السبت، 7 سبتمبر 2019

الشاعر حسني التهامي

حوار  لجريدة "الطريق والحق" مع الشاعر حسني التهامي..
  
   تتدفق، المنتديات والمجموعات المتزايدة..
   بمحاولات شعرية، وقصائد من نوع آخر!
   البعض، يبدي تخوفاته من تهديده للثقافة العربية، كونه جاء من حضارة بعيدة!
   والبعض، يراه فناً عريقاً، يتحول إلى فرح يومي للشعراء!
   هنا نلتقي بالشاعر حسني التهامي، الذي أصبح عرّاب الهايكو في مصر؛
   لنتعرف، من خلاله، 
   على ذلك الكائن الشعري الجميل، الذي اسمه: هايكو!
   والقادم إلينا من كوكب اليابان!

• بطاقة تعارف.. من هو حسني التهامي؟
حسني التهامي مواليد عام 1969 ذلك الفتى القرويُ الذي تشكلتْ روحُه وسط الطبيعة الريفية في محافظة المنوفية إحدى محافظات مصر وهذه المحافظة تتسم بشيئين عُرفا عنها ، وهما الطابع الريفي البسيط والاهتمام بالتعليم رغم عدم ثراء أهلها وذلك لضيق الرقعة الزراعية رغم خصوبتها. فبين المروج الخضراء نمت نبتة الشعر في ذاتي منذ الطفولة. حصلت على ليسانس آداب اللغة الانجليزية من نفس المحافظة وعملتُ بالتدريس في مدرسة قريتي لمدة عام واحد ثم سافرتُ إلى دولة الكويت لأعملَ معلما للغة الانجليزية في وزارة التربية والآن أشغلُ رئيس قسم اللغة الانجليزية بإحدى مدارس وزارة التربية. في الكويت التقيت بجمهرة من الشعراء العرب ، حيق قمنا بتأسيس "ملتقى الثلاثاء" الذي لعب دورا كبيرا في إثراء الحياة الثقافية في أواخر فترة التسعينيات. في الواقع هناك تلاقٍ وتشابكٌ بين حسني التهامي الإنسان والشاعر ، فالشعرُ في الواقع هو تجربةٌ إنسانية ، وكل ما نكتبُه هو أنفاسُنا في هذه الحياة و تفاصيلُ مشاويرنا في دروبها ومواقفُنا الإنسانيةُ اليومية. من إصداراتي الأدبية : 
عضو مؤسس  ملتقى الثلاثاء بدولة الكويت
** عضو اتحاد كتاب مصر
الكتب والمؤلفات:
 ( ديوان شعر )  1- زنبقة من دمي
 ( ديوان شعر )  2-الصبار على غير عادته
3-أشجارنا ترتع كالغزال. ( ديوان شعر )
4-رقصة القرابين الأخيرة ( ديوان شعر )
له تحت الطبع: 
** وشم على الخاصرة( ديوان شعر )
** قصائد مترجمة للشاعر الأمريكي : لينجستون هيوز / ريتشارد رايت / مايا أنجلو / جاك كيرواك – نيكولاس أنتي فرجيليو ( كتاب شعر  )
** المطر وأشياء أخرى.( رواية )
** الهايكو وآفاق التجريب في القصيدة العربية ( دراسات نقدية)

• ماهو الهايكو.. وهل من نماذج ناجحة منه؟
• وقصيدةُ الهايكو تتكونُ في الأساس من بيتٍ واحدٍ غير مقفىً وموزعٍ على سبعةَ عشرَ مقطعاً صوتياً في ثلاثة أسطر ولا يتجاوزُ أمدُ قراءةِ البيتِ الواحد في الهايكو الكلاسيكي مُدة النفسِ الواحد. وهي تتسمُ بالاختزالِ والتكثيفِ الشديد بلغةٍ سهلة وبسيطةٍ بعيدةٍ عن التنمق والبلاغة ، وهذه السهولة يُطلق عليها البساطةُ الخادعةُ وهي أشدُ أنواعِ الصعوبةِ ، لأن الشاعرَ بهذه الكلماتِ البسيطة الموجزةِ يرسمُ مشهداً أو يلتقطُ لحظةً إنسانيةً هاربة ، وهذا المشهدُ متفجرٌ بالدلالاتِ والرؤى العميقةِ والتجاربِ الإنسانية. والشاعرُ يُعبرُ عن مشهدٍ مألوفٍ بطريقةٍ غيرِ مألوفةٍ ، ومن خلالِ كسرِ المألوفِ تحدثُ المفارقةُ التي تنتجُ عنها فجوةُ توترٍ شعري تثيرُ الدهشةَ بالنص. والهايكو في الواقع ليسَ فنَ تركيبِ صورٍ خياليةٍ ، ولا يَعْكفُ الشاعرُ فيه على التجريد والمجازِ المطلق ، لكنه يرْتكزُ على رؤيةِ الشاعر العميقةِ للعالم. وبذلك يُخالفُ توجهَ رامبو والسورياليين الذين ينادون بتعطيلِ الحواسِ للوصولِ إلى الحقيقة. فالهايكست لا يستغني عن حواسهِ ، فهي أدواتُه التي يستعينُ بها في تصويرِ مشاهدِ الطبيعةِ من حولهِ وتفاصيلِ حياته اليومية وهذهِ الحواسُ هي فرشاتُه التي يشكلُ بها عالمَه المدهشَ الفريد
• لماذا تأخر كثيراً ميلاد مثل هذا النوع الشعري عربياً؟
• وصلتْ قصيدةُ الهايكو العربيةُ إلى عالمنِا العربي متأخرةً عن طريق ترجماتِ نصوصٍ عن الانجليزية، وليست عن اللغة المصدر، فأتت سطحيةً وغيرَ دقيقة وابتعدتْ عن روحِ النص ، ربما لأن من قام بترجمتِها لم يكنْ على درايةٍ كافيةٍ بطبيعة هذا الفنِ التأملية. وأول ظهور لها كان في مقالةٍ مترجمة لدونالد كين الأستاذ بجامعتي كيمبردج وكولومبيا عن الشعر الياباني نشرتها مجلة "عالم الفكر" الكويتية عام 1973 (المجلد الرابع، العدد الثاني) ، وبدأتْ تتسعُ رقعةُ هذا النمطِ الشعريِ القادمِ من اليابان على خريطةِ عالمنِا العربيِ ، وأصبحَ يستهوي عدداً كبيراً من المبدعين ، إذ وجدوا فيه مناصاً من قيودِ القصيدةِ الكلاسيكية وقفزة جديدة على قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. إن رغبةَ هؤلاءِ الشعراءِ في أن يرتادوا حقولاً جديدةً تضيفُ إلى تجربتِهم الإبداعيةِ وإلى الشعريةِ العربيةِ أيضاً كانت دافعاً نحو تبني قصيدةِ الهايكو اليابانية ، كما أن هذا النوعَ المختزلَ والمكثفَ يتماشى مع روحِ العصرِ المُتسارع الذي يعيشونَ فيه ويتأثرونَ به. 
• وهناك سبب أساسي في تأخر انتشار قصيدة الهايكو أولها ذائقة القارئ العربي التي تربت على موسيقى الشعر الخارجية الظاهرة في القصيدة الكلاسيكية وشعر التفعيلة ، وأيضا اعتاد الشاعر العربي أن يكتب شعرا يتغنى فيه بذاته ولم يعتد على كتابة نصوص من خصائصها عنصر التنحى . أيضا عدم مواكبة النقاد للحركة الشعرية المعاصرة وعدم تقبلهم لهذا الوليد الجديد ويعتبرونه لقيطا على القصيدة العربية . 
• لماذا يحبو الهايكو في مصر، بينما اثبت وجوده في بلدان عربية أخرى؟
• في مصرَ أسَّس حمدي إسماعيل أولَ منتدى هايكو عربي باسم "عشاق الهايكو" على موقع الفيسبوك ، وتفرد الدكتور جمال الجزيري برسم تجربةٍ خاصة وطرحِ رؤىً إبداعيةٍ متميزة من خلال دواوين شعريةٍ ودراساتٍ نقديةٍ تناولت قصيدة الهايكو العربية بنوع من التأمل والتحليل. فمن أعمالهِ الإبداعيةِ نذكر "روحي تُبْحِرُ في الملكوت"، "لوحةُ مفاتيحي النابضةُ"، نشرةُ أخبارِ الموتِ ، "أتلصص عليك لأراني"، "لعناتُ طبيعتِكَ البائسةِ" ، "نبضي يتجلَّى في الجاذبيَّةِ"، كلها عن دار كتابات جديدة للنشر الإلكتروني. وله أيضا ديوانان ورقيان أحدهما أحدهما هايكو بعنوان"نظرات روحي"  والآخر " هايبون" بعنوان " طواحين الكلام" وكلاهما عن دار الأدباء للنشر والتوزيع. "الهايبون" - بشكلٍ مُختصرٍ- نصٌ أدبيٌ نثري قد يتخلله نصُ هايكو لكنه حتمياً يُختتمُ به. وهذا الفن ابتدأه باشو في شكل تسجيل يومياتِه أثناء رحلاته لتوثيقها ، ثم تلاه تلاميذُه في كتابتِه ببعض من التغييرِ في المضمون والشكل. وفي ديوانه اختلف الدكتور جمال الجزيري في كتابة الهايبون عن النمط الياباني حيث افُتتح كل نص - على نحو مغاير - بنص هايكو ليكونَ فاتحةً نصيةً ينطلق منها النصُ النثري ثم يُختتم النص بآخرَ هايكو.  وقد ابتكر مصطلحاً جديداً لقصيدة الهايكو العربية تحت مسمى "هكيدة" ، كما كتب "مقدمة نقدية في قصيدة الهايكو" ، وهو مرجعٌ مهمٌ للمهتمين من الشعراء والنقاد والقراء في مجال هذا الفن ، وبذرةٌ أولى - على حد تعبير الناقد - في حقل الهايكو. ومن الشعراء الذين اجتذبتهم قصيدةُ الهايكو أحمد طرشان، علاء جويلي، عادل عطية وحسين عبد الجيد الذي صدر له ديوانٌ ورقيٌ بعنوان "ضيوف الوجع"، وله أيضا "قراءات انطباعية حول قصائد هايكو عربية" 2019 ، كما صدر للشاعرةِ شهرزاد جويلي في منتدى الهايكو العربي "همس فراشة" ،"وشوشة أحمر شفاه" و"أوان قطف القمر" ، وللشاعر عبد الرؤوف هيكل ديوان "وجه البحيرة" عن نادي الهايكو العربي. ولا تزالُ حركةُ الشعر في مجال الهايكو في مصر تحتاج إلى تكثيفِ الجهد وتوسيع نطاق التجريب. وقد نرجع عدم رواج قصيدة الهايكو في الوسط ِالأدبي المصري لانشغالهِ بترسيخِ قصيدة النثرِ خاصةً بعد وفاةِ عمودٍ من أعمدتها وهو الناقد والشاعر شريف رزق الذي صدرت له كتبٌ نقديةٌ مهمةٌ في هذا اللون. 

• لماذا اتجهت إلى الهايكو، بل وأصبحت من المصطفين معه؟

• في الحقيقةِ كنت دائما أحاول أن أجدد تجربتي في الكتابة خاصة بعد صدور ثلاثة دواوين تفعيلة ونثر ، حتى عثرت على ضالتي من خلال نصوص هايكو على منتديات الفي سبوك المتخصصة في هذا النوع الشعري الجديد على الذائقة العربية. أجد نفسي حالياً في قصيدة الهايكو ، قصيدة الهايكو لها جماليات تميزها عن الأنواع الشعرية الأخرى فكل كلمة في هذا النص المختزل النص له تفردها وخصوصيتها.
• 
• هل نستطيع القول بأن قصيدة الهايكو العربية، أصبحت تفرض نفسها؟
• بالرغم من الكمِ الهائل من المُنتجِ الشعريِ الذي حاولتُ حصرهُ في صورة دواوين ورقية وإلكترونية ، ومن منتديات الهايكو في الفضاء الإلكتروني ، ومن أسماء الشعراء وهذا جزءٌ من مشهدٍ شعري كبير. لكنهُ يعكسُ تزايد الاهتمام بهذا اللون الشعري الجديد. بالرغم من ذلك لا يمكننا أن نَجزمَ أن قصيدة الهايكو العربية قد اكتملَ تشكلُها كفنٍ له خصائصُه وسماتُه. كما أن كثيراً من النقاد لا يزالون يترددونَ في تناولِ هذا الفن ويعتبرونَه غريبا ودخيلاً ، وهذا في حدِ ذاتِه يؤخرُ النهوضَ بهذه الحركة الجديدة. وكثير من طلاب الدراسات العليا في الجامعات العربية يرغبون في تناولِ الهايكو في حقل دراساتهم ، لكن ندرةَ المراجعِ والمصادر التي يعتمدون عليها في استقاء معلوماتهم تعيقُهم عن مواصلةِ دراسة جمالياتِ هذا اللون الشعري. أيضا لا يزالُ كثيرٌ من الشعراء الذي كتبوا قصيدةَ الهايكو يلبسونَ عباءةَ باشو في مفرداته كـ "الفزاعة، الجدجد، زهرة الفاوانيا" وغيرها من الألفاظ والعبارات التي أصبحت مكرورةً وباهتة ومبتذلة.
• البعض مازال ينظر بتخوف لقصيدة الهايكو العربية، وهناك من لا ينتظر لها مستقبلاً.. أنت ماذا ترى؟
• وأعتقدُ أن حركةَ الشعر في العالم العربي ستكون مهمومةً بشكل كبير بهذا الفن الرائع لما فيه من جماليات ، لكن لابد لشعراء الهايكو العرب أن يثابروا ويخلصوا لتجربتهم ويسيروا واثقين كي يسودَ هذا الفن في الساحة العربية،  ويكونَ هناك سمتٌ لقصيدة الهايكو العربي.
• نجد الشعراء الشباب أكثر تحمساً لهذا النوع. ولكن البعض يلاحظ في النصوص التكرار وتقليد لقصائد منشورة وركاكة الكلمات وغياب العمق الجمالي. مثل هذه الاشكالات، هل من الممكن معالجتها وتجاوزها.. كيف؟
• ربما يكون الشباب أكثر تحمسا لهذا النوع من الشعر لأنه نمط جديد ومواكب لروح العصر ، لكن ما نلاحظه أن كثيرا من النصوص تفتقد للرؤية وللتجربة الشعرية . ويمكن تجاوز هذه الإشكالية بقراءة نماذج لشعراء هايكو عالميين وعرب والعودة إلى أصول هذا الفن ومنابعه في اليابان لمعرفة أصوله وجمالياته وعمق تجربته. لابد على الشاعر أن يدرس خصائص الهايكو الكلاسيكي ويطلع على التجارب الحداثية في اليابان ونماذج من الشعر العالمي والعربي أيضاً. 
• هل من حقنا الخروج على الكثير من اشتراطات الهايكو، وتحريره من بيئته الأصلية، مستجيبين لكل ممكنات اللغة العربية ومرونتها في التشكيل والتدليل؟
اليابانيون أنفسُهم قد هبتْ عليهم رياحُ التغيير ونفضتْ عنهم غُبارَ التقليدِ والمحاكاةِ خاصةً إبان الحربِ العالمية الثانية. فمع تَغير طبيعةِ الحياة في هذا البلد الذي كان منعزلا في الحقبةِ التي عاش فيها باشو ، جَنح كثيرٌ من شعراءِ الهايكو إلى التجديدِ والكتابةِ عن المدينة وأحداثِها وتفاصيلِها وإلى تناولِ قضايا الإنسان ، وانفتح اليابانيون على الآدابِ والفنون الأخرى ، وقدموا ما يُسمى بـ "هايكو العالم" على حد تعبيرِ الشاعرِ الياباني المعاصرِ "بانيا ناتسويشي". و"هايكو العالم" هو أساسٌ لمشروعٍ شعري تبناه الشاعرُ إبداعا وتنظيرا، وهذا التصورُ الحداثيُ "يتيحُ للشعراء إمكانياتٍ أكثرَ لاستغوار النفسِ الإنسانيةِ والتقاط إشاراتِ اللاوعي ، وولوج عوالمِ الحُلم والهذيانِ وغيرها من مظاهرِ الوجودِ الإنساني الأعمق". لذا وجب علينا أن نجدد في الهايكو لكن بعد التعرف على الخصائص المتعارف عليها للهايكو التقليدي وقد أنشات منتدى هايكو مصر مع الزميلة الشاعرة شهرزاد جويلي وتوجه المنتدى نحو هايكو عربي حدائي يتكئ على الأصول ثم الانطلاق نحو الحداثة. وثراءُ اللغة العربية يتيحُ للشعراء العرب وهم في مجال تجريبهم أن يحققوا نجاحاتٍ في استكشاف جمالياتٍ جديدة في الشعرية العربية.    

• هل يحق لنا تغيير اسم الهايكو، كما غيرنا من سمات قواعده التقليدية؟
• ولم لا فإذا استطعنا أن نحدث شكلا جديدا مغايرا للهايكو يمكننا اطلاق اسم جديد على هذا النوع من الفن .وقد حاول الدكتور جمال الجزيري وهو شاعر مصري وناقد أكاديمي أن يطلق عليه اسم الهكيدة . أضف إلى ذلك أن بعض الشعراء كتبوا نص الهايكو على أربعة أسطر بدل الثلاثة كنوع من الخروج عن النمط.  
• هل ستسهم قصيدة الهايكو ـ لو نجحت عربياً ـ في استحداثات جمالية عميقة في بنية الشعر العربي؟
• بالتأكيد فقصيدة الهايكو ستكون لونا شعريا وجماليا إضافيا إلى القصيدة العربية . فنص الهايكو يحمل في طياته مكامن الجمال والدهشة وسر الخلود . ونص الهايكو الفارق هو الذي يحوي المفارقة والتي هي روح كل إبداع خالد جميل.   
• قيل أن الهايكو فن لغوي بإمتياز.. ماذا يعنى ذلك؟
نصُ الهايكو لا يعتمدُ في الأساس على عُنصري البلاغة والتنمق اللغوي ،على عكس القصيدةِ العربية الكلاسيكية وقصيدة التفعيلة، فهو نصٌ بسيطٌ يعتمدُ على التكثيف والإيجاز ، فهو فن لغوي له تفرده وله تقنياته وأدواته الخاصة،  فبكلماته البسيطة يُشكل عالما جمالياً وتجربةً إنسانيةً هائلة. ولنظر مثلا لنص الشاعر الأمريكي نيكولاس أنتي فرجيليو البسيط في لغته والعميق في معناه : 
زنبقةٌ 
خارجَ الماءِ
خارجَ ذاتها   
• ما رأيكم في القول أن هناك شواهد عديدة في الشعر القديم والحديث، تصلح كنماذج ناجة تماماً عن شعر الهايكو قديمه وحديثه، حتى أنه توجد أبيات سارت أمثالاً لاكتفائها بنيوياً بالتعبير عن دلالات مفتوحة مما يدل على أن الشعر العربي مهيأ للاشتغال على الايجاز والتركيز اللذين يتطلبهما الهايكو وقادر مثله على الايحاء الذي هو جو الشعرية؟
في الشعر العربي هناك شواهد عديدة للقصيدة الموجزة في الشعر العربي يرجع أمدها للعصر العباسي باسم شعر التوقيعة ( الإبيجراما اليونانية ) وأعادها في عصرنا الحديث الدكتور طه حسين في كتابه (جنَّة الشوك)، في (العام 1945)، كتب له مقدمة في الصفحات (7 – 21) عن (فن الإبيجرام) اليوناني، والكتاب عبارة عن نصوص (ص23 – 148)، وصفها طه حسين بأنها (إبيجرامات). كذلك، ظهرت اعتباراً من (العام 1964)، قصائد أطلق عليها صاحبها (الشاعر عزالدين المناصرة)، اسم (توقيعات)، وهي منثورة في معظم دواوينه (الأعمال الشعرية، دار مجدلاوي، عمَّان، ط6، 2006)، وأولها ديوانه (يا عنب الخليل، 1968). ولاحقاً، قدَّم (المناصرة) في حواراته الصحافية، تعريفاً لقصيدة (التوقيعة)، تناقله الباحثون. وقد انتشرت بعد ذلك (قصيدة التوقيعة) في الشعر العربي الحديث، كما هو الحال في قصيدة (هوامش على دفتر النكسة، 1967) لنزار قباني، تحت أسماء متعددة مثل: (التوقيعة، الشذرة، الومضة، اللقطة، القصيدة القصيرة، القصيدة القصيرة جداً، قصيدة البيت الواحد، المقطعَّة، الأنقوشة، اللافتة، قصيدة الفلاش، قصيدة الإيقونة، قصيدة الخبر، البرقية، التلكس، اللاصقة، القصيدة الخاطرة، السونيتة، الهايكو...الخ)، ولعل أقرب الأسماء لحقيقة هذا (النوع الشعري)، هو (التوقيعة ) .   
• هل تعتقد امكانية مخاطبة الأطفال بنصوص هايكو أسوة بالاشعار التقليدية التي تُنظم خصيصاً لهم، ولماذا؟
• بالفعل يمكن ذلك فهناك ما يسمى بهايكو الطفل والهايكو ببساطته يوائم روح الطفولة ويشكل عالمها البسيط من خلال تفاصيل الطفولة الثرية والتي تظل معينا خصبا يمتح منه الهايكست إبداعاته وجماليات كتاباته. 
• هل يمكن للشاعر أن يكون سياسياً، أم أن التغيير عنده بتغيير المشاعر وليس بتغيير الأحوال؟
الشاعرُ مثل أي انسانٍ عادي له رؤيةٌ في الحياة ، وأيضا له مواقفه السياسيةُ لكن الشاعر -كإنسان وكمبدع - يجب أن يكون منحازاً للإنسانية وللقيم النبيلة التي هي جوهر الجمال في الكون والحياة. وهناك ثوابت  مثل حب الوطن وحب الإنسانية يجب أن تطغى على انحيازات الشاعر السياسية لأن المواقف السياسية متقلبة بتغيير الساسة والأنظمة والشاعر الحقيقي هو الذي ينأى بنفسه عن هذه الأمور.  
• هل تتوقع اهتماماً وتبنياً اكاديمياً ومؤسسياً بالهايكو العربي؟
• أعتقد أن هناك فجوة كيرة بين المبدع والناقد وبين المبدع والدارس الأكاديمي حاليا .. لكن أتوقع أن قصيدة الهايكو بجمالياتها بدأت تجذب بعض الأكاميين الجاديين والنقاد والباحثين في مجال الأدب . أتوقع خلال السنوات القليلة القادمة سيكون لقصيدة الهايكو زخم  وحضور . فأصبح لها صيت في ربوع عالمنا العربي رغم خفوته لكنه لا محالة قدم وبقوة. 

قرأت هذه النصيحة على يوميات إحدى المنتديات المعنية بالهايكو: "الالتزام بالفعل المضارع، وليكن المشهد من الطبيعة، المشهد اساسي في الهايكو ليس مجرد أقوال أو حكم أو فلسفة.. انظر إلى الطبيعة بعيني طفل لم يتجاوز الثالثة". جميل، ولكن مهما كانت المشهدية رائعة، أليس من العبقرية ان نجعل للمشهدية بُعد فلسفي أو تعليمي، فالتأمل في الطبيعة تستتبعة العبرة والموعظة، وإلا فقد التأمل معنا

قصيدة الهايكو قصيدة مشهدية من الطبيعة في الأساس والمشهدية عنصر أساسي في قصيدة الهايكو الكلاسيكية حتى الشعراء الذين طوروا في قصيدة الهايكو في اليابان تخلوا عن عناصر كثيرة منها الموسمية والآنية لكن أبقوا على عنصر المشهدية. أما عن استخدام الفعل المضارع لتحقق المشهدية في النص ليس شرطا .ف الهايكو لقطةٌ آنيةٌ تستدعي في طياتِها تجربةً إنسانيةً ممتدةً من أعماق الماضي ، وربما تستشرفُ ملامحَ مستقبليةً ترسمُ مخاوفَ الشاعر وأحلامَه الكامنةَ في ضميرِه الإنساني: 
 " ليستِ الريحُ ما يَهُزُ أعطَافَكِ 
أيتُها الصِفصافةُ- 
إنما أنفاسُ أبي"
في النصِ استدعاءٌ للماضي عبوراً بلحظةٍ آنيةٍ وهي اهتزازُ أعطافِ الصفصافة ثم تمتدُ فيما بعد لتشكلَ الحضورَ المستقبلي لأنفاسِ الأب التي تمثلُ ديمومةَ الذكرى والحياة.  
هل يجب استخدام علامات الترقيم، كعلامات التعجب والتأثر• والفاصلة والنقاط الخ.. في الشعر، وخاصة قصائد الهايكو؟.. ولماذا؟!

. سُئل الشاعر الفرنسي الكبير" أراجون" عن علامات الترقيم فقال إنها ليست امراً مفروضا في العالم ولم تكن موجودة دائما, لم تكن موجودة في الشعر الفرنسي في القرون الوسطى كما لم تعرفها اللغات اللاتينية واليونانية والعربية إلا جزئيا وفي وقت متأخر يقال عادة: هل نضع علامات الترقيم أو لانضعها (لأن هذه العلامات لم تظهر إلا بظهور الطباعة أي عندما أصبح النص المكتوب في متناول عدد كبير من القراء واستخدمت تعليميا لتسهيل القراءة على من لا يستطيعها بدون تلك العلامات. اذا لا يرى اراغون ضرورة لوضع علامات الترقيم في الشعر! ‏
هناك في شعر الهايكو الياباني تقنية تسمى بالكيرجي، وهي الشرطةُ أو الوقفةُ التي يضعها الهايكست في نهاية السطر الأول، وهو صمت . فالكيرجي (-) يمنحُ بُنيَةَ الهايكو تماسُكاً كبيراً ويدعو القارئ للتّأمّل. أيضا إذا كان المشهد يسترعي الدهشة فتوضع علامة التعجب في نهاية النص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق