دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة
" الاحتمالات المتحركة في المضمون"
《للقصة القصيرة " حدائق الشتاء لمحمد لقعة 》
الجزء الأول : ... الشاعر ...من الخبز الحافي إلى ...سيكولوجية الإنسان المقهور
1 مقدمة :
النظرية الذرائعية لمنظرها عبدالرزاق عودة الغالي ترى أن الكثير من المفكرين والاخوة النقاد الباحثين العرب النجباء ، منهم من اتجه به نحو فكر النفعية البرغماتية البغيظ الذي (١٨٧٨)اسس للاستعمار والاستغلال السياسي والوضع المتأزم الذي نعيشه الآن من الاستغلال وهذا التيار تسيده جون ديوي ووليم جيمس واخرين،وذرائعيتنا بعيدة كل البعد عنه ، ومنهم من اتجه به نحو البراغماتية اللغوية اللسانية التي ارسى دعاءمها الفيلسوف الامريكي ريتشارد رورتي في الربع الاخير من القرن العشرين ....ونوضح أن الذريعة العربية النقدية وليس اللسانية التي لا تنتمي لتيار غير التيار العربي الاسلامي ولو ترجمت الى الانكليزية كمفردة تقع ترجمتها في كلمتين تشير الى عمومية وجودها في جميع اللغات كمفردة وليس مصطلح نقدي وهما(pretext / pragmatic) وهي موجودة في بلاغة كمجازالمعنى في كل لغة ولها مفردة معينة تقابل تلك الكلمتين اما لو اخذناها مصطلحاً فتقع في حقلين :
- الحقل الاول : الذرائعية اللسانية : وهي ما تدرس المعنى في كينونة السياق وهذا لنا فيه جزء تحليلي مهم وهو المعنى
الحقل الثاني : الذرائعية النقدية : وهي حقلنا العربي الذي تعمل انت فيه وكل الذرائعيين الاخرين وهو حقل علمي يستند على نظرة الناقد في تحليله النقدي بنظرة علمية تثبت بذرائع وحقائق علمية تسند الخيال وتحوله من حالة اللاواقع الى حالة الواقع المسنود بذرائع واسباب واقعية ومنطقية مقرونة بحقائق علمية وليس انشاء فوضوي كفيف يسوقة مزاج وثقافة الناقد ، لذلك تعرف الذرائعية العربية لدينا على انها المنهج الذي يقوم بتحليل النصوص ومخبوءاتها باعطاء ذريعة علمية لكل جانب او زاوية تقال في النص الخاضع للتحليل وتتاتى تلك الذرائع من الانطلاق من جنس النص وتكويناته الفنية والجمالية المسنودة بالاخلاق العربية الاسلامية...
اما علاقتها في الذرائعية اللسانية فتاتي من منطلق المنفعة الايجابية وليس النفعية السلبية وهناك فرق واسع بين المنفعة والنفعية ، وتاخذ المنفعة اشكالا في التحليل النقدي الذرائعي:
١-المنفعة الاخلاقية التي تسند المجتمع والتي يطلقها الكاتب او الشاعر في نصة
٢-المنفعة الجمالية التي تسند المجتمع والتي يطلقها الكاتب او الشاعر في نصه
٣- المنفعة السايكولوجيةالتي تسند المجتمع والتي يطلقها الكاتب او الشاعر في نصه
٤- المنافع الاخرى ،العقائدية ، محاربة الظلم، السياسية ،الاقتصادية والكثير غيرهما التي تسند المجتمع والتي يطلقها الكاتب او الشاعر في نصه.
2 - العنوان : ذرائعية "حدائق الشتاء "
يعتبر العنوان عتبة وتذكرة عبور قرائية وعنصرا هاما من العناصر الموازية التي تسهم في قراءة وتلقي النصوص ، وفهمها ، وتأويلها داخل فعل قرائي ذرائعي شمولي ، يفعل ويشتكف ويغوص في العلاقات الكائنة والممكنة وما كان وما ينبغي أن يكون . وبحسب جيرار جنيت فإن العنوان : (( مجموعة من العلامات اللسانية (…) التي يمكن أن توضع على رأس النص لتحدده ، وتدل على محتواه لإغراء الجمهور المقصود بقراءته … )) ( 1 )
ذرائعية العنوان تحدد هوية النص وتيشير إلى مضمونه، وتدفع القراء بالاطلاع عليه. وتظل درائعية التحديد هي الأهم من غيرها، فالعنوان المثير قد لا يربطه بما يعنون أي رابط، كما أن العلاقة بين الخريطة المادية العنوان و المادة الخام اللغوية للنص ليست دائماً مرآة عاكسة ، فقد يكشف ظاهر العنوان باطن النص .
يرى جون كوهن إن من أهم وظائف العنوان الأساسية : ( ...الاسناد والوصل ، كما يعتبر العنوان من أهم العناصر التي يتم بها لتحقيق الربط المنطقي ، وبالتالي ، فالنص اذا كان بأفكاره المبعثرة مسنداً ، فإن العنوان سيكون بطبيعة الحال مسنداً إليه. ) ( 2 )
يعني هذا أن العنوان هو ذريعة الموضوع العام وأجزائه الأخرى النصية .
- العنوان : حدائق الشتاء / وظائف الخطاب المسند إلى الاحتمات المتحركة في المضمون
" حدائق الشتاء " من أطراف الوصل، يجب أن يجمعها مجال خطابي ذرائعي واحد ، إذ أن الفكرة هي التي تشكل الذريعة المشتركة .
فصول السنة، أو أزمانها (جمع زمَن)، هي تقسيم للسنة اعتمادا على المناخ, وتنقسم السنة إلى أربع فصول في أغلب مناطق العالم . وهي الربيع والصيف والخريف والشتاء, وفي المناطق الأستوائية يوجد فصلين فقط هما الممطر والفصل الجاف. ( 3)
نقطف من كتاب " ذكريات من حدائق الشتاء " للكاتبة ( مريم الشكيلية ) الآتي :
( هل كان علينا أن نحتفظ بتلك الشهقات التي لا تزال مختبئة في جيوب ذاكرتنا.. هل كان من الممكن لو أننا أفسحنا الطريق لصرخاتنا المعلقة فوق سقف حناجرنا.. ) ( 4 )
"هناك شيء ما عن ذلك الوقت من العام يُشعره بالاكتئاب الشديد. السماء الملبدة بالغيوم، والرياح القاطعة، أوراق الشجر المتساقطة، والغسق. الظلام قريب جدا، يأتي الليل قبل أن تستعد. إنه الرعب، لا بد من وجود أغنية أو قصيدة، أو سحر شعبي يمكننا استخدامه لتسكين هذا الخوف". (دون ديليلو، رواية "الميزان")
مع دخول فصل الخريف واقتراب الشتاء، يعاني الكثير من الأشخاص من هذا الشعور الطاغي بالحزن، تضعف إنتاجيتهم، وتنتابهم التقلبات المزاجية، قد يعانون من مشكلات النوم أو اضطرابات الشهية، والبعض يواجه مخاطر قد تصل إلى الأفكار الانتحارية .
2 - ما قبل تحليل الاحتمالات المتحركة في المضمون
أ - تبدأ القصة المعنونة ب " حدائق الشتاء " لكاتبها " محمد لقعة " بجزء مقتطف من قصيدة للشاعر الفلسطيني " علي القيسي ( حذائي يحب السلام / ويعشق ركل الطغاة ) ، وهي ذرائعية المقبل من أسطر القصة القصيرة .
( محمد خليل القيسي ( 1945- 2003) شاعر أردني منحدر من أصل فلسطيني، ولد في كفر عانة / يافا توفي عن عمر يناهز 59 عام.
-حصل على ليسانس لغة عربية 1971
- شارك في مهرجانات شعر مثل مهرجان حرش في الأردن والمربد في العراق وقرطاج في تونس عام 1986.
-حصل على جائزة عرار الأدبية من رابطة الكتاب عام 1984.
- جائزة ابن خفاجة الأندلسي عن ديوان( منازل الأفق) من المعهد العربي الإسباني في مدريد 1984.
بعض من مؤلفاته
-راية في الريح 1968
خماسية الموت الحياة 1971
رياح عزالدين القسام مسرحية شعرية 1974
الحداد يليق بحيفا 1975
إناء لأزهار سارا زعتر لأيتامها ( شعر) 1981
سيمات التجربة عند محمد خليل القيسي هي الحزن، حزن يمس شغاف القلوب، يترك بصماته على صفحة النفس إلى حد اليأس والإحباط تارة، وحد التمرد الممثل بالصلب والقهر والنفي تارة أخرى.
من أشعاره
يقول القيسي في قصيدته " قمر الجوع"
الأغاني انطفأت هذا الصباح
والمدينة
غادة ترفظ ودي
ها أنا أسقط وحدي
وسط هذا الشارع المملوء بالأقدام
ملتفا بصمتي
ليس لي قدرة أن أصرخ
من يسمع صوتي
يقول في قصيدته : يرفع الستار عن راوية العروبة :
في الأسبوع الواحد
أفقد سبعة أيام كاملة أدور
مابين القمة والنور ) ( 5 )
ب - الخبز الحافي (بالفرنسية: Le Pain nu) هي رواية تعدّ من أشهر النِّتاج الأدبي للكاتب محمد شكري، وأكثرها جدلاً. كتبت بالعربية سنة 1972 وترجمها إلى الإنجليزية بول بولز سنة 1973، وترجمها إلى الفرنسية الطاهر بنجلون سنة 1981، ولم تنشر بالعربية حتى سنة 1982 بسبب ما أثارته من جدل حول جرأتها غير المألوفة. ترجمت الرواية إلى تسع وثلاثين لغة أجنبية. ( 6 )
ج - البؤساء أو البائسون (بالفرنسية: Les Misérables) رواية للكاتب فكتور هوجو نشرت سنة 1862، وتعد من أشهر روايات القرن التاسع عشر، إنه يصف وينتقد في هذا الكتاب الظلم الاجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون في 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في 1832. إنه يكتب في مقدمته للكتاب: "تخلق العادات والقوانين في فرنسا ظرفًا اجتماعيًا هو نوع من جحيم بشري. فطالما توجد لا مبالاة وفقر على الأرض، كتب كهذا الكتاب ستكون ضرورية دائماً". ( 7 )
ح - ( التخلف الاجتماعي ...سيكولوجية الإنسان المقهور ) من بين ما تضمن كالآتي : (( خصص المؤلف القسم الأول من كتابه للحديث عن البنية النفسية للتخلف وملامح الوجود المتخلف، وصدر ذلك ببيان أن موضوع كتابه يحاول أن يكمل دراسات التخلف التي ظلت تسيطر عليها المناهج الاجتماعية والاقتصادية وتنظر للتخلف من خلال مظاهره (نسبة الدخل ـ الفقر ـ التعليم ـ التنمية ـ الديمقراطية إلخ)، دون أن تعطي اعتبارا للجوانب النفسية للتخلف، والتي تعتبر ـ حسب المؤلف ـ خلفية حاكمة وموجهة ومنتجة لكل تكل المظاهر سابقة الذكر، أما القسم الثاني فقد خصصه المؤلف لما سماه: “الأساليب الدفاعية”، وتعني عنده ذلك النمط من الأفكار والتصورات والمواقف التي يتبناها الإنسان المتخلف أو التي تكمن بشكل لا واع في وجوده النفسي، والتي يدافع بها عن تخلفه شعوريا أو لا شعوريا وتسهم في استمرار ذلك التخلف.)) ( 8 )
خ - سيزيف أو سيسيفوس كان أحد أكثر الشخصيات مكراً بحسب الميثولوجيا الإغريقية، حيث استطاع أن يخدع إله الموت ثاناتوس مما أغضب كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد، فأصبح رمز العذاب الأبدي. ( 9 )
يتبع
بقلم : عبدالرحمان الصوفي
-------------------------------
نص / قصة : حدائق الشتاء
لمحمد لقعة:
قصة قصيرة
حذائي يحب السلام
ويعشق ركل الطغاة
الشاعر علي القيسي
.••••••••••••••••••••
حدائق الشتاء
••••••••••••••
••••••••••••••
الشيخ الطيب،
رجل متعلم عالي الثقافة،
يعيش في عزلة اختارها لنفسه.
زرته ذات مساء في كوخه قبل أن يفد الظلام،
... في ذلك المساء الحزين، في ومضات كنت أختلس نظرات، تبدو عليه ملامح فقير، ولكن ملامح شاعر تحول إلى فقير.
عندما ناولني كأس الشاي، كنت أتملى وجهه المتعب، وحركات
يديه المضطربة، وابتسامة سمجة متعبة، مرسومة بحنو على زاوية شفتيه، وتجاعيد مغضنة ،وخدود هضيمة، هزيل الجسم، يتوسط وجهه المستدير، عينان سوداوان واسعتان فارغتان تطل منهما نظرات مرتاعة، وثياب رثة ممزقة، وذقن غير حليق، وشعر قذر.
قلت لنفسي في نفسي :
- الجوع هو الذي أوجد ذلك الوجه، وجه ممزق بأخاديد عميقة،
وشيخوخة مبكرة مباغثة تكتسح ملامحه وتغير العلاقة فيما بينها. وتجاعيد تملأ يديه، ضعيف شديد النحافة، لحم على عظم، لدرجة أنني أصبت بالفزع، فامتلأ قلبي حزنا وغما، وبكيت في صمت بلا دموع... بعض الحزن أعظم من الدموع.!
ما أشد المرارة في مسارب العروق، والدموع المهراقة على أشباح السنين العجاف .. دموع صامتة مطوقة بوشاح الزمن الجارح.
في ومضة مثل في ذهني " الخبز الحافي" و" البؤساء".
و"التخلف الإجتماعي.. سيكولوجية الإنسان المقهور".
... ثمة أشخاص، يشبهون " سيزيف" بطريقة أو بأخرى لاحظ لهم في الحياة، كلما اتخذوا خطوة إلى الأمام سقطوا في الخيبات والضياع، يبيتون على الطوى تتجافى جنوبهم عن المضاجع.
يتلمظون في صمت رغوة القهر المتناثرة فوق وجوههم تزين خدودهم كالقطط المتشردة تموء ببطن الليل. يبحثون عن عالم آخر، لايعرف الأقنعة، لايعرف الكذب، لايعرف الخداع،
عالم من الحب والأمل والحياة.. خلق الإنسان لحياة أفضل..!
.... جلست بجوار الشيخ أتأمله بعينين تفيضان بالحب والحنان، كان غارقا في التفكير والتأمل، واتسمت سحناته
بالشحوب ،وملامحه بالتعاسة والعذاب، واسترسل في الشرود
وكأنه سارح بأفكار تتنازعه، وعلى حين غرة ، قال بصوت
متهدج مطلقا تنهيدة :
- أحضر لي الورقة والقلم، أريد أن أكتب. فلما فرغ من الكتابة، رحت أقرأ ما سجله بقلمه :
((- بسم الله، إلهي.. أنا جائع..! إلهي.. متى يحلو الطعام في أفواه الجوعى؟ إلهي..من يعيد إلينا ملامحنا الأولى؟
يا إلهي..! إني أسير بلا ليل، أطلب مأوى في شارع كان مملوءا بالبؤس والإنتظار، أهيم في حدائق الشتاء عاري الصدر حافي القدمين وفي هيامي احتراقي وانسحاقي.
أعض على ابتسامتي اليانعة، وأناجي بياض الفراغ،
أمضىي على مهل إلى أرقي، ملفوفا في شموس الليل. والحزن يملأ كؤوس مرارتي. يا إلهي..! صار العهر، واللواط السياسي فريضة، والقهر من سنة الحاكمين.
ولم يبق، بيننا سوى مفردات الخضوع، و الخنوع، والخشوع. يسلخون وجه القمر يسرقون ظل الشجر
ومن فم الأعشاب تفاحة. يلقون علي حجرا
يؤثثون غرف الجحيم ويقيمون حفلات مدنسة.
يحنطون الشمس التي كانت تغازل بشرتي الناعمة.
وفي الدوائر السرية، على الآرائك يتكئون، يغنون،
يضحكون، يدخنون لعاب البحر. و يهندسون
إيقاع القصيدة ، ثم يطالبون اقتسام رغيفي،
وأنا لا أملك غير هذا النزف، فاقتسموا نزيفي وقروحي
وأفراحي المشوهة. ها هنا.. يا إلهي أرقد على متكإ
جرحي وحزني. فكيف أخرج من آلامي عابثا بالدجى.
وليس بيني وبين هذا المدى غير اللهيب. هنا..هنا..
في حدائق الشتاء. أقمت جمهوريتي وملكوتا يخصني.
وغدا، أغزل من وجع الصدى صباحا ويكون المجد لي أنشودة فأجمل التاريخ غدا..! ماكنت أريد اللوم.. يا إلهي..! هاج الجرح جراحا، وتململ شئ آت من الأعماق.
ولم تعرف كلماتي كيف ترصع أبواب المدائن . فلا أملك غير هذا النزف، فاقتسموا نزيفي وقيحي..!
محمد لقعة
/ الفقيه بن صالح... ٨ / ١ / ٢٠٢٢
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق