الاثنين، 21 يناير 2019

بقلم مجد الدين سعودي

قصة ( لص القلوب ) للناقد و القاص عبد الرحمن الصوفي :  ( كليلة و دمنة ) .. بصيغة أخرى ، أو عندما يتم استغلال العالم الافتراضي لأغراض دنيئة ...
------------------------------------------------------
الناقد والقاص عبدالرحمان الصوفي 
م

تقديم :
--------
عبد الرحمن الصوفي كاتب من العيار الثقيل ، ناقد متمكن من أدواته النقدية و المعرفية و العلمية ، قارئ مدمن لكل الكتب و الدراسات و المفاهيم و المصطلحات ، مثقف عضوي و حقيقي ، يشتغل في صمت الكبار و يكتب بعنفوان المبدع و شهقات المعرفة ...
-------------------------------------------------------------------------
في العنوان :
-----------
عنوان زئبقي و منفلت ، تحايل المبدع ليصدم القارئ ، عنوان جميل يخفي بين طياته الشيء الكثير ، نحن أمام عنوان صوفي لأديب يعرف ما يكتب و ما يريد ، فلا داعي للقراءة السطحية و الهامشية ، نحن أمام كاتب عملاق ، يوظف الرموز و الاشارات الابستيمولوجية و غيرها لتمرير خطابات هادفة ...
لنتعمق أكثر في العنوان : ( لص القلوب ) ...
العنوان يتكلم من كلمتين : 
( لص )  : و اللص يبقى لصا ، سواء كان وسيما أو قبيحا ، ارتدى قفازا ناعما أو أظهر يديه الخشنتين ، سواء كان لص مال عام أو خاص ، لصا يسترزق من الانتخابات أو السياسة أو ...
( القلوب ) : و تحيل في أغلب الكتابات العادية على الحب و العشق وووو ...
لكن مع عبد الرحمن الصوفي ، ( لص القلوب ) ، بطعم آخر ...
في الوهلة الأولى يخيل للقارئ أن القصة ستدور حول رجل يسرق قلوب عشيقاته عبر وسامته و أسلوبه الجميل ، سيظن أن القصة حول زير نساء ....
لكن مع عبد الرحمن الصوفي في ( لص القلوب ) ، سنكتشف لصا آخر ، لص يسرق فعلا قلوب ضحاياه و يقتلهن بعد أخذ قلوبهن ، و القلب هو مصدر الحياة ، ثم يهرب به و يترك الضحية جثة هامدة و مرمية  ...
( لص القلوب ) لعبد الرحمن الصوفي ، هو زير نساء من نوع خاص ، هو دراكولا القلوب و مصاص دماء ضحايا يبحثن عن الثروة و الجاه و الأحلام القاتلة ، و مستغلا العالم الافتراضي للإطاحة بضحاياه و الوصول الى غاياته الدنيئة ...
----------------------------------------------------------------------------
في التسلسل الحكائي :
---------------------
سار عبد الرحمن الصوفي على طريقة السرد المتعارف عليها ، فتسارعت وتيرة الأحداث المحبوكة جيدا عبر عقدة جميلة ، و تواجد أبطال افتراضيين لكنهم قريبون من الواقع ، و شخصيات قوية وأخرى ضعيفة و شخصيات هامشية ، و وجود أفكار مشحونة بالحكي و العبر ... 
-----------------------------------------------------------------------
في توظيف العالم الافتراضي  :
-------------------------------
ذكاء الكاتب عبد الرحمن الصوفي يبدو جليا في استغلال الفضاء الافتراضي ، عبر ملامسة قضاياه و ايجابياته و سلبياته ، و تحذير القراء من هذا العالم الغرائبي و العجيب :
(  اشترى لها هاتفا ذكيا كانت يدهما من اختارته ، اعجبت به غاية الإعجاب ، انه النسر الذي ستركبه ويحلق بها عاليا في العالم الافتراضي...لم تجد صعوبة في تعلم سرعة النقر على شاشة البصمات ، الآن ستحقق أول أمنية لها ، فتح حساب في الفيس بوك ... ) .
و كذلك : (  وانفتاحها لتكسب أكبر رقم من الأصدقاء والجيمات والتعليقات ، لم يخب طموحها تقاطرت عليها طلبات الصداقة من كل بقاع الارض ، تحقق الحلم وأصبح حقيقة ... ) .
و كذلك : (كان بين هؤلاء رجل متوسط العمر ، اسم صفحته ( سارق القلوب )  ...
نحن اذن في فضاء العالم الافتراضي و زمننا الممتلئ بالذئاب ...
---------------------------------------------------------------------------
في مصداقية السرد :
-----------------------
عندما تقرأ قصة ( لص القلوب ) ، تحس بأنها قريبة منك ، نعيش أحداثها كل يوم و بطرق مختلفة ، نعيش  في العالم الافتراضي الممتلئ بالحيل و الخديعة و المكر ، فعالم الفايسبوك أصبح موبوءا و ملاذا للمنحرفين و النصابة و غيرهم ، و قد أجاد الكاتب عبد الرحمن الصوفي في سرد الحكايات للبطلة غير المتوجة ، و له قدرة كبيرة على وصف الأحداث و تسلسلها بأسلوب بسيط و معبر في نفس الوقت .
--------------------------------------------------------------------------------
في متعة القراءة :
---------------
و تتجلى في جعل الكاتب عبد الرحمن الصوفي قصته ( لص القلوب ) محبوكة جيدا ، فالكاتب خبر كل فنون السرد و تعمق في دراسة الأجناس الأدبية و نقدها ، لهذا أمتع القارئ بكل فنون السرد و تقنياته من حكي و تشويق و عقدة و حبكة و صراع و زمان و مكان ... كما نجح الكاتب في اظهار الضعف العربي أمام الاغراء الغربي .
--------------------------------------------------------------------------
في الاختيار الناجح لأسماء الشخصيات :
--------------------------------------
انطلق الكاتب عبد الرحمان الصوفي من الواقع المعاش و اختار أسماء أبطاله من واقعنا : فنجد ( سعيدة النكافة ) و ( خديجة النكافة ) و ( سارق القلوب )و ( بوش ) و ( قابيل ) و ( عربية ) ، و هذا الاختيار ليس اعتباطيا عند الكاتب ، بل هو اختيار ذكي ، مما يجعل القصة قابلة للتأويل السياسي و لتعدد القراءات ، فبوش الأمريكي هو الذي عاث فسادا و حربا و دمارا  في العراق ( عربية )  ، بتواطأ مع عرب آخرين ...
و من خلال لعبة الأسماء و الشخصيات و الأحداث المتعاقبة في قصة ( لص القلوب ) ، يتبادر الينا أن الكاتب يمرر لنا رسائله المشفرة لنأخذ العبرة من التاريخ ...
--------------------------------------------------------------------
خاتمة بطعم صوفي :
---------------------
عالم سي عبد الرحمن الصوفي الابداعي و الأدبي و النقدي ، هو عالم مدهش ، هو كالساحر الذي يخرج من قبعته عدة أشياء ، فمرة يدهشنا بكتاباته النقدية الجميلة ، و مرة يتحفنا بقصصه و خواطره الدالة ، و مرة يفرحنا بلذة نصوصه و جمالية كتاباته ، لهذا نقرأ نصوصه بتمعن و روية ، لأن في أعماقها العبر و الحكم ..
-------------------------------------------------------------------------
مجدالدين سعودي
كاتب و اعلامي و ناقد مغربي
---------------------------------------------------------------------------

قصة قصيرة : بقلم عبدالرحمن الصوفي -------------لص القلوب ------------------
أنهت سنتها الدراسية الثانوية بتفوق ، وجدت أباها عند تنفيد الوعد ، اشترى لها هاتفا ذكيا كانت يدهما من اختارته ، اعجبت به غاية الإعجاب ، انه النسر الذي ستركبه ويحلق بها عاليا في العالم الافتراضي...لم تجد صعوبة في تعلم سرعة النقر على شاشة البصمات ، الآن ستحقق أول أمنية لها ، فتح حساب في الفيس بوك الذي كان فأل خير على ( سعيدة النگافة ) ، هكذا كان يسميها الناس سابقا اما الآن فإنها أميرة عند احد أمراء الخليج..لقد جلب لها الهاتف الذكي السعد وهي ستقتدي بها وتقلدها في كل شيء ...من أجل تحقيق هذا الغرض اختارت أجمل صورها ووضعتها على صفحتها لا تريد لا كذبا ولا تزويرا ، جسدت الحقيقة كاملة أمام فارس الاحلام المنتظر ، زينت كل الصور ابتسامات وردية تقرأ عليها ملامح الجمال والأناقة وعنفوان الشباب..استعملت رجاحة عقلها ورحابة صدرها وتفتحها وانفتاحها لتكسب أكبر رقم من الاصدقاء والجمات والتعليقات ، لم يخب طموحها تقاطت عليها طلبات الصداقة من كل بقاع الارض ، تحقق الحلم وأصبح حقيقة ...
كان بين هؤلاء رجل متوسط العمر ، اسم صفحته ( سارق القلوب ) أشقر البشرة يكتب رسائله لها بلغة أجنبية صعبت عليها التواصل معه...كان عند كل ظهور له يهديها ورودا من أبهى والورود السحرية..استأنست وتعودت انتظار ساعة الأزهار المتساقطة عليها إعجابا من المحب المتيم .. وحين كان يتأخر أو لا يظهر تشعر بعصبية كبيرة وتبقى كالمجنونة تبحث عن شبيه لوردها على جداريات الصفحات ، ولما لاتجد تسجل شعورها الحزين وتشاركه الأصدقاء والعامة..يصلها تعليق المتعاطفين بالجملة ، ترد عليهم بلباقة ، توضح لهم أن سبب حزنها هروب قطها الجميل من المنزل..تتقاطر عليها مختلف صور القطط إرضاء لها..تنام متأخرة وذاكرتها تعد وتحصي أشكال وأنواع الورود التي في حوزتها منه...تستيقظ صباحا أول ما تلمس يدها شاشة الهاتف ، فتجده يعتذر مرسلا باقة من الورد..قررت أن تتعلم بعض الكلمات من لغته حتى يمكنها التواصل معه ، تأتى ذلك بسرعة ..لم يدم التواصل إلا أياما فاجأها ، ثم فاجأها الشاب الأسقر بطلب يدها للزواج ، كان يلح عليها ولم يترك لها فرصة للتفكير..
قبلت طلبه دون تمنع ، كما فعلت ( خديجة النگافة ) تماما ، تزوجت أميرا في السبعين ، وأنقدت نفسها من وحدة القرار. المهم هزمت البطالة والفقر والعنوسة ، فارس أحلام لا يمكن رده .. ذلك كان هدفها ، واليه كانت تسعى . أحست بنشوة الفرح تداعب أصابع قدميها وقسمات وجهها ..تحمر الوجنتان من السعادة و الخجل . سألته وهي تتواصل معه على الشاط ..قلبها فيض شلال من العواطف ( ما اسمك ، لا تقل لي ( اسمك لص القلوب )) ، رد عليها دون تكلف مؤكدا ( لص القلوب وقبك أصبح ملكي ) ..كادت تطير من الفرح حبها أصبح قوس قزح يعانق ضباب الخلجان . شجعته مبتسمة ( سامنحك قلبي دون عناء السرقة ! ) . سألها بدوره عن اسمها ، اجابته بالسرعة اللازمة، ( اسمي ، (عربية ) وهو اسم صفحتي الشخصية الفيسبوكية ) ، كرر الاسم ناطقا حرف العين ألفا ، تهللت أسارير وجهها ، أحست بالغبطة . كررت طلب التعرف على اسمه ، كان جوابه ( بوش ) ، ضحكت وهي تمنحه قبلة هوائية معروفة في عالم الشاط ، ( بوش الأب أم بوش الابن !؟ ) ، بقي متمسكا بالابتسامة وهو يمنحها برهة من الغزل الذي تفصله مسافات ضوئية بين العشيقين ، طلبت منه تحديد وقت الخطوبة ، أكد لها استعجاله ، قالت ( خير البر عاجله ) . لم يمنحها فرصة إشاعة الخبر بين الأهل والاحباب ، وتجهيز نفسها لليوم الموعود حتى هاتفها من المطار يدعوها للقائه ، أخبرت الأسرة التي أصبحت في حالة استنفار استعدادا لاستقبال ضيف جاد به الهاتف الذكي عالمه الافتراضي ..
تعرفت عليه في المطار بسرعة لأنه يشهر لوحة مكتوب عليها ( لص القلوب ) . حيته بوداعة ، رد عليها التحية ، أرادت أن تساعده في حمل الحقيبة التي تصحبه ، تود أن تفعل مثل المرأة العربية الخدومة للرجل ، رفض وعلل بأنها خفيفة الوزن . قبل أن يصلا باب المنزل شاع الخبر ببن الجيران ، يؤكد مجيء دكتور جراح متخصص في زراعة القلوب لخطبة ( عربية ) . الكل كان متلهفا لمعرفة هذا الحظ والسعد الذي جادت به صفحة الفيسبوك .. ارتفعت زغاريد النسوة ، واستقبل ( الدكتور بوش ) بالثمر والحليب جريا على العادة . على أنغام فرقة گناوية قدم لها خاتم عربون المحبة . كان عارفا بشروط الزواج ، لم يترك لها فرصة تدعوه فيها للدخول للإسلام ، بل بادرها بالقبول بالشهادتين . حضر حفل الغداء إمام المسجد والكثير من سكان الحي ، أسلم على أيديهم وسموه ( قابيل ).
قبيل الغروب خرجت مع خطيبها لزيارة المدينة، وبعد أن أصابهما العياء اقترح عليها التعرف على النزل الذي سيقيم فيه ، لم تمانع مادامت الزيارة لن يطول وقتها لأن الأهل ينتظرونهم على العشاء ..أخذ بيدها ودخلت معه الغرفة المحجوزة باسمه ، من واجب الضيافة أن يقدم لها مشروبا ، شربته فوجدته في غاية اللذة ..انتظرت الأسرة (عربية) لكنها لم تعد إلى المنزل ، وفي الصباح نشرت الجرائد الخبر التالي :
( وجود فتاة ميتة ، بعد سرقة القلب من الجسم ) .
عبدالرحمن الصوفي.
بقلم مجد الدين سعودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق