الخميس، 26 سبتمبر 2019

د.رمضان الحضري

التشابه والاشتباه في الشعر
*************

أخذت كلمتا ( التشابه والاشتباه ) في لغتنا العربية عدة معان مختلفة ، ( فالتشابه ) قد يعني وجود شبه بين شيئين أو أكثر ، وفي الهندسة ( يتشابه المثلثان ) يعني تساوت الزوايا المتقابلة ، وفي الميكانيكا ( تشابه المحركان ) في الأجزاء أو الحركة ، وكذا في الأحياء وغيرها من العلوم ، ولكن الكلمة تحتمل تفسيرات أخرى مثل ( تشابه الأمر عليهم ) بمعنى اختلط وغمض ، وأصبحت هناك مشكلة إلتباس ، ( والاشتباه ) يعني الغموض واللبس وضبابية الرؤية وعدم الوضوح .
حاولت كثيرا أن أتجاوز هذه المقال لأسباب تخص معظم شعراء الوطن العربي في الوقت الحالي تقريبا ، فلربما هتكتُ أستارا بالية  ، وأوغرت صدورا خاوية ، فحينما نعلم أن اتحاد كتاب مصر يقدم جائزة باسم ( أمير الشعراء أحمد شوقي ) ، ومعروف منهاج شوقي في الشعر ، ولكن الجائزة تقدم لأحمد عبدالمعطي حجازي الذي هدم شعر شوقي ، وبالتالي هدم الشعر المصري ، بالإضافة أن كلمات حجازي لايمكن لناقد أن يعتبرها شعرا ، وحسبنا أن نقرأ له مجموعة من الكلمات وضع لها عنوان ( سلة ليمون ) : _
تحت شعاع الشمس المسنون
و الولد ينادي بالصوت المحزون
عشرون بقرش
بالقرش الواحد عشرون  
سلّة ليمون ، غادرت القرية في الفجر
كانت حتّى هذا الوقت الملعون ،
خضراء ، منداة بالطلّ
سابحة في أمواج الظلّ
كانت في غفوتها الخضراء عروس الطير
أوّاه 
من روّعها ؟
أيّ يد جاعت ، قطفتها هذا الفجر 
حملتها في غبش الإصباح
لشوارع مختنقات ، مزدحمات ،
أقدام لا تتوقّف ، سيّارات ؟
تمشي بحريق البنزين 
مسكين 
لا أحد يشمّك يا ليمون 
و الشمس تجفف طلّك يا ليمون 
و الولد الأسمر يجري ، لا يلحق بالسيّارات
عشرون بقرش
بالقرش الواحد عشرون 
سلّة ليمون 
تحت شعاع الشمس المسنون
و قعت فيها عيني ،
فتذكّرت القرية
*******

هذه مجموعة الجمل التي كتبها الصحفي الأستاذ أحمد عبدالمعطي حجازي ، وأقسم على كل الكتب المنزلة من عند مولانا جل وعلا ، أن هذه الكلمات لاعلاقة لها بشعر العرب ، ولا شعر الغرب ، ولا أي شعر حتى لو كان الشاعر مبتدئا ، فإذا كان هذا هو الشعر فإن ماكتبه امريء القيس والمتنبي وشوقي ونزار وصلاح عبدالصبور والسياب والعظيم محمود درويش ليس شعرا ، وبالتالي فحجازي اشتبه عليه الأمر فظن أن ما يكتبه شعرا ، والأروع أنه لازال يخيف بعض النقاد القدامى ليعلنوا أنه شاعر ، وماهو بشاعر ، وماعلمه شعرا من أحد ، وهذا الدليل واضح مهيع ، فالنص 
مجموعة من الجمل الخبرية الإخبارية للعرض والخبر ، لاتقدم توجها ولا نوعا جماليا ولا صورة ولا رسما ، ويعطون صاحب القصيدة جائزة شوقي ، هذه سفاهة ما بعدها سفاهة ، واتحاد كتاب يستحق المحاسبة على طمس هوية الشعر المصري والشعر العربي ، وبعض النقدة سيقولون أن القصيدة تحمل فكرا لوجستيا وحبا مازوخيا ونمطا لسانيا بنيويا مهلبيا ، حيث إن الشاعر تذكر قريته ، وتذكر فيها شجرة ليمون ، خسيء من قال عن هذه الكلمات السوقيات أنها من شعر العرب .  
 هذا إلى جانب أن ما يقدم في برامج تعليمنا حتى اللحظة في دولنا العربية لايرقى للمشاركة في الحضارة العالمية القائمة ، فشطر من شعراء العرب لا يزال مقيماً في حقول تراثية غير قابلة لإنجاب الإبداع ، وشطر آخر اكتفى بما يمكنه وما تعلمه فأنتج ما يمكنه ، وترك ما يجب عليه .
  فالشطر التراثي استمر على رأي ابن منظور في الشعر حينما عرفه بقوله : ( الشعر منظوم القول غلب عليه لـشرفه بـالوزن
والقافيـة ، وقائلـه شـاعر لأنـه يـشعر بـه غـيره أي يعلـم بـه ) ، وهو ذات التعريف الذي قال به الفيروز آبادي ( أطلق العرب على علم شعرا، وإن غلب على الكلام المنظوم لشرفه بالوزن والقافية ) وقد رأي محمد بن سلام الجمحي أن ( المنطق على المتكلم أوسع منه على الشعر، والشعر يحتاج إلى البناء والعروض والقوافي والمتكلم مطلق يتخير الكلم ) . 
وقد عرّف المبرد الشاعر بقوله : ( أن صاحب الكلام الموصوف ـ الشاعر ـ أحمد لأنه أتى بمثل فالوزن والقافية هما ميزتان أساسيتان عند هؤلاء ) .
كما عرّف قدامة بن جعفر الشعر حينما قال : ( قول موزون مقفى يدل على معنى ) .
وهو نفس تعريف الحاتمي ( اللفظ والمعنى والوزن والقافية ) .
وقد جمع ابن فارس كل التعريفات السابقة فقال : ( الشعر كلام موزون مقفى دل على معنى ويكون أكثر من بيت لأنه جائز اتفاق سطر واحد بوزن يشبه وزن الشعر عن غير قصد ) .
يتضح من التعريفات النقدية للشعر أنها قمة في التشابه ، وكما بدأ النقد الأدبي بالتشابه ، بدأ كذلك الشعر العربي بالتشابه ، حتى ترى طرفة بن العبد يأخذ نفس مفردات امريء القيس .
يقول امرؤ القيس في معلقته : _
وقوفًا بي صحبي عليّ مطيَّهم
يقولون لا تهلِك، أسًى وتجمّلِ

ويقول طرفة بن العبد في معلقته : _
وقوفًا بي صحبي عليّ مطيَّهم
يقولون لا تهلِك، أسًى وتجلّد
ويقول عمرو بن الأهثم بعدهما : _
 وقوفا بها صحبي على مطيَّهم
يقولون لا تجهلْ ولست بجهّال
*********
ومن قول تأبّط شرًّا : _
ولستُ بمِفراحٍ إذا الدهر سرّني
ولا جازعٍ من صَرْفه المتحوِّلِ
يأتي بعده هُدْبة بن الخَشْرم ويقول : _
ولستُ بمِفراحٍ إذا الدهر سرّني
ولا جازعٍ من صَرْفه المتقلِّبِ
************

وقال الأبيرِد :
فتًى يشتري حسنَ الثناءِ بماله
إذا السنة الشهباء أعوزها القطرُ
وقال الراعي النُّمَيْري من بعده
فتًى يشتري حسنَ الثناءِ بماله
إذا ما اشترى المَخزاةَ بالمجد بيهسُ
وجاء أبو نواس بعدهما : _
فتًى يشتري حسنَ الثناءِ بماله
ويعلم أن الدائرات تدور .
************
هذا التأثر القليل بشطر من قصيدة أو نقل بيت من قصيدة لا يعني سرقة في هذه الفترة بقدر ما يعني أن الشاعر قرأ أشعار من سبقوه ، وبعبارة أخرى هو مثقف تأثر بمن سبقه ، ونقل منه ما يصلح في نصه ، وهو يعرف ويعترف بذلك .
لكن الكارثة الكبرى التي يمر بها الشعر العربي في وقتنا الحالي أكبر من كل احتمال ، حيث تتشابه الطنطة في ظل فقدان التوجه وفقدان المعنى ، واكاد أقول فقدان الشعر لروحه ، وهذا ما سوف اتحدث عنه في اللقاء القادم بامر الله تعالى .


د.رمضان الحضري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق