الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

يحي محمد سمونة

نحو علاقة طيبة  《 ٦ 》

كان المسجد قريبا من المسكن الجديد الذي انتقلنا إليه، و كانت المنطقة التي غدونا إليها يغلب على قاطنيها صفة التجار ميسوري الحال، و كنت آنذاك في مقتبل العمر، و كان إمام و خطيب المسجد القريب منا، رجلا عالما يتمتع بحب و قبول لدى عموم سكان الحي.
و كنت قد أحببت الشيخ حبا جما، و كم كنت أتألم إذا حالت ظروفي دون صلاة الجماعة في المسجد، أو إذا حالت ظروفي دون حضور مجلس علم الشيخ في شرحه ل "رياض الصالحين" 
و لو رأيتني يوم جندت في خدمة العلم كانت صورة الشيخ و كلماته لا تفارق مخيلتي، بل كنت طوال مدة خدمتي تلك أتمثل بكلمات الشيخ سلوكا و واقعا و أدبا و خلقا، بل و أكثر من ذلك أنه حين كنت أتلقى أوامر الضابط المسؤول عني كنت أنصاع لتلك الأوامر  قياسا على ما كنت قد تتلمذت به على يدي شيخي الذي كان على منهج رباني في هدوئه و وقاره و سمته الحسن، و لم أكن أعهد في الشيخ غلوا أو تطرفا أو تشددا في القول و العمل 
لم تكن الفضائيات قد ظهرت آنذاك، و كان العلماء يومها هم رأس هرم الطبقة المثقفة، و كان تدبيرهم للأمور هو الأسلم في توجيه المجتمع نحو رقي و تماسك و ازدهار.
نعم، قد كانت كلمة الشيخ تمثل دائما أطيب أنواع الكلام سواء من حيث الصفاء و النقاء و سلامة التوجيه 
و لكن .. !!
بمجرد أن ظهرت الفضائيات اختلف الحديث تماما، ذلك أن هذه الوسيلة الإعلامية، قد كانت لها أجنداتها التي خفيت على أهل الثقافة في مجتمعاتنا، و لعل على رأس تلك الأجندات: 1 - تحويل نمط التفكير في تفسير الوقائع و الأحداث من نمطية التفكير الديني و ما يحمله من طوية حسنة إلى نمطية التفكير السياسي و ما يحمله من فلسفات و رؤى معقدة تفضي بالمرء إلى تخليه عن سلوكه السوي إلى سلوك أعوج قوامه غلو و تطرف و تشدد 

قلت: قد كان لزاما علي و أنا أسير معكم في سلسلة / نحو علاقة طيبة / أن أبين لكم سمات التفكير الديني و سمات التفكير السياسي و ما لهما و ما عليهما في حياتنا المعاصرة


- و كتب: يحيى محمد سمونة -

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق