بورتري
سونيا الفرجاني
إضافة شرح |
مكر لغوي يركض بشسع قصيدة
(1)
بملء يديها تلعب بجمرات الحب، تذهب إلى نفسها، ونحو العتمات الضالعة في ضوئها، ثم تتسربل بلغة غير متوقعة، ولا شيء يعيق أنفاسها، وأبدا لا تستسلم للمسلم به.
من ٱثام الكتابة تأتي، وإلى أقصى النزوات تؤول، ووحدها ارتعاشات العراء تفشي أسرار القصيد، وترتل بياض الجسد المضرج بغوايات الشاعرة.
"كتفيّ شرق،
وأنا الشوق يركبني،
وثوبي منه البلاد تطير إلى ركبتيك.
على كتفيّ
شرق
يطوّق صوتي
وشرق تساقط بين الأصابع.
لا يمكن أن أجوع
مثلما أشتهي صوتك الآن".
(2)
هل جربت أن تقرأ سونيا الفرجاني، أن تشم روائح شعرها، وتظل مفتوحا على احتمالات ماكرة..؟!
عندما يستبد بها الشعر، يستبد بك الحب. هي تجهر بالذي انفرط، كي يتشكل، يتخلق. وأنت تهمس بالناقص، عساه يكتمل في مهب انهمارها.
تقرأ نفسك فيها، تطالع وجهها في قسماتك، تمسك بيراعها الذي به تكتبك، ليخط قلبك الذي به تعيد كتابتها، ولا مفر منها إلا إليها، ولا إياب من ذهابك إليها.
هي تملأ شقوق ذاكرتك،
كي تسكنك،
وأنت تنسل منها
كي تصير
خيطا في نسيجها.
(3)
تنشرح لغتي حين تقابل لغتها.
ليس لأنها تمضي قدما نحو الذي يبدو مستحيلا، بل لأني أقف في المسافة الراقصة بين لغتها المقامرة، بلا خسران، وقراءتي السكرى، دون كأس..!!
فكيف لا
يثمل الحرف،
وهو منصاع
لمكتوب يسمع،
ومسموع يكتب..؟!
قبل هنيهة، تسللت، على أطراف إعجابي، إلى جدارها، ذاك الذي تحول من الأزرق إلى الأحمر، ثم عدت، محمولا فوق أكتاف بصيرتها النابذة للمعطى والمتاح، وعلى لساني أرى تكاثر قليلها، وأتحسس نعومة سلطتها.
"اللغة خائفة،
قبل الصباح أيقظتني،
خائفة.
لم أجد خطى حول البيت،
ولا سمعت صرير باب.
ما الذي يحدث
في الأعلى؟".
(4)
جاءت سونيا إلى الكتابة دون موعد مسبق، وحده القصيد الذي يفرض مواعيده، دون أن يحجز طاولة ليجلس فوق اشتعالها ويكتب صقيعه..!!
ها هي سونيا تعترف بأن الكتابة ليست سفرا في عتمات الإقامة، وإنما إقامة في زمهرير السفر.
"الكتابة
شاحنة صغيرة مغلقة،
أركبها،
قد تصل بي،
وقد تتعطب في
مفترق غامض،...".
ذاك "المفترق الغامض"، أليس هو الذي يمرح في الدخائل التي لا تجتنب ٱثام الذات، وتضع الأفئدة في مواجهة كل مٱزقها في الحب، في الشعر، والمصير..؟!
(5)
"الرجل الذي أحبه
كذب علي،
قال قتل النساء
في الخيال،
ورسمني
خيلا تركض".
بذلك، تؤكد الماكرة المتكاثرة، سونيا، أنها تستبيح حرمات اللغة، كي تضعنا في أوج هذه الاستباحة، ثم نتقاسم معها غنائم حب أسير..!!
لكن، مهلا، وعلى رسلك يا سونيا.
يدك تعبث بأحلامنا، وحبرك يدربنا على تحمل الجرح، أما صورك الشعرية اللعوب، فهي تودي بنا نحو تهلكة الدهشة، وتتركنا عرايا الذاكرة على مرأى من ثياب نصك.
أنت تصفي الشعر بأنه:
"لحظة رعب مميتة،
تنقذنا منها الكتابة".
وتصفي الحب بأنه:
"ممارسة الخلود
في حياة زائلة".
والشوق عندك:
شوك أسفل الحلق،
وطرائد تعربد
في الجسد".
أليس الشعر، في فداحة تجليه، ليس إلا لحظة تركض في صهيل العمر، وممارسة تقتفي نواح الذاكرة، وشوكا نمشي فوقه لتعلن القصيدة علو جراحها..؟!
(6)
يذهب بي الظن
أن سونيا
لا تكتب،
لا تجهش،
إلا في هدأة البياض.
بياضها يخفي أكثر مما يبين، لأن سلطته تعلو على أوامر التسويد، ولأن المضمر هو الذي يخطو نحونا حاملا معان مفرطة التلاشي، مقيمة في البروز.
لذا، يمكن التوكيد أن لبياضها ٱثار مرور، قد نقرأ صوتها،
وربما قد نسمعها، بيد أنها، خطى البياض تلك، تلمحنا من مسافة الكتابة، وفي مفترق الكلام والنبض.
"سأرفع ثوبي عن ساقي قليلا
كي تكون خُطاي أكثر اتّساعا
وأصل الحياة
قبل فوات الأوان.
هذا نص كلمعة، يضيء في ارتعاش البياض، المكتوب فيه أقل من المحلوم، إنه يقف أمام الدوال عاريا إلا من بياضه الذي يتزيا بجوهر مستتر.
(7)
بضمير المتكلم، لا الغائب، تعلن سونيا عن تورطها في أيما كتابة تجهر بها يدها المعطاء، وقلبها الرهيف، وعمرها الذي انكتب في غياب الأنا الباذخة.
مثلما لا تهادن سونيا ٱثام المخيلة، فهي لا تخضع للفداحة الثاوية في ضمير الأنا الكاتبة، كما لا تسلس قياد قصيدها للتأويل الذي يمتطى صهوات سوء السمعة..!!
ليس لأنها شجاعة،
بل لأنها شاعرة،
ليس لأنها أنثى
بل لأنها ماكرة..!!
تأملوا معي، وانظروا كيف تتحول مساحيق التجميل إلى إعلان هدنة ملتبسة مع مرايا أوهام الرجل.
"لا يستطيع خيال الرجل
بلوغ معنى أن تنتقي امرأة
ألوانا في قوارير صغيرة،
لتطلي أظافرها بهدوء وخفة وفرح.
المانيكور،
وعدساته اللاصقة
وقطعه الدقيقة اللامعة،
مرايا عن تركيبة هذا الكائن
المتورّط في تشييد الجمال.
هل الأظافر
على أطراف أنامل مطلوقة أياديها،
كناية عن طيران فطري؟
لا تصدقوا أن عباس بن فرناس
أول من حاول الطيران،
كان فقط يقلّد أمه،
وهي تجفف لون أجنحتها"..!!
(8)
بين الحب والشعر، علاقة غائمة، شاتية، لا تهطل إلا على أرواح ملأى بزمهرير السرائر.
وسونيا طاعنة
في عمر
من وله الحب.
تأمره فينكتب في قصيدها، يستدعيها قبل أن تستحضره، تأمره فيطيعها. ليست هي من تسمي شواظه، بل هو الذي يسمي حرائقه، ويضعها في أتونه.
الحب أوسع
من القصيدة،
والقصيدة انقلاب
في نظام الحب..!!
هذا ما أستنتجه، حين أتعاطاها، شعرا وشعرا، ولا نثر هناك سوى ما فاض من يراعها الذي يبصر ما لا نبصر.
(9)
عينان مغمضتان،
لسان يلهج بالهمس،
ملامح مسترسلة في الضوء،
وقصيد يزهو بشغب دواله.
هكذا تتبدى سونيا وهي في حضرة الترتيل الشعري، أمام عشاق حجوا إلى بلاغتها، ليرتاحوا من وعثاء الذاكرة، وكي يعثروا فيها على ما يفتقدونه.
قراءة النص
كتابة ثانية له.
هذا ما أقوله، حين أسمعها، وبهذا تتورط سونيا أعمق في كتابة تشبهنا وتختلف عنها.
(10)
ويتحرش بي ما لم أتوقعه، ويسكنني سؤال:
وها أنا أعود
ولا أصل إلي،
فهل يثوي شعرها في..؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق