الخميس، 20 يونيو 2019

عبد الجبار الفياض

خارج خيمة المربد

فلسفة الشعر والإبداع
 الزمن الشاقولي الذي يخترق القصائد في صراعها الدرامي  .
 تجليات الشاعر الجليل  عبد الجبار الفياض ..
 قصيدة : (( أمير من أور )) مهداة لروح الشاعر البصري حسين عبد اللطيف إنموذجاّ :

تقديم :
 الشاعر والناقد المغترب  نعمة يوسف السوداني – هولندا

في كل قراءة جديدة  لنصوص  الشاعر (( عبد الجبار الفياض )) نجد بأنها تحمل في طياتها  فلسفة خاصة تعبر عن صراع الماضي بحاضر اليوم عبر سفر مضنٍ مع كل الأزمنة والعصور القديمة , يوظف فيها الشاعر من خلال الرموز التاريخية والدينية  والأساطير  وسائله للتعبير عن رؤاه الفياضة , وتضمينها  بكل ما حدث واسقاطها على الواقع  المعيش , وهي وسيلة تسطيح الأعماق ومحاولة تغيير لابد منها لواقع تشابكت أحداثه إلى حدّ التّأزم .
 شاعر كأنه لاينتمي لزمن معين , إنما هو يعيش كل الأزمنة  بمتغيراتها  : الفوضى , الجوع , الظلم , القلق,مروراً بالغيبيات التي أقلقت وتقلق حال الأنسان وترسم أمامه تساؤلات أعيت عقول الفلاسفة  ,  ينسج  خيوط صوره الشعرية  ببراعة وبمعرفة  كي تحفر بالذاكرة الجمعية , ثم يعيد  ترتيبها  بطريقته الفنية كأنها معلقة شعرية  سردية من نوع خاص  تعتمد على  حبكة  متعددة العقد تسير بالأحداث منذ القدم لليوم بصناعة  فريدة  متميزة ترتكز على تداعيات كثيرة  تجمع بين اطراف الأزمنة وهذا هو الأصعب في تناول الأحداث في القصائد الشعرية ..

في هذه القصيدة (( أمير من أور )) المهداة لروح الشاعر البصري حسين عبد اللطيف  نرى بأن شكل القصيدة هو جزء رئيس واضح  يعبر عن المتون والتنقلات والسرد  التي جاءت عبر كل تداعيات الأحداث ,وعليه  يقع العبء والتأثير الجمالي  الذي يتناوله الشاعر في القصيدة  على القاريء , أنطلاقا من أن المضمون  يصنع شكله الخاص
 (( كمعلقة تأريخية )) ..
هكذا نتعامل مع  قصائد الشاعر في تحليل ما يكتب من رؤية جمالية  موضوعية  يقدم لنا فيها معطيات القصيدة بقصدية لا غبار عليها ولا لبس !
كل الأزمان التي جاءت في هذه القصيدة هي ما يورق فيها الرماد  والموت  والطوفانات المتعددة والمآسي مجتمعة بألم سومري لتصل زمن الموت المجاني في حاضرنا المختنق بزيفه  . . .
فالشاعر  الفياض  يقدم مرثية أوجاع  لكل حي وميت لقبور لا تجمعها مقبرة ,  كانها من مرثية سومرية توالدت بعسرة في تاريخ البشرية , هي الملامح نفسها تلك  التي عاشها الانسان العراقي في امسه لمّا تزل شاخصة ليومنا هذا . .

                    ( أمير من أور )

    الى روح الشاعر حسين عبد اللطيف

الزّمنُ
أُنثى حينَ يولدُ الكبار
تَكتِمُ آلامَ طَلْق
تقرّ عيْناً . . .
مَنْ هذا الملفوفُ بخرقةِ حُزنٍ بصريّ ؟
لم يكنْ مُسودّاً وجهُ أبيه . . .
عن بسمةٍ غامضة
انفرجتْ شِفاه
كأنَّها عرّافٌ
يُنبئُ أنْ قادمٌ
يعصرُ في كأسِ العشّارِ شعراً . . .١
أهو النّواسيُّ
يولدُ صفراءَهُ دواءً 
يخنقُ النّظّامَ بحبلِ فلسفتِه ؟ ٢
. . . . .
أيّتُها الحُسنُ المطمورُ تحتَ رُكامِ النّسيان
يا نفسَ ابن بحرٍ في تبيانِه . . .
استودعَكِ عينَهُ الخليل٢ . . .
أبنُ قريبٍ
صوتَ صفيرِ بلبلِه . . .
كُلَّ ما رسمَهُ السّيابُ على وجهِ صباحاتِكِ النّديّة . . .
يتهاوى في سمائِكِ اليومَ نَجم
فلَتَ من مدارِه
ليبدأََ رحلةَ ملكٍ بابليّ عن عُشبةِ البَقاء . . .
إنّكِ الآنَ أوسعُ قليلاً من قبْر . . .
هذا أميرٌ من أُور ٣
ليس في العالمِ ما يُشبُهُ زقورتَه . . .
يُورقُ في رماد . . .
فهل كتبَ الطّوفانُ انشودةً لشمسٍ بثوبٍ من أوروك ؟
أيُنكرُ طينةَ ولادتِهِ ما تدلّى من قطاف؟
بنجومِها
تتباهى السّماء
لكنَّها تغازلُ الأرضَ برسائلِ المَطر . . .
أليسَ للثّرى نجومُهُ كذلك ؟
. . . . .
إبنُ الرّيب
يشكُّ رمحَهُ في خاصرةِ موتِه
يهزءُ بكفنٍ يتوعّدُه . . .
كذاكَ أنتَ
ترسمُ داءَكَ لحداً . . .
تنادمُه
مَديناً
ثُقبتْ كُلُّ جيوبِه . . .
لكنّهُ لا يمدُّ يداً تتسوّل . . .
لتطحنْ دنيا
شاحتْ بوجهٍ أرضاً غيرَ ذاتِ حَرْث 
ما تبقّى من بقايا
سأمَ منها فِراشٌ
كرهتْها ملاعقُ الدّواء . . .
غيرَ أنّكَ
وعقاربَ السّاعةِ
تمضغُ وجعَكَ بهدوء
رفضتَ أنْ تبتلعَ أقراصَ المواساة  . . .
. . . . .
حروفُ رثاءٍ صدفيّة
تُدافُ بمَا لا يُشبعُ جوعاً لزغبٍ تحت هاجرةِ قيْظ . . .
بجزعٍ باهت
كما لو أنَّ صوتاً في قاع جبٍّ
يُخنق . . .
همهماتٌ خافتة
على روحهِ
الفاتحةُ
قعوداً . . .
وهل تستقيمُ قامةٌ في زمنِ الإنحناءِ إلآ ما تجذرَّ لنقاء؟
. . . . .
أيُّها ذا المنحوتُ من ألمٍ سومريّ
كيفَ توسدْتَ الموتَ في زمنهِ المجاني ؟
نازلَتَ قَدَراً معصوباً بوعيد ؟
سائراً نحوَ الشّمسِ حافياً بقميصِ نبيّ
أتعبتْهُ متاريسُ يأجوجَ ومأجوج . . .
أقدامٌ متورّمة
عبرتْ بؤسَ التّعساء . . .
لم تُوقفْها سلاسلُ
شرِبَتْ صبرَ ثائرٍ في قطارِ الموتِ جُرحاً لدواء . . .
. . . . .
أُمسيةٌ
تصدّعتْ بما لم تألفْهُ أذنٌ من قبل . . .
هذا شارعٌ طويل
استعبدَ قدميْكَ طفلاً
سخرَ من خطوِكَ شيخاً
يحملُ بؤسَ مدينتهِ همّاً في قلبِ أمِّ موسى   . . .
أُعطيةٌ لكَ من أُجَراء
يلبسونَ عُريَهم بلا استحياء !
حسين عبد اللطيف
مدرسةٌ ابتدائيةٌ بحروفٍ داكنة
ستُطبعُ آلامُكَ الكاملةُ في موسوعةِ الرّاحلينَ بلا حطامٍ من وَطن !
أوَ تحزنُ بعدَ هذا الثّراءِ المُحيط ؟
كذا
تنتهي القصائدُ قيْحاً في بيوتِ صفيحٍ جاثيةٍ على ذهبٍ أسود . . .
لا أحدَ يدفعُ عنها ضريبةَ النّسيان . . .
. . . . .
بعيداً عن سنواتِ قراقوش الخُنثى
حيثُ لا يعرفُ اليومُ اسمَ أبيه
ولا السّاعةُ في أيَّ رحمٍ تستقرّ . . .
لترقدْ بسلام
لم ترَ عيوناً
هامشاً
كانتْ تراك  . . .
محظوظٌ أنت
إذْ لم ترَها بعدَ الآن . . . !
حلّقْ بأجنحةِ النّوارس
دعِ الغربانَ تقتسمُ الخَراب . . .
عشتَ صديقاً للحُفاة
ليدٍ تصنعُ رغيفَ الكفافِ من وجعِ النّهار
للعائدينَ مِنْ حربٍ ببطنِ حرب . . .
غادرتَ
بحقائبَ لم تُفتَح
إلى محاق . . .
ما من عينٍ صافحتْ ملامحَك يوماً إلآ دمعتْ . . .
قد يعني الغروبُ شروقاً جديداً . . .
الموتُ
يستبدلُ هويتَهُ في سومر !
. . . . .


عبد الجبار الفياض
 نوفمبر/2018

١ - قلب مدينة البصرة .
٢- هو إبراهيم بن سيّار بن هانئ النظّام البصري، وُلد فيالبصرة، واختُلِف في عام ولادته اختلافا كبيرا، واشهرها ما بين عام 160هـ و185  تتلمذ في الاعتزال على يد أبي الهذيل العلّاف، ثم انفرد عنه وكوّن له مذهباً خاصاً ، وكان أستاذ الجاحظ. توفي في بغداد،
وقول ابي نؤاس فيه :
فقل لمَنْ يدّعي في العلمِ فلسفةً 
حفظتَ شيئاً وغابتْ عنكَ أشياءُ
٣_ كتاب العين الشهير الفراهيدي.

٤ - ديوان للشاعر حسين عبد اللطيف بهذا الإسم( أمير من
اور) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق