لينا هويان الحسن: الوسط الثقافي هو حارس شرس للنمطيات
لم يعد القارىء في عصر شبكة التواصل الإجتماعي مجرّد مُتلقٍ للمادة الأدبية، بل أتاحت له الوسائط الجديدة فرصة التعبير عن آرائه بشأن النصوص والمنجزات الأدبية من دون المواربة، وذلك ما حَدا بالمبدع في العالم اليوم أن يراهن على ما ينشر في صفحات التواصل الإجتماعي بدلاً من متابعة ومراقبة ما يقوله النقّاد في الصحف والمجلات، ما يعني أنّ ثمة واقعاً مختلفاً على المستوى الثقافي يفرضُ نَحت مفاهيم جديدة لمقاربته.
بدأت مصطلحات تنتمي إلى العالم السيبراني تدخل إلى المعجم الأدبي والثقافي، كما أنّ الشبكات الرقمية أصبحت عنصراً مهمّاً في بنية العمل الأدبي. عن دور وسائل التواصل الإجتماعي وتفاعل المبدع مع متابعيه في نشوء شكل مختلف من التلقّي، كان لنا حوار مع الكاتبة السورية «لينا هويان الحسن».
يُذكر أنّ مؤلفة «سلطانات الرمل» تتواصل مع جمهورها حيث تُعيد مشاركة آرائهم على حسابها الخاص، كما تشارك متابعيها مقاطع من الكتب التي تقرأها.
تعتقد لينا أنّ أسلوب حياتنا هو انعكاس لطريقة تفكيرنا، لذلك لا مانع من معرفة القارئ باهتمامات كاتبه المفضّل وشكله وهندامه. كسرت لينا الصورة النمطية للكاتبة في مجتمعاتنا، وهذا ما أثار ردود الفعل المتراوحة بين الترحيب والنقد.
• يقول «موباسان» إنّ حياة الإنسان وصورته لا تخصّان الجمهور. هل يمكن للكاتب أن يفكّر وفق هذا المنطق في عصرٍ عنوانه الشفافية والثورة في وسائل التواصل؟
لا أعتقد أنّ ذلك كان صحيحاً في أي عصر من العصور. مثلاً منذ زمن سقراط، ألم يدوّن تلميذه أفلاطون الكثير والمثير عن علاقة أستاذه بزوجته «زانبيث»؟ لم يكن أفلاطون ليفعل ذلك لولا اهتمام الناس بما يجري وراء جدران سقراط. هنالك يقين لا يمكن تجاهله بشأن تأثير الحياة الشخصية على الكاتب، وما ينتجه، فالقارئ يتأثر، ويتابع تفاصيل الحياة اليومية لكاتبه المفضّل. هذا أمر لا يمكن تجاهله في هذا الزمن المتعب بمتطلبات الاستهلاك اليومي، ويُنتظر أن يكون ظهور الكاتب محفّزاً ومؤثراً.
أيضاً، في وسط هذا التَشابه البائس، ليس من السهل أن تحرر نفسك من التشابه عبر الاختلاف. مثلاً اعتادت المجتمعات العربية صورة نمطية للأدبيات، فلم يكن من السهل إحراز صورة جديدة للمرأة الكاتبة والمثقفة والأنيقة. مثلاً الاهتمام بالهندام، وتسريحة الشعر وحتى فنجان القهوة الصباحي أمور استهجنها مجتمعنا. للأسف، حدثت ردة الفعل هذه من قبل أهل الثقافة؟! لا تستغرب اذا قلت لك انّ الوسط الثقافي هو حارس شَرس للنمطيات. غالباً ما قرأت وسمعت الانتقادات على ظهوري مع قططي مثلاً من قبل زملاء المهنة، بينما جمهور السوشيال ميديا من قرّاء ومتابعين رحّبوا بصَوري التي كسرت المعتاد. وساهمت بتحريك الفضول الذي هو عتبة حقيقية للاهتمام والمتابعة.
• وَفّرت وسائل التواصل الإجتماعي فضاءً للتفاعل المباشر بين المبدع والجمهور. هل ما يَنشره القرّاء عن المؤلفات الأدبية يعوّض ركود الحراك النقدي؟
سؤالك ذَكّرني بعبارة أوسكار وايلد: «إنّ أعلى أنواع النقد لا يختلف عن أحطّها، في أنها جميعاً تراجم لحياة الناقد على نحو ما». أي ما أردت قوله انه قلّما ينجو النقد من فَخ المضمون الشخصي للناقد وموقفه منك. سأتكلم عن تجربتي، ويبدو كلامي هنا خاصاً، وليس عاماً، ومتعلقاً بتجربتي اليومية وتحديداً على انستغرام، فهو موقعي المفضل للتواصل فيه مع القراء، الذين أثبتوا «نظافة» نقدية تجاه ما نكتب. كذلك أدوات «الانستا» تتيح تواصلاً مباشراً مع القراء. هنالك صفحات خاصة بمراجعات الكتب ولسويّات ذهنية وفكرية وعمرية مختلفة، وعادة ما أقوم بإعادة نشر منشوراتهم حتى لو تضمّنت بعض الملاحظات السلبية.
• هل يمكن للكاتب أن يستفيد من آراء مُتابعيه وإلى أي مدى يضيفُ لك التفاعل مع جمهورك على المستوى الإبداعي؟
غَدا التفاعل اليومي: «ريبوست، والستوري» من هواياتي، وأمنحها من وقتي بشغف. فالسوشيال ميديا أتاحت لنا علاقات حرّة وحقيقية مع القرّاء، علاقة مباشرة لا تدخل فيها أمراض النقد ولا حسد واستذئاب الزملاء. مثلاً، في مواقع «غود ريدز» معظم الملاحظات السلبية، والتي تجنح إلى الإساءة الشخصية، دَوّنها زملاء أدباء، وتحديداً الكاتبات. أو مثقفات لديهنّ مشاريع أدبية لم تر النور! لا أتصور نفسي أكتب وجهة نظر سلبية علناً بعمل كاتبة أخرى؟! مواقع القراءة تثبت حضورك ورأي القرّاء ببساطة ووضوح من دون فذلكات نقدية، أي على طريقة شوبنهاور: (الفكرة الواضحة سرعان ما تجد الكلمة المناسبة).
• مع تواصل فن الروائي مع المعطيات الحياتية المتنوعة وتناول الأزمات المعاصرة في الإطار الأدبي، هل يمكن مقاربة المنجزات الإبداعية بأدوات نقدية تقليدية؟
لم يعد ذلك مهماً أو مجدياً إلّا في الدراسات الأكاديمية المختصة، كرسائل الماجستير والدكتوراه والكتب المختصة. بينما السوشيال ميديا وصفحات القراءة، هي التي تنقل عدوى الإقبال على أعمال أدبية بعينها. قلّما يمرّ يوم من دون أن يكون هنالك هاشتاغ على اسمي أو عنوان أحد كتبي سواء بنقل اقتباسات من منشوراتي أو تقييمات لأحد أعمالي. وكل ذلك حالة صحية. باختصار: الهاشتاغ اليومي على اسمك أو أحد أعمالك هو أمر في غاية الأهمية في الحياة الأدبية المعاصرة.
• تقول الكاتبة الأميركية جويس كارول أوتس إنّ المبدع يجب أن يعلن في نتاجاته عن مَكنون فؤاده ويكتب ما يفكّر فيه. ماذا عنك، هل تكتبين فعلاً ما يشكّل هاجساً بالنسبة إليك؟
يصعب عليّ التملّص مما تقوله جويس كارول أوتس. فكل ما نكتبه يتغذى من نهر جوفي من الأفكار يهدر في أعماقنا. تُصاغ أعمالنا وفقاً لشكل تفكيرنا، ورؤيتنا الشخصية للحياة.
• الكتابة برأي فلوبير هي طريقة الحياة. هل تحوّل فعل الكتابة طريقة للحياة لدى لينا هويان الحسن؟
إنّ شكل تفكيرنا يتوافق مع ملامحنا وتفاصيل حياتنا اليومية. فالكاتب هو أسلوب قبل كل شيء. أسلوبك الذي يدلّ على تقاطيع ذهنك، وملامح تفكيرك. هندامك وحضورك وطريقة ابتسامتك وشكل التقاطك لصورة شخصية، كلها أمور تَشي بمضمونك، ألم يقل تولستوي: «ينصاع الشكل للمضمون»؟! نعم، نحن نشبه ما نكتب. والبوست الذي تكتبه والصورة المرافقة هي منفذ رمزي إلى شخصيتك.
*عن جريدة الجمهورية
Monday, 27-Jan-2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق