السبت، 5 سبتمبر 2020

محمد سالمان

من دفتر الذكريات
 " مفيش فايدة "

فى عام نهاية عام 2002 تلقيت دعوة من اللجنة الشعبية للثقافة والاعلام ( وزارة الثقافة ) الليبية  ، للمشاركة فى مؤتمر شعبى والمنعقد بالتعاون مع اللجنة الشعبية العامة ( مجلس النواب ) ، يعقد المؤتمر فى تمام الساعة الرابعة عصرا بالمدينة الرياضية امام استاد 11 يونيو الرياضى  ( يقول عنه الليبيون ان المنتخب الليبى لم يهزم عليه قط )  ، فى تلك الآونة كانت هناك أزمة سياسية ،وإنسانية كبرى ، يتلهف العالم لسماع أخبارها ،وهى احتجاز الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات وتحديد اقامته ومنع دخول الأدوية الخاصة إليه،  الأمر الذى خرجت فيه الشعوب العربية والاجنبية تندد بهذا الفعل اللانسانى ازاء رجل مسن كبير ينهش المرض جسده ، ويفت الألم عظامه ، فضلا عن كونه رئيسا لدولة !!
كنت فى هذه الفترة انا وصديقى المرحوم نجيب الهوش نعد اغنية بهذا الخصوص وللاسف لم يكتب لها الاكتمال،  فقد توقفنا عن استكمال البروفات .
ذهبت إلى المؤتمر فى الموعد المحدد،  فالمسافة بين مسكنى بجنزور ،وبين المدينة الرياضية لا تزيد عن سبعة كيلومترات ، اى خمس دقائق بالسيارة ، اصطحبنى أحد المنظمين من البوابة الرئيسية للمدينة إلى المسرح الكبير  على  يسار البوابة ، وأجلسنى فى مقعد مخصص فى نهاية الصف الأول للمسرح ،  شربت( طاسة ) من ( الشاهى) الأحمر ، وبعد ثلث ساعة تقريبا بدأت وقائع المؤتمر، لا أعرف من الموجودين غير واحد فقط ،وكان مشغولا بالاستقبال و التنظيم ،  الأمر الذى جعل نظرات الحاضرين إلى نظرات ارتياب،  من الذى جاء بهذا المصرى إلى هنا ؟ ومن أجلسه فى الصف الأول؟ ومن يكون ؟ والتزامى بالصمت وعدم التحدث مع المجاورين لى بالكرسي جعل من الشك والارتياب اكثر،  و أحاطنى بغلالة من الغموض .
وبدأت الكلمات من هذا وذلك ، كلها تصب فى اتجاه واحد ، حول ضرورة إيجاد حل لما يعانى منه الرئيس عرفات ، ودارت الرؤى المختلفة حول هذا الحل ، فمنهم من طالب بضرورة إرسال طائرة إلى عسكرية إلى اسرائيل وارغام دول الطوق لمواجهة الموقف، فقوبل هذا بالرفض،  لأن مصر قد لا تسمح ،ومن ثم تسقط الطائرة ويصبح الخلاف مصرى / ليبى .... إلى أخر تلك الرؤى المختلفة ، جاء دورى،  وصعدت على المسرح ،وألقيت قصيدتى ،و التى قوبلت بتصفيق حاد، ومعانقة من بعض الحاضرين.
بعد دقائق دخل لساحة المسرح مجموعة من الرجال الغاضبة،   شق صوتهم الغاضب لحظات الصمت بالمسرح ،و رأيت فيهم الشاعر الصديق السورى  " حسنى " ، والذى يكنى بأبى اسد ، وكان سمينا إلى حد ما ،و صاحب صوت جهورى  ، ابتهجت لما رايته ، أخيرا رأيت احدا أعرفه، سأتحدث إليه فى جلسة الاستراحة بدلا من الوحدة،  أشرت إليه،  فجاء معانقا،  وسألته لماذا هذا الغضب،  فقال : نحن اعتصمنا منذ أيام أمام مقر الأمم المتحدة فى طرابلس،  وأقمنا خيمة للمبيت بها ، تركنا أولادنا نساءنا ،ونمنا بالشارع،  والآن صاحب الخيمة يريد أجرة الخيمة ، ولكن الاخوة فى اللجنة الشعبية( المنظمة لهذا الاعتصام ) لا تريد دفع أجرة الخيمة،  هم يجلسون فى بيوتهم،  يشربون الشاهى والماء البارد ، ونحن بالشارع ولا يريدون دفع ثمن تلك الخيمة،  الأمر الذى جاء بنا إلى هنا ونحن غاضبون لإيجاد حل أو فض هذا الاعتصام ، ونذهب لبيوتنا !!
نظرت إلى أبى اسد وقلت : اخى ! والله انها ليست خيمة، انما هى خيبة ، ندفع الملايين من أجل قناع الوجه،  بينما القلب يعانى من كل الاوجاع و الامراض ، نزين واجهات البيوت ولكنها بالداخل خربة  ، فعلا  " مفيش فايدة  " ، نؤذّن فى مالطة  !!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق