الجمعة، 11 فبراير 2022

عبد الدايم سلامي عن برهان شاوي

 أيّ حديث عن الحداثة لا يقترب من المقدس هو مجرد هراء نظري.


(الفيسبوك يذكرني) باللقاء الجميل الذي أجراه معي الناقد والشاعر والباحث التونسي القدير الدكتور  عبدالدائم السلامي ونشر في (القدس العربي) و موقع (الجسرة)



* نحن، تاريخيا، نعيش فترة مظلمة.


* اللغة الإنشائية المشحونة بالهلاوس الشعرية صارت هي العلامة المسجلة التي تميز الرواية العربية المعاصرة. 


*  للجوائز، على الرغم من إشكالات لجانها وقيمتها،  جوانب إيجابية، فهي في بعض دوراتها كشفت عن أسماء أدبية ممتازة لم يعرفها أحد سابقاً. كما أنها ساهمت وروجت لفعل القراءة الأدبي.


* استدعاء الأساطير الدينية في (المتاهات) ليس لمناقشة الدين فقط وإنما لمناقشة سؤال الحرية والإرادة والخير والشر ومفهوم الخطيئة.


* إن الجنس هو القوة الغامضة التي تقود الإنسان على الرغم من تحريمات الأديان والفلسفات الأخلاقية له باعتباره خطيئة، علماً بأن اليوتوبيا الدينية، على الأقل في الإسلام، هي يوتوبيا جنسية بامتياز، فحتى النص المقدّس يغري الإنسان بالجنس في الجنة، مقابل العبادة والطهرانية الأرضية. 


* حين أكتب لا يهمني القارئ ولا المنظومات الأخلاقية الاجتماعية ولا أفكر فيها أصلاً، وإنما تهمني شخصياتي الروائية وصدق التعبير عنها فنياً، ناهيك عن أن اللغة المكشوفة التي استخدمها أثناء الحوار تكشف عن الدلالات النفسية للشخصية كما يذهب إلى ذلك فرويد ولاكان.


* كل شخصياتي الروائية هي شخصيات حقيقية، ومستمدة من واقع هذه الحياة، لقد عرفتُ وقابلتُ أو تحدثتُ مع الشخصيات الأصلية التي منها شكّلت شخصياتي الروائية، وفي الوقت نفسه هي ليست سيرة لأي من هذه الشخصيات التي قابلتها أو عرفتها أو تحدثت معها في الواقع.


* أنا أكتب الرواية المعرفية ذات الأبعاد الفلسفية والنفسية، لا أضع مخططا لروايتي ولا أفكر في أي منهج نقدي أو قالب روائي تحدّث عنه النقاد.


* الأحزاب القومية والاشتراكية اليسارية، نتيجة لتكتيكاتها الساذجة آنذاك ساهمت من حيث لا تدري في محاصرة حركة التنوير الاجتماعي الحقيقية، وأقصد هنا إنها لم تتجرأ على تنوير منطقة المقدس،


* ليس هناك (ربيع عربي)، وأنما اندفاعات تاريخية نتيجة الاستبداد والقمع، لكن هذه الاندفاعات أيقظت الجثث من قبورها لينطلق «الزومبي الأصولي» ليجتاح حياتنا براياته السوداء، وليحول واقعنا إلى كابوس مرعب، 


عبدالدائم السلامي


بُرهان شاوي كاتب عراقي مقيم في ألمانيا، عمل في الصحافة العراقية والعربية منذ عام 1971، اشتغل أستاذا زائرا في كلية الإعلام والمعلومات والعلاقات العامة في جامعة عجمان. أصدر إلى الآن 26 كتاباً في الشعر والرواية والترجمة والفنون والعلوم، منها سبع مجموعات شعرية وعشر روايات. في حواره مع «القدس العربي» يطرح برهان شاوي آراءه في المنجز الروائي العربي وعلاقته بشخصياته الروائية وعلاقة الكتابة الإبداعية بالتاريخ والمقدّس.


■ يؤكد النقّاد وأصحاب دور النشر وجودَ انفجار في الكتابة الروائية في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، ما تقويمُك لهذه الظاهرة؟


□ هي ظاهرة انفجار كمي بلا شك، وهي مؤشر على التراكم الذي لابد أن يقود إلى تحول نوعي، وفق قوانين الديالكتيك. شخصيا أراها ظاهرة إيجابية، على الرغم من أن النسبة الكبيرة جداً من هذه الكتب تحمل اسم الرواية، ولا علاقة لها بفن الرواية، هي ظاهرة تراكم في الكتابة الروائية لا أكثر، ولا يمكن التفاؤل أو التشاؤم منها، فقوانين التحول من الكم إلى النوع تسري في الفيزياء وفي الصراع الاجتماعي وكذا في العملية الإبداعية، لابد أن يفرز هذا الكم أعمالاً نوعية.


■ هل يرقى ما هو منشور من الرواية العربية إلى مرقى الكتابة الروائية؟ أم أنّ أغلب ما ينشر منها اليوم إنما هو محاولات إنشائية تحت مسمى رواية؟


□ لا أريد أن أتخذ دور الناقد في تقويم كل هذا الكم الكبير من الروايات العربية، لكنني أستعين هنا برأي ناقد جريء وأكاديمي هو محمد الأمين البحري الذي كتب مقالة جريئة عن «كلامولوجيا الخواطر» والهلوسات الإنشائية، راصداً اللغة الإنشائية المشحونة بالهلاوس الشعرية التي صارت العلامة المسجلة التي تميز الرواية العربية المعاصرة. وبالتأكيد الحديث هنا عن (الهلاوس) لا يمس السرديات الكبرى في الأدب العالمي والعربي، وإنما يمس كل هذا الركام من الروايات التي تعتمد الإنشاء الشعري، الذي تتخلله بعض المقاطع السردية. فالفعل الإنشائي وهلوسات الخواطر هو الذي يطغي على السرد الروائي وبنية الأحداث وزمكان العالم الروائي، وهذا ما يضع فنية الكتابة الروائية أمام السؤال عن مهمة النقد، بل عن فائدة النقد.


■ برزت منذ عقد من الزمان تقريبا ما يمكن تسميته بالرواية الجوائزية، وهي الرواية التي يكتبها صاحبها لنيل جائزة مالية، حتى صار الكتّاب بل ودور النشر والقراء يعيشون حالة هوس بروايات الجوائز. هل من تفسير لهذا الهوس؟


□ هذا صحيح، صار هناك هوس للجوائز الروائية، لكن للجوائز، على الرغم من ذلك جوانب إيجابية، فهي في بعض دوراتها كشفت عن أسماء أدبية ممتازة لم يعرفها أحد سابقاً. كما أنها ساهمت وروجت لفعل القراءة الأدبية، لكن من جهة أخرى أفسدت شريحة ليست قليلة من الكتّاب الذين صاروا يكتبون للجوائز وضوابطها ومتطلباتها. لحظة الجوائز مؤقتة، فمن يذكر أسماء روايات البوكر الفائزة كلها؟


المتاهات


■ لديك عشر روايات منشورة إلى الآن، لكن «المتاهات» هي عملك الأبرز التي تشكل أطول رواية عربية، وهي سبع روايات تحمل أسماء أسطورية: آدم، حواء، قابيل، إبليس، وكما هو واضح أنك تستدعي الأساطير الدينية والمثيولوجيا في سردك الروائي. ما دلالة ذلك الآن؟


□ منذ مراهقتي وأنا مسكون بالبحث عبر الأديان والفلسفات عن سؤال الحرية والإرادة. سؤال الحرية بالنسبة إلي هو سؤال أخلاقي ووجودي في الوقت نفسه، ففي جانبه الأخلاقي يطرح سؤال الشر والخير والعدالة الاجتماعية والبؤس البشري، ومن جانب آخر يضع أسئلة المقدس في المنطقة الحرجة، لاسيما إذا استعدنا مفهوم الخطيئة والشر والعصيان وسيرة آدم، والعقاب الإلهي له، وبالتالي فإنني استحضرت الأساطير الدينية، بدءًا من إشكالية آدم مرورا بقضية الخطيئة وقضية قابيل، الإنسان البيولوجي الأول، متوغلاً في تابو المقدس، أي أن استدعاء الأساطير الدينية ليس لمناقشة الدين فقط وإنما لمناقشة سؤال الحرية والإرادة والخير والشر ومفهوم الخطيئة.


■ رواياتك ممنوعة في بعض البلدان العربية بسبب اقتحامها الثالوث المحرم: الجنس والدين والسياسية، ولنتوقف عند الجنس في أعمالك: أنت تكتب بطريقة فضائحية وبلغة مكشوفة وتتوغل في التفاصيل الخادشة للحياء، وهو ما يسبب صدمة لدى القارئ. لماذا هذا التركيز على الجنس في رواياتك؟


□ أنا أرى أن الجنس هو القوة الغامضة التي تقود الإنسان على الرغم من تحريمات الأديان والفلسفات الأخلاقية له باعتباره خطيئة، علماً بأن اليوتوبيا الدينية على الأقل في الإسلام هي يوتوبيا جنسية بامتياز، فحتى النص المقدّس يغري الإنسان بالجنس في الجنة، مقابل العبادة والطهرانية الأرضية. وحين أكتب مشهداً ما في راوياتي فأنا لا أكتبه على طريقة الأفلام المصرية، الرجل والمرأة يدخلان إلى الغرفة ويغلقان الباب، والبقية تجري في مخيلة المشاهد، لا، الأمر ليس كذلك في الحياة أبداً، فقد يكون الرجل ساديا يضرب المرأة، وقد تكون هي تحب العنف، وقد يكون هو عاجزاً، وقد يكون سريع القذف فيجعل من الممارسة لحظات عذاب نفسي للمرأة، وقد يكون أنانيا يفكر في شهوته فقط، وقد تكون رائحته كريهة، وقد تكون هي باردة، و.و.و، وفي تلك التفاصيل تسقط الأقنعة، وتنهار الحواجز، ويكشف الإنسان لحظتها عن أعماقه الغامضة، لذا فأنا أدخل مع شخصياتي الروائية إلى غرفة النوم لأكشف عن طبيعتها. كما أنني حين أكتب لا يهمني القارئ ولا المنظومات الأخلاقية الاجتماعية ولا أفكر فيها أصلاً، وإنما تهمني شخصياتي الروائية وصدق التعبير عنها فنياً، ناهيك عن أن اللغة المكشوفة التي استخدمها أثناء الحوار تكشف عن الدلالات النفسية للشخصية كما يذهب إلى ذلك فرويد ولاكان.


■ بناء المتاهات السردي متداخل ومتقن ويضم حشدا من الشخصيات الروائية، فكيف تتشكل لديك الشخصية الروائية؟


□ كل شخصياتي الروائية هي شخصيات حقيقية، ومستمدة من واقع هذه الحياة، لقد عرفتُ وقابلتُ أو تحدثتُ مع الشخصيات الأصلية التي منها شكّلت شخصياتي الروائية، وفي الوقت نفسه هي ليست سيرة لأي من هذه الشخصيات التي قابلتها أو عرفتها أو تحدثت معها في الواقع! في بعض الأحيان أستمع لقصص حقيقية لعدد من الرجال والنساء، أناقشهم أو أتواصل معهم كتابة عبر الإيميل أو حتى الفيسبوك، لكنني حين أشكّل الشخصية الروائية فإني لا آخذ من سيرة كل واحد من هؤلاء سوى نسبة ضئيلة، وأحياناً أستخدم بعض حواراتي معهم في صلب النص الروائي، لكن أي شخص من هؤلاء حين يبحث عن نفسه في رواياتي لن يجدها بسهولة، وإنما سيجد ظلالاً لها، وربما يأتي قارئ مجهول لا أعرفه فيجد نفسه في إحدى هذه الشخصيات.


■ في أعمالك الروائية يتداخل الواقعي مع المتخيل، والمرئي مع اللامرئي، والمادي المبتذل مع الروحاني، كما نجد هناك حشداً من الكتب والشخصيات الفنية والدرامية، التي يتحدث عنها أبطال رواياتك وكذلك مجموعة من الأغاني العربية والأجنبية مع نصوصها، ألا يعد ذلك حشوا أو استعراضا فكريا لا مجال له في السرد الروائي؟


□ أنا أكتب الرواية المعرفية ذات الأبعاد الفلسفية والنفسية، لا أضع مخططا لروايتي ولا أفكر في أي منهج نقدي أو قالب روائي تحدّث عنه النقاد، أخرج من الحكاية، وأتداخل مع المعارف الأدبية والعلمية والفنية والدينية، اتناص تمع مؤلفين عالميين ومع أعمالهم الروائية والفنية، وبتأثير السينما فأنا أسفيد من جماليات المسموع، فأستخدم الأغاني للتعبير عن مزاج الشخصيات وعالمها النفسي، لا استعراض معارفي وإنما أتناص روائياً مع أدباء لهم علاقة ببناء رواياتي، لا أميل للرواية التي لا تفجر الأسئلة ولا تلقي بي في آتون المعرفة وأسئلتها الغامضة.


المثقف والحداثة


■ ثمة إشكالية حضارية أمام المثقف العربي في الشرق الأوسط ألا وهي إشكالية الحداثة، كيف تنظر إلى حداثتنا المجهضة بينما خيب «الربيع العربي» آمالنا؟


□ أعتقد إن حركة «النهضة» العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر كانت أقرب إلى حركات التنوير الاجتماعي، لكنها كانت حركات محاصرة اجتماعيا بالجهل والأمية والتخلف وبأحكام الشريعة والأساطير الدينية، وبالتالي فإنها لم تنور المجتمع كما كان يؤمل، وإنما ظلت مثل ذبالة شــــمعة على وشــك الانطفاء، إلى أن انطفأت بالفعل، لكن على المستوى السياسي ساعدت هذه الحركة على وعي ضرورة تشكيل الأحزاب القومية والاشتراكية اليسارية، لكن هذه الأحزاب، لاسيما اليسارية، ونتيجة لتكتيكاتها الساذجة آنذاك ساهمت من حيث لا تريد في محاصرة حركة التنوير الاجتماعي الحقيقية، وأقصد هنا إنها لم تتجرأ على تنوير منطقة المقدس، وشخصيا قلتها في أماكن أخرى: إن أي حديث عن الحداثة لا يقترب من المقدس هو مجرد هراء نظري.


■ كانت انتظارات المثقفين من «الربيع العربي» كثيرة، ماذا ينتظر الواقع العربي من المثقف؟


□ لا أعتقد أن ما جرى في البلدان العربية وما يسمى بـ«الربيع العربي» له علاقة «بالربيع»، هي ليست سوى اندفاعات تاريخية تفجرت نتيجة العنف والاستبداد والطغيان السياسي في هذه البلدان على مدى قرون، فهذه الاندفاعات أيقظت الجثث من قبورها لينطلق «الزومبي الأصولي» ليجتاح حياتنا براياته السوداء، وليحول واقعنا إلى كابوس مرعب، نحن تاريخياً نعيش فترة مظلمة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق