السبت، 15 يناير 2022

عباس شكور

 دفاعا عن النثر


لا يضير الناثر أن يكتب أمام اسمه ( ناثر ) ولا يضيره أن يكتب عنوانا لنثره ( نص نثري ) وأن يكتب ( مجموعة نثرية أو نصوص نثرية ) على غلاف مجموعته التي يروم طباعتها... كما لا يضير النثر ( كنوع من أنواع الأدب بل هو أقدم نوع عرفه الإنسان )

بل الضرر  هو أن يتخلى النثر عن مكانته التأريخية كوالد  لبقية أنواع  الأدب الأخرى ويلتصق بالشعر وهو حديث عهد بفطام...فعمر الشعر العربي لا يتجاوز الألفي عام بأحسن الأحوال فيما عمر النثر أبعد من ذلك بكثير  حيث نزلت الكتب السماوية منثورة ولم تأت على شعرا و الذي أوجده رجال الدين الإغريق عندما وجدوا أن الكلام المقفّى أقرب للناس تقبّلا من الكلام المرسل ومن ثم تطور موسيقى ليصبح عند العرب عمودا وما سواه يبقى نوعا آخر من الأدب باختلاف مسمياته وابداعاته...

كما لا يُعتد بشاعرية النص النثري فيقال عنه شعرا...والفارق كبير بين الشاعرية والشعر...فالنثر هو كلام مرسل على عواهنه لا تحكمه الضوابط التي تحكم الشعر ...هنا لابد أن نميز بينهما ( بغض النظر عن شاعرية النص النثري أحيانا وبين نظمية الشعر أحيانا فذاك بحث آخر وتصنيف آخر داخل كل نوع أدبي على حدة كما في كتاب طبقات الشعراء مثلا  ) فالهيكلية والبنيوية والالتزام بالعروض أولى ضرورات الشعر ... وتأتي بعدها الغرض والتكثيف واللغة والبيان والصور الشعرية وووو.

ما يقال عن النثر ينسحب كضرورة حتمية على التفعيلة ...فالتفعيلة لم تكن شعرا أبدا بل هي نثر مقنن وممنهج ومقفّى أحيانا..ذاك بأن الكتب السماوية جاءت كلاما منثورا ( مع قدسيتها ) ونفت الشعر عن كلام الله عز وجل بنص القرآن الكريم في آيات محكمات عديدة على الرغم من وجود تفعيلات كثيرة بل وجود أكثر من شطر كامل في الآيات الكريمات مما يثبت بأن التفعيلة ليست شعرا ويثبت بالضرورة أن الشعر هو العمود المكون من شطرين موزونين بدقة ( بغض النظر عن شاعريته فالشرط الأول هنا هو الهيكلية ) ويثبت أيضا بأن النثر ليس شعرا على الرغم من وجود صور شعرية ووجود لغة شاعرية عالية في الآيات القرآنية..

هذا ما جاء في تراثنا ولا دخل لنا بما قاله بودلير لأنه فرنسي ولا يعنينا أن نتقمص الأدب الفرنسي كما يفعل أغلب النقاد اليوم بتقمصهم نظريات النقد الأدبي الغربي ...ولنا معهم وقفة إن شاء الله..

هكذا نجد أن ( الناثر ) اليوم والذي يصر على إطلاق لقب ( الشاعر ) على نفسه هو أشد عداوة للنثر من الشعراء أنفسهم...فهو ينكر نوعا قديما وجميلا من أنواع الادب العربي ( النثر ) وكذلك يستصغر النثر ويراه عيبا أن يسمّى ناثرا فهو كالولد الذي يعق والديه..كما أنه يبقى مرفوضا من قبل الشعراء متشبها بالغراب الذي صبغ لونه أبيضا فتخلت عنه الغربان واستنكرته الطيور الباقية ورفضوه...

قبل أيام نوديَ على أحد الناثرين على المنصة ( ليتفضل الشاعر الفلاني ) وهو ليس بشاعر بل ناثر وكان أن اعترضنا أنا وصديقنا الشاعر السوري الجميل فايز أبو جيش...وقد استنكر الحضور ( رغم أنهم ليسوا شعراء ) أقول استنكر الحضور وأخذوا يتساءلون..هل هذا شعر؟..وإني أناشد الجميع ألا يخربوا ذائقة المتلقّي بإقحام المسميات ببعضها كي يفهم الناس الفارق بين الشعر والنثر

والله من وراء القصد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق