دراسة ذرائعية مستقطعة لقصيدة " سكن نجمنا وما تململ " لمحمد بوحاشي
*المدخل العقلاني الإغنائي : ( المد المتناوب على نغمتي الاتساع والضيق في قضيدة " سكن نجمنا وما تململ " )
مقدمة :
ارتبطت نشأة العلوم بإيجاد الحلول لمشاكل الإنسان المختلفة والمعقدة، خاصة تلك المتعلقة به ككائن عاقل وكذلك بجوانب أخرى مادية، كظروف حياته، وسبل تسيده على كوكب الارض . ..كما انشغل العلماء كذلك بالجانب البحث في الظواهر الطبيعية وفك رموزها من خلال تفسيرات تباينت نتائجها عبر أزمنة مختلفة ، وكلها تتبنى علمية الابتكارات بالطرق العملمية المادية من أجل تسهيل الحياة وتبسيط تعقيداتها أمام الإنسان لكي يستمر في البقاء. وهذا الواقع ساهم في تطور الإنتاجات الثقافية، والفلسفية ، والفنون، والآداب بمختلف أنواعه ... وكل هذا ساهم في تحرير الإنسان من كل أشكال العبودية والاستغلال ، كما ساير الشعر كل هذا التطور بمساهمته في بناء عالم تسوده العدالة والسلام ...
1 - الحركة : شرط وجود حياة في الوجود
لقد أقر علماء الكون الفيزيائي في الكثير من الأبحاث الفيزيائية ( تجارب ودراسة الجسيمات الأولية نظرياتها ونظرية الأوتار والفيزياء الفلكية والنظرية النسبية العامة وفيزياء البلازما... ) على حركية كونية عظيمة متواجدة في كل من أصغر فيزياء الجسيمات الأولية إلى أكبرها على حد سواء .
أ - عتبات العنوان : ( سكن نجمنا وما تململ )
* - ذرائعية الفعل " سكن "
التقمص الوجداني الذرائعي استوقفني كثيرا أمام الفعل " سكن " الذي ورد في عنوان قصيدة " محمد بوحاشي "...فكلما قرأته او تذكرته إلا وتذكرت [ قصيدة "جبران خليل جبران " التي لحنها " محمد عبد الوهاب" ، وغنتها " فيروز " ...
سَكَنَ الليلْ وفي ثوب السكونْ .. تَخْتَبِي الأحلامْ
وَسَعَى البدرْ وللبدرِ عُيُونْ .. تَرْصُدُ الأيامْ
فَتَعَالَيْ يا ابْنَةَ الحقلِ نَزَورْ .. كَرْمَةَ العُشَّاقْ
عَلَّنا نُطْفِي بِذَيَّاكَ العَصِيرْ .. حُرْقَةَ الأشْواقْ...] ( 1 ) ...
تقمص وجداني وجدته يأخذني من عمق العنوان إلى أعماق القصيدة إن فعل " سكن " في عنوان قصيدة " محمد بوحاشي تجمعه نفس ظروف الأرضية الأولى المساهمة في كتابة وإنتاج جبران لقصيدته أي الخيبات العربية ( النكسة العربية والتقهقر العربي ...) ، إلا أن جبران نظر إلى هذا الواقع من زاوية يغلب عليها الطابع الرومانسي ، أم محمد بوحاشي فدخل وقصيدته إلى واقعه، وواقعية " ربيع عربي " تحول إلى خريف ، كما ان الواقع أصبح واقعه و موقعه الذي لم يغادره أو يتململ قيد انملة عنه ... " (2)
* - ذرائعية " نجمنا "
لا يمكن نستغرب من ربط الشاعر " محمد بوحاشي " ضمير " نا " الجمعي ( النجم = الإنسان العربي = الحركة = السكون = بفلسفة الموت ..كما ان الله ربط حركة العربي وحركيته بالنجوم ...." فقد كان للعرب رحلتان أساسيتان إحداهما إلى بلاد اليمن في فصل الشتاء ويتخذون النجمة اليمانية في إرشادهم للطريق ليلاً اما الرحلة الثانية فكانت في فصل الصيف إلى بلاد الشام وكلتا الرحلتين بغرض التجارة حيث قد برع العرب بالتجارة مع الدول المجاورة لهما وقد جاء ذكر هاتين الرحلتين في الآية 2, 3, 4 من سورة قريش.
«إلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» ( 3 )
2 - الحركة : سكون بدون تململ
السكون الذي لا يتململ هوالموت بمفهومه الذي يشمل العديد من المجالات الحياتية ، وهو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى فلسفة حياة قصيدة ( سكن نجمنا وما تململ ) ...نترك للقارئ فرصة التأمل في حركة سكون سلبي لا تتململ فيه الطبقات الاجتماعية ولا يتصارع فيه فكر التطور والتقدم والخروج من قوقعة الظلام والظلامية والتخلف ....
[ مدن جثث ملقاة على الطرقات،
وأخرى مريضة مهترئآت.
على ابوابها تذبح الأيام والأعوام،
في ساحاتها الغامقة،
تلفظ الابدان نفوسها هدرا وغدرا.
السهو والعمى
التشرد والشرود،
مأدبة غبية مغرية.
مدن في أسواقها
ماء الوجه يراق،
يلعق الاعتاب والأقدام.
كسرى يبني فيها
كنيسة الواحد القهار،
يشبع زهوه بلفح النار،
إليها يسوق قوافل الأيتام والأحرار. ] ( 4 )
الشعر أداة كشف وهدم وبناء وبحث عن حقيقة ، سلاحه الكلمة الصادقة التي تزينت بها قصيدة " محمد بوحاشي " ، فدفعتني لاستحضر قصيدة " بلاد العرب " لأحمد مطر "
[ بعد ألفي سنة تنهض فوق الكتب
نبذه عن وطن مغترب
تاه في ارض الحضارات من المشرق حتى المغرب
باحثا عن دوحة الصدق ولكن عندما كاد يراها حية مدفونة وسط بحار اللهب
قرب جثمان النبي
مات مشنوقا عليها بحبال الكذب
وطن لم يبق من آثاره غير جدار خرب
لم تزل لاصقة فيه بقايا من نفايات الشعارات وروث الخطب
عاش حزب الـ..، يسقط الخا..، عائدو..، والموت للمغتصب
وعلى الهامش سطر
أثر ليس له اسم
إنما كان اسمه يوما بلاد العرب ] ( 5 )
3 - السيرة الذاتية للشاعر ( محمد بوحاشي )
[ السيرة الذاتية
المهنة:استاذ الفلسفة بالثانوي التاهيلي
- استاذ تطبيق بالمدرسة العليا للأساتذة
عضو لجنة منح الكفاءة المهنية التربوية
مدرس البيداغوجيا والديداكتبك بالمدرسة العليا للأساتذة
* الشواهد:
- اجازة في الفلسفة
- إجازة في التاريخ
- دبلوم الدراسات المعمقة في الفلسفة
- دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة المعاصرة تخصص الفلسفة الألمانية:من كانط إلى هيدجر.
* العمل الجمعوي
- عضو إداري مسير في جمعية أشبال الإسماعيلية
- عضو جمعية أمجاد للأعمال الإجتماعية والثقافية والفنية والثقافية
- عضو في منتدى الأقلام الذهبيةللمفكرين والمثقفين العرب حاصل فيها على أوسمة وتشريفات عديدة
شاركت في عشرات اللقاءات الثقافية والأدبية والفكرية
عضو سابق في اللجنة المكلفة بمراجعة وتهييى البرامج
عضو منتدى مدينة مولاي ادريس زرهون للتنمية
* الكتب:
في الشعر * - يوان عنوانه:وردة الظل
* - ديوان تحت عنوان:لا خروج عن القافية
* - ديوان بعنوان:من أرخى العنان؟
* - ديوان يحمل عنوان:هات عينيك بحرا
* - ديوان عنوانه:يغسل وجهي قمر
* - ديوان باللغ الفرنسية عنوانه :La vèritè et la mousse.
* في النقد الادبي:
* عناوين الكتب
- ماذا يميز الشعر؟
* من القصة القصيرة و الرواية إلى الشعر.
- جمالية الخطاب الادبي
مقاربة تحليلية تركيبية.
- الشعر العربي:مسار ومصير
من الشعر الجاهلي إلى الشعر المعاصر
- كتاب تحت الطبع:النقد الأدبي المعاصر:الخلفيات النظرية والأليات المنهجية.
علاوة على 53 قراءة في متون شعرية، قصصية، روائية ومسرحية الكثير منها منشور في جرائد أو في مواقع ايليكترونية ضمن برنامج أسبوعي يسمى:حديث الثلاثاء
* في الفلسفة و البيداغوجيا :
- كتاب بعنوان : مقالات فلسفية وبيداغوجية
اهيئ حاليا كتابا مشتركا مع الباحث والناقد الأستاذ جمال عبد الدين المرزوقي
- وكتاب خاص: في رحاب الأدب والفلسفة ...] ( 6 )
4 - المد في قصيدة " سكن نجمنا وما تململ "
منذ أن خلق الله تعالى الكون ودبت في الأرض الحياة ، وبدأ الإنسان يحس ويدرك كل ما يدور حوله من الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية المختلفة فيه وحوله، بحيث صار هو المرآة والمنطق التي تعكس عليها كل صور الحياة
فأصبح مقلدا ومحاكيا لها ومقتبسا ... بالرموز والتعابير والحركة والاصوات والرسم والموسيقى... فاصبح كل هذا محط اهتمام ومجال إبداع ...سنركز في دراستنا الذرائعية المستقطعة على موسيقى المد في قصيدة ( سكن نجمنا وما تململ ) ...هذا المد الذي تجاوز عدده ( 60 ) مدا في قصيدة تتألف من 33 سطرا شعريا ، وتواجد المد بكثافة في القصيدة جعلها تتميز وتختص بنغمات موسيقية متداخلة يتناوب عليها الاتساع والضيق ، نغمات موسيقية متداخلة غير مترابطة...
وهذه هي الكلمات التي ورد فيها المد في قصيدة " محمد بوحاشي " " سكن ليلنا وما تململ " : [ ملقاة - على(2 ) - الطرقات - أخرى - مريضة - مهترئات - أبوابها - الأيام - الأعوام - في( 3 ) - ساحاتها - الغامقة - الابدان - نفوسها - ( هدرا / غدرا ) - العمى - الشرود - أسواقها - ماء - يراق - الاعتاب - الاقدام - كسرى - يبني - فيها - كنيسة - الواحد - القهار - النار - إليها - يسوق - قوافل - الايتام - الاحرار - أنصاف - ( آلهة ) - أعوامنا - العجاف - يتهافتون - اللسان - السنان - يشربون - الجراح - متاح - مباح - يكسفون - الصباح - ساقتنا - الجبابرة - إلى - الاستكانة - المهانة - الغرباء - حرثنا - خلقنا - أمامنا - عيون - الهمازة - الغمازة - الاعمار - الأقدار - سال - نجمنا - آه - الجياع - معي - سنابل - الريح ] ( 7 )
( ... عند تشكيل السطر الشعري أو الجملة الشعرية فهذه الموسيقى قد تعتمد في تقنياتها على فنية معينة كأن تكون تكرارا متوازيا وإزاحة ذات دلالية . وخاصة مع حروف المد وبتزاوج الحروف والكلمات . فتتمثل بجرسيتها وعلاقتها النغمية مع الحرف بحيث تنعكس مع خلفية الحالة الانفعالية في نفسية الشاعر والحراك الأدائي والانفتاح الدلالي فتاتي متجانسة نغيماتها . فهناك ارتباط وثيق بالدلالة المنبعثة أساساً من الصياغة اللغوية التي هي بمثابة سلسلة من الحركات الصوتية المقترنة و النابعة من الحركات الفكرية ، وحركة تمكزها الأساسي من خلال الصياغة اللغوية وفاعلها مع النص مكونة علاقة تأثيرية بين الإيقاع والدلالة الشعرية واقصد بها فاعلية النص مع اللغة ... ) ( 8 )
" يُعرف المد في اللغة بأنه الزيادة، أما في الاصطلاح فهو إطالة الصوت بحرف من حروف المد، وهي الألف والواو والياء، حيث يُمط الصوت بحرف من حروف المد...." ( 9 )
خاتمة :
المداخل النقدية التحليلية الذرائعية كثيرة جدا ، والاستقطاع يبنى على مدخل رقمي إحصائي ، حيث يلجأ فيه الناقد إلى علمية استقطاعه بعيدا عن الحدس والذوق والانطباع ...النظرية النقدية الذرائعية هي إجراء فكري حول ذرائعية مختلف أنواع خطابات تتميز بكونها محط إشكاليات ...يستدعي فيها الناقد الذرائعي كل الشروط التاريخية والفكرية والدينية والنفسية والفلسفية ....الغاية خلخلة المألوف والجاهز اللاعلمي ....
عبدالرحمان الصوفي / المغرب
-------------------
////محمد بوحاشي ///
// سكن نجمنا وما تململ //
مدن جثث ملقاة على الطرقات،
وأخرى مريضة مهترئآت.
على ابوابها تذبح الأيام والأعوام،
في ساحاتها الغامقة،
تلفظ الابدان نفوسها هدرا وغدرا.
السهو والعمى
التشرد والشرود،
مأدبة غبية مغرية.
مدن في أسواقها
ماء الوجه يراق،
يلعق الاعتاب والأقدام.
كسرى يبني فيها
كنيسة الواحد القهار،
يشبع زهوه بلفح النار،
إليها يسوق قوافل الأيتام والأحرار.
انصاف ألهة، في اعوامنا العجاف،
يتهافتون باللسان وبالسنان،
يشربون دوم الجراح،
يكسفون طلعة الصباح
كل شيء لهم متاح ومباح.
ساقتنا أذرع الجبابرة،
إلى حضرة الاستكانة والمهانة،
يحصد الغرباء حرثنا.
خلفنا ويل، امامنا ليل.
عيون الليل الهمازة الغمازة،
تقطف الاعمار،
تسخر من الأقدار.
انهمر الدمع وسال،
سكن نجمنا وما تململ.
أه ليت الجياع يرون معي،
أن سنابل ظمئهم تنضج
فوق معصم الريح!.
1/02/2022.
-------------------------------
المراجع والمصادر
1 - ويكيبيديا
2 - مجلة " نزوى " العدد 10 - ص 24
3 - مجلة الهدى - عدد 17 - ص 15
4 - مقتطف من قصيدة " محمد بوحاشي " ( سكن نجمنا وما تململ )
5 - أحمد مطر - قصيدة : بلاد العرب - موقع ( الحوار المتمدن )
6 - السيرة الذاتية للاديب والشاعر " محمد بوحاشي "
7 - انظر قصيدة " سكن نجمنا وما تململ " ل " محمد بوحاشي "
8 - النظرية الذرائعية في التطبيق ( الموسوعة الذرائعية ) - ص 227
9 - المصدر ( 8 ) نفسه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق