الخميس، 13 فبراير 2020

يحيى الشيخ

هبة الله :
ضمير المغرب الميت!


تفاعل المغاربة مع هبة، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، من طنجة إلى لكويرات. فيا له من شعور وطني نادر من أجل قضية إنسانية مؤلمة! هذا ما ينبغي القيام به في مثل هذه الكوارث الفظيعة! ولكن طريقة التعامل مع الكارثة كانت فظيعة هي الأخرى : تخاذل  المجتمع وغياب تام للسلطة وتجاهل كلي للمواطنين الذين لم يحركوا ساكنا لإنقاذ الضحية .
إن قوانين الدول الديموقراطية التي تحترم مواطنيها وتدافع عنهم تعاقب كل مواطن لا يتدخل لنجدة مواطن آخر، بل وتعاقب السلطات التي لا تقوم بواجبها لإنقاذ ضحايا الإجرام وغيره. ولكن للأسف الشديد، أبانت قواتنا المدنية وممثلونا السياسيون عن عدم رغبتهم في حمايتنا ورفع الضرر عنا. إننا نعرف أن هذا ليس بجديد في بلدنا المسلم، بل هو عادة ترسخت منذ فجر الاستقلال، ذلك أن القوى السياسية والنخبة المثقفة في بلدنا لم تفكر أبدا أو أنها لم تتمكن من بلورة فلسفة مستقيمة لتربية روح المواطنة لدى المواطن أو ربط أواصر المحبة بين السلطة والمحكومين من أبناء المجتمع.
  هبة هي واحدة من ضحايا الأمس واليوم والغد. نعم، ستحبل الأيام المقبلة بمزيد من الهبات الضحايا لانعدام سياسة حكيمة لحماية الشعب والدفاع عن كرامته. ولا يتأتى هذا إلا بإعادة النظر في هيكلة المؤسسات، بل وإعادة بناء المواطن. إنه لمن العار أن نجد مسؤولين وبورجوازيين مغاربة يستنزفون الوطن ويعيشون خارج آلامه وأحلامه، بل إن البعض منهم ليشتري جنسيات أجنبية بأموال باهظة تفوق المائة ألف أورو لأنهم باتوا مقتنعين بأن الحياة داخل الوطن لم تعد مؤمنة ولا آمنة. فتراهم يسرقون ليل نهار لضمان مصاريف تدريس أولادهم في مؤسسات أجنبية بالداخل أو الخارج. لقد باتوا متيقنين بأن البلد الذي يأويهم ينهار يوما بعد يوم وأنهم يعيشون لحظاته الأخيرة وهو يلفظ أنفاسه.
إن شعارنا هو "الله، الوطن، الملك" ، ولكن لم تتدخل السلطة الدينية لإنقاذ حياة هبة وغيرها من الهبات في وطن تستشري فيه الزبونية والفساد ، ولم تتدخل السلطة السياسية لإنقاذ هبة وغيرها من الهبات في وطن لا يرحم مواطنيه، ولم تتدخل الحكومة الناطقة باسم الملك ودستور الأمة لضمان العيش الكريم لهبة وغيرها من الهبات؟
شعار فرنسا مثلا : الحرية، الأخوة والمساواة! إنه شعار تترجمه المؤسسات على أرض الواقع ويموت من أجله الشعب، بل إن المواطن هنا ليضحي بحياته من أجل إنقاذ المواطنين كما هو محسوب لدى رجال المطافئ الفرنسيين الذين فقدوا أزيد من ألف وخمسمائة شخص خلال مهامهم في إطفاء الحرائق.
أضف إلى ذلك السلوك العفوي لمعظم المواطنين الأوربيين الذين يزجون بأنفسهم في المهالك لرفع الضرر عن الناس، كما وقع في باريس خلال الصيف الماضي، حيث أنقذ شاب من مالي طفلا فرنسيا كاد أن يسقط من الطابق الرابع.
فرنسا "الكافرة" ونحن المسلمون! أوربا "الإمبريالية" ونحن المسلمون؟
المسيحيون كفار، ونحن المسلمون!
 ألقاب واختيارات دجالين يكذبها الواقع، ويظل الموت المبرمج في بلداننا يحصد نفوس الأبرياء يوما بعد يوم : مات أخي الأول ومات أخي الثاني في مغربنا بسبب خطأ طبي، ومات أطفال كثيرون في شوارع المغرب، ومات مناضلون شرفاء في سجون المغرب، وما زال الجبناء والوصوليون يعيشون شرفاء في هذا البلد الأمين.
يا أيها المهاجر الشريف، اندم على كل شيء اقترفته في حياتك، ولكن لا تندم أبدا لأنك فارقت هذا الوطن الذي قتل فيك أبسط مشاعر الإنسانية إلى الأبد. سيقول لك أصدقاؤك المناضلون على سبيل المزاح : " نراك قد هربت!" أجبهم بما نصح به أبو حامد الغزالي : "إذا فسد القوم والزمن فعليك بخويصة نفسك!".

لقد قيل قديما :

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا

والبيت لا يبتنى إلا على عمد
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

فإن تجمع أوتاد وأعمدة
فقد بلغوا الأمر الذي كادوا

إننا لنعيش حياة فوضى حقيقية، نعيش السلب والنهب وغياب تام للأمن، سراتنا جهال (من الجهالة والجهل معا) وأعمدة بيوتنا مهترئة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
شكرا لهبة التي أشعلت فينا فتيلة الحياة وهي تحترق كالشمعة لتضيء فينا ما تبقى من كرامة ماتت فينا منذ ستين سنة أو يزيد!

يحيى الشيخ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق