الجمعة، 20 سبتمبر 2019

بقلم سارة السهيل

عن دار المعـتز للنشر والتوزيع / عـمّـان، صدرت رواية / فـيــمـا مـضـى / للكاتــب سليم أحمـد حسن ـ الأردن. وقد كتبت الكاتبة العراقية العربية الكبيرة /سارة السهيل رؤية نقـدية للرواية جاء فيهـا:
*****
رؤيــــــــة نـقـــديـــــة..
بقلــم / سـارة السهـيـل.
الكتابة فعل بوح إنساني، يعبر الكاتب من خلالها عما عاشه أو يتخيله من تجارب إنسانية متنوعة فرحة أو حزينة، يستدعيها في لحظــة حنين. يــفتــح فيها دولاب الذكريات فتفيض المعاني الإنسانية في تجلياتها خاصة المستقاة من مشاعر الغربة والحب والطموح والحنين الي الوطن.  هذا النص الأدبي لمؤلفه سليم أحمد حسن، المعنون ذكريات" فيما مضي " يبدأ باستفهام هل العيب فينا أم بزماننا؟ فالغــــربة والترحال وقطار الذكريات يعد عنصرا رئيسا في هذه القصة، والغربة بالذات تشكل وجدان الفلسطيني بفعل ما تعرض له الشعب الفلسطيني من تشظي وانقسام وشتات وغربة. والكاتب يرسم بالكلمات واقع حياته في صورة مذكرات، فيطل الأب الفلاح المكافح الفالح الحنون والصائب الرأي، وزوجة الأب الحانية العطوفة، والأخ غــير الشقيق الذي يفقد طموحاته بسبب رفقاء السوء، بينما الابن الأكــبر- أحمد ـ بطـــل الأحداث يكمل مشواره التعليمي ليصبح طبيبًا.. ويدخل معترك الحياة العمليـة.
وتحضر العواصم العربية كالقاهرة موطنًا للعلم، والبحرين موطنا للعملِ والرزق والحب والعلاقات الإنسانية الدافئة،وعمان وفلسطين وطنا ومرفأ وملاذا وحمى. فهذا الوطن وهمُّه السياسي يحضر بقوة في مناقشات طلاب الجامعات.. خاصة عندما يشتد خناق المستوطنين علي أهل الأرض الأصليين، وتـراق دمـاء الشهـداء في تظاهرات الصمود، بينما يقف المسجد الأقصي حزينا علي أبنائه وهم يتلقون الضربات بالهراوات الإسرائيلية ويعتقلون بقسوة زائدة علي أيدي المحتلين،ويُلقَون في غياهب السجون ظلما وجورا،بينما تقف دول العالم في حال الصم والبكم  العمي.
وهذا النص يمثل رحلة مقدسة شريفة في الحياة بحثا عن العلم، ثم بحثا عن الرزق ثم رحلة العـودة إلى أحضان الوطن الغالي، وداخل كل رحلة مكانية تتكوّن علاقــات صادقة روحية ووجدانيـة وإنسانيــة بين شخوص هذه القصة تقــود لخــبرة حياتية لبطلها الرئيسي احمد. فأحمد الطبيب ودموعه في الغربة وحنينه لوطنه خلال رحلة تعليمه بكلية الطب بالقاهرة، وتعرضه لسرقة نقوده.. في الوقت الذي نجــــد نماذج إنسانية مكافحة وشريفة مثل "أم علي" التي اضطرت للعمل بخدمة المنازل لتعــول ابنتيها وتنفق علي تعليمهم الجامعي. وبين صدمة الزواج الفاشل بالبحرين، بالرغم نجاح تجربة العمل بالمستشفي،علاقة الصداقة التي جمعت بين أحمد، ومحمود بطل كرة القدم الذي ترك وطنه بحثا عن احــترف وكسبا للمال.  أما الـــوطن فهو ممزق بين أطماع العــدو الإسرائيلي بين تيارات وطنيــة سياسية متباينة الرؤى.  تغــوص الرواية في أعماق النفس البشرية عــبر شــخوص القصة بـدءًا من بطلها الذي كان يخشي زوجة أبيه وبطشها، ورفضه في أعمــاق نفسه لفــرض زوجته في البحرين نمط حياتها المرفهة عليه دونما مراعاة لتربيته كمواطن فسلطيني.. يعتز بدور المرأة داخل المنزل وليس خارجه.
يمتزج التحليل النفسي للشخصيات بالاجتماعي.. والطـبي بالأدبي، حيث يطل الشعر إما في خيال بطل العمل، أو عبر أهـازيج شعرية شعبية متوارثة، وكأنه واحة يستظل الغريب بها في الغربة وتحيمه من هجير الأيام وقسوتها.
لغة القصة سهلة بسيطة، وأقرب إلى اللغة "المحكية الدارجة"، ولكن تمازجها بالشعر، أعطاها ألقًـا وكساها ثوبا من الفخامة. تتعدد الفضاءات داخل القص.. بين مستشفى يطلق فيه المرضى صغارًا وكبارًا صرخاتهم من شدة الآلام، ويترقبون لحظة الشفاء. وإطلالة الفضاء الثاني من "مقهى ليالي زمان" حيث يمضي احمد الطبيب وقته بعد العمل محملا بأشواقه وأحلامه وطموحاته يبثها دفتره وأشعاره.
ويصبح فضاء مقهى ليالي زمان موضعا للتلاقي والتقارب والمودة والصداقة واستدعاء الوطن، بصداقة ربطت الطبيب أحمد بلاعب الكرة محمود، الفلسطيني الآخر الذي يعيش في الأردن، ويتنفسان معا عشق نسيم وطن جريح يقاوم شعبه للبقاء. وتعالج الرواية أزمة أي إنسان في العالم.. حينما يقع تحت طائلة إغراء المال والسلطة والشهرة، وبطلي الرواية احمد ومحمود قد وقعا في هذه الفخاخ خلال رحلتهما لكسب المال في البحرين، لكن الحاجة النفسية إلى الاستقرار النفسي داخل الوطن ورضا الوالدين ورعاية الأطفال الصغار قد أنهت هذا الإغراء.
تحية لمؤلف هذا العمل / سليم أحمد حسن، الذي قدمه بلغة سهلة يسيرة على شكل مذكرات حياتية.. تمثل تجارب وحيــاة المغتربين سواء كانوا فلسطينيين أم غيرهم، وكأنها سيرة ذاتية لهم، لكنها مفعـتمة بتحليل النفس البشرية.. وما فيهــا ما أدوار وطبائع جبلت على الخير، لكنها عنيدة تحلم بالأضواء وفجأة ترفضها، تعشق حـب الجمال لكنها في لحظة تزجره، تحلم بالمال وفي لحظة تزهده، لكــن الوطن وحنين العودة إليه هو الحاجة الأساسية لدى الإنسان التي لا تفارقه ولا يزهد فيها، بل ان العودة هي الحلم الذي تحقق الأمان الذي كان مفقودا.                                كما يموج هذا النص بالتحليل النفسي والاجـتـماعي والعاطــفي لكل شخصياته وأبطاله، فان الجانب التربوي والأخلاقي يظهران أيضا بقوة باعتبارهما جزءًا أصيلا في الثقافة العربية وعاداتها وتقاليدها الموروثة من زمـن الأجداد.
تحية للمؤلف علي هذا الجهد.. وأتمنى أن يواصل رحلته الإبداعيــــة في عمل أدبي أخر يسعد جهور القراء في العالم العربي كله.
***********************



هناك تعليق واحد:

  1. المتابع لكتابات الانسانة الراءعة والكاتبة المبدعة سارة السهيل يحس بعمق عباراتها وسلاسة اسلوبها ونظرتها الانسانية التي تميز حرفها الجميل ...والاعتيادي في النقد للقص اواي عمل ادبي ان يكون اسلوب الناقد لا يميل فيه الى العاطفة وقد يصاحبه جفاف العبارة لكن الاستاذة سارة وانا اقرءها كناقدة اشعر بانها باسلوبها الجميل تكتب ما يسمى ( بالسهل الممتنع) امتعتني بتقديم كتاب الكاتب سليم بشكل مكثف ووافي مع اشاراتها النقدية الدقيقة...
    تحية تقدير واحترام لاميرتنا الاستاذة المبدعة سارة الغالية

    ردحذف