السبت، 22 يناير 2022

الهام عفيفي

 من سلسلة "قامات مجهولة"

مدمن العلوم والآداب

اسماعيل مظهر 

***********

لا أعلم على وجه التحديد من الذي اخترع فكرة التقسيم الدراسي إلى علمي وأدبي، فكيف ينفصل العلم عن الأدب؛ فالآداب علوم نظرية تختص بالروح والنفس وفلسفة الأشياء، اما العلوم الطبيعية والاجتماعية فهي تدرس المكونات البيئية حول الإنسان وداخله.

في رأيي يمتزج الأدب بكل العلوم الطبيعية والإنسانية، حيث يمثل طريقة التعبير التي توضح طريقة تأثير هذه العلوم في حياة الانسان، فكل صور الأدب تنتج من تفاعل الانسان مع كل الظواهر والموجودات من حوله والتي يفسرها العلم ويعبر عنها الأدب.

وشخصية اليوم مفكر مصري تقدمي ويُعتبر أحد رواد النهضة العلمية المعاصرة في مصر والعالم العربي، وأحد رواد الفكر والعلم والترجمة، وفي اعتقادي أنه لم يترك علما إلا ووضع فيه بصمة بالبحث أو الكتابة أو الترجمة.

وُلِد إسماعيل مظهر في القاهرةِ عامَ ١٨٩١م في أسرةٍ ثَرِيةٍ ذاتِ أصولٍ تركية؛ فهو حفيدُ إسماعيل محمد باشا، وينتمي إلى أسرةٍ تحمل الكثير مِنَ النبوغِ العِلْمي، ولا سيما في حقلِ الهندسة. الْتَحقَ بالمدرسةِ الناصريةِ ثم أكمَلَ دراستَهُ في المدرسةِ الخديوية، ودرَسَ علومَ الأحياء، ثم درَسَ اللغةَ والأدبَ في رحابِ الأزهرِ الشريف؛ وتُبيِّنُ تلكَ المراحلُ الدراسيةُ التي مرَّ بها توقُّفَه عند المرحلة الثانوية عندما كان العلم بالتحصيل والفهم وليس بورقة (شهادة) تعطيها بعض الكيانات لمن يملك المال ولم يحصل من العلوم صفحة واحدة.. لاحظت مؤخرا أن عدد الجامعات يتناسب عكسيا مع المستوى العلمي للشباب ( الأمر يحتاج إلى دراسة وإحصاء).

 كان اسماعيل  مجددا في فكره حيث كان لخالِهِ أحمد لطفي السيد أثراً كبيراً في فِكْرِه التحرري الذي دعمه بالاطلاع على الثقافةِ الغربيةِ حيث كان يجيد الِلُّغةِ الإنجليزيةِ والتي تَعلَّمَها أثناءَ سفرِهِ إلى إنجلترا.


درس علم الأحياء فترجم كتاب "أصل الأنواع"، وفتحَ عيون وعقول العالَمِ العربيِّ على نظريةِ النشوءِ والارتقاءِ عندَ داروين، الذي قال في مقدمته ((أتقدم بهذا الكتاب الى قراء العربية، بعد أن قضيت ما ينيف على عشر سنوات مُكبا كل الاكباب على دراسة مذهب العلامة «داروين» في النشوء والارتقاء، ترجمت خلالها كتابه «أصل الأنواع» وطالعت زبدة المؤلفات التي كتبها غيره من جهابذة علماء القرن الماضي مثل هيكل وولاس وهكسلي. وخرجت من مجمل ذلك بمذكرات وتعليقات، ان اردت ان اخرجها في كتاب لأتمت صفحاته بضعة آلاف صفحة، لذلك اثرت ان اخرج ما جمعت موزعا على عدة كتب)).

وعن أهمية نظرية التطور في الحياة العلمية قال: «إن لمذهب النشوء والارتقاء من الأثر في فروع العلوم الحديثة ما يجعلني أعتقد تمام الاعتقاد بأن هذا المذهب جدير بأن يقف الإنسان أكبر شطر من حياته وجهوده في سبيل درسه ونقله إلى العربية، وأبناء الضاد على أبواب انقلاب علمي أدبي أخذت معاوله تهدم في بناء أساليبنا القديمة لتحل محلها أساليب حديثة للتفكير».

ودخل اسماعيل إلى مجال الصحافة صغيرا، فأصدَرَ جريدةَ الشعبِ عامَ ١٩٠٩م، وشارك في النضالِ السياسيِّ معَ الزعيمِ مصطفى كامل؛ وكتب في الصحفِ الكبرى كجريدةِ اللواء. فتميزت كتاباتُه بالحرية والتجديد، وعرضِ كل الآراءِ بعيدا عن الأهواءِ الشخصية. ثم ترأس تحريرِ مجلةِ المُقتطَف، فطورها ورفعها لمصاف الجرائد الكبيرة، واتجه إلى الأدب فكان كاتبا حرا مجددا ثريا في مؤلفاته.


كان إسماعيل مظهر سليل العائلة الغنية يؤمن بضرورة الإصلاح الاجتماعي، ورأى الحل في تكوين حزب سياسي جديد، وحاول تحقيق هدفه فتوجه إلى حزب الوفد وهو حزب الأغلبية، ولكن مصطفى النحاس رفض فكرته، واتخذ منه موقفًا سلبيًا، أما حزب الأحرار الدستوريين اتخ منه موقفًا عدائيًا وهاجمه واتهمه بأنه "يثير حرب الطبقات وأنه شيوعي ومتصل بموسكو، حتى أنه تم القبض عليه عندما تولى هذا الحزب الحكم، ولكن سجنه لم يدم إلا لليلة واحدة. 

وفي أعقاب أزمة 1931 فيما عرف بالكساد العظيم*، اضطرإسماعيل مظهر إلى إيقاف مجلة "العصور" وإلى وقف نشاطه الاجتماعي، وابتعد عن الحياة العامة وبدأ بتأليف المعاجم والقواميس، غير أنه لم يتوقف عن الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي. 

دعا إسماعيل مظهر إلى الفكر الحر وإلى نظام اقتصادي سماه "التكافل الاجتماعي" ليحل محل الاقتصاد الحر بتوفير فرص متساوية للجميع، في ظل نظام من الحرية المضمونة من شأنه أن يحد من استغلال الفرد للمجتمع ومن اضطهاد المجتمع للفرد.

ترك اسماعيل مظهر إرثا كبيرا متنوعا من المؤلفات منها؛ الحيتان، المرأة في عصر الديموقراطية، تجديد اللغة العربية، تاريخ الفكر العربي، فلسفة اللذة والألم، فك الأغلال، في الأدب والحياة، قصة الطوفان، في النقد الأدبي، معضلات المدنية الحديثة، مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني، وثبة الشرق، بين الدين والعلم، قيصر وكليوباترا

كما ترجم عدة كتب منها؛ نزعة الفكر الأوروبي في القرن الثامن عشر، ملقي السبيل في مذهب النشوء والارتقاء، وله "قاموس الجمل ‏والعبارات الاصطلاحية الانجليزية والعربية" 1951، و"قاموس النهضة: انجليزي -عربي" 1954، و"معجم مظهر ‏الانسيكلوبيدي" وقد طُبع منه 3 أجزاء.



بقلم الهام عفيفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق