شيءٌ من اللغة العربية
ح 29 :
"إعراب الفعل المضارع".
الفعل المضارع: هو الفعل الذي يدل على الحال أو الاستقبال، ويبدأ بواحد من حروف كلمة (أنيت): (أَشعرُ، نَشعرُ، يَشعرُ، تَشعرُ).
تسميته: سُمِّي (المضارع)؛ لمضارعته اسم الفاعل بكونه مُعرباً؛ ولا يُبنى إلا إذا اتصلت به (نون النسوة)، نحو: (يكتبْنَ)، أو نون التوكيد، نحو: (لَأَكتبَنَّ).
كذلك يشابه اسم الفاعل في عدد الحروف إجمالا: يكتبُ كاتبٌ.
يُشابه الفعل المضارع اسم الفاعل في دلالته على الحال والاستقبال.
.....................
أولا- رفع الفعل المضارع:
يُرفع الفعل المضارع إذا تجرَّد من عوامل النصب، ومن عوامل الجزم.
للنحاة رأيان في عامل رفع المضارع:
1- ارتفع الفعل المضارع لتجرده من الناصب ومن الجازم.
2- ارتفع الفعل المضارع لوقوعه موقع اسم الفاعل، ففي قولك:
(أحمدُ يكتبُ)، وقع الفعل (يكتبُ) موقع اسم الفاعل (كاتب).
علامات رفع الفعل المضارع:
أ- الضمة: يَكتبُ، يُمعِنُ، يَمتحِنُ، يَسترسلُ. ملاحظة: مضارع الرباعي مضموم الأول.
ب- ثبوت النون: يَكتبَانِ، يَكتبُونَ، تكتبينَ.
...............
ثانياً- نصب الفعل المضارع:
يُنصب الفعل المضارع إذا سبقه أحد حروف النصب، وهي:
(أنْ، لَنْ، كَيْ، إذَنْ)، نحو: (قرَّرتُ أنْ أسافرَ، ولنْ أتأخَّرَ، كيْ أزورَ
وطني الأمّ، قلتُ لصديقي: أزورُكَ؛ قالَ: إذنْ أُكرِمَكَ).
..................
(أنْ) الواقعة قبل فعل من أفعال اليقين (علِمَ وأخواتها)؛ ليست (أنْ) الناصبة؛ بل هي (أنْ) المُخفَّفة من الثقيلة، نحو: (علمَ زيدٌ أنْ يحضرُ عمرٌو).
الأصل: (علمَ زيدٌ أنَّهُ يحضرُ عمرٌو)، فقد حُذف اسم (أنَّ) وهو (الهاء)
ويُسمى (ضمير الشأن)، وخُفِّفت (أنَّ) إلى (أنْ).
أما إذا وقعت (أنْ) قبل أفعال الظنّ (ظنَّ وأخواتها) ؛ فيجوز (رفع الفعل على أنها مخففة من (أنَّ): (ظننتُ أنْ ينجحُ أخوكَ)، أو نصبه على أنها الناصبة: (ظننتُ أنْ ينجحَ أخوكَ).
ملاحظة: وردت في أقوال العرب شواهد فيها يُرفع المضارع بعد (أنْ)، بلا مسوّغ، وهذا نادر غير مأخوذ به.
...........
تعمل (أنْ) النصب في المضارع في حالين: أ- مُظهرَة، ب- مُضمَرَة.
أ- (أنْ) المُظهرة تعمل في حالين: 1- وجوباً، 2- جوازاً.
1- تظهر وجوباً: (أسرعتُ لِئَلَّا تفوتَني الأمسيةُ). سبقتها (لام الجرّ)، وتبعتها
(لا النافية)، والأصل: (لِ أنْ لا)، حُذفت النون وعوَّض عنها تشديد اللام.
2- تظهر جوازاً: (اجتهدتُ لأنْ أنجحَ)، (اجتهدتُ لأنجحَ).
في المثال الثاني نُصب المضارع ب(أنْ) مُضمرة، التقدير: (لأنْ أنجحَ).
هنا سبقت (أنْ) (لامُ الجرّ)، ولم تتبعها (لا) النافية.
...............
ب- (أنْ المُضمرة) تعمل وجوباً في الحالات التالية:
1- {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}. سبقتها (كانَ المنفيَّة) وقبل (أنْ)
(لام الجرّ).
2- بعد (أو) بمعنى (حتى، أو إلَّا)، من شواهد النحاة بيت لم يُنسب لقائل:
"لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أوْ أُدْرِكَ المُنَى... فمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إلاّ لصَابِر".
(أو) بمعنى (حتّى).
قال زياد الأعجم:
"وكنتُ إذا غمزتُ قَنَاةَ قَوْمٍ... كسرتُ كعوبَها أو تَسْتَقيما". (أو) بمعنى (إلّا).
..................
3- بعد حرف الجر (حتَّى): (درستُ حتى أحصدَ النجاحَ).
التقدير: (حتّى أنْ أحصدَ)، الفعل منصوب ب(أنْ) مضمرة وجوباً.
...................
4- تَنصِب (أنْ) المضارع وهي واجبة الحذف بعد الفاء؛ في حال سبقها
(نفي أو طلب محض)، والمقصود بالطلب: (الأمر، النهي، الدعاء، الاستفهام،
العرض، التحضيض، والتمنِّي):
النفي: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فيَمُوْتُوا}.
الأمر: قال أبو النجم العجلي: "يا ناقُ سِيري عَنَقاً فَسيحاً... إِلى سُلَيمانَ فَنَستَريحا".
النهي: {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي}.
الدعاء: قال أبو النجم العجلي:
"رَبِّ وَفِّقْنِي فَلاَ أَعْدِلَ عَنْ... سَنَنِ السَّاعِينَ فِي خَيْرِ سَنَنْ".
الاستفهام: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا؟}.
العرض: (ألا تعملُ خيراً فتحصدَ ثمرَهُ). من شواهد النحاة:
"يا بْنَ الكِرامِ أَلاَ تَدْنُو فتُبْصِرَ مَا قَدْ... حَدَّثُوكَ فَمَا رَاءٍ كَمَنْ سَمِعَا".
التحضيض: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ}.
التمنّي:{يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
ملاحظة: أجاز الكوفيون أن يُعامل الرجاء معاملة التمني، فيُنصب المضارع ب(أنْ) مُضمرة بعد (الفاء)، واسشهدوا بقراءة (حفص عن عاصم):
{لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ...}.
.......
5- تَنصِب (أنْ) المضارع وهي واجبة الحذف بعد (الواو) في نفس المواضع
التي يُنصب فيها المضارع بعد (الفاء)، كما في الفقرة (4)، إذا قُصد بالواو المصاحبة:
النفي:{ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.
الأمر: قال دثار بن شيبان النمري:
"فَقُلتُ اِدعي وَأَدعوَ إِنَّ أَندى... لِصَوتٍ أَن يُنادِيَ داعِيانِ".
النهي: في بيت نُسب لأبي الأسود الدؤلي:
"لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ... عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ".
الاستفهام: في بيت للحطيئة:
"أَلَمْ أَكُ جَارَكُمْ وَيَكُونَ بَيْنِي... وبَيْنكُمُ الْمَوَدَّةُ والإِخَاءُ؟".
.....................
ذكر النحاة أنَّ في إعراب الفعل (تشرب) في جملة: ( لا تأكلْ السمكَ وتشرب اللبنَ) ثلاثة أوجه:
أ- (لا تأكلْ السمكَ وتشربَ اللبنَ). بنصب الفعل (تشرب) ب(أنْ) واجبة الحذف بعد الواو المسبوقة بنهي.
ب- (لا تأكلْ السمكَ وتشربْ اللبنَ). بجزم الفعل (تشرب) على التشريك مع الفعل (تأكلْ).
ج- (لا تأكلْ السمكَ وتشربُ اللبنَ). التقدير (وأنتَ تشربُ اللبنَ)، جملة حال
بعد واو الحال.
...................
6- يجوز نصب المضارع ب(أنْ) محذوفة أو مُظهرة بعد (حرف عطف) تقدم عليه اسم خالص مقصود به معنى الفعل، نحو (لُبس) في بيت ميسون بنت بحدل زوجة معاوية:
"ولُبسُ عباءةٍ وتقرَّ عيني... أحبُّ ٍإليَّ من لُبسِ الشُفوفِ".
نُصب الفعل (تقرّ) ب(أنْ) مُضمرة بعد (الواو) المسبوقة باسم صريح (لُبس)، ومثله بيت لأنس بن مدركة الخثعمي:"
إنِّي وقَتْلِي سُلَيْكـاً ثمَّ أعْقِلَـهُ... كالثَّورِ يُضرَب لمَّـا عافَتِ البَقَرُ".
.............................
من نواصب المضارع (إذَنْ) بالشروط التالية:
أ- أن يكون الفعل مستقبلاً.
ب- أن تكون في صدر الجملة.
ج- ألّا يَفصِلَ بينها والفعل فاصل (غير القسم).
إذا قال لك صديقك: (أزورُكَ)؛ فتجيبُهُ: (إذَنْ أُكرمَكَ). بنصب الفعل (أُكرِم)؛
لتوفر شروط عمل (إذَنْ) الوارد ذكرها أعلاه.
يجوز نصب الفعل بعدها إذا سبقها حرف عطف: (وإذنْ أُكرمَكَ)،
أو رفعه: (وإذَنْ أُكرِمُكَ).
إذا توفرت شروطها، وفَصَل القسم بينها والفعل؛ تنصب المضارع: (إذَنْ واللهِ أُكرِمَكَ).
لا يجوز نصبها المضارع إذا فصل بينهما فاصل غير القسم: (إذنْ زيدٌ يُكرِمُكَ).
...............
علامات نصب الفعل المضارع:
أ- الفتحة: أنْ يَكتبَ، أنْ يُدرِكَ، أنْ يَتأدَّبَ، أنْ يَستأنسَ.
ب- حذف النون: لنْ يَحضرَا، لنْ يَحضرُوا، لنْ تَحضري.
...................
ملاحظة: تعمل (أنْ) النصب في الفعل المضارع، وتُؤَوَّل معه بمصدر (كلمة واحدة):
{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ}. التقدير: (صيامُكم خيرٌ لكم).
المصدر المؤول في محل رفع مبتدأ.
(أسعدَنِي أنْ تُثابرَ). التقدير: (أسعدَنِي مُثابرتُكّ).
المصدر المؤول في محل رفع فاعل.
(نويتَ أنْ تسافرَ). التقدير: (نويتَ السفرَ).
المصدر المؤول من (أنْ والفعل) في محل نصب مفعول به.
(أصبرُ حتَّى تعودَ). التقدير: (أصبرُ حتَّى عودتِكَ).
المصدر المؤول من (أنْ المُضمرة) والفعل (تعود)؛ في محل جرّ
بحرف الجرّ (حتَّى).
.......................
أتمنى أنْ يستفيدَ من جهدنا المُركَّز هذا مَن هو بحاجة له، وأنْ يحتفظَ به.
مديح الصادق...
نلتقي في الحلقة 30 (عوامل جزم الفعل المضارع).
كندا 15 - 2- 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق