الجمعة، 11 فبراير 2022

بقلم مفيدة خليل

 اليوم خلع عني الملك» لحافظ محفوظ: 

يجب إعادة التاريخ المكتوب وطرح سؤال هل أنه هو الحقيقة ؟

  

   


هل أن ما وصلنا من التاريخ هو الحقيقة المطلقة؟ 

هل أن ما كتبه المؤرخون عن فترة حكم البايات هو الحقيقة الكاملة؟ 

هل أن ما دوّن عن نضالات بورقيبةواستعادة الحكم من بايات كان يكدسون فقط الثروات امام مزيد تفقير الشعب هو الحقيقة الوحيدة؟ 

هل يمكن طرح السؤال والتشكيك في صدق تلك الوثائق التي كتبت تاريخا واحدا؟ 


هي كوكبة من الاسئلة التي يمكن طرحها بعد تناول رواية «اليوم خلع عني الملك» لحافظ محفوظ الصادرة عن دار مسكلياني.

«تستقل البلاد، تتأسس الجمهورية، يصير بورقيبة زعيما، لكن ليس في نظر الامير الشاذلي بن الامين باي، الذي راسل الامير اخته ليحدثها عن امور كثيرة تهم العائلة وشخصية بورقيبة» كما جاء في تقديم الكتاب الذي تميزت صورة غلافه بتلفاز قديم داخله صورة للحبيب بورقيبة والامين باي وكان الرواية دعوة للدخول الى عوالم التاريخ.

من الخيال الى التاريخي: جولة روائية ممتعة

يبدأ الكاتب كتابه باشارة ان «كل احداث الرواية خيالية وان استعارت بعض الاسماء لشخصيات تاريخية فذلك من قبيل التخييل لا غير» لكن حتى وان كانت الاحداث متخيلة فالحديث عن شخصيات واقعية اثرت في التاريخ التونسي، فهي دعوة غير مباشرة لاعادة قراءة التاريخ.

فالتاريخ المقدم عن فترة حكم البايات واوائل حكم بورقيبة تكاد تكون مصادره شحيحة، ذلك أن أغلب الكتب مجّدت الانتقال من زمن الملكية الى الجمهورية فقط لعل كنز البايات لم يكن الا فزاعة لبعث النقمة في روح الشعب على العائلة المالكة. انا اشكّ في كل ما يقال حول البايات وتاريخهم، والحق اقول اني لا اثق في رجال السياسة، لقد تعلمت ان سلاحهم الاكبر هو الكذب والتزوير والنفاق...احد اساتذتنا اثرى بكتابة كتب عن مسيرة بورقيبة النضالية وعن مميزاته كقائد فذّ وزعيم ورجل سياسة لا مثيل له في العالم، استاذي تصوّر هذا الكنز ولا ادري من اين اتى بمكوناته؟» كما يتساءل شمس الدين البوغانمي الشخصية التي اختارها حافظ محفوظ لتشكك في التاريخ المدوّن.

«اليوم خلع عني الملك» عنوان الرواية، جملة شهيرة قالها محمد الامين الباي الملك آخر البايات التونسيين حين ماتت زوجته «الملكة جنينة»، جملة يستعيرها الكاتب لتكون عنوان لمتنه، في الرواية يمتزج التاريخي بالخيالي، التاريخي هو التواريخ الحقيقية واسماء البايات، مثل الحديث عن المنصف باي ثم احمد الامين الباي الذي نصب ملكا على تونس عام 1943 بعد عزل المنصف باي «اعود الى صيف 1943 اي الى اجبار فرنسا سيدي المنصف باي على امضاء وثيقة تنحيه عن العرش في منفاه بمدينة الاغواط الجزائرية، واعتلاء والدنا الباشا الملك ومحاولته منذ تلك اللحظة اختلاس زمن من وقته يخلو فيه بساعاته»، كذلك اسماء اخرى اثرت في التاريخ التونسي مثل «روبار فينستان» الذي ترجم كلمات الباي لمنداس فرانس رئيس الحكومة الفرنسية، و الزعماء التونسيين مثل علي البلهوان وغيرهم اما الخيالي فيتمثل في صياغة الاحداث واختيار العديد من الاسماء والشخصيات لعالمه الروائي المشبع برائحة التاريخ.

يختار شخصية محورية اولى وزمن روائي حاضر هو شمس الدين الغانمي باحث في التاريخ ويعمل في الوكالة الوطنية للتراث والزمن الحاضر هو العام 2008، اما الزمن الروائي فمرتبط بذاكرة الشخصية الروائية الاخرى التي ستاخذ حيزا من الحكي هي «الشاذلي الامين» ولي عهد الامين باي الذي خطّ العديد من الرسائل لاخته «ليليا» لتكون تلك الرسائل نقطة بحث في الحقائق التاريخية التي دونها التاريخ الرسمي التونسي.

تتدافع الاحداث والشخصيات لاعادة رؤية التاريخ من زاوية اخرى

بين الحاضر والماضي تتراوح الاحداث والحكي، يوفر حافظ محفوظ لقارئه متعة في اكتشاف رسائل يبوح فيها امير بوضعية عائلته ويتحدث عن حقائق ربما لم تدوّن»مرّ ربع قرن من الوهم بسرعة وتركنا مشردين، اخرجونا من قصر قرطاج ورموا بنا في بيت لا يصلح حتى لتربية الابقار في ضاحية منوبة، قالو انه قصر الهاشمي الذي بقينا فيه قرابة السنتين، ثم اخرجونا والقوا بنا في خرابة اخرى في مدينة سكرة سنة 1958 قبل ان يخلى سبيلنا في سنة 1962 بامر من الحبيب بورقيبة» (ص62).

تتدافع الشخصيات والامكنة والاحداث ايضا، مراوحة بين الحاضر والماضي البعيد، رحلة بين الزمن الحقيقي وزمن القص كذلك الامكنة تختلف حسب الشخصية، مكان الكتابة الاول هو «عمارة عدد 12 بنهج مصر، هي الأخرى عمارة تاريخية فهي أول العمارات التي شيدها المهندس دافيد راكاه بهذا الشارع» فمكتب بوكالة احياء التراث فضاحية قرطاج،.

أما الامكنة البعيدة فهي «بيت جنينة» بمنوبة «اليوم تسلكت مفتاح دار جنينة من عند البير الساحلي البناء يدا بيد مثلما اوصيته: قال لي تسكن بالهناء سيدي، منذ أشهر وانا افكر، احس انهم سينزلونني من العرش، او سيقتلونني كما قتلو ولي عهدي، لست خائفا من الموت، الموت حقّ، همي هو حياة الغالية جنينة، بنيت البيت حتى يسترهم وقت الحاجة ويكون ملجئنا عند الشدة» كما دوّن الشادلي الامين على لسان والده الباشا محمد الامين باي، وقصر البار بسيس بقرطاج (بيت الحكمة اليوم) «كل القصور الاخرى ملك العائلة الباشوية، اما هذا القصر فملكنا وحدنا، اشتراه جدكم من اليهودي البار بسيس ب 400الف فرنك سنة 1922، وقد اصبح ملككم بعد ان اعطيت حقوق كل وارث وعندي وصولاتهم» فلم شرّدت العائلة؟ ان كانت تملك ملكية القصر.

تتدافع الحقائق التاريخية على لسان الشخصيات، يحاول الكاتب السؤال عن مصداقية ما دونته المراجع الرسمية، يضع تحت المجهر كيف كان بورقيبة يقلد الباي في لباسه «الحذا الابيض» وطريقة مشيته ورفع يمناه لتحية الجماهير تماما كما كان يفعل الامين الباي، يواصل «الشادلي الامين» البوح بما عاشته عائلته ويتحدث « اولا اقوف جرايات كل افراد العائلة الحسينية في 31ماي 1956، ثانيا قام بمحو شعار المملكة التونسية حاذفا منه كل ما له علاقة بعائلتنا في 21جوان من نفس السنة، ثالثا اصدر امر تحويل كل سلطات الباي اليه شخصيا واجبره على التخلي عن ممتلكاته لفائدة الدولة، تمّ ختم كل هذا بالغاء النظام الملكي وعوّضه بالنظام الجمهوري، بعد ذلك طردونا بشكل وحشي» هكذا يشكو ابن الباي وجعه الى اخته، ليعلق قارئ الرسائل ان يحسب لبورقيبة انهم لم يقم بقتل افراد العائلة المالكة كما فعل كل الملوك في العصور السابقة وحافظ على حياتهم مع تغيير نظام الحكم.

ينتقل الكاتب على لسان شخصيته المختارة بنباهة بين الاحداث التاريخية، يترك لها مساحة كاملة للتعبير ثم يعلق على ما تكتبه، «اليوم خلع عني الملك» نص داخل النص، فالنص الذي نقرأه هو نص تكتبه شخصية شمس الدين الغانمي تعليقا على نص كتبه الشادلي الامين في رسائله، يختلف الاسلوب وطريقة الحكي لشد انتباه القارئ ودفعه لطرح الاسئلة، فهل حقا كان الباي يدعم الفلاقة «تحدث في الرسالة الطويلة عن رحة الى قرية في الشمال الغربي صحبة المدعو سالم البناني، وغاية الرحلة تسليم اموال الى قائد المقاومة المسلحة انذاك في جبال المنطقة» هنا يطرح سؤال ابن الباي يتنقل بنفسه لتقديم الاموال للفلاقة؟ 

في النص يتساءل عن جدوى كتابة الرسائل، هل كتب الشادلي الامين ولي عهد الامين باي رسائله حقيقة بغاية مشاركة اخته ذكريات الماضي؟ ام كتبها لعيد صياغة التاريخ الرسمي خاصة وانه يسند نصه بالكثير من التواريخ والاحداث الحقيقية؟

«اليوم خلع عني الملك» الرواية السؤال، اسلوب يدفع القارئ لاعادة فتح كتب التاريخ والنبش في الذاكرة التونسية عن الحقائق غير المكتوبة، هي رحلة في عالم الخيال لكنه خيال مزين بشوك الاسئلة عن مدى حقيقة تاريخنا المكتوب؟ هل ما دوّن هو الحقيقة المطلقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق