الخميس، 20 يونيو 2019

بقلم محمد اديب السلاوي

التعاشق بين الحرف والتشكيل
في إبداعات محمد البوكيلي.


أدرك الفنان محمد البوكيلي مبكرا، أن الحرف العربي أبرز مظاهر العبقرية الفنية عند العرب، وأنه كان وما يزال وسيلة للمعرفة وللإبداع وللتشكيل.
وأدرك هذا الفنان أيضا في وقت مبكر من سيرته الإبداعية، أن الحرف العربي هو تشكيلي إبداعي في أصوله وقيمه ومقوماته وعناصره الجمالية، يجدب بصيرة المتلقي قبل بصره.

هكذا وجد الفنان البوكيلي نفسه، بعد تخرجه من معهد تطوان (سبعينيات القرن الماضي)، يطوف بالحرف العربي، يناوشه، يشاغبه، يخاطبه من حين لآخر إلى أن وجد نفسه منساقا إلى حمولته، يخط بأصنافه الجمالية لوحات صامتة، قبل أن يتفرغ إلى الأعمال الناطقة  بأسماء الله الحسنى وبآيات الرحمان.
في سلسلة لوحاته التي تحمل هذا العنوان " الرحمان" اشتغل على أصناف الحروف العربية، من الكوفي إلى الرقعي، ومن الديواني إلى الثلث والفارس، ليعطي للرحمان صيغتها التراثية والجمالية.

ومن أجل تأكيده، على أهمية الحضور الجمالي للكلمة المقدسة في التراث الإسلامي، أنجز موسوعة حروفية نادرة المثال، من خلال رسم سورة الرحمان،بدلالاتها اللغوية والروحية والتربوية.
وبالرجوع إلى هذا العمل المتميز، سنجد أن الخط العربي بزخاريفه وتداويره وحركاته الموسيقية، قد تحول إلى فن روحي دقيق الدلالة، ينقل العواطف الكامنة في النفس، ويفصح عنها للمتلقي بجاذبية روحية وإبداع تشكيلي.

وبعيدا عن لوحات الرحمان، سنجد أعماله الإبداعية الأخرى التي تسبح في الذات الإلهية، تؤكد أن الحرف العربي، هو من تشكيلي فن أصوله وقيمه ومقوماته وعناصره الجمالية، حيث يعطي المتلقي لوحات كتابية متعددة الألوان والمضامين الفكرية والجمالية والروحية، من ذات الحرف، ومن حمولته التشكيلية.

الفنان محمد البوكيلي في مسيرته التشكيلية، أصر على استخدام السمة الروحية الكامنة في الحرف العربي، إذ استطاع أن يعكس تماما حسه الفني المرهف، من مكونات الحرف العربي الصارمة في بنائها الهندسي وقدرتها على التشكيل، والتي تستطيع أن تتضمن معنى باطنيا يسمو على معناه اللغوي.

لاشك أن ما أنجزه الفنان البوكيلي خلال العقود الأربعة الماضية في المجال الحروفي، يعد انجازا إبداعيا متميزا بكل المواصفات، من أجل حفظه وصيانته على وزارة الثقافة، أن تضعه ضمن التراث الوطني / أن تعمل على نقله إلى المتحف الوطني / وأن تضعه أمام النقاد والباحثين وطلبة الفنون التشكيلية لقراءته ودراسته ووضعه في الموضع الفكري / الثقافي / الإبداعي الذي يستحقه.

إن انجازات الفنان محمد البوكيلي، التي تحتضنها اليوم مؤسسته بمدينة القنيطرة، عليها أن تخرج إلى الوجود وأن تضعها وزارة الثقافة أمام الجمهور الواسع ليس فقط من أجل التفرج عليها، ولكن أيضا من أجل استفادة الأجيال التشكيلية الصاعدة من حمولتها الفنية والجمالية والروحية...إنها تراث أصيل...

أفلا تنظرون...؟

محمد اديب السلاوي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق