الأحد، 13 فبراير 2022

رهانات_القراءة_وبناء_مجتمع_المعرفة


ريان_فاتح_القرن

 المسار المفقود

زهرة_عز / المغرب  



بعتمة البئر والخوف يدقّ عميقا في قلبه . يتأرجح بين الشعور واللاشعور ،بين اليقظة والحلم، قابعا بالظلمة، مشلول الحركة جسمه جريح،يحرك رأسه الصغير بألم ذات اليمين وذات الشمال ليريحه بعدما بحّ صوته من الصراخ . والغبار الممزوج بدمه الطاهر يغطي وجهه الجميل.يتململ بألم وينادي بصوت خافت على أمه .يعانق خيالها ويستحضر رائحتها المعطّرة بالورد والحناء.يسمع صوتها الحنون وهي تناديه لشرب البصارة اللذيذة حتى يدفأ . فالفصل شتاء والبرد قارس هناك بعمق الجبال حيث الارتواء كما الدفء ترف . يسترجع كل الطيبة والحنان وهي تمسح على رأسه وتقرأ المعوذتين حتى يحفظه الله. يرى نفسه يعدو بحقل والده حاملا جديه الوديع وكلبه الوفي يتبعه .انتشله طرق خفيف على جدار البئر الضيق من حلمه الوردي ورمى به الى كابوسه المرعب بعيدا عن أمه وحقله وجديه وكلبه.ارتج قلبه . فتح عينيه المتعبتين في العتمة فإذا ببريق ضوء يخترق خوفه.صوت بّا علي دغدغ أمله من جديد وهو يزفّه بشرى الفرج القريب.ابتسم الملاك بأنين خافت ممنّيا النفس بعناق أحبته ورشفة ماء .

وبينما أبطالنا من الهلال الأحمر والوقاية المدنية ومتخصصين وتقنيين يبنون نفقا للوصول إلى الجبّ. كان ريان الطيب سبّاقا للبناء بعدما مدّ جسر المحبة ليربط بين الشعوب ويوحّد العالم من أقصاه إلى أقصاه تحت راية الإنسانية .فكان الفاتح المعجزة في القرن الجديد.مهندس الحبّ فتح كلّ الحدود وأصبح العالم بأجمعه داخل قريته النائية قطرها حقله الصغير ومركزها البئر ..وبينما الجرافات و أبطالنا يسعون باجتهاد واستماتة لإزاحة الجبل والصخور وتطويع التربة  للوصول إليه،كان ريّان سبّاقا في الحفر ، وصل إلى أعمق نقطة بأرواحنا وأزاح كل الغبار والشوائب العالقة .حرّرنا من انانيتنا ،وأصاب بسهام نظراته الطفولية وابتسامته الساحرة كلّ القلوب .

أخرج ريان من الجبّ، رقصنا فرحا لكن الموت كان متربّصا ببطلنا الصغير ، لم يمهله ليحيّينا بابتسامته المشرقة وليرى بأم عينيه ما حقّقه من معجزات وكل الحب الذي زرعه بقلوب الملايين حول العالم .

لم يسعفنا القدر بعناقه وتركنا مكلومين ، وأدَ معه أملا جميلا تعلّقنا به طيلة عشرات الساعات ومئات الدقائق وآلاف الثواني ، ولم تتوقف عقارب الساعة عن لدغنا إلا بعد إخراجه من الجبّ . العالم بأجمعه حبس أنفاسه . ولم يكن بطلنا وحيدا في مصابه ، جميعنا شعرنا بخوف رهيب وعانينا من ضيق التنفس وانقباض القلب وتشنّج الأطراف .متلازمة ريان ولحظات الانتظار الرًهيبة كانت أكثر قسوة من صقيع البرد وعذاب الضمير .

عند رحيلك المؤلم ريان ،تيّتم الأمل وبقي فقيد نفسه ، وبقينا كلّنا عنوانا للفقد .

عالمنا صغيري الجميل ، عالم عجيب غني بالمفاجآت والأسرار والكثير من الأقنعة .عالم يتقن إنتاج أساليب مختلفة للتضامن والتآزر . يختار المكان والزمان حسب هواه ليظهر بحلّته الناصعة البياض تتخلّلها ورود محبّة وعطاء لامحدود .

الإنسانية صغيري ليس لها أسلوب يكبّلها بل تأتي قوّتها من الانفتاح على كلّ الطرق والأساليب المتنوعة .مأساتك صغيري أنطقت الصخر وفجّرت ينابيع الحب حتى تلك القلوب المعتّمة تسلّلت إليها قطرات الغيث  فنمى التعاطف داخلها كالعشبة البرّية.وأنت بقعر الجبّ تصارع الوحدة والعتمة والخوف حضنك العالم بكلّ اللغات والأديان  .

..ورأيتك صغيري وأنت تغادر ، تنظر مبتسما للسماء بقلب حزين، تحلم بعدالة اجتماعية، و بنظام صحي وتعليمي متكامل لا مكان فيه للعبث، وببنيات تحتية تمتد لعمق الوطن .تحلم ان ترتبط المسؤولية بالمحاسبة، أن تسند الأمور لأهلها، وأن يعلو القانون ولا يعلا عليه. بالتاكيد ساورتك أحلام دافئة وأنت تغادر إلى دار البقاء، حيث النقاء والصفاء والارتواء، فعصافير الجنة كما الملائكة لا تطاردها الكوابيس .ترنو إلى عالم رحب أبناءه كأسنان المشط، أوطان تحفظ كرامتهم، وتحافظ على حياتهم، أوطان لا مكان فيها للتسيب واللامبالاة، تحضن كل أبنائها  تمسح دموع البؤساء منهم، وترسم الابتسامة على قلوبهم، وهي تمكّنهم من حقوقهم كاملة و غير منقوصة.

 ..ثم رأيتك  عصفورا بألوان قزحية  تلحق بسرب إيديا وبكلّ الأطفال من ضحايا الحروب والمجاعات والغرق والاغتصاب والقتل بعدما  انحنت لكم  كلّ الغيوم البيضاء، وقد تجاوز نوركم المدى، وبأصواتكم الطفولية الجميلة تغرّدون للحقوق للمساءلة ،للشفافية والعدالة، وسيادة القانون.


 ريان ، بطلنا الجميل وملاكنا الطاهر ،أنت الفاتح الحفّار الباني، ستظل رمزا خالدا لن يموت . فالملائكة لاتموت فما بالك بمن حقّق معجزة القرن ؟ 

ريان ، هل يستقيم العالم بعد رحيلك ؟ أم ستظلّ العدالة حبلى بالسراب ؟


لروحك الطاهرة الرحمة والسلام 

عزاؤنا واحد .

Zahra Azz

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق