الأحد، 8 ديسمبر 2019

محمد خصيف

تأبط فنانا 




وانا ارسم وازوق واقطع صورا فوتوغرافية التقطتها من قصاقات المجلات الاسبوعية، التي اجدها تساعدني فيما انا عازم عليه من رسائل انوي ايصالها الى ذلك الاخر القابع  ليل نهار على عتبة باب الرواح، حتى تزكمت خياشيم انفه وتشربت برياح الشرگي الباردة، الاتية عبر جبل الطر. وانا اركب ما الهمتنيه قريحتي، لم افتر على تخيل الصدى الذي سيكون منتصبا بباب المعرض يحتفي بتحفي. 
كتبت طلب معرضي ووضعته رهن اشارة الادارة موثقا بحكاية سيرتي مثبتة بصور. اتاني هاتف بريدي يخبرني اني مقبول للعرض بباب الرواح. سررت بالخبر وطرت فرحا وعمتني نشوة سرت في عروقي هزت نبضات فؤادي هزا. فتقوى حماسي وتحرك جيبي في سخاء ليعطف علي وانا امام l'encadreur اتامل ما غدت عليه لوحاتي/عشيقاتي التي اقترب زمن زفافها. وانا اتامل فستانها الزجاجي اراني اتصفح صور خطابها. من ياترى سيكون له شرف اخذها مني، انا العارضها برواق باب الرواح؟  
جاء يوم المعرض، يوم الزفاف. حضر الحاضرون وغاب الغائبون. وحضر الازواج مستترين، يتحينون فرصة التنحي والتخلي. 
التخلي على المخطوبات. 
اتى الى اذني صوت احدهم وهو يهمس لرفيقه: 
-سانتظر نهاية الحفل/المعرض لشراء ما اريده. 
رد عليه زميله:
-هناك اشياء لاباس بها، تعجبني اللوحات الصغيرة. 
تقدم مني احد الاصدقاء وهنأني على معرضي، ثم قال بصوت خافت وهو يومئ براسه مشيرا بحركة من عينيه نحو شخص واقف يتأمل احدى اللوحات:
-شفتي هذاك خينا تماك راه galeriste كيشري اللوحات. 
اعجبتني ملاحظة صديقي وتمنيت لو اقترب مني ذاك الشخص العريض الانيق، لم تكن لدي الجرأة للتقدم اليه لاحييه، فقد خانتني الكلمات والتوى لساني داخل فمي وارتخت مفاصل ركبتي فبقيت متسمرا في مكاني ارمقه وهو يتنقل من لوحة الى اخرى وبيده اللائحة. تمنيت لو تقدم هو نحوي وبادرني بالحديث، لكنه كان في شغل عني، ما يهمه الان عشيقاتي المصلوبات علي الجدران الموحدية. 
مرت ساعة على انطلاق الحفل وغصت القاعة بالمدعويين والزوار، طافوا باروقة المعرض واكلوا وشربوا ومنهم من اسرفوا، ثم شرعت الخطوات تحبو نحو عتبة القاعة الموحدية. بقيت انظر وانتظر وبيدي نسخة من اللائحة وفي جيبي وريقة بها النقيطات الحمراء اليابسة التي تنتظر سيلان دمعها الدموي حينما تتجهز احدى لوحاتي للرحيل. انتظرت وطال انتظاري. وفجأة رمقت السيد العريض الانيق ذي الارداف الثقيلةيملأ احدى الاركان وبيده لائحتي. ايقنت مع نفسي ان الخلاص آت. انه خلاصي. 
استجمعت انفاسي وتقدمت منه. حياني مصافحا وهويردد: جميل. جميل. اعمال جميلة واصيلة. انها تختلف عما سبق. ولها نكهة التزامية. Bravo.
شكرته بكلمة واحدة ولزمت الصمت. 
- وضع ذراعه على كتفي كانه يعرفني منذ عقود. كاني صديقه وجرفني معه حيث اللوحات الصغيرة. بادرني بالحديث:
- اعجبتني هذه اللوحات الصغيرة التي بها collage، ستتركها لي. سآخذها كلها. لاتبعها. هل معك نقطا حمراء؟  ضعها عليها الان. 
- نعم معي. 
ادخلت يدي في جيبي وهي ترتعش خوفا وطمعا. اخرجت الوريقة التي بها النقط الحمراء، وبسرعة اختطفها من بين اصابعي وخطا نحو اللوحة يسم اسفلها احمرارا، شعرت برعشة تسري في عروقي وانا اقتفي خطوات الرجل، الgaleri ste والارقام تتوالى على ذهني بدون توقف. واي ارقام؟! شد الرجل ذو الارداف على يدي مصافحا وخاطبني قائلا:
-Au revoir, ساعود. 
غادر القاعة واردافه تتمايل يمينا ويسارا. بقيت واقفا ملفوفا بحيرتي وتساؤلات كثيرة تغوص بذهني: لماذا فعل هذا؟ ايحسب نفسه صاحب المعرض؟ اازيل النقط الحمراء؟ ااطلب منه شيكا اضمن به مبيعاتي؟ ماذا ساقول لزوجي، بعت؟ واين الاثبات؟ لم ابع شيئا؟ واخا فباب الرواح؟ انتبهت من غفلتي حين رجع الدم الى عروقي واستيقظت اعصابي من سباتها، واحسست بيد سي جيلالي، حارس القاعة يتبط على كتفي وهو يردد:
-سي محمد، ايه...سي محمد، ساغلق القاعة. 
التفتت اليه وحركة رأسي تقول له: نعم اغلق وارحنا. 
مرت علي الخمسة عشر يوما وانا في حيرة من نفسي، ومن سوء الحظ لم تتوافد اعين المشترين والمهتمين الا على تلك اللويحات الزجاجية المحمرة الشفاه. ولا احد يهتم بغيرها. حضرني المثل الشعبي: ما بان ليك غي في لمزوجة. كنت كلما دخلت القاعة اترك جهة العشيقات المخطوبات واطوف بالاركان الاخرى عساي اصطدم باحدى الباقيات وقد احمرت وجنتيها. لكني اجد الجميع صائمات عن الكلام، يتتبعنني باعين دامعات. 
جاء اليوم الاخير. يوم جمع المحصول. وبينما  احزم لوحاتي واذا بالشبح العريض ذي الارداف يرتسم ظله بجانبي. رفعت راسي اليه فوجدت عيناه الضيقتين، ترمياني بنظرات ملؤها التاسف والشفقة. كشف عن ابتسامة خبيثة وانحنى علي هامسا: فين اللوحات، ياك ما بعتيها؟ 
اشرت اليها وهي متكأة على بعضها، مسندة الى الجدار الحجري. 
احسست بذراعة الثقيله المشحمة تخر على كتفي كانها صخرة موحدية هوت علي من عل. سحبني من مكاني، من وسط عشيقاتي المتراميات على الارض وهن ينظرن الي وانا مجرور تحت تيار الذراع المشحمة. بادرني قائلا:
-سآخذ منك تلك اللوحات كلها، لكن بدون اطار. لقد عودت زبائني على نوع اخر من الاطارات حتى اصبحت ميزة خاصة برواقي. وستكون هذه اول لبنة نضعها لمشروعنا. ما سترسمه من الان ساخذه منك، لاتقلق. ولاتبع لغيري. سيكون بيننا عقد موثق. 
وهو يتكلم، لم اعد احس بثقله الذي بات يضغط على جسدي المنهوك. اصبحت كتفه كريشة حمامة احملها فوق راسي. سرنا وسرنا نطوف بارجاء القاعة الموحدية وكاننا نزورها لاول مرة. 
تابع يسرد علي قوانين لعبته الماكرة:
-سنتفق على المواضيع التي ستتناولها في لوحاتك مستقبلا، لان هذه المعروضة حاليا لاتعجبني، فيها شوية سياسة. ههههه. ونحن نتعامل مع الفن، اشبغينا شي سياسة. ههههه. سنتفق على المقاسات، نبدأ بمقاسات كهذه، صغيرة ثم ننتقل الى مقاسات اكبر. واخا؟ OK?  
- نعم،  كما ترى. 
وهو يتأبطني كمحفظة مدرسية، وانا مطأطئ الرأس اتلقى نبرات صوته الانثوي تنقر صفيحة مخي:
-بالنسبة للثمن، ساعطيك مئتا درهم عن كل لوحة. انها صغيرة وبدون اطار،، وانت مبتدئ، غير معروف، وانوي انشاء الله تشجيعك، و من حظك انك تتعامل مع گليريه مشهورة، واعمالك ستعرض بالخارج، فرنسا وباريس وبلجيكا واسبانيا ومدريد وحتى نيويورك. وستطبع على كتالوجات ومجلات وووو. كم عدد تلك اللوحات الموجودة الان؟ 
-عشرة. 
- اذا ساعطيك الف درهم، وبعد اسبوع مر علي بالقاعة اعطيك الباقي، ولكن جيب معاك شي حويجة، عنداك تجيني خاوي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق