وفاة أخي
ثمة نهران التقيا ، فأوردا جدولين جميلين يصبان في أرض لم تكن مؤهلة لمصبهما، كان احداهما يكبر بمصب أخيه بسنوات قليلة .
قبل أن يموتا والديهما، لم يكونا نهرين، كانا بعينين يسودهما كحل ضفافهما بأبوية أكبر من ان تكن رائعة، كانا يحلمان بولديهما كما تحلم النوق بفصيلها.
ما كان لفوارغ الصمت أن تحيك لقلبه المزيد من الفجا ئع بعد أن أصمه خبر وفاة والديه فى حادث مروع حد التحجر .
ودعهما بقلب هزيل ودموع حارقة ، الصدمة غيرت خارطة حياته، وألف الاعتكاف بذكراهما كل مساء ليعتصر الصبر شوقا؛ أملا أن يدفع عن قلبه برد فقد انهما بقبص من الماضى، وهو يعلم أن بتر القلب هو بتر الوجع ، وأن كبرياء مفارقة الوجع كعصاة سليمان.مهما صمد فالليل أكله.
بقى الصغيران بلا أهل ،بلا دخل، قرر الصبى الآكبر بتر دراسته والنزوح إلى سوق العمل .
عكف الصبى على تربية أخاه وتكملة مشوار والده ، وافنى مشوار دراسته مؤقتا ليكمل مشوار اخاه.
عمل فى الورش الميكانيكية ، وأظهر رجولة متقدمة، وأد احلامه دفنها مع والديه، من أجل تربية اخاه الذى يصغره بأ ربعة أعوام، كان الأخ الصغير مازال فى الصف الرابع الآبتدائى .
تتركز فى أعماق ذاكرته كلمة والده: خلى بالك من أخوك، أهتم به، لا تتركه وحيداً، كما لو أن والده كان يعلم أن العمر قصير .
كان يعلم أنه مهما صبر فالليل طويل، ومشواره مع أخاه يحتاج اميالا من الصبر.
ظل يحمل على عاتقه حسن تربية الأخ الأصغر، سنوات طويلة.
عانى كثيرا بين عمله ومراعاة الصغير، كان بعد عناء عمله الطويل يسهر اوقات اضافيه فى المنزل بين التنظيف واعداد الوجبات والمذاكرة مع الصغير ثم يذهب إلى فراشة منهك القوى يقتله الاجهاد.
مرت الأيام والسنون ، وكبر الأخوان معا، بعد طول جهاد، وعناء ، وصبر، وتخرج الصغير من كلية الطب، ،سر به اخاه، و الشقيق الأكبر أكمل هو الاخر دراسته فى المنزل ولكنه درس فى كلية نظرية.
وأحس بعد عناء طويل أنه أدى رسالته ، ونفذ وصية والده.
وتمضى الآيام بعجلات مسرعة ، يتكرر غياب الصغير عن المنزل بحجة العمل ،عندما يتملك الشوق من خافق الاخ الآكبر لرؤية الصغير يقرر الذهاب له فى مقر عمله، ينظر إليه عن بعد، يرأه وقف مع زملاءه يرتدى ما يميز الأطباء ،سروال أبيض، يخفق قلبه منتشياً ؛ بنجاح زراعته وازدهارها، يقف بعيداً ينظر إلى الصغير فى إنبهار، يرسل إليه بعض نظرات الفخر والآعجاب تحتضنه وتنعش اساريره.
فجاءه ينتبه الصغير لوجود أخاه ، فتتغير ملامحه، ويملئ العبوس محياه ، مشيرا إلى الأخ الأكبر بزاوية عينه بالآنصراف.
يمضى الأخ الكبير يعتصره الألم، لأنه لم يستطع سماع صوت الصغير، ولم يثلج صدره بضمة تثلج صدره وتطفئ لهيب شوقه و بعده .
يبقى الأخ الأ كبر وحيداً يشتاق إلى رؤية الصغير وحيائه يمنعه من الذهاب لرؤيته أو إحراجه .
زهدت نفسه كل شئ وتلونت الأشياء أمامه بألوان باهته، يتسلل إلى قلبه شئ من حزن، وأتشحت الدنيا بلون اليأس، وارتسمت على خارطة وجهه علامات حزينه، قام من مرقده وقرر الخروج إلى الهواء الطلق، وتغير روتين أيامه، وتناول الطعام فى خارج المنزل، في أحد المطاعم، لكسر الملل والحزن الذى تسلل إلى حياته .
دلف إلى المطعم، تقدم أقرب طاولة، جلس يتصفح قائمة الطعام ،
وعندما استقر على طعام، نظر إلى الشيف ليخبره بالآختيار، على مرمرى بصره رأى اخوه يجلس مع فتاة التي كانت قف بجواره في المستشفى.
وقف من ثبات ونظر إلى اخاه نظرات عتاب، واستنكار، أشاح الصغير بوجهه فى الإتجاه الآخر، خرج من المطعم يعتصره الألم، والندم على عمره وأحلامه من أجل الصغير.
فى الطريق تنزلق الدموع مواسية وعاتبة، والنفس تهدهد اساريره وتهدئها ،والعقل يعنف ويعاتب قلبه، والقلب يرفض اللوم أو الحزن.
يقف قبالة النيل يعاتبه، شاخص النظر إلى زرقة مياهه قائلا : لماذا يانيل طعم مياهك صار مر؟ وطعامنا الذى ترويه بمائك صار ماسخ كأيامك ؟ حتى صارت نفوسنا مريضة، وتشتت معانينا، وتاهت معها سعادتنا .
انتبه من شروده إلى يد تربت على كتفه، فأستدار فوجده صديق عمره وطفولته
تعانق الصديقان، وفهم أنه رجع من الخارج كان يكمل دراسته هناك وبعد السلام الحار و مزيد من القبل الحارة لفراق السنين، سأله صديقه ماذا بك اراك باكيا
لماذا ؟
أجاب الأخ الأكبر: أخى الصغير مريض بمرض خطير.
أردف الصديق : إن شاء الله ربنا يشفيه، وحشتنى جدا، لن أقبل أعتذارك لى.
سأله : عن ماذا؟
أجاب الصديق : أن تقضى اليوم معى أريد أن أعوض ما فا تنى فى الغربة، أقضى معى اليوم، سري عني واسري عنك.
ركبا الأثنان عربة الصديق ومضى معا يوما ممتعا، تجولا فى معظم شوارع القاهرة، وتناولا الطعام أكثر من مرة، ومع ظهور أول خيط من ضوء النهار، قرر الصديقان العوده إلى منازلهم ، وأمام منزل الأخ الأكبر وقفت عربة الصديق ونزل لتوديع صديقه قائلا: يوم الخميس زفاف شقيقتي هستناك.
قال الأخ الأكبر : حاضر .
فى حفل الزفاف لمح الصديق الأخ الأكبر دالفا إلى القاعة، هرول عليه معانقا.
قال الاخ الاكبر: الف الف مبروك عقبالك، فقال الصديق : لا عقبالك اولا أقبل كى تهنئ شقيقتى .
وتقدم الصديقان من بدج العروسان وهنئ الأخ الأكبر العروس متمنيا لها مزيد من الفرحة والحياة الهانئة، ومن خلفه أقبل العريس كان يسلم على بعض زملائه ،
فأستدار لتهنئته ومد يده للمصافحة، وهنا الجمت المفاجاءة فاه.
وقفت الكلمات فى حلقه ، إنه أخاه ونزلت دموعه مسترسلة تباعا،
تقدم صديقه وقال للشقيق الأكبر : أعرفك دكتور أحمد زوج شقيقتى ، واستدار بوجه إلى الشقيق الآكبر وقال موجها
حديثه للعريس: أعرفك يا عريس هذا اروع صديق لى واحسن صديق لى إنه يعلوا مرتبة الأخ والحبيب إنه صديق طفولتى وصديق عمرى، أحبه واحترمه جدا ولو أننى عندى شقيقة أخرى ما بخلت بها عليه وأنا مطمئن، لأننى اهديها بأروع هديه .
هرول الأخ الأكبر مسرعا.
هرول فى أثره الصديق وامسك به من دبر فوجده يبكي بكاءا صامتا.
سأله فى ذهول ودهشة: ماذا بك أنت تبكي.. لماذا ؟
هل شقيقك بخير؟ فعلى صوت بكاءه قائلا : لقد تلقيت الأن خبر وفاة أخى.
فاطمه مندى
ثمة نهران التقيا ، فأوردا جدولين جميلين يصبان في أرض لم تكن مؤهلة لمصبهما، كان احداهما يكبر بمصب أخيه بسنوات قليلة .
قبل أن يموتا والديهما، لم يكونا نهرين، كانا بعينين يسودهما كحل ضفافهما بأبوية أكبر من ان تكن رائعة، كانا يحلمان بولديهما كما تحلم النوق بفصيلها.
ما كان لفوارغ الصمت أن تحيك لقلبه المزيد من الفجا ئع بعد أن أصمه خبر وفاة والديه فى حادث مروع حد التحجر .
ودعهما بقلب هزيل ودموع حارقة ، الصدمة غيرت خارطة حياته، وألف الاعتكاف بذكراهما كل مساء ليعتصر الصبر شوقا؛ أملا أن يدفع عن قلبه برد فقد انهما بقبص من الماضى، وهو يعلم أن بتر القلب هو بتر الوجع ، وأن كبرياء مفارقة الوجع كعصاة سليمان.مهما صمد فالليل أكله.
بقى الصغيران بلا أهل ،بلا دخل، قرر الصبى الآكبر بتر دراسته والنزوح إلى سوق العمل .
عكف الصبى على تربية أخاه وتكملة مشوار والده ، وافنى مشوار دراسته مؤقتا ليكمل مشوار اخاه.
عمل فى الورش الميكانيكية ، وأظهر رجولة متقدمة، وأد احلامه دفنها مع والديه، من أجل تربية اخاه الذى يصغره بأ ربعة أعوام، كان الأخ الصغير مازال فى الصف الرابع الآبتدائى .
تتركز فى أعماق ذاكرته كلمة والده: خلى بالك من أخوك، أهتم به، لا تتركه وحيداً، كما لو أن والده كان يعلم أن العمر قصير .
كان يعلم أنه مهما صبر فالليل طويل، ومشواره مع أخاه يحتاج اميالا من الصبر.
ظل يحمل على عاتقه حسن تربية الأخ الأصغر، سنوات طويلة.
عانى كثيرا بين عمله ومراعاة الصغير، كان بعد عناء عمله الطويل يسهر اوقات اضافيه فى المنزل بين التنظيف واعداد الوجبات والمذاكرة مع الصغير ثم يذهب إلى فراشة منهك القوى يقتله الاجهاد.
مرت الأيام والسنون ، وكبر الأخوان معا، بعد طول جهاد، وعناء ، وصبر، وتخرج الصغير من كلية الطب، ،سر به اخاه، و الشقيق الأكبر أكمل هو الاخر دراسته فى المنزل ولكنه درس فى كلية نظرية.
وأحس بعد عناء طويل أنه أدى رسالته ، ونفذ وصية والده.
وتمضى الآيام بعجلات مسرعة ، يتكرر غياب الصغير عن المنزل بحجة العمل ،عندما يتملك الشوق من خافق الاخ الآكبر لرؤية الصغير يقرر الذهاب له فى مقر عمله، ينظر إليه عن بعد، يرأه وقف مع زملاءه يرتدى ما يميز الأطباء ،سروال أبيض، يخفق قلبه منتشياً ؛ بنجاح زراعته وازدهارها، يقف بعيداً ينظر إلى الصغير فى إنبهار، يرسل إليه بعض نظرات الفخر والآعجاب تحتضنه وتنعش اساريره.
فجاءه ينتبه الصغير لوجود أخاه ، فتتغير ملامحه، ويملئ العبوس محياه ، مشيرا إلى الأخ الأكبر بزاوية عينه بالآنصراف.
يمضى الأخ الكبير يعتصره الألم، لأنه لم يستطع سماع صوت الصغير، ولم يثلج صدره بضمة تثلج صدره وتطفئ لهيب شوقه و بعده .
يبقى الأخ الأ كبر وحيداً يشتاق إلى رؤية الصغير وحيائه يمنعه من الذهاب لرؤيته أو إحراجه .
زهدت نفسه كل شئ وتلونت الأشياء أمامه بألوان باهته، يتسلل إلى قلبه شئ من حزن، وأتشحت الدنيا بلون اليأس، وارتسمت على خارطة وجهه علامات حزينه، قام من مرقده وقرر الخروج إلى الهواء الطلق، وتغير روتين أيامه، وتناول الطعام فى خارج المنزل، في أحد المطاعم، لكسر الملل والحزن الذى تسلل إلى حياته .
دلف إلى المطعم، تقدم أقرب طاولة، جلس يتصفح قائمة الطعام ،
وعندما استقر على طعام، نظر إلى الشيف ليخبره بالآختيار، على مرمرى بصره رأى اخوه يجلس مع فتاة التي كانت قف بجواره في المستشفى.
وقف من ثبات ونظر إلى اخاه نظرات عتاب، واستنكار، أشاح الصغير بوجهه فى الإتجاه الآخر، خرج من المطعم يعتصره الألم، والندم على عمره وأحلامه من أجل الصغير.
فى الطريق تنزلق الدموع مواسية وعاتبة، والنفس تهدهد اساريره وتهدئها ،والعقل يعنف ويعاتب قلبه، والقلب يرفض اللوم أو الحزن.
يقف قبالة النيل يعاتبه، شاخص النظر إلى زرقة مياهه قائلا : لماذا يانيل طعم مياهك صار مر؟ وطعامنا الذى ترويه بمائك صار ماسخ كأيامك ؟ حتى صارت نفوسنا مريضة، وتشتت معانينا، وتاهت معها سعادتنا .
انتبه من شروده إلى يد تربت على كتفه، فأستدار فوجده صديق عمره وطفولته
تعانق الصديقان، وفهم أنه رجع من الخارج كان يكمل دراسته هناك وبعد السلام الحار و مزيد من القبل الحارة لفراق السنين، سأله صديقه ماذا بك اراك باكيا
لماذا ؟
أجاب الأخ الأكبر: أخى الصغير مريض بمرض خطير.
أردف الصديق : إن شاء الله ربنا يشفيه، وحشتنى جدا، لن أقبل أعتذارك لى.
سأله : عن ماذا؟
أجاب الصديق : أن تقضى اليوم معى أريد أن أعوض ما فا تنى فى الغربة، أقضى معى اليوم، سري عني واسري عنك.
ركبا الأثنان عربة الصديق ومضى معا يوما ممتعا، تجولا فى معظم شوارع القاهرة، وتناولا الطعام أكثر من مرة، ومع ظهور أول خيط من ضوء النهار، قرر الصديقان العوده إلى منازلهم ، وأمام منزل الأخ الأكبر وقفت عربة الصديق ونزل لتوديع صديقه قائلا: يوم الخميس زفاف شقيقتي هستناك.
قال الأخ الأكبر : حاضر .
فى حفل الزفاف لمح الصديق الأخ الأكبر دالفا إلى القاعة، هرول عليه معانقا.
قال الاخ الاكبر: الف الف مبروك عقبالك، فقال الصديق : لا عقبالك اولا أقبل كى تهنئ شقيقتى .
وتقدم الصديقان من بدج العروسان وهنئ الأخ الأكبر العروس متمنيا لها مزيد من الفرحة والحياة الهانئة، ومن خلفه أقبل العريس كان يسلم على بعض زملائه ،
فأستدار لتهنئته ومد يده للمصافحة، وهنا الجمت المفاجاءة فاه.
وقفت الكلمات فى حلقه ، إنه أخاه ونزلت دموعه مسترسلة تباعا،
تقدم صديقه وقال للشقيق الأكبر : أعرفك دكتور أحمد زوج شقيقتى ، واستدار بوجه إلى الشقيق الآكبر وقال موجها
حديثه للعريس: أعرفك يا عريس هذا اروع صديق لى واحسن صديق لى إنه يعلوا مرتبة الأخ والحبيب إنه صديق طفولتى وصديق عمرى، أحبه واحترمه جدا ولو أننى عندى شقيقة أخرى ما بخلت بها عليه وأنا مطمئن، لأننى اهديها بأروع هديه .
هرول الأخ الأكبر مسرعا.
هرول فى أثره الصديق وامسك به من دبر فوجده يبكي بكاءا صامتا.
سأله فى ذهول ودهشة: ماذا بك أنت تبكي.. لماذا ؟
هل شقيقك بخير؟ فعلى صوت بكاءه قائلا : لقد تلقيت الأن خبر وفاة أخى.
فاطمه مندى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق