذات، لتكريس تخلفنا الثقافي، ولإبطال مفعول طاقتنا الثقافية.
 إن الانطباع الذي يخرج به المتأمل في الوضعية الثقافية بالمغرب الراهن، يؤكد أن الأسئلة الحائرة التي تحيط بهذه الوضعية تستمد ذاتها من وضعية السياسة الثقافية لمغرب الألفية الثالثة/ من وضعية ومفاهيم وبرامج سياسات وزارة الشؤون الثقافية/ من مفاهيم المشهد الحكومي/ الحزبي العام بالبلاد/ من وضعية المثقف المغربي، المتأرجحة والمتأزمة/ ومن خلال علاقاته بالسلطة وبالتحولات المجتمعية.
 في عمق هذه الوضعية، تسود الفرقة والانفصال، ويحتمي العديد من الفاعلين الثقافيين بالعزلة القصوى، مثلما يحتد منطق الاقصاء، ويتنامى المنطق الدرائعي البراغماتي المؤسس على "الفرضية" وعلى تشكيل صورة افتراضية بعيدة عن الواقع المضحك/ المبكي للمثقف ولمواقفه وخطاباته.

 في عقود القرن الماضي جرت العادة، أن يطرح السؤال نفسه، عن دور المثقفين في أزمنة الأزمات الكولونيالية، وفي لحظات التحول التاريخي داخل مجتمعنا المغربي، الذي أقر واعتمد على الوظيفة الاستثنائية للمثقفين الملتزمين بالأسئلة الاجتماعية الكبرى، استطاع العديد منهم تحقيق معجزات سياسية/ اجتماعية/ ثقافية لا يمكن نكرانها.
 وفي هذا السياق لابد من الإقرار، أن أدوار المثقفين المغاربة في عقود القرن الماضي حتى وإن كانت جزء من وضعية التراجع العامة الحاصلة في الواقع المغربي، إلا أنها فاقت أدوار باقي الفاعلين في المشهد التاريخي، في تنوعاته وتعقيداته، ليس بسبب وعي النخبة الثقافية المبكر، ولكن أيضا، بسبب إيمانها وإصرارها على التغيير... والانتقال إلى مرحلة أحسن.

-4-

 من داخل هذه الانشطارية، التي فرضتها علينا ظروفنا الخاصة، ظهرت تفجرات ثقافية، تبشر بالتجديد المعرفي/ التكنولوجي، تسعى إلى نقل الثقافة المغربية، إلى مستوى تطلعاتها، نحو عصرها الجديد دون أن تقطع مع "التراث" في مراتبه وتصنيفاته.

 ومن داخل هذه التقاطعات، المتحكمة في مشهدنا الثقافي، تصر الثقافة المغربية في شمولياتها، على إعادة انتاج هويتها التي هددها/ يهددها الغزو من كل جانب، لتظل بعيدة عن سلطة التقرير متشبثة باستقلاليتها حتى وإن لم تستطع التخلص من الماضي ولا من قيوده... ولم تعمق تواصلها مع الحداثة بشكل منهجي/ عملي.

 نعم، قبل أن ينتقل العالم إلى الألفية الثالثة، ظهرت على ساحة هذه الثقافة، اتجاهات الحداثة في النثر والشعر والموسيقى والفنون التشكيلية، وفي فنون إبداعية أخرى، لكن "اتجاهات" الثقافة العلمية، التكنولوجية/ الأكاديمية، ظلت "تتبلور" ببطء، تتوسل الاقتراب من العالم في نهضته الثقافية، دون أن تتمكن من ربح الرهان.
 ويجب الاعتراف هنا، أن الاتجاهات الحداثية التي ظهرت متوسلة، قد أحدثت تحولات عميقة في اهتمامات النخبة المثقفة بعيدا عن أي سياسية أو توجيه أو إستراتيجية، حيث أصبح التفكير منصبا حول دور الثقافة في الانتقال الحضاري، الإنساني، بعدما أصبح "الإنسان" في حاجة إلى حضارة بديلة نابعة من صميم المكونات الإنسانية، وثقافتها المتقابلة والمتعارضة، فالانتقال الثقافي المرغوب فيه، يشترط عدم التنكر للعقلانية، ورفض الانغلاق داخل المرجعيات المذهبية، وإعطاء المزيد من الاهتمام إلى الآخر، وهو ما يتطلب من هذه الثقافة المزيد من الصبر والاندماج والتواصل، ومن المواجهة، والاقتراب من التخطيط العلمي/ الإيجابي.

-5-

 السؤال الذي تطرحه مثل هذه الوضعية: هل يعكس إدراك النخبة المغربية، واهتماماتها بالشأن الثقافي إحساسها الزمني بالاستحقاق الراهن، موضوع السؤال؟
 الأكيد أن الوعي الذي يتحصل على النخبة الثقافية/ المفكرة والمبدعة تجاه هذا الاستحقاق، هو الذي يبيح لها وضع نفسها في علاقة مباشرة مع تراثها الثقافي، مع تطلعاتها المستقبلية في نفس الآن، فهي تواجه الثقافة الإمبريالية، والثقافة الصهيونية، والثقافة الغازية المتعددة الأهداف، بثقافة تواجه موضعيا تحديات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تنطق بلغة الممارسة النضالية الحية، أو بلغة التراث العريق والمتجدر في الهوية والتاريخ، ولكنها تكرس قيم العقلانية والاستنارة والإبداع والخلق وروح النقد والتجديد خارج أي تخطيط أو توجيه أو دعم أو رعاية، وتصر على التحرر الإنساني والتقدم الاجتماعي، وهو ما يترجم بعمق إحساسها الزمني بالاستحقاق السالف الذكر.

 إن النخبة الثقافية المغربية، تعتبر الثقافة من المحفزات والدعامات الأساسية لهذا الاستحقاق، فهي رهان تفرضه وتحتمه العولمة وتتطلبه التنمية الشاملة، وحتى يتحقق الفعل الثقافي بنضالاته وتطلعاته ورهاناته، لا بد من تحقيق شروطه الموضوعية، أولها أن تكون للثقافة مؤسسة راعية قادرة على حماية الثقافة والمثقفين من التلف والاندثار، قادرة على تحفيز المجتمع على دخول رهانات المستقبل، ولن يتأتي ذلك دون عدالة ومساواة وديمقراطية وانتقال ديمقراطي ومواطنة كاملة.

-6-

 المثقف المغربي، الذي يعمل خارج أي سياسة أو إستراتيجية ثقافية، أضحى يعاني سلسلة أزمات لاحد لها، فهو يعرف دوره في المجال ولكنه ضائع بين ضغط السلطة وبين تزلفه إليها، فهو أما عميل لهذه السلطة، أو متصارع معها.
 والملاحظة الأساسية التي يمكن تسجيلها عن الوضع الثقافي المغربي، في ظل المؤسسة الرسمية للثقافة/ السلطة الثقافية، هي أن هذه الثقافة بدأت تعود مكرهة إلى الخلف، ولم يعد لها التأثير المطلوب، وإن المثقفين بسبب هذه الوضعية، انعزال بعضهم عنها وأصبح البعض الآخر يشعر بلا جدوى الثقافة.
 من هنا، يمكننا أن نطلق سؤالا آخر: هل تملك حكومة المغرب الجديدة/ القديمة، تصورا استراتيجيا متكاملا للتغيير الثقافي، يأخذ بعين الاعتبار التبدلات السريعة التي حدثت في القيم الثقافية بمغرب الألفية الثالثة؟ وهل تعي هذه الحكومة... ووزارتها المكلفة بالشؤون الثقافية تبذل الأنساق الثقافية وقيم التبادل الثقافي..؟ أم أن خطابها الثقافي مازال منغمسا في الأحلام الرومانسية والشعارات الدعوية الجوفاء؟
 إن الحكومة الراهنة، كالحكومات السابقة، وربما حتى اللاحقة، لا يمكنها في منظورنا أن تتعامل مع الثقافة سياسيا أو استراتيجيا، إذا لم تجعل منها فضاء للابتكار والإبداع وتأسيس وعي نقدي تسنده قيم الحرية والمساءلة في المجتمعين السياسي والمدني/ لا يمكنها ذلك إذا لم تستفد من الثقافة في القطاعات الإنتاجية الأخرى/ إذا لم تجعل من الثقافة، إسهاما يوميا لتمكين المواطن من تحصيل المعرفة والتربية والذوق والإحساس الجمالي وتنمية الملكة النقدية.

 نعم، إن التعامل مع الثقافة كسلطة رمزية ومعرفية، يتنافى والمهام المنوطة بها وبأدوارها ومسؤولياتها، حيث تقوم السياسات الرسمية على تكريس قيم القبول السلبي بالأوضاع المتردية القائمة/ القبول بانعدام الثقة في فعاليات المؤسسات السياسية/ القبول يجعل الثقافة وإنتاجيتها حبرا على ورق، وكلام رومانسي، لا يغني ولا يسمن من جوع.
 لذلك اعتبر العديد من المحللين والسياسيين، وحتى بعض المثقفين، أن وصول شخصية تقدمية إلى موقع المؤسسة الرسمية للثقافة في هذا الظرف التاريخي المتميز، فرصة جديدة لوضع السؤال الثقافي المغربي في موقعه الصحيح، موقعه المرتبط من جهة بمفاهيم التقدم المجتمعي والحداثة والانتقال الديمقراطي. وبمفاهيم التعددية والاختلاف من جهة ثانية.

 إن العديد من الفعاليات الثقافية، اعتبرت إن الفرصة أصبحت مواتية من أجل التداول والحوار مع الحكومة الجديدة القديمة، من أجل تشخيص الوضعية الثقافية الراهنة بالبلاد، ووضع الأسئلة المختلفة العميقة من أجل تحديد أسباب أزماتها المتراكمة، وإيجاد الحلول المناسبة والممكنة لها. ومن أجل إعادة النظر في منظومتنا الثقافية، ليس فقط بسبب الدعوات المتزايدة للإصلاح في كافة القطاعات، ولكن أيضا بسبب التحديات التي أضحت تملي إرادة التغيير على مغرب الألفية الثالثة، الذي شاهد/ يشاهد انهيار مجموعة من القيم والمفاهيم الثقافية والسياسية التي أثبتت جدارتها لعقود بعيدة، في الوقت الذي بدأت تبرز فيه أجيال جديدة، بخطابات جديدة، ووعي جديد، متشبع بالحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة والذات والهوية، وغيرها من القيم الثقافية.

 أفلا تدركون..؟

محمد أديب السلاوي

الصناعة الثقافية، تفرض علينا عقلا جديدا... وتلك هي الإشكالية.



-1-

ظهرت مفاهيم وقيم "الصناعة الثقافية" في الإعلام والبرامج السياسية والسياسات الحكومية خلال منتصف القرن الماضي، على أيدي جماعة من المفكرين بألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، الذين تبنوا بقوة، قيم العولمة والاقتصاد الليبرالي.
بعد ذلك بقليل، حددت منظمة اليونسكو مصطلح "الصناعة الثقافية" في الصناعة التي تجمع بين ابتكار المضامين وإنتاجها والمتاجرة بها، وهي ذات طبيعة ثقافية غير ملموسة / مضامينها محمية بقانون حقوق المؤلف، ويمكن أن تأخذ شكل البضاعة أو الخدمات.
وعموما يشمل مفهوم "الصناعة الثقافية"، انتاجات الطباعة والنشر والوسائط المتعددة والوسائل السمعية والبصرية والمنتجات الفوتوغرافية والسينمائية والحرف التقليدية والفنون البصرية.
يعني ذلك، أن "الصناعة الثقافية" هي تلك الأنشطة التي تركز على المعرفة في صورتها المتكاملة التي تحتاج إلى كثافة عمل عالية وقادرة على توليد الثروة وفرص العمل.
يعني ذلك أن اللوحة والشريط السينمائي والمسرحية والأغنية الشعبية والقطع الموسيقية وفنون الحلقة والبرامج الإذاعية والتلفزية والمؤلفات الأدبية والثقافية والنقدية، والقطع الشعرية هي الصناعة الثقافية التي تنتج قيم التنمية في زمن العولمة.
في نظر منظمة اليونسكو،أن الأعمدة التي تقوم عليها الصناعات الثقافية ، تشمل كل عناصر الثقافة : الأدباء / المفكرون في كل التخصصات / الفنانون في كل التخصصات / الفنانون الشعبيون / الصناع التقليديون.

-2-

ومن شروط قيام صناعة ثقافية، في أي مجتمع نامي أو في طريق النمو، وجود قاعدة علمية وثقافية في المجتمع، يكون بإمكانها إنتاج المعلومات وتوزيعها واستهلاكها، وهو ما يعني 
توسيع آفاق التعليم والإعلام بين أفراد المجتمع، ذلك لأن العلاقة بين الصناعة الثقافية وارتفاع المستوى العلمي والثقافي والإعلامي، علاقة جذرية تقود إلى زيادة حجم الاستهلاك الثقافي...وهو ما يتطلب إنشاء المؤسسات التواصلية، جرائد ومجلات وإذاعات وقنوات تلفزيونية ومطابع ودور نشر واستوديوهات سينمائية ومسارح وقاعات للعرض التشكيلي ومتاحف وغيرها من وسائل الاتصال الثقافي، إضافة إلى المناخ الملائم لحرية الرأي والتعبير.

يعني ذلك، أن الصناعة الثقافية تحتاج من الدول السائرة في طريق النمو، والتي تنشد الاستثمار في الشأن الثقافي، دعمها ورعايتها وحمايتها لكافة المنتجين / أدباء وشعراء ومفكرين وفنانين وإعلاميين، حتى تتمكن هذه الدول من الدخول إلى أسواق المنافسة وتعزز تواجدها.

-3-

يرى العديد من الباحثين والدارسين لوسائل الاتصال الجماهيري أن الثقافة والفنون في عالم اليوم من أجل الازدهار والنماء والتطور، أصبحت في حاجة ماسة إلى شروط أساسية وموضوعية، منها خلق مؤسسات تحتضن الثقافة وأهلها، يكون في إمكانها إنتاج المعرفة الثقافية الرصينة من خلال إبداعات الفن والثقافة والمعرفة. ذلك لأن العلاقة بين ارتفاع المستوى  المعرفي بالفنون والآداب والثقافة عموما، تتناسب مع تقدم وسائل الاتصال التي تخلقها هذه المؤسسات، مما يقود إلى بلورة قيم الصناعات الثقافية عموما، وهو ما جعل الدول المتقدمة، ترصد ميزانيات ضخمة من أجل أن يكون لهذه المؤسسات جماهير واسعة تستفيد من خدماتها، وبرامج قوية تدعم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحكومات الوطنية التي تعمل من أجل التنمية المستدامة، المؤمنة بالديمقراطية وحقوق المواطنة.
إن تعبير الصناعات الثقافية في عالم اليوم، أصبح مصطلحا وطنيا ذا معنى خاص لا يرتبط فقط بصناعة الإنتاج الثقافي / من اللوحة إلى الكتاب، ومن الشريط السينمائي إلى الأغنية والمعزوفة الموسيقية، ومن المنحوتة إلى البرنامج التلفزيوني / الإذاعي، ولكنه يرتبط أكثر بالتنمية الوطنية في سائر مجالاتها وميادينها.
في الألفية الثالثة، ليست المؤسسات التجارية والاقتصادية والمهنية القائمة على الإنتاج الثقافي وحدها من يبلور الصناعة الثقافية. أن المؤسسات الفنية / الثقافية، هي التي تعطي هذه الصناعة إيديولوجيتها وقيمها ومفاهيمها التي تبلورها في سوق المعرفة، كما في السوق الحضارية الوطنية والدولية، وهو ما يجعل منها شرطا أساسيا للتنمية المستدامة والتقدم والازدهار الصناعي والتجاري والثقافي.
وفي العالم الصناعي، كما في الدول السائرة في طريق النمو، أصبح الاستثمار في الصناعات الثقافية، ذات أهمية قصوى، ذلك لأن الرؤية الصائبة والواضحة للشأن الثقافي، والقدرة المالية من أهم عوامل نجاح الرأسمالية الثقافية.

-4-

وبحسب ما هو قائم حاليا فإن مفهوم الصناعة الثقافية الذي تصل منتجاته إلى 10 في المائة من إجمالي الصناعة العالمية، شبه غائب في عالمنا وهو شبه معدوم في الاقتصاديات الوطنية والقومية، كما أن الاستثمار في المجال الثقافي لا يكاد يذكر بالمقارنة مع مجالات أخرى، وهو الواقع الذي ترى العديد من المؤسسات العلمية، أنه يقود إلى ضعف احتمال تحقيق متطلبات واستحقاقات الثقافة فضلا عن عدم القدرة على مجابهة تحديات الأمن الثقافي القائمة على صناعة تنمية في هذا المجال، والتي تمثل عنصرا رئيسيا من التنمية المستدامة. 

ولاشك، إن انخفاض المستوى الثقافي في بلادنا وفي البلاد العربية الأخرى، لا يعود فقط إلى عدم توفر الصناعات الثقافية، التي تدعم المؤلفين والمفكرين والفنانين والصناع التقليديين وكل العاملين في الحفل الثقافي، ودفعهم إلى الإنتاج والتنمية، ولكتها تعود أيضا إلى ابتعاد السياسة الثقافية عن هذا المجال.
 إن المحتوى الثقافي لدينا في المغرب وفي العالم العربي، واسع وشامل، إلا أنه لا زال بعيدا عن التصنيع وتحويل قيمه المعنوية والروحية إلى قيم مادية، أي تحويله إلى سلع في الأسواق الاقتصادية من أجل التعريف بها ونشرها وإفادة التنمية الوطنية بقيمها ومردوديتها المادية.
من هذا المنطلق تشكل الصناعة الثقافية أهمية خاصة ليس فقط للجانب الاقتصادي، ولكن أيضا للمستوى الحضاري، باعتبارها ذرعا واقيا للهوية الثقافية.

يعني ذلك بوضوح،إننا نحتاج في المغرب الراهن وفي العالم العربي شرقه وغربه، إلى عقل جديد وتفكير جديد ليستوعب إشكاليات الصناعة الثقافية وقيمها ودورها في الدفع بالتنمية الوطنية المستدامة إلى الأمام. ذلك لأن الطرق التقليدية في إدارة القطاع الثقافي، لم تعد صالحة للعصر الحديث ولشروط الحداثة والعولمة...وتلك هي الإشكالية التي نهرب من مواجهتها في سياستنا الحكومية.

الاثنين، 9 مارس 2020

محمد اديب السلاوي

" 8 مارس 2020 "

-------------------------------

إلى متى تظل المرأة على الشاشة العربية
جسدا للمتعة والإغراء.... ؟.

محمد أديب السلاوي

انطلقت السينما العربية من مصر قبل قرن ونيف من الزمن، ومنها انطلقت صناعتها إلى لبنان وسوريا وبلدان المغرب العربي ،لتندمج في الحياة الثقافية على يد نخبة من الكتاب والفنانين والمقاولين والفاعلين في الفن السابع. ومند انطلاقتها الأولى أصبحت السينما العربية تيارا يعكس حالة التغيير الحضاري بالمنطقة العربية، حيت تم تشييد استوديوهات وقاعات سينمائية وتأسيس شركات إنتاج وتوزيع، لإعطاء هذه الصناعة موقعها الثقافي والاقتصادي على ارض الواقع. 

وخلال هذه الفترة من التاريخ، ظلت السينما المصرية هي الأقدم في المنطقة العربية /هي الأكثر انتشارا وتأثيرا  باعتبارها ذات الصناعة القوية المكتملة  من حيت وسائل الإنتاج والتوزيع والعرض والجمهور الضخم، إضافة إلى عدد نجومها في الساحة السينمائية، الدين يغطون كل احتياجات  واختصاصات فن التمثيل السينمائي. 

وخلال هذه الفترة من التاريخ أيضا ،كانت المرأة وما زالت هي الموضوع الأساسي للفرجة السينمائية العربية في المشرق والمغرب، إذ شغلت صورتها بكل الصفات ،عاشقة ، زوجة، مضطهدة، خائنة، متسلطة، عاهرة، راقصة، آم ومطلقة، العديد من كتاب السيناريو  والمخرجين والمنتجين في مئات الأفلام العربية، منذ زمن الأبيض والأسود إلي زمن الألوان الطبيعية، كانعكاس واضح لنظرة المجتمع العربي إليها، وهو ما حولها إلى بضاعة لترويج الإنتاج السينمائي، بمشاهد الإغراء، الجنس، الرقص، الاغتصاب، الاستهتار بالجسد الأنثوي وبالتحرش الذي يداعب غرائز المشاهدين المراهقين والمكبوتين وإثارتهم، وهي مشاهد تكاد تكون متشابهة في العشرات من الأفلام العربية. 

نعم اعتمدت السينما العربية طيلة القرن الماضي في أغلبية أعمالها على حكايات وقصص ذكورية، قدمت المرأة بادوار الحب والجنس والمتعة الجسدية،وأحيانا خارج الموضوع الأساسي للشريط السينمائي، وهو ما يعني ثقافيا وفكريا وأخلاقيا ،غياب المرأة وقضاياها الاجتماعية والحضارية والسياسية، وغياب طموحاتها وتطلعاتها، وكان الطموحات والتطلعات وجدت عربيا فقط للرجل. 

هكذا بدت السينما العربية خلال القرن الماضي وحتى الآن، في نظر العديد من النقاد والمفكرين، ظالمة للمرأة، قائمة على الذكورية، مع أن المرأة العربية في الزمن الراهن تتطلع إلى قضايا كنيرة، لها عقل وطموحات، حققت تغيرات واضحة في حياة الأسرة العربية، ولها اليوم مواقع قيادية في الأحزاب والحكومات والبرلمانات والمنظمات الدولية، والجيوش وإدارات الأمن والسلطة، إنها اكتر من دلك منافسة  بقوة للرجل في كل المجالات والقطاعات، إلا أن الفن السابع مازال مصرا على توظيفها أداة لجذب المشاهد  بجسدها الأنثوي  كوسيلة للإغراء. 

في نهاية القرن الماضي شغلت قضايا المرأة بالسينما العربية بعض المثقفين العرب، فأنجزوا سيناريوهات وقصص تركز على تحرير المرأة من المشاهد التقليدية، وتغيير صورتها السطحية، فتم إنتاج بعض الأفلام من إخراج فنانات عربيات، يرفضن صور البغي، ولكنهن يركزن على الصورة التي تعطي المرأة حقها الوجودي على الشاشة  / المرأة الفاتنة، الأنيقة الجميلة، المتميزة، وهو ما جعل أعمالهن في نهاية المطاف شقيقة أفلام الرجل، لم تخرج  عن قضايا الحب والرومانسية الأنيقة والمتعة الجسدية،  في قضايا اجتماعية جديدة، مع استخدام أحاسيس المرأة وجمالها الأنثوي ومشاعرها وانفعالاتها وأناقتها،وهو ما أعاد الشاشة العربية إلى مربعها الأول، بنسخة منقحة من سينما الرجل. 

بعد تاريخها الحافل بالتجارب والانجازات المتعددة الأصناف والأهداف، يبدو أن السينما العربية أصبحت في حاجة أكيدة إلى تغيير جدري في عقليتها، في تعاملها مع صورة المرأة وقضاياها، وإلا ستظل هذه السينما متخلفة عن مثيلاتها في الغرب، بل في العالم،لا ترقى إلى الفن السابع الذي أصبح موجها أساسيا للصناعة الثقافية في زمن الألفية الثالثة . 

أن المرأة في عالم اليوم تجاوزت النظرة السطحية /الجنسية إليها، لأنها أضحت هي الفاعل المحرك لعقل التغيير في عالمنا الجديد. 


أفلا تنظرون... ؟

السبت، 29 فبراير 2020

محمد أديب السلاوي

الفساد المالي، الظاهرة المتجددة بالمغرب الراهن.



الفساد المالي في قواميس اللغة، و في القواميس الاقتصادية السياسية والمالية، يعني، الاعتداء على المال العام نهبا أو اختلاسا، باستغلال النفوذ أو الزبونية، أو باستعمال وسائل وطرق خارج القانون.
والمال العام في نظر فقهاء الشريعة و فقهاء القانون، هو كل ما تعود ملكيته للأمة، سواء كان نقدا أو عقارا أو وسائل نقل أو أدوات، ليس من حق الأشخاص الذاتيين أو المعنويين التصرف فيه، فهو أمانة في عنق أولي الأمر من المسؤولين الذين يتولون تدبيره نيابة عن الأمة باسمها و لفائدتها.

و لأن المال، مارد جبار، تخضع له الرقاب و تنجذب له النفوس، يحث على الخيانة  و الكذب والتزلف والنفاق و الضعف و التقهقر ليصبح فساده… منظومة واسعة تستقطب الخونة والمنافقين والضعفاء، و كل الذين باعوا ضمائرهم للشيطان … وما أكثرهم في الزمن الراهن. 


والفساد المالي ليس معضلة مغربية، فثمة اليوم جرثومة خبيثة تنخر جسد "النظام الدولي الجديد" تدعى الفساد المالي… وقد أصبح هذا الفساد ظاهرة رائجة متجددة في المجتمع العالمي ومتجذرة في حوالي مائة و ستين (160) دولة، حسب تقارير المؤسسات المختصة في عالم الجريمة.

وقد نظمت الهيئات و البنوك و الصناديق الدولية خلال العقدين الماضيين، العديد من المؤتمرات و الندوات، لمناقشة هذه الظاهرة على المستوى الأخلاقي و الثقافي و الحضاري، بهدف التوصل إلى علاجات قابلة للتنفيذ، والى قوانين لازمة و قادرة على استئصالها من جذورها و تخليص النظام الاقتصادي من شرورها.

هكذا أظهرت الدراسات العلمية التي اعتنت بهذه الظاهرة، أن الفساد المالي لا يعم فقط الدول المتخلفة، و لكنه يشمل الكثير من الدول الصناعية و النامية...كما أظهرت أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية التي يمر بها العالم اليوم، و هو في قلب الألفية الثالثة، قد زادت أمر هذا الفساد تعقيدا، بسبب الفراغ المؤسساتي الذي نجم عن انهيار الاتحاد السوفياتي، وكل المعسكر الاشتراكي، وهو ما وفر بعض الفرص الجديدة لشبكات الفساد الإداري والجريمة المنظمة في العديد من دول الغرب وإفريقيا و آسيا، للانخراط في هذه الظاهرة.

وليس بعيدا عن الدراسات و المؤتمرات العلمية / العالمية التي اعتنت / تعتني بالفساد المالي، هناك الواقع اليومي الذي يعطي الدليل القاطع، على التوسع المستمر لدائرة الفساد في عالم اليوم.حيت تجدب قوة المال رؤساء دول و حكومات ووزراء ومسؤولين على مستويات مختلفة إلى السقوط في فخ الإغراء، حيث يضبط القانون كل لحظة مئات الملايين من الدولارات ،تدخل الحسابات السرية الخاصة، لقاء خيانة الأمانة و خيانة القانون.

إذن ...الفساد المالي، ليس ظاهرة أو قضية مغربية أو افريقية، فهو ظاهرة شائعة في العديد من دول الشمال و الجنوب، تحتل مكانة متقدمة في العالم الثالث/المتخلف، إذ تستغل طبقة المفسدين مواقعها بالسلطة، داخل الإدارة العمومية وخارجها، للقيام بانحرافات وسرقات للحصول على الامتيازات والأراضي و العقارات والصفقات و القروض الكبيرة، وهي سلوكيات تتخذ مظهرا سياسيا في العديد من هذه البلدان.

وحسب ملاحظات الخبراء الدوليين حول هذه الظاهرة، فان وضع الفساد المالي الممزوج بالسياسة، أبرز في العالم المتخلف / السائر في طريق النمو ظواهر جديدة، تتصل بتبييض أموال الرشوة و تهريب المخدرات و الاتجار في " اللحم البشري"، و الصفقات و الأموال المسروقة و المهربة، و هو ما طبع العلاقات بين المؤسسات المالية بالعديد من دول العالم المتخلف / السائر في طريق النمو. والبنوك و المؤسسات المالية الدولية بعدم الثقة و الارتياب.

الفساد المالي، كما أنه يشكل احد أهم العوامل المؤسسة للتخلف، يعتبر إساءة مطلقة لاستعمال الوظيفة العمومية للكسب الخاص أو لمراكمة المكاسب على حساب مصالح الدولة، أو لتضخيم الثروة الشخصية أو الاستفادة إلى أقصى حد من تأثير النفوذ المالي للبقاء في السلطة.

والفساد المالي ظاهرة خطيرة و مؤثرة، ابتلى بها المغرب في عهد احتكار السلطة، طبع الفاعلية الاقتصادية والاجتماعية على مدى فترة طويلة من الزمن المغربي. صنع تحالفات متعددة متداخلة ومتشابكة بين شركاء السلطة و شركاء السياسة، و شركاء المال و الأعمال، بين الوسطاء والبيروقراطية الفاسدة، و هو ما صنع في النهاية "اللوبي" الذي اتخذ بتراكم السنين حجم الغول الذي أصاب الديمقراطية و حقوق الإنسان و المواطنة بخسائر فادحة لا تقدر بثمن.

و الفساد المالي،لم يوجد على الأرض المغربية بالصدفة، انه جاء نتيجة طبيعية و عادية لفساد متعدد الأسماء و الصفات والانتماءات و الأشكال، وجد مناخه المناسب في إدارة مريضة بالرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ، في مناخ سياسي / حزبي مريض و مترهل، فتغلغل وتعمق في فضاءاتها، إلى أن صنع منها منظومته المشؤومة.

و على أن ظهور "الفساد المالي" بالمغرب، لا يعود لحقبة معينة من التاريخ، فإنه ارتبط دائما بسلسلة من الظواهر السلبية، منها الفقر و الأمية و الجريمة المنظمة و العبث بحقوق الإنسان،  و بمفاهيم دولة القانون. ففي فترات غابرة من تاريخ المغرب سيما قبل الفترة الاستعمارية (1912_1956) عانت البلاد من فساد مالي تنوعت أساليبه و أشكاله و مآسيه و تنوعت مظالمه و فواجعه، حيت كان " إعلان الحماية" نتيجة طبيعية و حتمية لآثاره.

و الفساد المالي في التاريخ و في الجغرافيا لم يكتف بالاعتداء على مال الدولة و مال الشعب نهبا و اختلاسا و ابتزازا، و لكنه عمق دائما ثقافة احتكار السلطة و مصادرة الحريات و فساد القيم الانتخابية وتغييب الرقابة وإلغاء دور المجتمع المدني داخل مؤسسات القرار السياسي، لتبقى منظومته حية ومستمرة وبعيدة عن المساءلة.

و الفساد المالي هنا وفي مختلف أنحاء الدنيا،كان و لا يزال هو العدو الأول و الأساسي للتنمية الديمقراطية، انه آلية خفية يخترق القانون والقرارات السياسية و المؤسسات الإنمائية، ويحول الحكومات والبرلمانات والمحاكم، إلى مؤسسات شكلية، كما يحول المجتمع إلى فضاءات للعبث و المتاجرة.

إن نهب المال العام، يشكل خرقا قاسيا للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية المنصوص عليها في المواثيق و العهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، خصوصا العهد الدولي الخاص بالحقوق  الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي تؤكد جميعها على حقوق المواطنين في ثروات بلدانهم و خيراتها بالمساواة. وعلى حقهم في الإعلام و الخبر والوصول إلى مصادره والمشاركة في الشأن العام و مراقبته و تدبيره. وعلى حقهم في مساءلة كل من يخل بالمسؤولية.  

واعتبارا للترابط الوثيق غير القابل للتجزؤ ما بين الحقوق السياسية والمدنية من جهة  و الحقوق الاقتصادية من جهة أخرى  والذي يعتبر على أساسه، السطو على المال العام  و تهريبه أو نهبه، سطو وانتهاك خطير لحقوق الإنسان، لما ينتج عنه من أخطار الفقر والبؤس الاجتماعي، ومن إمكانيات التلاعب بأصوات المواطنين واختياراتهم  و دورهم في المشاركة في الحياة العامة الوطنية. 

وتأسيسا على ذلك يعتبر الفساد المالي من صلب الجرائم الاقتصادية التي تخل بتوازنات المجتمع و حيويته، التي أدت، بالإضافة إلى حرمان المغرب من استغلال ثرواته، إلى الفقر المدقع لشرائح واسعة من أبنائه و إلى ارتفاع نسبة الأمية و انخفاض مستوى الدخل، وإلى ارتفاع نسبة البطالة و خاصة بالنسبة إلى حاملي الشهادات. 

يعني ذلك، أن الفساد المالي، في عالمنا اليوم، لا يقتصر على تحويل إمكانات الدولة وأموالها ونفوذها للمصالح الخاصة، بل هو أكثر من ذلك، إجرام يعمل على تحويل الدولة إلى أداة لنهب الثروات و تراكمها في جيوب وأرصدة الخونة / الفاسدين. والى احتكار المناصب والزعامات والانفراد بها. وبالتالي إلى تخريب الديمقراطية و قيمها وتحويلها إلى ديكتاتورية و من ثمة أصبح هذا الفساد اللعين، يشكل تحديا حقيقيا للتنمية والاستقرار السياسي، نجمت عنه عواقب كارثية، أثرت سلبا على المجتمع والسياسة والاقتصاد، وعلى قدرات الدولة على إيجاد الحلول لمشاكلها المتراكمة و المتداخلة، و تحقيق طموحات المواطنين في الانتقال الديمقراطي و التنمية و الحداثة.

محمد أديب السلاوي

الخميس، 13 فبراير 2020

يحيى الشيخ

هبة الله :
ضمير المغرب الميت!


تفاعل المغاربة مع هبة، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، من طنجة إلى لكويرات. فيا له من شعور وطني نادر من أجل قضية إنسانية مؤلمة! هذا ما ينبغي القيام به في مثل هذه الكوارث الفظيعة! ولكن طريقة التعامل مع الكارثة كانت فظيعة هي الأخرى : تخاذل  المجتمع وغياب تام للسلطة وتجاهل كلي للمواطنين الذين لم يحركوا ساكنا لإنقاذ الضحية .
إن قوانين الدول الديموقراطية التي تحترم مواطنيها وتدافع عنهم تعاقب كل مواطن لا يتدخل لنجدة مواطن آخر، بل وتعاقب السلطات التي لا تقوم بواجبها لإنقاذ ضحايا الإجرام وغيره. ولكن للأسف الشديد، أبانت قواتنا المدنية وممثلونا السياسيون عن عدم رغبتهم في حمايتنا ورفع الضرر عنا. إننا نعرف أن هذا ليس بجديد في بلدنا المسلم، بل هو عادة ترسخت منذ فجر الاستقلال، ذلك أن القوى السياسية والنخبة المثقفة في بلدنا لم تفكر أبدا أو أنها لم تتمكن من بلورة فلسفة مستقيمة لتربية روح المواطنة لدى المواطن أو ربط أواصر المحبة بين السلطة والمحكومين من أبناء المجتمع.
  هبة هي واحدة من ضحايا الأمس واليوم والغد. نعم، ستحبل الأيام المقبلة بمزيد من الهبات الضحايا لانعدام سياسة حكيمة لحماية الشعب والدفاع عن كرامته. ولا يتأتى هذا إلا بإعادة النظر في هيكلة المؤسسات، بل وإعادة بناء المواطن. إنه لمن العار أن نجد مسؤولين وبورجوازيين مغاربة يستنزفون الوطن ويعيشون خارج آلامه وأحلامه، بل إن البعض منهم ليشتري جنسيات أجنبية بأموال باهظة تفوق المائة ألف أورو لأنهم باتوا مقتنعين بأن الحياة داخل الوطن لم تعد مؤمنة ولا آمنة. فتراهم يسرقون ليل نهار لضمان مصاريف تدريس أولادهم في مؤسسات أجنبية بالداخل أو الخارج. لقد باتوا متيقنين بأن البلد الذي يأويهم ينهار يوما بعد يوم وأنهم يعيشون لحظاته الأخيرة وهو يلفظ أنفاسه.
إن شعارنا هو "الله، الوطن، الملك" ، ولكن لم تتدخل السلطة الدينية لإنقاذ حياة هبة وغيرها من الهبات في وطن تستشري فيه الزبونية والفساد ، ولم تتدخل السلطة السياسية لإنقاذ هبة وغيرها من الهبات في وطن لا يرحم مواطنيه، ولم تتدخل الحكومة الناطقة باسم الملك ودستور الأمة لضمان العيش الكريم لهبة وغيرها من الهبات؟
شعار فرنسا مثلا : الحرية، الأخوة والمساواة! إنه شعار تترجمه المؤسسات على أرض الواقع ويموت من أجله الشعب، بل إن المواطن هنا ليضحي بحياته من أجل إنقاذ المواطنين كما هو محسوب لدى رجال المطافئ الفرنسيين الذين فقدوا أزيد من ألف وخمسمائة شخص خلال مهامهم في إطفاء الحرائق.
أضف إلى ذلك السلوك العفوي لمعظم المواطنين الأوربيين الذين يزجون بأنفسهم في المهالك لرفع الضرر عن الناس، كما وقع في باريس خلال الصيف الماضي، حيث أنقذ شاب من مالي طفلا فرنسيا كاد أن يسقط من الطابق الرابع.
فرنسا "الكافرة" ونحن المسلمون! أوربا "الإمبريالية" ونحن المسلمون؟
المسيحيون كفار، ونحن المسلمون!
 ألقاب واختيارات دجالين يكذبها الواقع، ويظل الموت المبرمج في بلداننا يحصد نفوس الأبرياء يوما بعد يوم : مات أخي الأول ومات أخي الثاني في مغربنا بسبب خطأ طبي، ومات أطفال كثيرون في شوارع المغرب، ومات مناضلون شرفاء في سجون المغرب، وما زال الجبناء والوصوليون يعيشون شرفاء في هذا البلد الأمين.
يا أيها المهاجر الشريف، اندم على كل شيء اقترفته في حياتك، ولكن لا تندم أبدا لأنك فارقت هذا الوطن الذي قتل فيك أبسط مشاعر الإنسانية إلى الأبد. سيقول لك أصدقاؤك المناضلون على سبيل المزاح : " نراك قد هربت!" أجبهم بما نصح به أبو حامد الغزالي : "إذا فسد القوم والزمن فعليك بخويصة نفسك!".

لقد قيل قديما :

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا

والبيت لا يبتنى إلا على عمد
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

فإن تجمع أوتاد وأعمدة
فقد بلغوا الأمر الذي كادوا

إننا لنعيش حياة فوضى حقيقية، نعيش السلب والنهب وغياب تام للأمن، سراتنا جهال (من الجهالة والجهل معا) وأعمدة بيوتنا مهترئة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
شكرا لهبة التي أشعلت فينا فتيلة الحياة وهي تحترق كالشمعة لتضيء فينا ما تبقى من كرامة ماتت فينا منذ ستين سنة أو يزيد!

يحيى الشيخ 

الجمعة، 7 فبراير 2020

محمد أديب السلاوي

"السلطة" بين الحامل والمحمول في الزمن العربي.

-1-
في قواميس اللغة والفلسفة والعلوم الإنسانية ،للثقافة والمثقف /للحامل والمحمول في التعابير العتيقة للغة الضاد، صفات محددة وشروط معلومة وقيم مرسومة.
"الحامل" هو المثقف الذي يتميز بالحذق والفهم واليقظة والذكاء/هو ناقد الممارسات الخاطئة، على خلفية معرفية يستطيع من خلالها تحديد الساحات الخاضعة للنقد انطلاقا من مرجعية نظرية محددة /هو الذي يواجه تحديات الفساد والسلطة الظالمة /هو من يحمل هوية الثقافة في عقله وقلبه وتصرفاته /هو من يتميز بالاستقلالية، ويتصف بقدر واسع من المعارف الفكرية المتنوعة
للدكتور زكي نجيب محمود : المثقف هو الذي يحمل أفكارا من إبداعه، أو من إبداع غيره، ويعتقد أن هذه الأفكار جديرة بأن تجد طريقها إلى التطبيق في حياة الناس.
وبالنسبة للدكتور ادوارد سعيد : المثقف هو من وهب ملكة عقله لتوضيح رسالة أو وجهة نظر أو موقف أو فلسفة أو تجسيد أي من هذه أو تبيانها بألفاظ واضحة لجمهور ما.
وبالنسبة للدكتور محمد عابد الجابري : المثقف هو الذي يقول ما يعرفه / هو ذلك الذي يلتصق بهموم وطنه، وبهموم الطبقات المقهورة والكادحة / هو الذي يضع نفسه في خدمة المجتمع، ويواجه تحدياته المختلفة ،دفاعا عن الحق والحقيقة، ورفضا لكل أشكال الظلم والقهر والتسلط في المجتمع.
وبالنسبة لعالم الاجتماع الأمريكي لويس كوزر : المثقف وريث الكهنة والأنبياء، أنه معني بالبحث عن الحقيقة والاحتفاظ بها، وبالقيم الجمعية المقدسة، تلك التي تتحكم بالجماعة والمجتمع.
-2-
أما المحمول، أي "الثقافة" فقد احتلت هي الأخرى مواقع متميزة في قواميس اللغة والفلسفة والمعرفة والعلوم الإنسانية والانتروبولوجيا، باعتبارها هي الحياة الإنسانية بأشمل معانيها وأعمق تجلياتها/هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والأعراف وكل القدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان من حيت هو عضو في المجتمع /وهي خارج كل هذه القيم موقف نقدي جريء ومسؤولية كبرى ورسالة إنسانية / وهي تشمل الفقهاء والعلماء والكتاب والشعراء والفنانين وكل المبدعين / وهي الرابط الموضوعي بين واقع الأمة وتراثها الفكري والحضاري /وهي التي تعبر عن الخصائص الحضارية التي تتميز بها كل امة من الأمم / وهي نمو معرفي تراكمي على المدى الطويل /وهي العقائد والقيم والقواعد التي يتقبلها المجتمع.
-3-
وليس بعيدا عن الحامل والمحمول،( المثقف والثقافة) ،هناك البعد الثالث في هذا الموضوع المتسع،./هو البعد الذي يدرك جيدا خطورة الثقافة و المثقف اللذان يملكان القدرة الفائقة على العبور إلى عقل الأخر، والقدرة على مشاركته أهم القضايا التي تشغله.
البعد الثالث هنا هي السلطة والذين يعملون تحت ظلها من المثقفين، والذين يشكلون رسائلها القوية لترويج أفكارها وسياساتها وبرامجها وخطبها، المدافعين عن قوتها، عن بطشها ورعبها، والعاملين على تامين سيادتها.
هذا الصنف من المثقفين، يحولون الفكر إلى سلعة تباع وتشترى، يسخرون ما يملكونه من علم ومعرفة ومنطق للتأثير على المجتمع لصالح أسياد السلطة، يتحولون إلى مدافعين عن فسادها وكذبها وتلاعباتها بمعايير الثقافة وقيمها ،وهو ما جعل الفعل الثقافي في مواجهة مستمرة و دائمة مع السلطة الجائرة.
-4-
السؤال: ماهي العلاقة بين الحامل والمحمول والسلطة في الوطن العربي اليوم ؟ هل هي علاقة فكرية موضوعية متوازنة أم علاقة محكومة بالمصالح الذاتية والطارئة للجانبين.. ؟
في واقع الأمر أن علاقة الثقافة والمثقف والسلطة في الوطن العربي، كانت ولازالت علاقة يحكمها الشك والريبة وعدم الثقة، لان السلطة كانت دائما ولا زالت، هي القادرة على فرض قوانينها وسياساتها، هي القادرة على قهر معارضيها وسجنهم وإحراق كتبهم ونفيهم وإعدامهم إن اقتضى الأمر ذلك.
في الأزمان الغابرة اتهمت السلطات العربية الحاكمة الفقهاء والمفكرين والمثقفين المعارضين لها ولبطشها، فاعتقلت بعضهم ونفت وأحرقت كتب البعض الآخر، وحكمت بالإعدام علي العديد منهم.
وفي الزمن الراهن لم يختلف الأمر،مازالت السلطات العربية تواجه الثقافة المعارضة وأهلها الرافضين لها أو لسياساتها، بالعنف والقسوة والتشريد والتهميش والسجن والإقصاء.
لقد مرت العلاقة بين المثقف والسلطة بين الثقافة والسلطة، ،بتطورات واستقطابات واصدامات عديدة ومتنوعة ،بدأ من عصر المديح والهجاء وانتهاء بعصر الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة الحق والقانون، حيت تحرر المثقف من قيود السلطة التي أصبحت تواجه ثقافة الثورات والاحتجاجات والصراعات الجماهيرية. .
مع ذلك ،الصراع بين قطبي الثقافة وأهلها والسلطة وأهلها لم ينته بعد على الساحة العربية، مازال المثقف خادم ثقافة السلطة وأسيادها، هو اخطر على الثقافة من السلطة ذاتها، ليس فقط لأنه يرضى السلطة التي يعمل تحت ظلها، ولكن لأنه يبذل الجهد المستحيل من أجل أن يكون الصواب إلى جانبها، حتى لو كانت خاطئة، ومن أجل إسكات الأصوات التي تعارضها حتى لو كانت على صواب...ومازال المثقف صاحب الفكر الحر، صاحب الرؤية الواعدة عدوا للسلطة، وتلك هي المشكلة المستعصية التي مازالت تواجه الساحة العربية ،في كل تضاريسها الجغرافية.
أفلا تنظرون... ؟


محمد أديب السلاوي

الأربعاء، 1 يناير 2020

محمد أديب السلاوي

كلمات سياسية :
الحزب السياسي…

"الحزب" في اللغة العربية، هو ما يعنيه المفهوم نفسه في اللغات الأخرى، هو كل جماعة من الناس، تشكلت قلوبهم وأعمالهم، من أجل هدف ما أو فكر ما/ وإن لم يلتق بعضهم بعضا في الزمان والمكان.
وفي القرآن الكريم، ورد مصطلح "الحزب"عدة مرات، خاصة في سور: المائدة، المؤمنون/ الروم/ المجادلة/ الكهف/ الرعد/ مريم، لكنه جاء بمفاهيم مغايرة بما يتفق عليه الفقه الدستوري وعلم السياسة في منابعها الغربية.
وفي التاريخ العربي الإسلامي، لا نجد أثرا لهذا المصطلح في الأدبيات السياسية القديمة، ولربما يعود استخدامه لأول مرة، في العصر الحديث، إلى بداية القرن الماضي، حيث نشأت الأحزاب على النمط الأوروبي في مصر أولا ثم في العديد من البلاد العربية.
وفي السياق الغربي، حيث لم تظهر الأحزاب إلا في القرن التاسع عشر، تعتبر تنظيمات سياسية، انتظمت في البداية على أساس التمايز الطبقي/ الاجتماعي/ الاقتصادي، واستندت في أفكارها وطروحاتها على تراث عصور التنوير التي كيفت الوعي الثقافي، والقومي الأوروبي، حيث تحددت بنياتها السياسية إجمالا حسب منطق القسيمة بين اليمين الذي يمثل قيم الأمة في دلالاتها التقليدية المحافظة، ويعكس مصالح طبقة أرباب العمل والصناعيين التي أفرزتها الديناميكية الرأسمالية، وبين "اليسار" الذي يعبر عن قيم الرفض والتغيير، التي هي الوجه الآخر لحركية الحداثة، كما يعكس مصالح طبقة العمال والفئات الوسطى.
وقد عرف الحقل السياسي الغربي، تطورات متلاحقة، غيرت من ملامح هذه القسمة، من أبرزها انتقاء الصراع الطبقي في شكله التقليدي الذي عرفته المجتمعات الرأسمالية في القرن الماضي ومطلع هذا القرن، حيث لم تعد الطبقة العاملة تمثل قاعدة ارتكاز إيديولوجية أو اجتماعية، وإنما تم استيعابها في مجتمع الرفاهية الذي أفرزته الثورة الصناعية الثالثة، القائمة على التقنيات الرخوة([i])، وإذا كانت الإنطلاقة الحزبية الغربية محدودة في قسيمتها، فإنها في العصر الحديث، جعلت الحزب السياسي ركنا أساسيا من أركان الأنظمة الديمقراطية، فهو جماعة (قانونية)، تتكون من المواطنين، متفقة على تنفيذ برامج أو مبادئ سياسية معينة إذا تولت السلطة: فالحزب يقوم بإبراز المبادئ والأهداف الإجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يؤمن ويناضل من أجلها، ويعمل على تأطير وتوعية الجماهير وبلورة أهدافها ومطالبها واتجاهاتها المختلفة.. لأجل ذلك أصبحت الأحزاب السياسية قاعدة أساسية للديمقراطية، وشرطا ملزما لوجودها.
وفي نظر العديد من المفكرين السياسيين وجدت الأحزاب السياسية من أجل القيام بمهام مضبوطة، ولربما في الزمان والمكان. فهي تنوب عن الفرد/ المواطن في التعبير عن مواقفه ورغباته ونظرته إلى نفسه وإلى عصره وإلى وطنه، تحكم وتعارض باسمه، فالتنظيمات الجماهرية/ الجمعوية هي أقدر من الفرد على المساهمة في التخطيط من أجل الحاضر والمستقبل، وعلى مواجهة كل حالة طغيان أو استبداد أو تجاوز، وعلى مراقبة ذلك من خلال مواقفها السياسية والاجتماعية والثقافية.
-2-
وفي الفكر السياسي المعاصر، الحزب السياسي هو "اجتماع أشخاص يعتقدون العقيدة السياسية نفسها"([ii]) وهو "تنظيم سياسي يقوم أعضاؤه بعمل مشترك لإيصال شخص أو أشخاص إلى السلطة...([iii]) تعارض مجموعة أخرى بالآراء والمصالح...([iv]) وهو في مختلف الأنظمة السياسية المعاصرة، في البلدان التي هي في طريق النمو، أو في البلدان المصنعة، يعني جماعة منظمة من المواطنين، متفقة أو مقتنعة بإيديولوجية أو عقيدة سياسية أو أفكار/ برامج، تناضل من أجل الوصول إلى السلطة، وتحقيق أفكارها/ مبادئها/ إيديولوجياتها، والتعبير عن مواقفها ونظراتها إلى حاضرها ومستقبلها، وإشراكها في التخطيط والقرار.
وإجمالا، فالحزب في الصيغ الغربية الحديثة، هو تشكيل إيديولوجي حديث، قوامه الانتماء السياسي لعقيدة سياسية واحدة، ومن الناحية النظرية حل هذا "التشكيل" محل الانتماءات العصبية والقبلية والقرابية والجهوية، ومحل الولاءات التقليدية عموما.
ويمتاز الحزب في هذه الصيغ بإمتلاكه إيديولوجية خاصة، تتضمن قراءته وتفسيره الخاص للتاريخ البشري والمحلي، تفسيرا اقتصاديا أو سياسيا أو فلسفيا، ويتضمن تحليله الخاص أيضا لبنية المجتمع ومقاصده تحليلا تعبويا وتأطيريا يساعد الفاعل السياسي المنخرط على التحرك والفهم والنضال والتأطير.
ويمتاز الحزب في هذه الصيغة كذلك، إلى جانب إيديولوجيته، بشكله التنظيمي، فهو يقوم على تنظيمات خلوية قطاعية، وبخاصة في القطاعات الانتاجية والثقافية والخدماتية.
كما يمتاز أيضا بروحه الديمقراطية، فهذه الأخيرة هي روحه التنظيمية السارية في جسمه، من أدنى مستوياته إلى أعلاها([v]) سواء فيما يتعلق باتخاذ القرارات... أو فيما يتعلق باتخاذ المبادرات وصياغة السياسات والمواقف.
-3-
وفي العالم اليوم أصناف متعددة من الأحزاب السياسية، يمكن تمييز أربعة بارزة منها:
1- الأحزاب الجماهيرية: بعضها يلتف حول الزعامات، وبعضها الآخر يلتف حول الإيديولوجيات/ الأفكار والبرامج، ولكن غالبيتها يرتبط بامتداد الاقتراع العام، ويسعى للحصول على أقصى عدد من المنخرطين/ المناضلين، المؤطرين إيديولوجيا وانتخابيا.
ويهدف عادة هذا الصنف من الأحزاب، إلى توسيع وتمتين قاعدته الاجتماعية بكل الذين يقتنعون بنضالاته/ إيديولوجيته/ برامجه... لذلك لا يعتمد مقياس العضوية فيه على ثقافة أو ممتلكات أو مال أو جاه، بقدر ما يعتمد على الاستعداد للعمل وفق بنية الحزب التنظيمية، التي غالبا ما تكون محكومة بضوابط السلوك الحزبي المطلوب... وتمثل أحزاب "الطبقات الوسطى" إلى حد ما نماذج الأحزاب المجاهيرية الواسعة.
2- الأحزاب النخبوية: وتجمع حولها شخصيات بارزة في مختلف القطاعات، تظهر وتختفي في كل استحقاق انتخابي، هدفها الأساسي الحصول على مقاعد مريحة في البرلمان والحكومة وكافة المجالس والهيئات المنتخبة.
3- أحزاب الأعيان:وغايتها أن تكون إطارا مفتوحا على صفوة المجتمع، سيما الاقتصادي والمالي، فهذا الصنف من الأحزاب لا يسعى إلى توسيع قاعدته الاجتماعية، بقدر ما يعمل من أجل استقطاب الأشخاص النافذين في المجالات الإدارية والمالية، والقادرين على تمثيل الطبقات السائدة على الصعيد الاقتصادي.
4- أحزاب التجمع:وهي إطارات منفتحة من الناحية التنظيمية على الأطر والكفاءات، أهدافها الاجتماعية والسياسية دقيقة ومحدودة، وأهدافها العامة، كسب الرهانات الانتخابية والعمل على استقطاب أوسع الهيئات الانتخابية.
وكل هذه الأصناف في عالم اليوم، لا تقاس أهميتها بحجمها أو بعدد المنخرطين فيها، بقدر ما تقاس بمسارها التاريخي، وبحجم مساهماتها الإيديولوجية والمؤسساتية، في الرقي السياسي، وفي توسيع آفاق المشاركة الشعبية في بلورة هذا الرقي والدفع به إلى تحقيق المزيد من أهداف الديمقراطية.
-4-
وفي عالم اليوم، تطور المفهوم الحزبي في المنظومة الديمقراطية بعدما أصبح يشكل عمودها الفقري الأساسي، فهو الممر الطبيعي إلى السلطة، والقناة الأساسية لأنظمتها، وهو العامل الطبيعي الملازم لكل مراحلها، وهو حجر الزاوية في كل بناءاتها.
بهذه الصفة أصبح الحزب السياسي، في عالم اليوم، بلعب أدوارا هامة في الحياة السياسية للدول والشعوب، فهو يؤطر المواطنين في صفوفه وهياكله ومنظماته الموازية. ويمثلهم في هياكل الدول وفي مؤسسات الشأن العام، ويقوم بدور وسيط بين الحاكمين والمحكومين... ويعمل بذلك على خلق الممارسة السياسية الخلاقة التي تضمن للمجتمع تماسكه ووحدته وللدولة استمراريتها، بالإضافة إلى مساهمته في التنشئة السياسية، وتأطير الناخبين والمنتخبين، وتكوين الرأي العام وتوعيته وتعبئته.
وحسب مقاربات العلوم السياسية المعاصرة في الغرب، تقوم الأحزاب السياسية في الأنظمة الديمقراطية بوظائف متعددة أبرزها:
- الوظيفة الانتخابية
- وظيفة المراقبة والتوجيه بالمؤسسات العمومية
- وظيفة التعبير عن الأوضاع السياسية
- وظيفة الوساطة بين الفئات المعبر عنها وبين الحاكمين.
- وظيفة الدفاع عن القيم السياسية للكثلة التي تمثل قيم الشعب والدولة.
فالأحزاب السياسية في الغرب وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت هي التي تتولى زمام السلطة في إطار تنافسي، تطبعه المساهمة والاقتراع، خاصة بعدما أصبحت الديمقراطية عملية أساسية لاتخاذ القرارات الجماعية التي تسجد حكم الأغلبية، وبعدما أصبحت الانتخابات حقا مكفولا لجميع أعضاء الجسم الانتخابي، تكرس مفهوم التناوب على السلطة، وهو ما جعل الديمقراطية التمثيلية أو النيابية في الغرب، (أوروبا وأمريكا)، ترتكز على الأحزاب السياسية كعمود فقري أساسي لا محيد عنه، فالأحزاب السياسية بهذه الصفة أصبحت تمثل جانبا من جوانب المؤسسة السياسية للدولة، فهي دراعها في العمل السياسي العام، وهي الوسيلة التي يشارك بها المواطن في الحكم وفي اتخاذ القرارات المتعلقة به وبحياته ومستقبله([vi]).
وفي القارتين الأوروبية والأمريكية كذلك، أخذت الأحزاب الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية، تبحث بصورة خاصة عما هو صالح للإنسان في برامجها، على اعتبار أن الحزب هو أداة رئيسية للنشاط السياسي الشعبي للدولة الحديثة، فهو قبل أن يكون أداة لإعداد المرشحين إلى الانتخابات، أو تكوين "وزراء المستقبل" هو أداة سياسية ديمقراطية، ومدرسة تسعى قبل كل شيء إلى تكوين وتأطير أعضائها وتوعيتهم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا... وحضاريا كذلك، من أجل أن يكون للوجود الحزبي، غاية سياسية نبيلة.
-5-
لربما ساعد الحزب، كتنظيم وإيديولوجية، ساحة العمل السياسي في عالم اليوم، لتتحول السياسة إلى مجال سام لتدبير الشأن العام، وتنظيم التنافس بين الناس، بأساليب عقلانية/ قانونية/ حوارية... ولكنه في العديد من الدول المتخلفة/ السائرة في طريق النمو، مازال يدفع بالسياسة لتكرس نفسها كمجال واسع للصراع من أجل السلطة والثروة والجاه والحظوة. حسب ثقافة وأفكار وتنظيم هذا الحزب أو ذاك، يتقلب الصراع السياسي، بين التنافس الشريف والعنف الخبيث. بين التنافس المشروع والتنافس العشوائي. إلا أن ما يجنيه المواطن في العديد من هذه الدول، من هذا الصراع، سلبا أو إيجابا، هو انتماؤه دائما إلى السياسية ومفاهيمها وأهدافها وتطلعاتها. ذلك لأن السياسة داخل التنظيمات الحزبية وخارجها، هي مجال مفتوح باستمرار للصراع الحاد من أجل المصالح، يجوز فيها استخدام كل الوسائل القانونية وغير القانونية، العقلانية واللاعقلانية، الأخلاقية واللاأخلاقية.... ومن تمة أصبحت دعوة الفكر الإنساني لتنظيم المجال الحزبي في هذه الدول، بناء على حقوق المواطنة، وعلى الإعتراف بحق الآخر، وحق الإختلاف معه. دعوة تحتل موقع القانون الذي يعطى للحزب السياسي، مشروعية البقاء والتطور والاستمرار.
إن الديمقراطية –كما هي في الغرب- ليست مجرد إجراءات أو مؤسسات، وإنما هي أيضا قيم ومشاعر واتجاهات مواتية ومشاركة وإحساس بالاقتدار السياسي، وبروح المبادرة وجميعها من المهام الأساسية للأحزاب السياسية التي تشكل العمود الفقري للديمقراطية وأداتها التنفيذية.
في المنظور الديمقراطي، مهام الأحزاب السياسية، هي قبل كل شيء تحرير الإنسان من الداخل، وإعطائه أقصى حد من الحرية للتعبير والمشاركة، ومنحه أكبر قدر من الثقة، حتى يحصل على النظام الاجتماعي المطلوب، وحتى يحقق المشاركة الضرورية... وهو ما يعني أن سلامة الديمقراطية ونجاحها لا يتوقف فقط على أصوات الناخبين، وإنما يتوقف أساسا على سلامة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية نفسها، وهو ما يعني أيضا فتح المجال أمام أصحاب المهارات والمؤهلات والمواهب للمشاركة في العمل السياسي، وإجراء انتخابات حقيقية وشفافة وموضوعية، في أجهزة الأحزاب لفرز هياكلها وقياداتها، وإعطاء الأهمية القصوى للمسألة الديمقراطية، باعتبارها معيارا للتميز بين الأحزاب والتجمعات الأخرى، في اتخاذ القرار والتموضع على الخريطة السياسية، وهو ما ينعدم في المؤسسات الحزبية بالدول المتخلفة/ السائرة في طريق النمو.


*****
[i]  - السيد ولد الباه/ الأحزاب السياسية العربية/ جريدة الشرق الأوسط (لندن) فاتح غشت 1999، ص: 9.
[ii]  - انظر مادة "الأحزاب السياسية "بالموسوعة السياسية/ الجزء الثاني/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيرون 1979.
[iii]  - انظر قاموس لوروبير/ الفرنسي (باريز طبعة 1990).
[iv]  - انظر قاموس لاروس (الفرنسية) طبعة 1985.
[v]  - محمد سبيلا/ الحزب السياسي بين النموذج العقلاني والنموذج التقليدي/ جريدة الاتحاد الإشتراكي (مغربية) 28 مارس 2001 ص: 1.
[vi]  - عبد الوهاب الطراف/ أي دور للأحزاب في مجال التنشئة السياسية؟ جريدة الاتحاد الاشتراكي (مغربية) 27 أكتوبر 2001.

محمد اديب السلاوي 

الأحد، 20 أكتوبر 2019

محمد اديب السلاوي

اضاءة

مسؤولية المثقف في المجتمعات المتخلفة كبيرة وعظيمة، هي مساهمته في صناعة الواقع، في تغييره الى الافضل، في تطويره من خلال شمولية الثقافة، لا مساندة السلطة و دعم مخططاتها ضد تطلعاته واحلامه

من اسباب تخلفنا المتعدد الصفات، عدم قيام النخبة المتقفة بدورها الكامل في التاطير والتوجيه والبناء الثقافي، وايضا بسبب تدني النخب السياسية التي اقتنصت مواقع النخب الثقافية،وهي تعاتي كل اصناف الامية.

ومن اسباب تخلفنا ايضا هجرة المثقفين ،ومجتمعهم غارق في بؤسه وفقره ومرضه وعجزه وتخلفه وتسلط الفساد عليه وعلى خيرات بلده.

هذه الحالة هي التي جعلتنا نعاني من تخلف متعدد، تخلف اجتماعي، زائد تخلف اقتصادي، زائد تخلف تقافي ، ولربما هو الاشد في المرحلة الراهنة.

افلا تنظرون... ؟


الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

يحيى محمد سمونة

نحو علاقة طيبة  《 ٨ 》

نصبوا لنا فخا، و بغباء غير مسبوق منا وقعنا فيه، و باعتبارهم من محترفي الصيد فإن مسألة تحررنا من فخهم الذي أوقعونا فيه ليست بالأمر اليسير .. لكنه لا يصح لنا أن نيأس أو نستسلم
قلت:
ثمة أمر سوء قد بيتوه لنا، و الله تعالى بيت لنا أمر خير ! (و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون) [يوسف21]
و المتتبع لسياق الآيات الكريمات من سورة يوسف - عليه السلام - يجد أن الله تعالى قد مكن ليوسف في الأرض بعد كل الضربات التي تلقاها.
و على هذا فإن نمط التفكير الديني يبعث على التفاؤل من جهتين: ففي الأولى يدرك المرء أن أمور الكون كلها بلا استثناء تمضي و تسير بمقتضى أمر الله التكويني الذي تم وفق علم الله و عدله و حكمته - أي: حتى الخسائر التي يخسرها المرء بحسب التفكير الديني، فإن فيها تزكية له و طهرا -
و أما الجهة الثانية التي هي مبعث تفاؤل المرء بحسب تفكيره الديني فإن كل مصيبة يصاب بها تكون سببا لسعادته فيما بعد - أي من رحم المصائب تولد البشرى - ( و الله غالب على امره ) أي أولا و أخيرا فإن أمر الله تعالى وحده يتحقق وجودا.
لكن نمط التفكير السياسي الذي يتبع حسابات البشر، فإنه يكون سببا لتشاؤم المرء و يأسه و مقته و تخبطه و ضياعه و اندحاره، فبموجبه يظن المرء أنه القادر على تحقيق كل أمر يريده ! لكنه فجأة و هو في طريقه لتحقيق ما يريد يقع في شراك الآخرين الذين تتعارض إرادتهم مع إرادته التي يسعى إلى تحقيقها! و باعتباره لا يفقه الآلية التي تمضي من خلالها أمور الكون فإنه عند أول سقوط له يبلس و يخنث 

- و كتب: يحيى محمد سمونة -

الخميس، 19 سبتمبر 2019

بقلم محمد ابو العبادي

مش عاوز حاجة غير سلامتها
ولا عمرى طلبت ولا هطلب منصب ولاجاه ولا هطلب وظيفة اومال ولا لى قريب او صديق او حبيب طمعان فى منصب وبعمل لمصلحته ولا تربطنى صلة ولا سابق معرفة 
مع مسئول من قريب ولا بعيد
ولا حد من المسئولين حتى ساكن جنب بيتنا ولا فى حتتنا 
انا طول عمرى شقيان وبعرق واتعب وعيشتى من 
كد يمينى لا طلعت وارث ولا عندى عزب واطيان 
طول عمرى متغرب برة مصر كل حلمى بيت صغير 
وممدش ايدى لحد ولا احتاج لحد والحمد لله من تعبى 
وعرقى وشقاى وغربتى عملت بيت وعلمت اولادى احسن 
تعليم وربيتهم احسن تربية متعبتهمش محرمتهمش 
مقصرتش معاهم . رضيت كل من حولى زرعت الحب 
فى قلبى للناس كل الناس لم اكره احد يوما ولله الحمد 
والمنة قابلنى الحب بحب الا قلة لم تصل صوابع اليد 
وهؤلاء لا صلاح لهم 
لله الحمد والمنة اتمتع بسيرة عطرة وحب متناهى 
فى كل  مكان تدب قدمى فيه حتى لو كنت جديد عليه 
وادخله لاول مرة .بات يلازمنى وصف الرجل الطيب 
حتى من يعرفنى لاول مرة مباشرة يطلق على هذا 
الوصف وكانه مكتوب على جبينى 
وبفضل من الله وكرم منه اعطانى عقل وقالى استعمله 
ومتحطهوش فى الركن واوزن الامور صح 
يعنى لا بسلم راسى لاعلام ولا نخبة ولا جماعة
ولا متفلسفين ولا مصلحجية ولا طالبين كراسى ومناصب 
ولا اسلم عقلى لاشاعات ولا دعايات ولا خربطات 
ولا حتى شيوخ دين الجميع عندى كلامه ليس مقدس 
ولا مسلم به على طول الخط 
اعشق واحترم الجيش المصرى واعتبره صمام الامان للامة 
لى موقف مع الداخلية واختلف معها فى امتهان كرامة المواطن الشريف 
يعنى من الاول والاخر لهطبل لحد ولا هزمر لحد 
ولا عمرى بخاف من حد انا من هاجمت مبارك وهو فى عز قوته وجبروته 
وكتبت ما كتبت عنه من مقال وشعر وفى اجازاتى كنت اخرج مظاهرات 
انا من هاجمت الاخوان قبل الحكم وهم فى الحكم وفى كامل قوتهم بل هاجمت 
مرسى منذ اللحظة الاولى بعد اعلان النتائج الانتخابية وخطابه فى ميدان التحرير 
ولى لقاء متلفز مع قناة العربية وقناة امريكية قبل انتخابات مرسى باسبوع من 
ميدان التحرير قلت فيه بالحرف لا مرسى ولا شفيق يصلحان لحكم مصر 
والاثنان يريدان سرقة الثورة .
لاني بفضل الله تعالى لست محتاج لاحد 
كل اللى بطلبه لمصر وعشان مصر 
بلدى وتراب بلدى حتى لو غبت عنها سنوات 
ستبقى ارض المولد والممات 
كل اللى طالبه انى اشوف بلدى ست الستات 
اشوف ارضها مخضرة 
اشوف صحرتها معمرة 
اشوف المصانع بتدور اشوف القلم والاستيكة والدفتر 
صناعة بلدى 
اشوف الهدمة واللقمة صناعة وزراعة بلدى 
اشوف التليفزيون والتليفون والمكيف صناعة مصرية 
اشوف العربية والصاروخ صناعة  بلدى بايادى مصرية 
اشوف بلدى لها كيان ووضع وسط الدول 
اشوف بلدى سيدة نفسها سيدة قرارها مبتستناش 
معونة من حد ولا بتسمع كلام حد عشان خاطر مصلحة 
او خوف اشوف بلدى جامعة العرب من حولها كالام الحنون 
اشوف بلدى اياديها مع عمقها الاستراتيجى الافريقى 
اشوف بلدى لها قيمة ووزن مثلما انشات دول عدم الانحياز 
اشوف بلدى شريفة عفيفة لابسة طرحتها وشالها من قطنها وصوفها 
اشوف المواطن المصرى له قيمة وقامة 
ارجع تانى اشوف الفن والادب الحلو النضيف مش الاسفاف وفن الرقص والعرى 
دون مضمون فعلى 
اشوف الدراما المصرية ترجع من تانى ويطلعلنا عم نجيب محفوظ واسامة انور عكاشة 
ومحمد صفاء عامر والابنودى جداد 
يطلعلنا عبد الحليم وام كلثوم ونجاة وعبد الوهاب جداد 
يطلعلنا شعراوى وعبد الباسط عبد الصمد جداد 
نفسى اشوف المشاريع الوطنية الكبرى حاجة كده زى السد العالى 
ولا مجمع الالمنيوم ولا مصانع البتروكيماويات ولا مصانع الحديد والصلب 
ولا المصانع الحربية 
نفسى اشوف سيارة صناعة مصرية زى اللى عملناها فى 1962
وبصراحة وبكل صراحة وشهادة امام ربنا 
نفسى بلدى طيرها يغرد ع الشجر 
شمسها تحضن الغيط والجبل 
قمرها ينور ليليها المستكين 
وولادها واقفين حرس ديدبان 
يحموا البيوت والبيبان 
انا شايف كل ما كنت اتمناه لمصر من خير يبدو حيذ التنفيذ الان 
او على الاقل بدات توضع له النواة الصحيحة التى توقفت لاكثر من ثلاثون عاما 
ارى ان نظام الرئيس السيسى يضع مصر على الطريق الصحيح اللى تاهت منه 
منذ 30 سنة واكتر 
نظام يحارب الفساد بكل قوة وبلا هوادة وعلى كل الاوجه لا فرق بين وزير 
او محافظ او ادارى او حتى عامل 
يحارب الارهاب الذى دمر وخرب دول بكل قوة 
يحارب على اكثر من جبهة داخلية وخارجية 
تغلب على الحصار الاقتصادى الذى فرض على مصر عنوة 
زاد من قوة وتسليح وعزيمة الجيش المصرى الدرع والسيف 
زاد الاحتياطى النقدى لمصر الى الضعف 
اعاد الامان الى الشارع المصرى 
قضى على مشكلة انقطاع الكهرباء التى كانت تؤرق الجميع 
نعم مطالب ثورتى يناير ويونيو لم تنجز كلها نعم غابت العدالة الاجتماعية 
وغول الاسعار ينهش الشعب لدرجة ضاقت بالجميع 
نعم لا تزال امام مصر سنوات حتى تقضى على غول الفساد والغش الذى اصبح 
مثل السرطان ينهش فى جسد مصر
وبعدين الجماعة بتوع الحرية والدميقراطية بقالكم اربعين سنة تتكلموا وتصرخوا 
قدمتم ايه هل قدمتم مرشح عليه العين هل اتفقتم خلف مرشح واحد 
واذا كنتم هتقولوا ان حسنى مبارك جرف الحياة السياسية طيب ماشى 
من ثورة يناير 2011 يعنى سبع سنوات مضت ودخلنا فى الثامنة 
عملتوا ايه قدمتم مرشح يستحق ثقتنا ويلقى قبول للشارع ويتحمل عبئ ما تواجهه مصر 
نزلتوا قعدتوا مع الناس اللى بتاجروا باحلامها ولا بس اصواتكم على الفيسبوك 
وقنوات التلفزة 
طيب الراجل بقاله اربع سنوات شغل بيشتغل بجد دون ملل 
وانتوا برضوا بقالكم اربع سنين فيسبوك وتويتر ومكملين 
والشرعية والثورة مستمرة . ولم تتقدموا خطوة واحدة حتى نحسبها لكم 
والغريبة ان اغلب هؤلاء ينطبق عليهم كلام الكاتب الساخر برنارد شو 
حين قال . احيانا تصبح الشهادة مثل القلادة فى رقبة حمار 
ومع كل ذلك لا اسلم ولا ابصم له بالعشرة ولكن اكون له على خط التماس 
حين يصيب اقول له اصبت وحين يخطئ اقول له اخطأت 
نعم اطالب وساظل اطالب بالعدالة الاجتماعية والعدل الوظيفى وكيفية توزيع موارد الدولة 
نعم ساظل اطالب بتعليم جيد وعلاج لكل مواطن مصرى 
نعم ساظل احارب رجال الاعمال بل سماسرة الاعمال ومصاصى دماء الشعب 
لن اكل ولن امل من مطالبى ومنها الغاء الوساطة والمحسوبية والرشوة 
هذا انا ..

محمد ابو العبادى