الاثنين، 9 سبتمبر 2019

حسن بيريش

عامان على رحيل خالد مشبال:
سلام لك سلام عليك حتى مطلع الخلود




(1)

أمات خالد مشبال..؟!
أبدا..!
خالد لا يموت!
فقط ذهب دون أن يستأذننا، وسرعان ما سيعاود الرجوع!
هكذا عودنا أن يفعل كلما شعر برغبة في اقتراف الغياب ليزداد حضورا.
إذن:
لا تشهروا الموت في وجه رجل أدمن الحياة!
فقط رددوا معي:
حمل خالد الحروف والآراء وذهب إلى حيث يطبع آخر عدد من "الشمال"..!!

(2)

منذ أسبوعين كنت في حضرتك.
وأدركت كم تكابر أنت لتحافظ على يفاعة حضورك.
كم تكابر لتتبدى بما يليق برجل ما انحنى يوما إلا ليكتب.
وما رضخ لحظة واحدة لغير حقيقة حبره. وجهارة رأيه.
وغادرتك - غادرتك يا خالد القلب - دون أن تلمح دمعا أجهش به قلبي، وفاضت أنهاره، وأنا في مصعد:
يتركك في قمتك.
وينزل بي إلى حزني.

(3)

أصحيح أننا لن نراك بعد الآن..؟!
أصحيح أن صوتك لن يصل إلى مسامعنا بعد الآن..؟!
لا أريد أن أصدق أنك عنا رحلت. وأننا لنعيك صدقنا..!
إذن:
سنلتقي غدا صباحا في مقهى بيكاسو لنتقاسم أول سيجارة وأخر ضحكة.
وما بينهما حديث:
- بك يزهر.
- فيك يقيم.
- لرأيك ينحني إعجابا وتقديرا.
فاطلب لي فنجان قهوتي يا خالد البهاء..!!

(4)

أيها الماثل في مدى الأعين:
قلت الأقل.
وكتبت الأكثر.
وذهبت إلى صمتك الجهير، وما زال عندك الكثير مما لم تقله ومما لم تكتبه.
هذا هو دورنا تحديدا:
أن نكتب لك.
أن نكتب عنك.
أن نحضن بالشغاف الذين يصونون ذاكرتك المعطاء.
أن نحث على حراسة حضورك. ومقاومة كل نسيان يطالك.
فهل سنؤدي الدور أيها الحي في موته..؟!

(5)

سي خالد:
أتذكر حين قلت لي يوما، ونحن في طريقنا إلى القنيطرة:
- إسمع السي حسن.. الجحود في بلدنا ماركة مسجلة..!!
آاااااااه يا سيد الإعلام في وطن الجحود والعقوق..!!
لو كنت مصريا لرشحوك للبقاء ألف عام.
أما وأنت مغربي فقد دثروك بعلم النسيان، حيا وميتا..!!
لكنك - يا خالد الأنفة - حتما ستمزق علم التعتيم.
وقطعا ستداوم الإشراق.

(6)

أيها الغائب الضالع في الحضور:
كنا نقرأ لك فتزداد الحقيقة رسوخا فينا جيلا تلو جيل.
كنا نسمعك فتنمو الجرأة في مشاتلنا عمرا على صدر عمر.
تتحامل على عيائك.
تكابر في أوج الأيام العجاف.
وتأتي إلى الكلمة.
كنت تحب الحبر السي خالد.
تحبه حد أنك لم تشرك به سواه.
يا الله.. يا الله..
كيف للكلمة أن تتحمل سفرك الذي لا أوبة منه..؟!

(7)

يا سليل شجاعة الصحافة:
انظر معي:
ألا ترى أن الحبر يتيم بعد صمت إحساسك في الكلمة..؟!
تأمل جيدا:
ها هي الصحافة لم ترفع أعلامها بعد أن نكستها حزنا على حالات شرودك..؟!
فمن يأخذ بيد الصحافة إلى أقاصي الإجادة، بعد أن توقف قلمك..؟!
من يجهر بالكلمة في ساحة الرأي، بعد أن رحل صوتك..؟!

(8)

أميت أنت السي خالد..؟!!
أبدا لن أقتلك في رثائي..!!
فقط أذكرك بنزار قباني الذي خاطب طه حسين من مسافة الموت والحياة قائلا:
إرم نظارتيك ما أنت أعمى
إنما نحن جوقة العميان!
وها أنا أخاطبك - السي خالد - من مسافة الحياة لا الموت. ولك أقول:
إرم موتك جانبا ما أنت ميت
إنما نحن الموتى/ الأحياء!

(9)

يوم رحل جمال عبد الناصر، خالد مصر الذي طالما كلمتني عنه، ردد نزار، مرة أخرى:
مات الهرم الرابع!
ولحظة جاءني نعيك، وأنا في مرتيل، هتفت:
عاش هرقل الثاني!

(10)

هل تعرف يا أبا الصحافة في شمالنا:
لقد عشت أكثر مما مت.
وبقيت أطول مما رحلت.
وانتقلت من ضيق الفناء لتعانق رحابة الأزل.
فلتكن - إذن - ذكراك مباركة.
وليكن - إذن - حضورك مؤبدا.
سلام لك.
سلام عليك.
حتى مطلع الخلود!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق