الثلاثاء، 18 يناير 2022

محمد قجة

 "الشريف الإدريسي" 



رائد الجغرافية التاريخية والحوار الحضاري 


هذا المقال له حكاية طريفة ، قبل عدة سنوات تلقيت دعوة للمشاركة في مؤتمر علمي في البرتغال حول علم الجغرافية في الجناح الغربي من العالم الإسلامي،  ونظرا لإشكالات التأشيرات والطيران فقد اعتذرت عن السفر ، وارسلت البحث لكي يقرأه احد الأصدقاء من منظمة الزهراوي للثقافة التي نظمت المؤتمر ، ويغطي نشاطها المغرب واسبانيا والبرتغال .


 1 - مدخل تاريخي:

بقي البحر الأبيض المتوسط مركز الحضارات العالمية منذ فجر التاريخ حتى القرن التاسع عشر، فعلى شواطئه، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، قامت حضارات الشعوب منذ الألف الرابع ق.م، وتمازجت تلك الحضارات وتنافست، ونشأ بينها الحوار تارةً والصراع تارةً أخرى. وكان لا بد أن تمتد كل حضارة في اتجاه الأخرى، وهكذا وجدنا الفينيقيين في شمال أفريقيا وشبه جزيرة أيبريا منذ الألف الثاني ق.م، والفرس الأخمينيين في شرق المتوسط وبلاد الإغريق منذ القرن السادس ق.م. ثم جاء الدور للامتداد الإغريقي الواسع منذ القرن  الرابع ق.م، وتلاه الرومان، ليغدو البحر المتوسط حوضاً ملحقاً بالحضارات الأوروبية لعدة قرون.



2 - ومن جديد تدور عجلة التاريخ، ويستردّ شرق المتوسط حيويته مع الحضارة الإسلامية بردائها العربي منذ منتصف القرن السابع، وتستطيع هذه الحضارة أن تنطلق عبر قارات العالم القديم، آسيا وأوروبا وإفريقيا، في زمنٍ قياسيّ مدهش، كما تستطيع أن تستوعب الحضارات السابقة في إطار من المرونة والاعتراف بالآخر، والبحث عن الحكمة أينما وجدت.

وخلال عشرة قرون من عمر الزمان، تسميها أوروبا العصور المظلمة، كانت الحضارة الإسلامية تشرق وضّاءةً حول العالم في مراكز إشعاع كثيرة، مثل دمشق وبغداد وقرطبة ومراكش وأصفهان وبُخارى والقاهرة وإشبيلية وفاس، وعشرات سواها. ومع الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي، وآفاق التسامح وقبول الآخر وحركة الترجمات الواسعة، انطلقت حركة التطور في العلوم والبحث على مستويات عليا، ونضجت المدارس الفلسفية والكلامية ومدارس العلوم الإنسانية والعلوم البحتة والتطبيقية. وكان من نتيجة ذلك توالي بروز أعلام الفكر والتأليف العلمي والموسوعي منذ بدايات القرن الثامن، وتوزّع العمل العلمي على سائر ألوان المعرفة، ومنها علم الجغرافية.

*****




3 - علم الجغرافية لدى علماء المسلمين:

قبل أن تصبح الجغرافية علماً له نظرياته وأسسه الفلسفية وتحقيقاته وتعليلاته، وارتباطه بعلوم الرياضيات والفلك والتاريخ والرحلات، كانت الجغرافية تقوم على علم التصوّرات الخيالية البدائية للأرض والكون، وعلى الأساطير المتوارثة التي تحاول تفسير نشأة الكون وتطور الأرض ومسيرة الحياة عليها.


ومع القرن الهجري الثاني تبدأ بعض الإشارات الجغرافية في الكتابات التاريخية، بما ترصده من سرد حوادث ووصف أقاليم. ومن أصحاب هذه الكتابات المبكرة: "وهب بن منبّه" (ت 114ه-732م) و"عروة بن الزبير" (ت 94ه-712م) و"شرحبيل بن سعد" (ت 123هـ) و"الزهري" (ت 124ه-741م).


وفي القرن الذي يليه: "الواقدي" (ت 207هـ) و"المدائني" (ت 225 هـ) و"البلاذري" (ت 279ه). وفي هذا القرن يأتي "اليعقوبي" في كتابه (البلدان) الذي يعتبر فاتحة كتب الجغرافية التاريخية في التراث العربي. ثم تليه أسماء أخرى "كالدينوري" (ت 288ه) و"المروزي" (ت 274ه) و"ابن خرداذبه" (ت 312ه).



ومن المعلوم أنَّ عصر الخليفة "المأمون" شهد النهضة العلمية الجبارة وتأسيس (بيت الحكمة)، وفي هذا العصر وضع العلماء المسلمون صورة الأقاليم الجغرافية بعد اطلاعهم على معارف الإغريق والفرس والهند.

وتتوالى المؤلفات في التاريخ الممزوج بالجغرافية، أو مؤلفات الجغرافية التاريخية، أو الجغرافية المتصلة بعلوم الأنواء وطبقات الأرض والفلك والرحلات. قبل أن نصل إلى الجغرافية الوصفية الكاملة لدى مؤلفين متخصصين في هذا الميدان. وأبرزهم على الإطلاق "الشريف الإدريسي".




4 - ولعل أبرز الكتب التي نلمح فيها معالم الجغرافية التاريخية هي: 

- (صورة الأرض) للخوارزمي (ت 232ه-846م)

- (صورة الأرض) لابن حوقل (ت 356ه-967م)

- (أحسن التقاسيم) للمقدسي (ت 390ه-1000م)

- (مسالك الممالك) للاصطخري (ت 300ه-912م)

- (مروج الذهب) للمسعودي (ت 346ه-957م)


والأمر نفسه نلاحظه في كتابات "إخوان الصفا" و"البيروني" ورحلة "ابن فضلان".


أما في الأندلس، فمن بواكير التأليف في الجغرافية التاريخية والوصفية:

- (المسالك والممالك) للبكري (ت 487ه-1094م)

-  (كتاب الجغرافية في الأقاليم السبعة) لابن سعيد الأندلسي المغربي (ت 674ه-1275م) وهو نفسه صاحب كتابَي (المُغرب في حلى المغرب)، و(المُشرِق في حُلى المشرق).


 وفي القرن الثامن الهجري يأتي "ابن خلدون" في مقدمته وكتابه (العِبَر)، و"لسان الدين بن الخطيب" في جملة أعماله، وبخاصة (الإحاطة في أخبار غرناطة)، و(نفاضة الجراب) وبقية المؤلفات.

*****


 5 - "الإدريسي" الرجل والعصر:

مع نهايات القرن الهجري الخامس، وامتداد القرن السادس، شهد الجناح الغربي للعالم الإسلامي أحداثاً هامة، كان بعضها حاسماً في تقرير المصائر وتغيير مسار الأحداث، فقد سقطت دول ملوك الطوائف في الأندلس، وتولى المرابطون بعد معركة الزلاقة شؤون الأندلس، ولم تدُم دولتهم طويلاً، لتقوم على أنقاضها دولة الموحدين القوية المترامية الأطراف.

ورغم انحسار الدور السياسي لقرطبة، فإنها بقيت مركز العلم والفكر والمعرفة في غرب العالم الإسلامي، ومن أهم رموزها الحضارية في ذلك العصر "ابن رشد" في فلسفته العملية العقلانية، وأثره الحاسم في مسار الفكر البشري، وتأثيره المباشر في عصر النهضة الأوروبية. وعلى الجانب الفكري الآخر شهد القرن السادس الهجري ولادة الشيخ الأكبر "محيي الدين بن عربي" الذي  يمثّل (العرفان) في تاريخ الفكر الإسلامي في مقابل (البرهان) الذي يمثّله "ابن رشد".

كانت جزيرة صقلية قد خرجت من يد المسلمين واستولى عليها النورمان، وفي هذه الجزيرة كانت للإدريسي محطة هامة في حياته العلمية.


ولد أبو  عبد الله بن محمد الحمودي بن عبد الله، الشهير بالإدريسي، في عام 493ه/1100م. وتنتسب أسرته إلى الشرفاء الأدارسة، ويعود أصل عائلته إلى "إدريس الأول" مؤسس الأسرة، والذي هرب من المشرق وأسس إمارةً مستقلة في منطقة الريف عام 172ه/789م. ولا يزال ضريحه المشهور بـ (مولاي إدريس) يتمتع بصيتٍ كبير لدى أبناء المغرب. أما أجداد "الإدريسي" المباشرون فهم "بنو حمود" أمراء مالقة في عصر ملوك الطوائف، وهناك أيضاً عجزوا عن الاحتفاظ طويلاً بسلطانهم فاضطروا للعودة إلى سبتة في القرن الحادي عشر. وهم من سلالة ادارسة فاس الذين ينتهي نسبهم الى الحسن بن علي بن أبي طالب. 


ولكن صلة عائلته لم تنقطع بالأندلس، فانتقل وهو ما يزال صغير السن إلى قرطبة، التي ظلّت مركزاً ثقافياً كبيراً، وفيها نشأ وتلقى العلم في جامعتها، ودرس هناك العلوم والرياضيات واهتم بدراسة التاريخ والجغرافيا، وقد عرف "الإدريسي" قرطبة معرفةً جيدة، لأن الوصف الشامل الذي أفرده لها في كتابه يضمّ كل انطباعات المعرفة المباشرة بهذه المدينة.


6 - وقد بدأ "الإدريسي" أسفاره في سنٍّ مبكرة، فاستطاع أن يزور مناطق قلَّ مَن عرفها في ذلك العصر، وإذا كانت معرفته الواسعة بأسبانيا والمغرب ليست بالأمر المستغرب، فإننا نستشفّ من خلال مطالعة كتابه أنه زار لشبونة وسواحل فرنسا وبعض مدنها الهامة، بل وأوغل حتى الجزر البريطانية بعد أن سبق له زيارة آسيا الصغرى، وهو لمّا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وذلك في عام 510ه/1116م.


وفي عام 1138 عبر البحر بناء على دعوة من الملك النورماندي "روجر الثاني"، قاصداً (بالِرْمُو) عاصمة صقلية، التي جعل هذا العاهلُ منها مركز دراسات لامعاً جداً، حيث كلّفه بتصنيف كتابٍ شامل في مملكته وسائر الأصقاع المعروفة في ذلك العهد، وبوضع خريطةٍ لما عرف من الأقطار في القارات المعروفة. 

وقد ظل "الإدريسي" وثيق الصلة بالملك "روجر" إلى وفاة الأخير في شباط من عام 1154، بعد أن أنجز له كتابه الشهير (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) في سنة 518ه/1123م، وظلّ الكتاب يُنسب إلى أمير البلاد فيقال "كتاب رجار" أو "الكتاب الرجاري"، ولكن "الإدريسي" استمر يعمل في بلاط النورماندييين فألّف كتاب (روضة الأنس ونزهة النفس) الذي اشتهر فيما بعد تحت اسم (كتاب المسالك والممالك) بناء على تكليف من "غليوم الأول" الذي خلف "روجر"، وقد عثر على خلاصات من هذا الكتاب في مكتبة باسطنبول.


ويبدو أن الحنين قد استبد بالإدريسي، فغادر صقلية في أيام شيخوخته، وقفل عائداً إلى مسقط رأسه سبتة كي يتوفى بها عام 560ه/1166م.

*****

7 - "الإدريسي" وعلم الجغرافية:

ليس مصادفةً ولا عبثاً أن يعتبر "الشريف الإدريسي" أعظم الجغرافيين العرب، وقد اعتمد منهجه العلمي على:

- ملاحظاته المباشرة وأسفاره.

- أحاديث الرحالة والتجار والحجاج الذين التقاهم.

- معلومات الجغرافيين السابقين مثل "بطليموس" و"ابن حوقل".

- معلومات الرواد الذين أرسلهم لسبر أغوار البلاد والعودة إليه بما حصّلوا من معلومات ومعارف.

- استخدام لوح الترسيم لتحديد المسافات بين المدن والأقطار.


وقد اعتمد "الإدريسي" نظرية الأقاليم السبعة المألوفة، ولكنه أضاف إليها تقسيماً جديداً، هو جعْل كل إقليمٍ عشرة أجزاء، وبذلك أصبح العالم لديه سبعين جزءاً. وكل جزء من هذه الأجزاء السبعين يرتبط بخارطةٍ يشكل مجموعها خارطة العالم المعروف في عصره. وقد قام المجمع العلمي العراقي بضم هذه الخرائط إلى بعضها وشكّل منها خارطة موحّدة كبرى.


ولا ريب أنَّ الجناح الغربي من البحر المتوسط، بقسميه الأوروبي والأفريقي، كان له النصيب الأوفى من اهتمام "الإدريسي"، لأنه اعتمد في عرضه ووصفه على مشاهداته وملاحظاته وأسفاره، وهذا يفسر دقة المعلومات التي أوردها حول الأندلس وصقلية وبلدان المغرب في شمال أفريقيا، بل حتى المعلومات التي أوردها عن فرنسا وإيطاليا وبحر الشمال وبلاد البلطيق، بينما نجد المعلومات عن أوروبا الشرقية لديه أقلّ دقةً في كتابه الهام الذائع الصيت (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، وقد طبع تحت عنوان آخر في روما عام 1592م، هو (نزهة المشتاق في ذكر الأمصار والأقطار والبلدان والجزر والمدائن والآفاق).


8 - وفي حديثه عن الجزء الأول من الإقليم الرابع يقول:

(إن هذا الجزء الأول من الإقليم الرابع مبدأه من المغرب الأقصى حيث البحر المظلم، ومنه يخرج خليج البحر الشمالي ماراً إلى الشرق، وفي هذا الجزء المرسوم بلاد الأندلس المسماة باليونانية أشبانيا، وسميت جزيرة الأندلس جزيرةً لأنها شكلٌ مثلث ويضيق من ناحية المشرق.. ولا يعلم أحد ما خلف هذا البحر المظلم، ولا وقف بشرٌ منه على خبرٍ صحيح، لصعوبة عبوره وظلام أنواره، وتعاظم موجه وكثرة أهواله، وبه جزاير كثيرة معمورة مغمورة).


(والأندلس طولها من كنيسة الغرب التي على البحر المظلم إلى الجبل المسمّى بهيكل الزهرة: ألف ومائة ميل. وعرضها من كنيسة شنت ياقوب التي على أنف بحر الأنقليسيين إلى مدينة المرية التي على بحر الشام: ستمائة ميل. وجزيرة الأندلس مقسومة من وسطها في الطول بجبل طويل يسمى البشارات، وفي جنوب هذا الجبل تأتي مدينة طليطلة، وهي مركز لجميع بلاد الأندلس. وكانت في أيام الروم مدينة الملك ومداراً لولاتها، وما خلف الجبل المسمى بالبشارات في جهة الجنوب يسمى أشبانيا، وما خلف الجبل في جهة الشمال يسمى قشتالة. 

ولنبدأ منها بإقليم البحرية، وهو إقليم مبدوء من البحر المظلم، ويمر مع البحر الشامي. وفيه جزيرة طريف والجزيرة الخضراء وجزيرة قادش، ويتلوه إقليم شدونه وفيه إشبيلية وقرمونة، ويتلوه إقليم الشرق بين إشبيلية ولبلة والبحر المظلم... وإقليم البلالطة... وإقليم القصر المنسوب لابن أبي دانس، وفيه بطليوس وماردة... وإقليم بلاطة وفيه شنترين وإشبونة... وإقليم الشارات وفيه طلبيرة وطليطلة ومجريط ووادي الحجارة).


(والجزيرة الخضراء أول مدينة افتتحت من الأندلس في صدر الإسلام، وافتتحها موسى بن نصير من قبل المروانيين، ومعه طارق بن عبد الله بن وَنْمو الزناتي ومعه قبائل البربر، فكانت هذه الجزيرة أول مدينة افتتحت في ذلك الوقت، وبها على باب البحر مسجد يسمى بمسجد الرايات، ويقال إنه هناك اجتمعت رايات القوم للرأي، وكان وصولهم إليها من جبل طارق، وإنما يسمي بجبل طارق لأن طارق بن عبد الله لما جاز بمن معه من البرابر، وتحصّنوا بهذا الجبل، أحسّ في نفسه أن العرب لا تثق به، فأراد أن يزيح ذلك عنه، فأمر بإحراق المراكب التي جاز فيها، فتبرّأ بذلك عمّا اتُّهم به).


(ومن القصر إلى أشبونة مرحلتان، ومدينة أشبونة على شمال النهر المسمى تاجه، وهو نهر طليطلة، وسعته أمامها ستة أميال، ويدخل المد والجزر كثيراً، وأشبونة على نحر البحر المظلم، وعلى ضفّة النهر من جنوبه قبالة مدينة أشبونة حصن المعدن، وسمي بذلك لأنه عند هيجان البحر يقذف بالذهب التبر هناك. ومن مدينة أشبونة كان خروج المغرورين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه، ولهم بمدينة أشبونة بموضع بمقربة الحامة درب منسوب إليهم يعرف بدرب المغرورين إلى آخر الأبد، وذلك أنهم اجتمعوا ثمانية رجال كلهم أبناء عم، فأنشؤوا مركباً حمالاً وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر، ثم دخلوا البحرَ في أول طاروس الريح الشرقية).

*****


9 - تحليل وخلاصات:

هذا النص القصير الذي اجتزأناه من (نزهة المشتاق) كان القصد منه عرض مثالٍ نقرأ من خلاله منهج "الشريف الإدريسي" في علم الجغرافية. ويتضح هذا المنهج من خلال الملامح التالية:


١ - إن الجغرافية عند "الإدريسي" أصبحت علماً متكاملاً له أسسُه المنهجية.


٢ - إن هذا العلم يتصف بالدقة في سرد المعلومات، القائمة على الملاحظة الشخصية والتقصّي وتمحيص الروايات، وعدم الأخذ بأية روايةٍ قبل إعمال النظر بها.


٣ - غلبة الجغرافية الوصفية على منهج "الإدريسي" لم تمنعه من سرد حوادث تاريخية تتعلق بالمواقع الجغرافية، مما يجعل نصه مزيجاً من الجغرافية الوصفية والجغرافية التاريخية. ومن أمثلة ذلك في النص الذي عرضناه:

أ) قصة عبور "طارق" وإحراق السفن، ومن المعلوم أن هذه الرواية لم تعد تثبت بالفحص التاريخي العلمي، وليس من المعقول أن المراكب قد أحرقت، وهي أساساً مراكب يوليان حاكم سبتة.

ب) تسمية الأندلس وأشبانيا والبحر المظلم وما يتصل بذلك من تداخل الوصف والتاريخ والدراسات الفلكية.

ج) الإشارة إلى أن الجزيرة الخضراء هي أول ما افتُتح من الأندلس أيام "المروانيين"، وهم الفرع الأموي الذي تم دخول الأندلس على أيامه (الوليد بن عبد الملك).

د) قصة الشبان المغرورين، وهي الإشارة إلى محاولة استكشاف بحر الظلمات.


٤ -  الموضوعية العالية في السرد والوصف، والحيادية في إطلاق الأحكام.


٥ -  ولعل الأمر الهام في فكرة إنجاز الكتاب في بلاط النورمان في صقلية، أنَّ هذا الإنجاز قد تمّ في ظلّ حكمٍ يفترض أن يكون معادياً للمسلمين في الأندلس، ولكن هذا الكتاب وظروف تأليفه في (باليرمو) تلبيةً لطلب "روجر" ملك النورمان، والإشادة التي وردت في مقدمة الكتاب بهذا الملك من قبل الإدريسي، وهذا جزءٌ من تلك المقدّمة:

(فمن بعض معارفه السنيّة أنه لما اتّسعتْ أعمال مملكته، وتزايدت هممُ أهل دولته، وأطاعه البلاد الرومية، ودخل أهلها تحت طاعته وسلطانه، أحبّ أن يعرف كيفيات بلاده حقيقة، ويقتلها يقيناً وخبرةً، ويعلم حدودها ومسالكها برّاً وبحراً، وفي أيّ إقليم وما يخصّها من البحار والخلجان الكافية بها، مع معرفة غيرها من البلاد والأقطار في الأقاليم السبعة).


٦ - إنّ إنجاز هذا الكتاب في صقلية أيام النورمان لَيدلّ على تمكّن الثقافة العربية وسطوتها المعرفية رغم الانحسار السياسي عن الجزيرة وجنوب إيطاليا.


٧ - إن القرن السادس الذي شهد كتاب "الإدريسي"، كانت فيه الحروب الصليبية لا تزال قائمةً على أشدها، ومع ذلك بقي العلماء المسلمون يتعاملون بروحٍ عالية من المرونة والتسامح ومحبة العلم وخدمته، ولو كان ذلك في بلاط حاكمٍ غير مسلم.


٨ -  هذه المرونة تذكرنا بالمواقف الحضارية الكبرى لعلماء مسلمين آخرين، لعل من أبرزهم "ابن رشد" في دعوته إلى الارتكان للعقل البشري في شِقِّه الناطق ونهجه المنطقي المستند على البرهان والنظر والحكمة، وهذا ما جعل "ابن رشد" يدعو إلى التوجّه العلمي والتجربة الطبيعية والربط بين العقل والتجريب، والتأويل الذي يقود إلى الاعتراف بالآخر، وإفساح المجال للتداول والتبديل، وهذا ما جعل منهج "الرشدية" أساساً لعصر النهضة الأوروبية.

٩ - إن "الشريف الإدريسي" بحياته ورحلاته وصلاته الواسعة وكتاباته المختلفة، يمثّل النموذج الأمثل لقبول الآخر والحوار الحضاري والاعتراف بالتباين، واحترام عقائد الآخرين، والتعامل معهم على أساسٍ إنساني قائم على الموضوعية والحيادية.


ومن هنا تأتي أهمية التركيز على "الشريف الإدريسي" مجدداً، ليس كجغرافيٍّ رائدٍ في مجال الوصف والفلك والتاريخ فحسب، وإنّما بما يمثّله من علاقات حضارية في غرب البحر الأبيض المتوسط، ومن معرفةٍ علمية دقيقة بالأقاليم، وبخاصةٍ الأندلس ومنطقة غرب المتوسط.

*****

10 - الصور المرفقة لخرائط الإدريسي ،  والكرة الفضية التي تمثل الكرة الارضية .

****



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق