في قراءة نقدية للنص الشعري:
مساء الرحيل
للشاعر عبد العزيز برعود
الشعر بطعم التفلسف
استهلال :
------------
عموما ، الشعر مرتبط بالوجود الإنساني، والشاعر الموهوب المتمكن من أدواته المعرفية والبلاغية واللغوية، هو من يستطيع التفلسف والتغني بالإنسان والكون والطبيعة وتحويل قصائده الى ركن للتأمل والتساؤل والتفلسف.
وهذا يذكرني بأبي العلاء العري الذي يعتبر (شاعر الفلاسفة) وبصيغة أخرى هو
(فيلسوف الشعراء) رغم طغيان التشاؤم في أشعاره بسبب ظروفه الصحية والجسدية.
يقول الباحث المغربي رشيد الخديري: بناء المعرفة وسيرورتها، يأتي من خلال ما نملكه وما نَتَمَلَّكه من آليات في فهم واستيعاب وتفسير كل ما يُكتب وكل ما يُنتج من إبداعٍ وفكرٍ، ولعلَّ ما يُمَيِّزُ المعرفة الأدبية عن غيرها من المعارف، هو صلتها الوثيقة مع أنماط العلوم الإنسانية الأخرى
والشاعر عبد العزيز برعود يكتب الشعر بطعم الفلسفة، فتتحول قصيدته الى كائن ابداعي ومولود يفتح عينيه على البهاء والشعر الراقي.
ركز شاعرنا عبد العزيز برعود على الرحيل كتيمة أساسية في قصيدته (مساء الرحيل)، لكن الرحيل ليس بطعم المأساة والحزن، بل كما قال الحسن البصري: (إنما أنت أيام مجموعة، كلما مضى يوم مضى بعضك.)
ورغم أن الرحيل هو نوع من الفراق، وكما يقول عبد الرحمان منيف: (الفراق.. هو الموت الصغير.)، فعند الشاعر عبد العزيز برعود يأخذ الرحيل أشكالا مغايرة، فالرحيل يصبح انبعاثا وأنشودة الحياة وسفر تأملي وجودي.
"مساء الرحيل "عند شاعرنا البهي، هو :أنشودة المطر الخالد" و"الضياء الراقص على عزف النخيل" ... هو "موطن الدفء" ...هو "الموطن المسافر في الأصيل"..
مساء الرحيل هو "صهوة الحلم" و رحلة السؤال : "الوجود" ...
---------------------
1 حلم :
الحلم عند الذات الشاعرة هو حلم الخلود والتطلع الى الملكوت، ولهذا هتف مجمود درويش: (لا ليل يكفينا لنحلم مرتين.)، فلكي يكون الحلم مكتملا يجب أن يكون الليل طويلا جدا.
وفي مسارات الرحيل، يكون بوح الذات الشاعرة على الشكل التالي:
(وأنت ترحلين
قبل أن يبزغ فجر نهديك
الامومي
الدجى يعانق أنفاسك
المبحوحة
وانت تحلمين بأنشودة
المطر الخالدة
بوميض الضياء الراقص
على عزف النخيل...)
انه حلم بطعم الأمل الصادق الذي قال عنه أرسطو: (الأمل حلم من أحلام اليقظة.)
وهذه الرحلة البهية ذات شقين: رحلة المعشوقة في سفر نحو المطر ورحلة الذات العاشقة نحو ارتداد هذا المطر.-
2 حذو نقي
والحذو لغة هو السير على نفس المنوال، وحذا بمعنى سار على مثاله ونهجه، وعند الشاعر عبد العزيز برعود يصبح تشبيها بليغا للرحيل نحو موطن الدفء والمسافر في الأصيل، وبهذا تخلص شاعرنا عبد العزيز برعود من لغة الأطلال والبكاء الى لغة حية، جعل من الرحيل ميلادا جديدا وعهدا بهيا، وكأنه يقول مع إبراهيم نصر الله: (كل رحيل في البعيد، لا تكتشف به داخلا، لا يكون رحيلا)..
يواصل الشاعر عبد العزيز برعود في قصيدته (مساء الرحيل) قائلا:
(تحذوك كوامن الرغبة
كي تعودي الى موطن
الدفء
هو موطني هذا الفراغ
المستمد من غربة الروح
هو لي هذا الموطن المسافر
في الأصيل...)
والذات الشاعرة تقول بلسان واسيني الأعرج: (أنت حاضر في الزمان والمكان، في الحلم وفي اليقظة، في الهواء الذي أتنفسه.)
-----------------
3 تشبيه صفي :
في قصيدته (مساء الرحيل)، يلتجئ الشاعر عبد العزيز برعود الى التشبيه القوي، ويختار رموزا دالة ومعبرة وقوية عن الذات المعشوقة التي يشبهها بالوردة والغيمة، يقول عبد العزيز برعود:
(كوردة أنت..
في حضنها طفل
تداعبه النجوم...)
وبهذا فالذات العاشقة رغم أهوال الرحيل، فهي قوية كما قال محمود درويش: (إن أطلت التأمل في وردة، لن تزحزحك العاصفة.) ولهذا يقول المثل الروسي: (إذا كان قلبك وردة فكل ما يخرج من فمك يكون معطرا.)
يقول الشاعر عبد العزيز برعود:
(كوردة أنت..
في حضنها طفل
تداعبه النجوم
تمتطين صهوة الحلم
ترحلين في رحلة السؤال /الوجود
فيطلع موتك من أمانيك
وتشتعل فيك شهوة الصهيل
كغيمة عابرة أنت
دمعا تمطرين
حزنا تقطرين
يرافقك الامل في عزلتك
وتشتهين فاكهة الرحيل)
--------------
4 سفر بهي :
-------------------
ينشد أبو نواس مصورا أهوال سفر العاشق أو المعشوق ورحيله:
(دَمعَةٌ كَاللُؤلُؤِ الرَط
بِ عَلى الخَدِّ الأَسيلِ
قَطَرَت في ساعَةِ البَي
نِ مِنَ الطَرفِ الكَحيلِ
إِنَّما يَفتَضِحُ العا
شِقُ في وَقتِ الرَحيلِ)
بينما يركز الشاعر الفلسطيني الكبير على تواجد الحلم معك في السفر والترحال، ولهذا يقول محمود درويش: (حين تسير ولا تجد الحلم يمشي أمامك كالظل…….. يصفر قلبك.)
وبعشق، بطعم البوح الصادق والحارق، تهتف الذات العاشقة:
(وأنت ترحلين
قبل أن ينبلح صبحك
الخريفي
تسافرين في دمي الان
الان.. وجهك ترسمه الحدود
البحر في عينك يتمدد منهكا
يلفظ موجة المنكسر
زبدا
على ضفاف جفنيك
ثم يستقيل!!)
-----------------------
خاتمة:
يسافر بنا الشاعر عبد العزيز برعود في قصيدته (مساء الرحيل..) الى عوالم جديدة ويجعل من الرحيل أيقونة بطعم التأمل والأمل والتفاؤل، مما أعطى لقصيدته طعما جديدا ونفسا شعريا قويا وتعبيرا مكثفا.
وبلغة التفاؤل، نقول عن قصيدة (مساء الرحيل..) المثل المجري: (في الحب كما في الحلم لا شيء مستحيل.)
احالات :
---------------------------------------
1 رشيد الخديري: الشعر والفلسفة: عزلة أم تعايش؟ مجلة الفيصل. مايو 2019.
---------------------------------------
وأنت ترحلين
قبل أن يبزغ فجر نهديك
الامومي
الدجى يعانق أنفاسك
المبحوحة
وانت تحلمين بأنشودة
المطر الخالدة
بوميض الضياء الراقص
على عزف النخيل
تحذوك كوامن الرغبة
كي تعودي الى موطن
الدفء
هو موطني هذا الفراغ
المستمد من غربة الروح
هو لي هذا الموطن المسافر
في الاصيل
كوردة أنت..
في حضنها طفل
تداعبه النجوم
تمتطين صهوة الحلم
ترحلين في رحلة السؤال /الوجود
فيطلع موتك من أمانيك
وتشتعل فيك شهوة الصهيل
كغيمة عابرة أنت
دمعا تمطرين
حزنا تقطرين
يرافقك الامل في عزلتك
وتشتهين فاكهة الرحيل
وأنت ترحلين
قبل أن ينبلح صبحك
الخريفي
تسافرين في دمي الان
الان.. وجهك ترسمه الحدود
البحر في عينك يتمدد منهكا
يلفظ موجة المنكسر
زبدا
على ضفاف جفنيك
ثم يستقيل!!)
الشاعر عبد العزيز برعود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق