دمـــوع حـــزني مـــعابر العـــصور
--------------------------------------
قريتي يا أم القبور، تقيئت في ليالي عفن العصور ،شيدت القصور وبيداءك زهور، تساقطت اكواخك ،جف نهرك، ماتت كل الازهار ،أيدٍ امتدت اليك، كأيدي الاخطبوط ،ووجوه صخر وحديد، وارهاب تتر ومغول ،خرّت ذراك، دامية وقلوبك عمياء ،فرّت من الصدور، مروجك ارتحلت ،وهرب حتى الافق، لم يبق افق ولا صدى ،من أين نرجع اليك؟ أين ممرات العبور؟ ،نعد بلا جسور، عدت ومن عاد ،لا مكان سوى الاسى ،تتنهدين، ضحكك بلا سرور ،تتوهجين، وتنطقين ،تحملين على مر الدهور ،خذلك الزمان وما يزال ،يا شمسنا الكسول ، يا أسفي جعتي، مددت يدك الى الاكف المريبة ،صرت عجوز قبل أن تشيبي ،والمصير آت في حقيبة
اكواخك تمطر الصمت والكآبة ،وسقوفها أحداق ميتة ومصابة ،ذكريات جروحا مذابة ،يسقط الظل على الظل، والحزن على الحزن ،يبحث عن الاوتار الحزينة ،نعاسك تملك الاحلام، شجن عميق في لجة الضباب
الحزن حزن على عادته، لا غرابة ،كاليوم ينزوي ويمتد، ويزداد في رحاب الارجاء ،يلبس الاجفان، يمتطي العنف ،يلتوي مثل الافاعي، ويسرق كالعصابة ،مرائي، عاريا كالصخر ،يغني بلا حس، بلا سبب يبكي ،من يقوينا على حمل هموم الزمان؟ ،ويعيد الشجو للأحزان ،يمنح الشهيد كفنا، للمجهول شوقا ومهابة ،دموعي معابر الحزن ،فجرّت يا امي محاجر دموعي الصخرية ،مججت انفاس السقم رويدا ،دموعي رحلة الآهات في الاعماق، تسكن تنهداتي ،تسري ذاكرتي في الذكرى، راحت
يا امي تحتضن الضياء الباهر ،سجيتها في ظلام القبر، لحياة الانعتاق
دموعي ما فتئت تنسكب ،رجَعة الايام، كل امواج الحنين اسكبها ،امي لم اعد اعبأ بالمستهان ،تدفقت اوجاعي مثل التائبين ،غصّ قلبي بدموعي، وامتلأت رئتاي ،واشرقت محاجري بالغصة ،لم يعد يجدي العزاء والمواساة، ،لم يفلح التضميد جراحاتي، الاّ الجراح البليغات ،تغسل اوجاعي واحزاني، اسقيها الشراب الطهور ،أصررت الاّ اترك المقبرة، الاّ بعد دفنها ،احمل جثة بليت حزنا وسقما ،اسريت احملها بين يديّ على صدري ،ضاق الدرب بخطاي، وعانيت من لظى الاقدام ،عمري مديد احملها، وعصارة قلبي في كبد الشباب ،هذا مصيرنا معتم دامٍ، تشبثت بالأرض جزافا ،اقتادها أحملها لا ابالي، لا تذوق واشم باتجاهها ،قبل أن توارى التراب، قضاء الله لا مرّد له ،مضيتِ يا امي الى الخلد ،بقيت بعدك اشحذ بسمة، واسقى بالآلام ،بعدك واثرك قصدت دار الالهام، استجديها قنديلا هاديا ،لن يمحو الموت نورك الوضّاء، صرت لروضنا نهارا
وسط زحمة الزحام...
**********
د. المفرجي الحسيني
دموع حزني معابر العصور
العراق/بغداد
19/2/2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق