الخميس، 20 يونيو 2019

بقلم محمد على صدقي

الحليقي وأعوانه
كنت أتجول يوما بساحة "جامع الفنى" بين حلقاته فإذا بي أرى حلقة قد استقطبت عددا كثيرا من الناس. توجهت نحوها فإذا هي حلقة في شكل دائري ممتاز لا تشوبه شائبة وكأنها رسمت بالبيركار. في وسطها كان يجلس رجل على مقعد من البلاستيك بثياب بين النظيفة والرثة وهو "الحليقي" وبجانبه معاونوه:
قرد مربوط بحبل شده الحليقي اليه وببغاء علت كتفه وحية في صندوق. وقفت مع الناس وقد كان الحليقي قد بدأ فرجته قال:
- هذا القرد الذي البسته هذه البدلة الجميلة هو عون من أعواني في التسيير. وهذه الببغاء ذات الريش المزركش هي الناطق الرسمي لسلطتي. وسلطتي الجبارة هي داخل هذا الصندوق.
بدأ الحليقي عمله وطلب من الناس الاقتراب منه وأن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم. علت أصواتهم بالصلاة حتى لتحسبنهم جحفلا تهيأ لمواجهة عدو كاشح قد استعد للغزو. وما أن سكتوا حتى انطلقت الببغاء تقلدهم بصوت مفهوم، الى حد ما، ومضحك في نفس الوقت. أضحكت الجمهور و اقتربوا من الحليقي مضيقين عليه حلقته. طلب منهم الرجوع الى الوراء شيئا ما فما استمعوا لطلبه ولا استجابوا لرغبته. فاستعان بصندوق سلطته. فتح الصندوق وأخرج الأفعى وانزلها على الارض، وما أن دبت تسعى و هي تصدر فحيحا مخيفا كأسلوب منها للتحذير حتى تراجع الكل الى الوراء واتسعت الحلقة. قال الحليقي:
- انتم أيها الأوغاد لا ينفع معكم الكلام، فأنتم تخافون ولا تحتشمون. لا ينفع معكم إلا "الصح". ثم أخذ حيته بعد ان قامت بمهمتها وأرجعها الى الصندوق. فإذا بالببغاء تقلد حفيف الافعى وإذا بالناس، وبدون شعور منهم، يتراجعون الى الوراء خوفا رغم انهم يعرفون أن الأفعى بداخل الصندوق. قال الحليقي للقرد وقد ناوله عصا:
- قم لنا بجلسة قائد. وضع القرد العصا وراء رأسه وفوق كتفيه وجلس واضعا رجلا فوق رجل وهو ينظر لصاحبه كي يجازيه على حسن قيامه بالدور لذي كلفه به. دندن له الحليقي مقطعا من موشح يا غصن نقا، فتشقلب القرد و نط وخنخن وقد فعلت كلمات الموشح فعلتها في نفسه. ابهره جميل الشعر الاندلسي:
يا غصـن نقا مكللا بالذهب *** أفديك من الردى بأمي وأبي
إن كنتُ أسأت في هواكم أدبي *** فالعصمة لا تكـون إلا لنبي
أمالت الببغاء رأسها طربا ايضا ثم نطقت مرددة بعض الكلمات من الأغنية فضحك الناس والتفوا حولها وضيقوا الدائرة مطوقين من بداخلها. تناول الحليقي الصندوق وأخرج سلطته فاتسعت الحلقة وتباعد الجمهور، فارجع الرجل أفعاه الى الصندوق. ثم قال للقرد:
- قلد لي جلسة نائب برلماني؟
اتكأ القرد على جنبه وأغمض عينيه وأصدر صوت شخير كأنه صوت منشار يقطع خشبا. والعصا في يده فقال له:
- احسنت التمثيل. واعطاه نصف موزة رماها في فمه ومد يده طلبا للمزيد. فقال له الحليقي:
- ألم يكفك ما أخذت؟ أنتم البرلمانيون تطلبون دائما المزيد لأنفسكم ولا تمنحون للناس شيئا. ثم قال له:
-قلد لي وزيرا.
أصلح القرد هندامه وكأنه ينظر في مرآة، ثم أصدر قحقحة ثم اخرج عيناه وتهدد الناس وقد صير يديه في وضع وكأنهما مكبلتين ثم اصدر خنخنة دلت على وعيد مما أخاف الحاضرين فقهقروا خوفا فضحك منهم الحليقي وقال:
- لا تخافوا وابشروا فما هذا الا تمثيل.
قلدت الببغاء الحليقي فقالت:
- ما هذا الا تمثيل. ضحك الناس لكن اغضبت الحليقي بتقليدها المشين لصوته المبحوح فنهرها و أمرها بالسكوت وأن تقلل من تكرار ما يقوله. غضبت هي الأخرى منه وطارت من فو
ق كتفيه وجلست على صندوق السلطة وهي تدير رأسها يمنة ويسرة وكأنها في جذبة عيساوية. أخذ الحليقي جزرة وطلب السماح من الببغاء ناطقه الرسمي وقدم لها الجزرة فأسرعت لتناولها وهي تحرك رأسها رمزا لمسامحته. وطارت وجلست فوق كتفه. قال الحليقي للحضور:
- اشكون افتح لينا الباب على الله واعطينا مما اعطاه الله؟
ثم مد طربوشه وطاف بين الناس متلقيا ما جادت به جيوبهم. أكمل الدورة ثم عد ما جمعه وعندما لم يجده اكثر من عشرين درهما طفق يزمجر ويسب وفتح صندوق سلطته وانزل الافعى على الارض فدبت تسعى نحو الناس فهرب الكل و الحليقي يزمجر ويجمع أدواته استعدادا لمغادرة المكان.
هربت أنا كذلك وتركت المكان خوفا من سلطة الحليقي ومن ناطقه الرسمي ومن كل أعوانه مخلصا نفسي من لسعة لا دواء لها.


بقلم احمد علي صدقي
 المملكة المغربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق