الخميس، 10 فبراير 2022

زهير كريم

 علي بدر على خطى  (ماركو بولو)


هناك نسخة أخرى من العالم، يعرضها علينا علي بدر في هذه اليوميات، شيء لاينطوي على صراع بين الشرق والغرب، بل على نقاش_ حاد في بعض الاحيان _ يطرح  فيه الاسئلة التي تبحث في حيثيات العلاقة نفسها عن اجابة معقولة، بل انه يفتح في هذه النسخة نافذة اخرى تطل على مساحة واسعة وحقيقية، تنحاز في طبيعتها للادب والفن والمعرفة واللمسة الانسانية. هذه النسخة المعرفية، الثقافية بشكل عام  لاتحمل في سماتها ثنائية الخير والشر، على الرغم من حضور الاخلاط الثقافية والسياسية والآراء والتصورات المتناقضة، بل تفترض مساحة اخرى للعيش المشترك بين سكان الارض. كتاب ينطوي على حكاية ليست خارقة في كل الاحوال، رغم ذلك لاتنقصها لمسة الخيال البهي او الاسطورة ، إنها في النهاية زاوية نظر ثالثة تجعل ماهو  بعيد عن التحقق ممكنا.


وكتاب علي بدر الجديد( صحيفة الغرباء) يأخذنا  في رحلة تطوف حول بعض فصولها العجائبية، لكنها حكايات واقعية مفرطة في حميميتها حتى كأن كل شيء يتحول من طبيعته  الصلدة الى حلم او طيف، تنطوي على سرود شديدة النفور من الذهنية التي صنعتها آلة السياسة المفرطة في قسوتها، وعلى النحو الذي  يجد القارئ  فيها نفسه في رحلة تستلهم خيال الأمكنة،وشعرية الروائح، وصخب المدن وغرابتها.  بل يقدم لنا فكرة  جادة وممكنة تتنضمن ان الاخلاط في  تناقض  تصوراتها يمكنها ان تسير في ما يمكن وصفة بافتداء الخير المتعالي، الشيء الذي يقوم على اننا ابناء ارض وا حدة، وان مصيرنا عليها واحد، وان اختلافنا لا يجب ان يكون محرضا على الشر المخفي، بل مهذبا له. 


العنوان الفرعي هو( موعد في المقهى) وهو اسناد لعنوان الكتاب، إذ ان الغرباء يتواعدون في المقاهي وليس في البيوت وهذه استعارة اخرى تجعلنا في قلب الدلالة التي تطوف حول فكرة الاغتراب، حتى لو كانت الرحلة تتسم  بالاسترخاء  وحرارة اللقاء مع الآخر.


 هكذا يمسك  علي بدر بايدينا، ويسحبنا معه  في جولة بين الشرق والغرب، يوميات كاتب في رحلاته الادبية، ولقاءاته مع كتاب العالم، من الصين حتى البرازيل، من روسيا الى غرب اوربا وشرقها، في حكايات  مليئة بالمتعة، لكنه ايضا يطرج  فيها اسئلة ونقاشات حول قضايا عديدة، سياسية وثقافية وفلسفية ودينية، وافكار حول الهوية. واثناء هذه الجولة سوف نتعرف على الكتب، والثقافات المحلية، والبشر الذين نعرف بعضهم، نتعرف على مقاهي المدن في اوربا واسيا وحتى امريكا الجنوبية،  على المطاعم والفنادق والمكتبات في رحلة كما لو انها تحاكي رحلة ماركو بولو، فيها مزيج من مباهج واحزان، متاعب ومعرفة واطلالة على الآخر الذي هو نحن. هذا كتاب غني وممتع، بل هو من أكثر كتب علي بدر تحقيقا للمتعة والمعرفة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق